تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

الى الأعلى:على مساقط الجنّة

قيس قاسم

اكثر من فيلم متحرك

أبعد كثيراً من فيلم متحرك «الى الأعلى»، انه فيلم جديد يأخذ الاطفال الى مساقط الجنة في مغامرة مثيرة، من دون حوارات تقريباً، في سياق هادئ وعميق وأسلوب مبهر. ماذا عنه؟

«الى الأعلى» فيلم حركة مختلف. أهم ميزاته انه يخلط الجد بالهزل بطريقة فنية مذهلة، ويدخل لأجل هذا متغيرا جديدا في مسار أفلام الحركة، يتمثل في تغير طبيعة شخصياته وبنائها. أبطاله أكثر واقعية: يتألمون ويخسرون ويموتون مثلنا. انه عنصر جديد، يفرض شروطه على مضمون الحكاية ومن بعد على شكلها الذي يعبر عنها؛ عنصر قد يقربها من الدراما السينمائية ولكن طبيعة متلقيها، الطفل، يبعدها عنها. فالأطفال، كما صار واضحا، يقبلون على الصورة بانفتاح أوسع من الكبار، مما يشجع مبدعي هذا الفن على البحث عن أشكال جديدة وتقنيات ربما تتجاوز، أحيانا، حدود خيالهم. شركة «بيكسار» ماضية في طريق تثوير هذا النوع من الأفلام، كما لمسنا في شريط الحركة «Wall –E»، الذي جسد كائنات آلية، استطاعت التعبير عن مشاعرها بحرية كاملة من دون حوارات مطولة، أو من دون حوارات تقريبا، مستعينة بالتقنيات الحديثة وبحماستها العالية للتغيير، وشريطها الأخير «الى أعلى» مثال على هذا التغيير.

«الى الأعلى» تعود الى الماضي حين كان كارل فريدريكسن طفلا في الثامنة من عمره، يراقب، بعينين مفتوحتين، داخل صالة سينما مغامرات تشالز مونتز، في أميركا الجنوبية. كان يحلم هو الآخر، بأن يصبح مستكشفا ومغامرا مثله، وكانت الطفلة أيلي تقاسمه الحلم نفسه واعدا نفسيهما بالوصول الى «المساقط المفقودة» أو مساقط الجنة كما سيسميانها، بعدما سمعا بهذا الاسم من المغامر مونتز. ومع مضي سنين على زواجهما، لم يتحقق حلمهما، فاكتفيا بحضوره الجميل وباللوحة الخيالية التي رسمتها أيلي لمنزلهما المشاد على حافة «مساقط الجنة». لكن وبعد موتها، لم يبق لكارل سوى ذكراها الجميلة التي كانت تملأ عليه ساعات وحدته وتصبره على عيش سنوات تقاعده الرتيبة. لقد طغى على الدقائق التمهيدية الخمس من الشريط، الشعور بالحزن ومرارة الفراق، ووصل بدوره الى المشاهد بقوة ووضوح، وهذا ما لم يألفه الصغار في بقية أفلام الحركة التي شاهدوها من قبل. فالموت والوحدة وخسارة الحلم موضوعات تعمد المخرج (بيت دوكتير) طرحها بقوة في شريطه، الى جانب حرصه الواضح على نقد المظاهر الاجتماعية والاقتصادية في حياتنا المعاصرة، وبالتحديد المظاهر الرأسمالية التي عبرت عنها رغبة صاحب مشروع سكني جديدة في إخلاء المنازل المقامة على الأرض التي يريد تشييده فوقها، ومن بينها منزل العجوز كارل فريدريكسن، الذي لم يبق له من الدنيا سواه.

راسيل والعجوز

ظهور الطفل راسيل سيغير الكثير من حياة العجوز، وسيعطي الفيلم بعدا جديدا. ذلك ان راسيل كان يعاني من الوحدة، وأراد تبديدها بالعمل الكشفي والعثور على أي عجوز يحتاج الى مساعدة. وفكرة مساعدة عجوز ما أقنعه بها والده، وأكد له فيها انه سيحصل على الوسام الذي ينقص مجموعة الأوسمة المعلقة على قميصه. لقد أرادها الأب وسيلة للتخلص من إلحاحه. والحقيقة ان راسيل لم يطلب أكثر مما يطلبه بقية الأطفال من آبائهم. كان يريد مشاركته حياته واللعب معه وحضور المناسبات المهمة في المدرسة. لكن الأب كان منشغلا بعمله وأسفاره. ولهذا بدا الطفل السمين وحيدا وشبه يتيم. العزلة والكآبة هنا تصيبان الكبار والصغار. وحاجة العجوز والطفل الى بعضهما البعض اتضحت منذ لقائهما الأول. كما أن الشريط، ومنذ ظهور راسيل المفاجئ، راح يشق طريقا أسلوبيا مدهشا، فيه المغامرة وافرة والموضوعات الجدية أكثر تجليا. فالعجوز ومن خلال رفضه ترك بيته، سيتوصل الى طريقة بارعة للتخلص من ضغط أصحاب شركة البناء، تتمثل بقيامه ربط آلاف البالونات الملونة بسطح منزله، لترفعه الى السماء ومعه الطفل راسيل. لقد تحول البيت والبالونات الى ما يشبه منطادا هوائيا يطير ويطير الى الأعلى بعيدا عن الأرض التي أقيم فوقها سنيناً وسنيناً. وفي ما يشبه الحلم سيصل البيت الى هناك، الى «مساقط الجنة»، التي طالما حلم وأيلي بها. لقد وصل أخيرا بصحبة راسيل كبديل عنها. لقد عوض العجوز راسيل غياب الأب، والأخير عوض أيلي. فكرة التعويض ليست جديدة، لكنها هنا، تأتي في سياق هادئ وجميل، ومنسوج بدقة مع أحداثه. ففي أرض الحلم، سيلتقيان بطائر عملاق، شبه خرافي، ظل المغامر مونتز يطارده ليبرهن، من خلال نقله الى أوروبا، قدرته كمغامر وكرجل أعمال يحصل على ما يبتغيه، حتى لو جاء على حساب طائر، أو أبعد من ذلك على حساب البيئة وتوازنها وتخريب الحياة في أميركا الجنوبية. لم يخطر في بالهما مقابلة المغامر في تلك المنطقة المجهولة من العالم وقد أقام فيها مملكة من الكلاب الشرسة مهمتها مطاردة الطائر المسكين. بعد اكتشافهما جشاعته وطمعه، وصراعهما المكشوف معه، ينقل الشريط فكرة الخير والشر المألوفة في مثل هذة الأفلام، بطريقة حاذقة لينتقد عبرها بعض مظاهر الاستعمار الغربي وطمع قادته في السيطرة على ثروات العالم، بوصفهم بشرا متحضرين لهم الحق في امتلاك تلك «الجنان» التي تعيش بعيدا عن الحضارة والمعرفة كما يزعمون.
 في نقده لهذه الظواهر يوسع الشريط من مادته، فيذهب الى أبعد من حدوده المألوفة كشريط للأطفال. فهو معني بظواهر تخص البشرية كلها. بعضها يتصل بمفهوم الحضارة والآخر بالإخلال البيئي الذي يهدد كرتنا الأرضية، الى جانب تلمسه المصائر الفردية وعلاقتها بمنظومة القيم الاجتماعية السائدة. ومثلما ذهب «الى الأعلى» بعيدا، نذهب مثله، فنتوقع له الفوز بجائزة أفضل فيلم متحرك للأوسكار، وربما أفضل فيلم لهذا العام، ودونهما سيبقى الفيلم حاضرا في أذهان مشاهديه طويلا كما ألمح مخرجه بيت دوكتير حين قال: «فيلم الحركة الجيد يعيش الى الأبد». وقال موضحا: هذا التعبير يعود الى زميلي المنتج في شركة «بيكسار» ستيف جوبز الذي قال لي في إحدى المرات وهو يشير الى أجهزة الكترونية كان يشتغل عليها: قد تدوم هذه الحواسيب في العمل أربعة أو خمسة أعوام، أما الأفلام الجيدة، إذا كانت جيدة حقا، فإنها تعيش الى الأبد.

جدران بابل

حصد مشروع «جدران بابل» خمس جوائز في مهرجان سان سبيستيان السينمائي. وتوزعت الجوائز بين مساعدات مالية لتغطية بعض الجوانب الفنية للمشروع، كالترجمة الى لغات عالمية وغيرها، وجوائز تقديرية.
ويشارك فيلم سعد جاسم «جدران» ضمن فئة الأفلام الوثائقية القصيرة في مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي في أبو ظبي.

الأسبوعية العراقية في

22/10/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)