على مدى تاريخها الطويل لم تقدم السينما المصرية سوى عدد قليل جدا من
الأفلام التى تناقش قضايا المعاقين، ولعل أشهر من قدم تلك الأعمال هى
الفنانة الكبيرة سميرة أحمد، إلا أن عزوف صناع السينما عن تقديم تلك
النوعية من الأفلام كان الدافع الرئيسى للزميل الصحفى حسام عبدالهادى
وجمعية صوت المعاقين ذهنيا للتفكير فى إقامة مهرجان سينما المعاق الأول
لتشجيع صناع السينما على الاهتمام بقضايا المعاقين وطرحها فى أفلام
سينمائية عن أهم ملامح المهرجان ورأى بعض الفنانين كان هذا التحقيق.
فى البداية يقول الكاتب الصحفى حسام عبدالهادى رئيس مهرجان سينما الإعاقة
الأول: على مدى تاريخ السينما المصرية الذى تجاوز المائة عام لم يقدم
السينمائيون سوى عدد قليل من الأفلام التى تهتم بمشاكل المعاقين «الخرساء»
لسميرة أحمد مبروك وبلبل بطولة يحيى الفخرانى، قاهر الزمن لمحمود ياسين،
ديك البرابر لنبيلة عبيد، المخبول ورغم أن المعاقين يمثلون فئة كبيرة فى
المجتمع فإن القائمين على صناعة السينما لم يهتموا بتقديم أفلام كافية عنهم
وعن معاناتهم ومشاكلهم بينما نجد عشرات الأفلام عن تجار المخدرات ورجال
الأعمال الفاسدين، وللأسف حجة صناع السينما فى الابتعاد والعزوف عن تقديم
أفلام عن المعاقين أن تلك الأفلام ليست جماهيرية ولن تحقق أرباحا فى شباك
التذاكر فى حين أننى أتصور أن هذه الأفلام لو ضعت بشكل متقن ستحقق نجاحا
جماهيريا تجاريا، وأيضا نجاحا أدبيا، فمثلا فيلم «مبروك وبلبل» ليحيى
الفخرانى مازال عالقا بأذهان الناس وقد نجح يحيى فى تقديم المعاق ذهنيا
بصورة رائعة، وأيضا فيلم «توت توت» قدمت فيه نبيلة عبيد شخصية المعاقة
ذهنيا ونجح الفيلم، ونحن حينما فكرنا فى عمل مهرجان لسينما الإعاقة أردنا
بهذا أن نشجع صناع السينما على الاهتمام بتقديم أفلامعن المعاقين كما أردنا
أن نقدم التحية لمن صنعوا أفلاما جيدة عن المعاقين، ونحن نستعد للدورة
الأولى للمهرجان فى شهر مارس المقبل، وسنبدأ بالجهود الذاتية وأيضا جمعية
صوت المعاق ذهنيا برئاسة دكتور أحمد جويلى تتبنى المهرجان لأن فكرة
المهرجان جاءت من خلال المناقشات مع أعضاء الجمعية وقد رحبوا بها جدا،
ونتمنى أن كل أجهزة الدولة تتبنى المهرجان وترعاه، والمهرجان سيتكون من
ثلاثة أقسام الأول عبارة عن بانوراما تقدم فيه الأفلام الروائية الطويلة
التى تناولت شخصية المعاق، والقسم الثانى قسم الأفلام الروائية القصيرة،
والقسم الثالث قسم الأفلام التسجيلية التى تناولت قضايا المعاق.
بينما يقول الفنان خالد أبوالنجا: لا أحب أن أقول مهرجان سينما المعاق بل
أفضل كلمة ذوى الاحتياجات الخاصة، وأنا سعيد جدا بإقامة مهرجان للأفلام
التى تتناول حياة ذوى الاحتياجات الخاصة لأنهم يمثلون شريحة مهمة من
المجتمع ولابد من إلقاء الضوء على قضاياهم ومشكلاتهم عن طريق تقديم أفلام
عنهم، وأنا شخصيا يسعدنى أن أشارك فى أفلام من تلك النوعية، أو يشارك معى
فنان من ذوى الاحتياجات الخاصة فى أى عمل من أعمالى، ولقد شارك مع الفنانة
ليلى علوى فى مسلسل «حكايات وبنعيشها» طفل من ذوى الاحتياجات الخاصة وكان
ناجحا فى تقديم دوره، وهذا حدث مع الفنان محمود عبدالعزيز فى فيلم «الساحر»
ولابد أن يكون لدينا وعى عام فى المجتمع بحقوق ذوى الاحتياجات الخاصة.
يقول السيناريست محمد الغيطي: هذا المهرجان مهم جدا لأننا قليلا ما نهتم
بتقديم أو رصد الأفلام عن المعاقين، فالأعمال السينمائية التى تناولت قضايا
المعاقين قليلة جدا، وأيضا الدراما التليفزيونية مقصرة جدا فى هذا الجانب،
رغم أهميته، فنحن لدينا أعداد كبيرة من المعاقين بجميع أشكال الإعاقة فى
المجتمع، فمثلا مرض التوحد يعانى منه نحو من 2 ـ 3 ملايين طفل فى مصر، وهو
مرض رهيب يعذب كل أسرة الطفل، وأنا مهتم بهذه المشكلة لأننى لسمتها عن قرب
فى أحد أبناء أصدقائى، وأنا أكتب حاليا عمل عن هذه المشكلة، وفى المؤتمر
الدولى للأطفال المعاقين الذى عقد العام الماضى بقاعة المؤتمرات ألقيت كلمة
عن ضرورة تسليط الضوء من جانب صناع الدراما على مشاكل الأطفال المعاقين،
وأرى أن من أسباب قلة الأعمال التى تقدم عن المعاقين إما عدم اهتمام كتاب
الدراما أو عدم ترحيب الفنانين بتقديم تلك النوعية من الأعمال، رغم أن
الجمهور حينما يقدم له عمل عن قضية إنسانية مثل قضايا المعاق يتعاطف معها
ويتابعها باهتمام.
الفنانة عفاف شعيب تقول: أنا عضوة فى جمعية صوت المعاق ذهنيا برئاسة
الدكتور أحمد الجويلى والتى ترعى مهرجان سينما المعاق الأول، وأنا سعيدة
جدا بإقامة هذا المهرجان، لأن المعاق شخص لا حول له ولا قوة ربنا سبحانه
وتعالى خلقه بهذه الحال فهو لا ذنب له فى كونه معاقا، ويحتاج منا أن نهتم
به وبمشاكله، وأرى أن المعاقين خاصة الأطفال منهم لديهم مواهب فنية متعددة
مثل الغناء والرقص وغيرهما، وأتمنى أن كل من يستطيع معاونة تلك الفئة عليه
أن يتقدم لمساعدتهم، وأرى أن السينما وأهلها مقصرون فى تناولهم مشكلات
المعاقين أو قضاياهم، وأتمنى من صناع السينما المزيد من الاهتمام بتلك
الشريحة المهمة فى المجتمع وتقديم أعمال فنية عنهم من خلال دراسة مشاكلهم
بشكل دقيق وتقديمهم فى صورة حقيقية وصادقة، حتى تكون الأعمال التى تقدم عن
المعاقين صادقة وليست أعمالا «عبيطة»، فبعض الأعمال التى قدمت المعاق للأسف
لم تكن على المستوى المطلوب.
العربي المصرية في
20/10/2009
البرقوقى بطل «الطريق إلى إيلات» كرمته
الدولة ونسيته «كفرالشيخ»
يوسف المصري
الطريق إلى إيلات فيلم سينمائى وعمل عظيم لملحمة بطولية للجندية المصرية
بصفة عامة والبحرية المصرية بصفة خاصة والذى تتجلى فيه روح البطولة
والتضحية والفداء وهو يحكى عن قصة مجموعة من الضفادع البشرية أحد أبطال هذه
الملحمة ابن كفرالشيخ البطل الرقيب محمد فوزى البرقوقى من مواليد قرية جناح
مركز دسوق 1941 واستشهد فى 16 نوفمبر 1969 عن عمر 28 عاماً، حصل البرقوقى
على الثانوية العامة أثناء تطوعه بالقوات المسلحة كما حصل على ليسانس
الأداب من جامعة الإسكندرية عام 1965 أثناء وجوده بالقوات المسلحة ولم
يتزوج وقد عرف عنه القوة والشجاعة بين أصدقائه بالقرية وهذه الصفات التى
جعلته يقبل على التطوع فى صفوف القوات المسلحة ليكون رجلاً من رجالها
وبطلاً من أبطالها.. وقد جسد دور البرقوقى البطل فى فيلم الطريق إلى إيلات
الفنان الراحل عبدالله محمود وهو الشهيد الوحيد فى هذه الملحمة.
ذهبت جريدة «العربي» إلى منزل البطل الشهيد بقرية منية جناح بدسوق التى
شهدت طفولته ورجولته حتى عاد إليها بطلاً شهيداً ونموذجاً مشرفاً لأبناء
هذه القرية الذى أصبح بالنسبة لهم القدوة والمثل الأعلي.. وقد التقينا مع
شقيق الشهيد ويدعى محمد مختار البرقوقى الذى روى لنا قصة طفولته وشبابه
يقول شقيق الشهيد: إن أخيه البطل كان معه يوم 14 نوفمبر 1969 بالقاهرة وطلب
منه الدعاء له وقال له فيه مهمة لو ربنا وفقنا ونجحنا فيها سيكون لنا شأن
عظيم ولما سألته عن تلك المهمة رفض التفاصيل ولما سألته متى سيسافر ومتى
يعود قال لا أعرف.. ثم ودعته وانصرف.. وأضاف شقيق البطل أنا لم أعرف يوم
وفاته واستشهاده حيث كنت يومها فى السينما وعندما عدت إلى منزلى بالقاهرة
شاهدت ضابطاً وجندياً.. سألتهما عن سبب حضورهما فأخبرانى باستشهاد أخى ثم
سألت الضابط عن عملية الترتيب والإجراءات فأخبرنى بأنه سيذهب إلى قريتنا
بدسوق لمقابلة والدى وأن الجثة ستصل إلى المنزل فى الساعة الثانية صباحاً
وبالفعل توجهنا إلى قريتنا بدسوق الساعة الرابعة فجراً.. وطرقنا الباب حيث
فتح والدى الباب وعندما رآنا اندهش وسأل عن سبب الزيارة خلال هذه الفترة
المتأخرة من الليل إلا أن الضابط فاجأه بقوله أنت رجل قوى وعظيم وابنك بطل
وشهيد ولكن الخبر نزل على والدى كالصاعقة حيث كان يحبه حباً عظيماً ويرى
فيه شبابه.
ثم دفن شقيقى بمقابر العائلة بقريتنا فى جنازة عسكرية ولم يستطع والدى
المشاركة فى الجنازة.. تلقينا العزاء وبعدها اتصلت القوات البحرية بنا
لاستلام نوط الواجب من الدرجة الأولى وتسلمناها.
ورغم كل ما حدث لم نعرف كيف استشهد أخى وفى أى عملية وكانت أسئلة كثيرة
تتردد فى قريتنا عن سبب استشهاده وكيف كانت حتى ظهر فيلم «الطريق إلى إيلات»
وذكر اسم وصورة شقيقى على شاشة التليفزيون فى الفيلم وعندها علمنا وعرفنا
وأهل القرية أن أخى كان أحد أبطال هذه الملحمة ولكنه كان الشهيد الوحيد فى
هذه العملية الفدائية.
حيث كانت وزارة الإعلام قد نظمت حفلاً كبيراً بمدينة نصر ودعتنا لحضور عرض
الفيلم لأول مرة وسط حشد جماهيرى كبير على رأسه صفوت الشريف والمشير حسين
طنطاوى وممدوح الليثى تسملت خلال هذا الحفل درع وزارة الإعلام كان الموقف
صعباً لأننى شاهدت بعض زملاء شقيقى الذين كانوا لا يزالون أحياء ومنهم
اللواء نبيل عبدالوهاب الذى كان وقت العملية ملازماً أول وكان معه ثلاث
مجموعات حيث أكد لى أن شقيقى افتداه وقام بوضع اللغم فى المدمرة إيلات وعند
العودة إلى نقطة الالتقاء طلب الشهيد التأكيد على شيء فى اللغم فعاد إليه
مرة أخرى مما جعله يتأخر عن زملائه وكان معه الملازم أول نبيل عبدالوهاب
يذكر أن اللواء بحرى محمود فهمى قائد القوات البحرية ووزير النقل البحرى
السابق قد ذكر فى كتابه «صفحة من التاريخ» الشهيد البرقوقى فى جزء كبير من
كتابه بعنوان «واستشهد البرقوقي» وقال فيه إن المجموعة الثالثة كانت تتكون
من ملازم أول نبيل عبدالوهاب والرقيب فوزى البرقوقى بدأ الغطس على مسافة
150 متراً من الهدف حتى وصل أسفله وثبت اللغم الأول أمام مكان دخول عمود
الرفاس إلى البدال بنحو 3 أمتار ثم عادوا للتأكيد فتأخروا فقام اليهود
بإلقاء الرصاص فى المياه لإصابة من داخل المياه أو خروجه لإلقاء القبض عليه
وأثناء ذلك تبين للملازم أول نبيل أن الرقيب البرقوقى قد استشهد وهما على
بعد بضعة أمتار من السفينة الإسرائيلية إيلات التى قمنا بتلغيمها داخل
ميناء إيلات.
ولكن الضابط الشجاع نبيل عبدالوهاب قرر أن يعود بزميله إلى أرض الوطن ولا
يتركه للأعداء حتى وإن كان ميتاً وجثة هامدة رغم الصعوبات والمشكلات التى
عانى منها أثناء العودة بزميله حيث نسى القارب المطاط الذى كان فى
انتظارهما فى الموعد المحدد ونسى كل شيء إلا شيئاً واحداً وهو أن يعود
بزميله الشهيد إلى وطنه وبالفعل حمل الشهيد بين يديه حتى وصل به إلى شاطئ
الأردن وسلم الجثة التى انتقلت إلى القاهرة وتم دفنها فى قريته. وقد أكد
شقيق الشهيد البرقوقى أن اللواء نبيل عبدالوهاب ما زال يذكر شقيقى لأنه كان
مرتبطاً به كثيراً ومازالت دموعه تذرف عندما يتذكره ولكن بعد عرض الفيلم
أصبح الأمر معروفاً للجميع فكان أقاربه وأصدقاؤه فخورين به وتم تكريمه من
الرئيس الراحل جمال عبدالناصر رئيس الجمهورية فمنحه نوط الجمهورية العسكرية
من الطبقة الأولى تقديراً لما قام به من عمل بطولى فى سبيل الوطن.
ويتذكر شقيقى الشهيد بعض ما كان يفعله فيقول يوجد هنا فى المنزل نخلة بلح
كان شقيقى الشهيد دائم الصعود عليها ليحضر لنا البلح منها ونحن نحتفظ بها
حباً فيه وتباركاً منه وقد ذهبت جريدة «العربي» لزيارة قبر الشهيد بقريته
منية جناج مركز دسوق وقرأت له ولإخوانه الشهداء الفاتحة والدعاء لهم ووجدنا
قد كتب على قبر الشهيد «قبر الشهيد البطل محمد فوزى البرقوقى بطل عملية
الضفادع البشرية لتدمير ميناء إيلات 1969.
وقد طالب شقيق الشهيد بإطلاق اسم الشهيد على أحد الشوارع الرئيسية بالقرية
أو بمدينة دسوق أو إحدى المدارس بالقرية.
العربي المصرية في
20/10/2009 |