تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

أورسن ويلز مستعاداً في فيلم وعرض إذاعي

السينمائي الذي يدين له الجميع

ريما المسمار

قبل نيف وسبعين عاماً، اثار أورسن ويلز الرعب في نفوس معظم الشعب الأميركي. لم يكن قد أظهر حينها مواهبه السينمائية ولكن ما قام به ليلة عيد البربارة ذاك كان دليلاً قاطعاً على موهبة منقطعة النظير، تضرب جذورها في المسرح والتمثيل والابداع عموماً. من خلال برنامجه الإذاعي "مسرح ميركوري على الهواء" Mercury Theater on the Air، الذي اشرف عليه صحبة جون هاوسمن، أعد حلقة في عنوان "حرب العوالم" War of the Worlds. والأخير مقتبس من عنوان رواية لمؤلف الخيال العلمي المعاصر هـ.ج. ويلس، حولها هاورد كوتش الى نص إذاعي، ناقلاً أحداثها، بإيعاز من ويلز، من انكلترا الفيكتورية الى انكلترا العام 1938. في بداية الحلقة، أعلن ويلز (23 عاماً) ان البرنامج مقتبس من الرواية المذكورة ولكن أحداً لم يعد يتذكر ذلك بعد دقائق. بدأت الإثارة عندما قطع البث خبر (زائف) عن رؤية بروفيسور من مرصد في شيكاغو لانفجار على كوكب المريخ. وبعد عودة قصيرة للفاصل الموسيقي، أعلن خبر جديد عن وقوع مذنب في مزرعة في نيوجيرسي. وقع الخبر كالصاعقة على المستمعين ولم يتسنَ لأحد ان ينتبه الى احتمال ان يكون جزءاً من العرض الإذاعي. تفاعل الخبر في أنحاء البلاد. فمن الناس من خرج الى الشوارع صارخاً ومنهم من هاتف أقاربه في الخارج والبعض في الساحل الشرقي اتجه نحو البحر معتقداً ان القيامة باتت قريبة. حتى أجهزة الشرطة استنفرت لدى سماعها الاخبار. في اليوم التالي وبعد ان تأكد الجميع من ان الحدث لم يكن سوى عرض إذاعي، تفاوتت ردود الفعل بين اعجاب بقدرات ويلز وبين سخط على تصرفه غير المسؤول الذي شل الناس.

في السابع عشر من تشرين الاول /أكتوبر الجاري، تستعيد فرقة "آر جي برودكشنز" تلك الأمسية من خلال تقديمها في مسرحية اذاعية في مركز كينوشا التاريخي، مع الاشارة الى ان ويلز ولد في كينوشا وعاش فيها الى ان اتم سنواته الست.

على صعيد آخر، يبدأ بعض الصالات الأميركية الشهر المقبل عرض فيلم ريتشارد لينكلايتر الجديد "أنا وأورسن ويلز" Me and Orson Welles الذي يتناول فيه مرحلة من بدايات السينمائي عندما كان يحضر لاقتباس مسرحي لسكشبير "يوليوس قيصر" في العام 1937. يتخيل لينكلايتر في فيلمه لقاء بين ويلز ومراهق يعشق المسرح فيتطوع للعمل معه.

خلف العملين، تلوح شخصية رجل "أكبر من الحياة" وفناناً لايزال حتى يومنا هذا مرجعاً سينمائياً يحتذى. ولكن لمسيرة ويلز خصوصية تتبلور اليوم أكثر من اي وقت مضى في عصر يبدو فيه الخيار السينمائي عملية تحتاج الى حسم المواقف وقبول التحدي ودفع الاثمان الباهظة. لقد خاض ويلز منذ أوائل الأربعينات بعد رائعته "المواطن كاين" وحتى وفاته في العام 1985 معركة إثبات الوجود خارج المنظومة الانتاجية السائدة مدركاً ان العثور على أرضية وسطية بين طموحاته وطموحات المنتجين عملية مستحيلة من دون تنازلات. وهي النتيجة التي مازال عشرات المخرجين يبذلون في سبيل ادراكها سنوات طويلة وآخرهم فرانسيس فورد كوبولا.

لكل هذا، تستحق مسيرة ويلز الملهمة استعادة وقراءة.

ساهمت علاقة أورسن ويلز بالصناعة السينمائية القائمة على محاربة السائد والتفلت من قيود التقليد في منحه صورة الرجل الواحد والفنان المتفرد، سيد الموقف الرامي بصفاته الشخصية على افلامه. كيف لا وهو لم يكن مخرجاً لأفلامه فحسب بل كاتب وممثل أيضاً في معظمها، لا يتوانى عن تأكيد السلطة الفردية في السينما: "المسرح تجربة جماعية، بينما السينما عمل رجل واحد، المخرج. صحيح ان السينما تحتاج إلى مساعدين ومسهمين في العمل، ولكنها في جوهرها ثمرة غابة في الخصوصية.. الفيلم هو ما تكتبه على الشاشة".

حمل هذا الكلام، وما زال، نقداً لنظام هوليوود الانتاجي أو ما يسمى نظام الاستديوات الانتاجية الناشئ حينذاك. ففي هوليوود الاربعينات تبلورت صناعة السينما الاميركية الضخمة التي أبى ويلز ان يخضع لسيطرتها، فكانت نظرته إزاء أهمية المخرج تغذي ايديولوجية صراع الفرد ومحاربته للأنظمة الاستهلاكية، والديكتاتورية بشكل ما، وتدخل في عدادها استديوات الانتاج بهمومها المادية البعيدة من هاجس الفن. ربما جملة ويلز الأخيرة (الفيلم هو ما نكتبه على الشاشة) حملت في جوهرها تلويحاً بسينما المؤلف، تلك السينما التي شبهها بالكتابة متحدياً تعريفات هوليوود السائدة وهرميتها حيث يتناوب فيها على السلطة المنتج أو المخرج، فيما مجال الكتابة منفصل لا يعد ذا أهمية. كان من شأن تحديات ويلز المستمرة لنظام صناعة الأفلام المهيمن ان تتمخض عنها أولى مؤشرات سينما المؤلف وكان من نتيجتها المتوقعة أن تختنق هذه الأخيرة في عالم هوليوود المادي النزعة، دافعة ويلز إلى التنقل من مكان إلى آخر ليحط الرحال حيث يجد فرصة للعمل، فتتنقل حياته المهنية بين أميركا وأوروبا التي اختار ويلز أحياناً ان ينفي نفسه إليها على اثر فشل جماهيري كان يواجهه.

[ مسيرة

ولد أورسن ويلز في ولاية ويسكونسن الأميركية عام 1915 في عائلة متوسطة الحال، ترعرع فيها بين أم تعشق الموسيقى وتمتهنها ووالد تستثيره أعمال السحر وتتكرّر محاولاته "لصنع طائرة". بلغ تأثير "بياتريس" والدة أورسن على طفلها ذروته في سني طفولته الأولى، حيث أدخلته الى عالمها الموسيقي بوصفها عازفة بيانو، فتآلف ابن الخامسة مع موسيقى رافيل وسترافنسكي، واصبح قارئاً شكسبيرياً منذ ذلك الوقت. جاءت وفاة والدته وهو لما يبلغ التاسعة لتبعده عن الأجواء تلك، فلم ينس آلة البيانو قط حتى مماته. غير ان هذه المرحلة كانت بالغة التأثير في شخصية ويلز في حياته العملية فيما بعد وقد بدأت بذورها تنضج منذ بلوغه العاشرة عندما اقتبس مسرحية Dr. Jekyl and Mr. Hyde" فأخرجها ولعب فيها دور البطولة، الأمر الذي دفع احدى الصحف آنذاك الى وصفه "بأبن العاشرة المهرج والممثل والشاعر".

يرجح باحثون ونقاد أن تكون تربية ويلز الأولية المنفتحة على الثقافة الموسيقية اي ثقافة الفن الجمالية بمعنى ما، العامل الأساسي في تكوين شخصية الفنان لديه بتعدديتها التي شملت مجالات فنية مختلفة منها الراديو والمسرح والرسم والتمثيل والكتابة والاخراج. وإذ لم يوفر ويلز مناسبة الا وشدد فيها على ان دخوله المجال الفني ومن ثم تنقله بين سائر الميادين انما جاء بمحض الصدفة أحياناً، فاننا نرى ان تفتيش ويلز المستمر عن التجديد وحبه للمغامرة كانا أعمق تعبير عن شخصية الفنان في داخله، غير المستكين إلى ما يمكله ويتنقه. على أي حال، لم يكن عالم والدته الوحيد الذي كون وعيه المبكر حيال الفن عموماً، اذ كان لوفاة والدته اثر كذلك تجلى في ناحيتين أولاهما أفلامه التي عكست صورة الأم أو الطفل المبعد عن أمه كما في Citizen Kane ومن ناحية أخرى، كانت نهاية حياته مع والدته بداية لحياة جديدة ظهر فيها تأثير أبيه. وفي مقابلة فريدة وغير معروفة لمجلة Tannens Magic أجريت معه قبل وفاته بسنتين ولعلها كانت آخر مقابلاته، يروي ويلز كيف عرّفه والده بالساحر الشهير هاري هوديني وكيف دّربه هذا الأخير على بعض أعمال السحر التي نجد في وصفه لها بداية خفية لتحوله الى المسرح فيما بعد: "أرى السحر فناً وشكلاً من أشكال المسرح". لم يكن حب ويلز للسحر، اذا ما درس في ضوء حياته المهنية اللاحقة، الا رغبة فطرية في القبض على انتباه المشاهد وأسره بواسطة أسلوب بصري خاص يحاكي رغبة ويلز في التجديد لحرصه على عدم "خدش ذاكرة المشاهد بصورة قديمة يعرفها" على ما جاء في حديثه للمجلة نفسه.

في ضوء ذلك تتحول أعمال أورسن ويلز الأولى في المسرح انعكاساً لأفكاره كأن يقوم مثلاً عام 1934 بإخراج مسرحية شكسبير "Macbeth" مع ممثلين كلهم من السود، أو ان يقدم سنة 1937 (السنة التي أسس فيها مع المخرج والمنتج جون هاومسن شركة للانتاج المسرحي (Mercuty Theater) مسرحية Julius Caesar وينقل أحداثها إلى ايطاليا الفاشية. في معنى ما، كان ويلز مخرجاً مجرباً لجهة ذهابه بالأشكال والأساليب الفنية السائدة إلى خارج الحدود المألوفة. ولم تكن تجربته في الراديو لتخرج على هذا الخط الذي رسمه لنفسه منذ البداية بل على العكس من هذا تماماً حيث وظف حميمية الراديو في خلق تأثير مباشر وانما غير مألوف.

كان ويلز في صميم مفهومه للفن واستحالة بقائه في صورة واحدة تقليدية يضع نفسه، من دون أن يدري، محط انظار أكثر الأنظمة تمسكاً بالتقاليد السينمائية السائدة. لقد شاهدت هوليوود ما صنعه ابن الثالثة والعشرين سنة 1938 عندما حول برنامجه الإذاعي حلقة رعب روى فيها ان مخلوقات غريبة هاجمت الأرض مستضيفاً في الاستديو شهود عيان اخترعهم. بالطبع لم يكن ويلز يعلم ان اميركا بأكملها ستصدق هذا الخبر وان الرعب سيجري في أوصال الناس، غير أن رغبة خفية تجمع بين جنونه وميله الى عرض "عضلاته" أحياناً دفعته إلى الرحيل بخياله فكانت من النتائج المترتبة على ذلك، دخوله عالم هوليوود من بابه العريض. فقد عرضت عليه شركة RKO الانتاجية مبلغ 225 ألف دولار مقابل توليه الكتابة والانتاج والإخراج والتمثيل في فيلمين، الى جانب استفادته من جزء من الأرباح. كان العرض يفوق تصور الجميع، اذ لم يسبق لهوليوود ان كانت بهذا السخاء ازاء مخرج غير مجرب، باستثناء ويلز الممتلئ ثقة بنفسه ورغبة في انجاز شيء مختلف.

واهتدى بالفعل الى الجديد والمختلف عندما أنجز رائعته الكلاسيكية Citizen Kane عام 1941 التي شكلت تجربته السينمائية الروائية الطويلة الأولى.

[ ويلز كين

ردد ويلز مراراً أن التحضيرات الوحيدة التي قام بها قبل اخراج Citizen Kane كانت مشاهدته فيلم Stagecoach (1939) لجون فورد أربعين مرة. تأثير فورد في الفيلم كان واضحاً غير ان الواضح أيضاً هو تأثر ويلز بالتقاليد السينمائية الأوروبية ولا سيما بالمدرسة التعبيرية الالمانية، ولا يخفى قول أحد النقاد أن "المواطن كين" قد يكون أفضل فيلم أميركي على الاطلاق ولكنه ايضاً أفضل فيلم الماني على الاطلاق". وإذا كان ويلز أخذ عن فورد الأسلوب الروائي الاختزالي، فان استعماله الاضاءة بوجهيها المعتم والمضاء من دون اللجوء الى التدرج بينهما يعيد إلى الذاكرة أعمال الألماني فريتز لانغ ولا سيما في The Last Laugh. وكذلك يظهر تأثره بالمدرسة الالمانية في حركة الكاميرا المنسابة بين الشخوص والتفاصيل تماماً كما كان يفعل الالماني مورناو. استمدت المدرسة التعبيرية قوتها من بؤس الواقع في المجتمع الالماني غداة الحرب العالمية الأولى. وكانت الاضاءة الداكنة ورسم الظلال وتنافر الأسود والأبيض في افلامها تعكس السمات المبكرة لتحول البلاد نحو النازية. وعلى عكس هيتشكوك. الذي استعمل عناصر المدرسة التعبيرية لغاية الاثارة والتشويق من دون استشفاف قسوة العالم، جاء عمل ويلز مفعماً بالاشارات المؤكدة على فساد العالم. " كين" بطل ويلز يظهر نتيجة الأوضاع السياسية وفي بعده الدرامي، يتحول الفيلم في جزء منه نقداًَ لشخصية "كين" المتعطشة الى السلطة والمنحدرة حتماً نحو الافلاس الاخلاقي. تمنح الخلفية الميلودرامية للأحداث بعداً تراجيدياً للشخصية الرئيسية، فيتحول كين بطلاً تراجيدياً متورطاً في تناقضات لا يمكنه السيطرة عليها.

يبقى الإنجاز الحقيقي الذي قدمه ويلز للفن السابع من خلال فيلمه متأصلاً في مهارة أسلوبه التقني البصري الذي تحدى من خلاله تقاليد الصورة في الشكل الذي أرستها فيه استديوات هوليوود. طبعاً لم تكن عبقرية ويلز الوحيدة المسؤولة عن هذا التجديد وانما وجود مدير تصوير الى جانبه منفتح على التجريب والتجديد. انه غريغ تولاند (1904 1948) الذي قام بتجارب منذ منتصف الثلاثينات على اظهار أبعاد المشهد بواسطة عدسة متطورة تسمح بالتقاط تفاصيل المشهد بوضوح جلي. غير ان روح تولاند التجريبية ما كانت لتجد مرتعها الواسع الا في ورشة عمل ويلز التي اقامها لانجاز أكثر الأفلام تجدداً وتحدياً للمفاهيم السائدة. كان اول ما قام به ويلز ضربه عرض الحائط قرارات الاستديو واللجوء الى الاضاءة الموزعة بشكل متساو في المشهد مما يظهر الأخير صورة مسطحة. لجأ ويلز، وبمساعدة تولاند، الى تقسيم المشهد الى طبقات عدة: المقدمة، الوسط والخلفية. واضاء كلاً منها بنسب مختلفة معتمداً على علاقة الشخصيات وداخليتها. لقد مكنه هذا الاسلوب من أخذ لقطات مطولة من دون اللجوء إلى القطع مرات عدة داخل المشهد الواحد محافظاً بذلك على درامية اللحظة. واللافت ان هذه التقنية لا تزال حتى اليوم غير مستحبة في الأفلام الأميركية الهوليوودية المعتمدة على القطع والوصل بايقاع سريع وعال بغض النظر عن طبيعة المشهد أو الشخصيات. استطاع ويلز من خلال هذه التقنية ان يتوصل إلى السمة الاختزالية التي يقوم عليها الفن السينمائي، ناقلاً في مشهد واحد من التفاصيل ما يستلزم أحياناً حوارات مطولة، استغنى عنها ويلز في تشكيله الدرامي للقطة. ثمة مشهد يتكرر الحديث عنه لما ضمنه ويلز من تكثيف للحدث الدرامي المتمحور حول خسارة كين لطفولته. في مقدمة اللقطة تظهر والدة كين توقع عقداً تستبدل من خلاله طفولة ولدها بثروه طائلة، فيما يشغل المساحة الوسطية من المشهد والد "كين" الضعيف الذي يظهر قلقه وعدم رضاه عن الصفقة بمشية عصبية يتأرجح فيها بين المقدمة والوسط. وفي خلفية الغرفة شباك بشكل "كادر" للقطة بعيدة خارج حدود الغرفة تظهر "كين" الطفل يلهو على الثلج غير عالم بما يجري، فيما يتم بيعه في المشهد نفسه. لم تكن انجازات ويلز لتقتصر على الشكل البصري الذي وظف فيه اللقطات الساحرة (Track , Pan) وزوايا الكاميرا المنخفضة واللقطات المطولة. فكل هذه اكتسبت معناها من تطابقها مع المضمون والتعبير عنه. فزاوية الكاميرا المنخفضة المعبرة عن نفوذ كين اصبح استعمالها ضئيلاً مع تقدم الأحداث وتضاؤل سلطة كين. فيما عبرت حركة الكاميرا العفوية وغير المتكلفة بين لقطة واخرى عن عبور ذاكرة الانسان بشكل عفوي بين الماضي والحاضر او الحاضر والماضي. واستطاع ان يوظف خبرته العملية في مجال الراديو في اعطاء الصوت في فيلمه حيزاً مهماً كان مقتصراً في باقي الأفلام على نقل الحوارات وبعض الموسيقى التي تسقط على المشهد خلال المونتاج. في "كين" اصبح الصوت وسيلة للانتقال من مشهد الى آخر ومن حقبة الى اخرى، كأن يبدأ مشهد بعيد ميلاد "كين" الطفل بجملة "كل عام وانت" وتستكمل في مشهد آخر وقد أصبح شاباً يافعاً.

على الرغم من اعجاب النقاد بالفيلم، واجه الأخير مشكلات في التوزيع والعرض ولا سيما بقيام حملة دعائية مدمرة قادها رجل الاعلام الشهير ويليام راندولف هيرست المشتبه بان حياته شكلت نقطة ارتكاز لاحداث الفيلم.

[ تجريبي

في سنة اطلاقه اعتبر Citizen Kane فيلماً تجريبياً بامتياز وسابقاً للفن السينمائي بعشرين عاماً على الأقل. اصبح تأثير الفيلم محسوساً على السينما العالمية عموماً ولا سيما بعد الحرب عندما شكل ارضية صلبة لنوع سينمائي كان في طور النشوء Film noir. وفي منتصف الخمسينات اعاد المنظر الفرنسي الشهير اندريه بازان اكتشاف الفيلم بما يتوافق مع نظريته حول نقل الصورة للواقع على نحو ما تراه عين الانسان. فوجد في فيلم ويلز نموذجاً جديداً للفيلم السينمائي الذي لا يقوم على المونتاج بل على اللقطة الطويلة. وباختصار اصبح "كين" اهم فيلم سينمائي ناطق وضع في مصاف "مدرعة بوتمكين" (ايرينشتاين 1935) و"ولادة أمة" (غريفيث 1914) من حيث احداث ثورة في الفن السينمائي".

[ ويلز بعد كين

كان اورسن ويلز في السادسة والثلاثين عندما أنجز "كين" وعلى عكس ما قد يعتقد البعض فان هذا كان آخر عهده بالشهرة والنفوذ اللذين وصل اليهما في سن مبكرة وخسرهما كذلك في مرحلة مبكرة. لقد اثار فشل "كين" الجماهيري حفيظة الاستديوات في هوليوود فلم تعد تؤمن بمنح ويلز الصلاحيات كما فعلت سابقا. وصل هذا القرار الى حد مدمر عندما قام الاستديو بقص فيلمه الثاني The Magnificent Ambersons (1942)بما ينسجم مع اهدافه وتطلعاته التجارية. وعلى الرغم من الخراب الذي الحق بالفيلم، يعتقد النقاد انه من التحف السينمائية غير المكتشفة، تماما كما هي حال كافة افلام ويلز التي جاءت بعد كين. بين 1942 و1944 انجز فيلمين احدهما (journey into fear) حقق فشلا جماهيريا فيما اوقف انتاج الثاني بطلب من شركة RKO. فكان هذا اخر عهد ويلز بها. عاد ويلز بعد هذه التجارب القاسية الى الاذاعة والمسرح ولعب عام 1943 دور "روتشستر" في "جاين آير" (روبرت ستبفنسن) اكسبه شهرة واسعة كممثل من الطراز الأول.

شهدت تلك المرحلة خلافات ويلز الحادة مع المنتجين في هوليوود ولم تكن العودة مجدداً الى هذا الوسط لتحصل من دون تنازلات. فكان ان انجز ويلز عام 1949 The stranger باسلوب هوليوود التقليدي واكتسب شهرة عالمية فقط ليستغلها في عمله الاتي The lady from shanghai (1947) الأبرز بعد "كين" مختبراً فيه اسلوب الـ Film noir ولعب بطولته الى جانب زوجته الثانية ريتا هايوارث. لم تكن علاقة ويلز بالمنتجين لتحتمل هذا الفشل الجماهيري ايضا، فكان ان صمم الاول على السفر الى أوروبا ولكنه قبل ذلك اخرج فيلما اخيرا عن مسرحية شكسبير Macbeth وكأنه اراد بذلك ان يختبر قدراته في المسرح والسينما ويقوّم المرحلة الجديدة من حياته بعد ان كان قد قدم هذه المسرحية في بداية حياته.

بانتقاله الى اوروبا، خسر ويلز الموارد التقنية والمادية الكبيرة واسترد حريته الابداعية فأخرج the trial في فرنسا عن رواية كافكا المنشورة عام 1925. قبلها، انجز عدداً من الافلام من بينها واحد في هوليوود " Touch of Evil" (لمسة الشيطان). غير ان The trial سجل عودة ويلز الى الحرية المطلقة في صناعة فنه للمرة الاولى منذ Citizen Kane. وعلى الرغم من الفشل الجماهيري الذي كان ويلز قد اعتاده، لم يتوقف عن العمل فكان ان انجز سنة 1966 تحفته السينمائية Chimes at midnight التي جمعت بين موضوعة الانحدار والخسارة التي تناولها في "كاين" والشوق الى الماضي فيAmbersons. ربما كان هذا آخر أعمال ويلز المكتملة، اذ تفرغ بعدها لمشاريع كبيرة لم تكتمل ابرزها اقتباسان معاصران لـ "دون كيشوت" و"الملك لير".

رحل اورسن ويلز يوم 10 تشرين الاول من العام 1985 وفي حين يصعب تحديد الأسباب وراء الفشل الذي منيت به اعماله بعد "كين" على الرغم من اهميتها، نستدرك مذهولين ان فيلما واحدا كان كافياً لاطلاق هذا الرجل مخترعا ومبدعا ومعلما بكلمات جان- لوك غودار: "كل سينمائي يدين له بكل شيء".

 

مهرجانات

السينما الجزائرية في مهرجان القاهرة

بعد الإعلان الاولي عن تكريمه السينما الجزائرية، أصدر مهرجان القاهرة السينمائي الدولي تفاصيل البرنامج الذي يعتزم تكريم المخرج أحمد راشدي أحد رموز السينما الجزائرية خلال نصف القرن المنصرم. لعب المخرج دوراً بارزاً في انطلاقة السينما الجزائرية بعد استقلال الجزائر عام 1962 من خلال الأفلام التي أخرجها وأنتجها والمسؤوليات التي تولاها في المؤسسة السينمائية الجزائرية". أخرج راشدي أكثر من 20 فيلما روائيا وتسجيليا من بينها: "فجر المعذبين" الذي استوحى اسمه من كتاب "المعذبون في الأرض" للكاتب الفرنسي فرانز فانون الذي مهد فيه للثورة الجزائرية مع شرح الأسباب النفسية التي تدفع الشعوب المستعمرة للعنف ضد مستعمريها؛ "علي في بلاد السراب" و"الطاحونة" و"مصطفى بن بولعيد". كما شارك في إنتاج الفيلم المصري "العصفور" ليوسف شاهين والفيلم العالمي "زد" Z للمخرج اليوناني الأميركي كوستا غافراس. الى ذلك التكريم، يعرض مهرجان القاهرة مجموعة من الافلام الجزائرية، أنتجت خلال السنوات الخمس الاخيرة وهي: "مصطفى بن بولعيد" لاحمد راشدي، "رحلة الى الجزائر" لعبد الكريم بهلول، "حراقة" لمرزاق علواش، "نهر لندن" لرشيد بوشارب، "زهر" لفاطمة الزهراء زعموم، "مسخرة" لالياس سالم، "ديليس بالوما" لنادر مكناش، "بركات" لجميلة صحراوي، "ظلال الليل" لناصر بختي، "الخبز الحافي" لرشيد بن حاج، "المنارة" لبلقاسم حجاج و"روما ولا انتوما" لطارق تقية. تنعقد الدورة الثالثة والثلاثون بين 10 و20 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.

لجان تحكيم مهرجان دمشق

أعلنت إدارة مهرجان دمشق السينمائي الدولي قائمة لجنة تحكيم أفلام الدورة السابعة عشرة التي تنطلق فعالياتها نهاية الشهر الجاري. وتضم لجنة تحكيم الفيلم الطويل المخرج الفرنسي ريجي فارنييه (رئيساً) والممثلة الهندية بوجا باترا والمخرج الكازاخستاني يداريزهان ميربايفين والمخرجة الكاريبية سارا مالدورور والممثل المصري حسين فهمي والمخرجة الألمانية هيلما سانديراس والسينمائي الكوبي توماس نازاريو بيارد غونزاليس والممثلة الإيطالية دانييلا جيوردانو والمخرجة الفلسطينية آن ـ ماري جاسر والمخرجة اللبنانية نادين لبكي والمخرج السوري حاتم علي والناقدة السورية ديانا جبور. وتضم لجنة تحكيم الأفلام القصيرة السينمائي السويسري مارتين جيرو (رئيساً) والمخرجة الألمانية بترا فيزنبيرغر والمخرج السوري موفق قات والكاتبة السورية ديانا فارس. فيما تضم لجنة تحكيم الفيلم العربي الكاتب والسيناريست السوري حسن م يوسف (رئيساً) والممثلة المصرية سمية الخشاب والمخرج اللبناني أسد فولادكار والممثلة المغربية ميساء المغربي. الى المسابقات، تضم الدورة الجديدة برامج كثيرة ابرزها:

أفلام المخرج الإيطالي فيديريكو فيلليني، أفلام النجم العالمي تشارلي شابلن، أفلام المخرج الأميركي سيدني بولاك، أفلام المخرج الألماني فريتز لانغ، أفلام المخرج البريطاني ستانلي كيوبريك، أفلام المخرج الروسي نيكيتا ميخالكوف، أفلام النجمة مارلين مونرو وغيرها.

مهرجان الاسماعيلية في الهواء الطلق

للمرة الأولى، قررت إدارة مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والروائية القصيرة الذي يفتتح الأسبوع المقبل تنظيم عروض للأفلام في المقاهي والمدارس والأندية.

وفي الوقت الذي تقدم فيه العروض الأساسية في قصر الثقافة في مدينة الإسماعيلية، تقام العروض الخارجية في أربعة مقاهي وثلاث مدارس وناديين اجتماعيين والمركز الثقافي الفرنسي والمدارس الفرنسية، إضافة إلى عروض في أربع مدن إقليمية قريبة من الإسماعيلية.

يفتتح فيلم "ينابيع الشمس" للمخرج النيوزيلندي جون فيني المهرجان، وهو من إنتاج المركز القومي للأفلام التسجيلية في مصر وتبلغ مدته 84 دقيقة ويعد، بحسب وصف المركز، وثيقة تاريخية وثقافية وجغرافية نظراً الى انه يعرض للمرة الأولى على الشاشات ويصور منابع النيلين الأبيض والأزرق. ويكرم المهرجان في حفل الافتتاح اسم المخرج التسجيلي ومدير التصوير المصري حسن التلمساني، كما يعرض فيلمين أخرجهما العام 1963 هما "البحر زاد" و"يا نيل"، إضافة إلى ثمانية أفلام صورها ومنها "أبو سمبل" و"تراث الإنسانية" و"بعث التاريخ" و"هروب العائلة المقدسة" و"فن الفلاحين". يحظى المهرجان هذا العام بمشاركة عربية ملحوظة في مسابقاته الخمس (التسجيلي الطويل والتسجيلي القصير والروائي القصير وأفلام التحريك والأفلام التجريبية). من الأفلام العربية المشاركة في مسابقة الفيلم الروائي القصير: "ليش صابرين" للفلسطيني مؤيد عليان و"شهر 12" للمصري محمود شكري، ومن المغرب فيلما "جذور" لعز العرب العلوي و"الكفالة" لنوفل براوي، ومن الجزائر فيلما "قوليلي" لصابرينا دراوي و"سكتوا" لخالد بن عيسى. ومن بين 18 فيلماً تتنافس في مسابقة الأفلام التسجيلية خمسة أفلام عربية هي: "التصوير بواسطة النار" لحسين جيهاني من العراق و"دايرين السلام" لإياد الداود من السودان، و"المستعمرة" لأبو بكر شوقي من مصر، و"رحلة مكان" لندى دوماني، وهو إنتاج مشترك بين لبنان والأردن، و"أنا غزة" لأسماء بسيسو من الأردن. يرأس لجنة التحكيم المخرج الكوري سانجي ياب لي، وتضم في عضويتها كلاً من المخرج الهولندي ماركو شورمان، والمخرجة الإسبانية راكيل اجوفرين، وكاتب السيناريو البحريني فريد رمضان، والناقد المصري أحمد يوسف.

المستقبل اللبنانية في

09/10/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)