تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

على الوتر

كلام نسوان

محمود حسونة

“كلام نسوان” مسلسل تجاهله الناس في استطلاعات الرأي المتعلقة بأفضل الأعمال الرمضانية، وتناساه النقاد بشكل كامل، وهو ما يحملنا مسؤولية تناوله نقداً وتحليلاً لعدة أسباب، منها عنوانه الذي يحمل دلالة على أنه يدور حول عالم النسوان وكلامهن الذي لا يقدم ولا يؤخر، أو عالم النميمة والقيل والقال الذي لا يحرك ساكناً لدى صناع القرار. كما أن عنوانه مستوحى من أسماء برامج تلفزيونية أمطرتنا كلاماً وتناولت بأساليب الحكي حواديت النساء الفارغة من أي مضمون غالباً، والمليئة بالمضمون المهم نادراً، ومنها “كلام نواعم” على شاشة “إم.بي.سي”، و”الليلة ليلتك” على “إل.بي.سي” ويتضمن فقرة باسم “حكي نسوان”، وما ننتظره على شاشة أبوظبي خلال أيام والذي قد يحمل مضموناً مختلفاً يركز على الجانب الصحي باسم “حكمة نساء”.

الطريف أن كل برنامج منها تقدمه 4 نساء، ومسلسل “كلام نسوان” يتمحور حول 4 نماذج نسائية تنتمي الى بيئات عربية مختلفة، جسدتهن 4 فنانات ينتمين الى 3 دول عربية وهن لوسي من مصر وكل من نادين الراسي ومايا دياب من لبنان وفريال يوسف من تونس، لنجد أنفسنا أمام عمل درامي “يعورب” هموم المرأة ويتخلى عن داء القطرية الذي أصابنا سياسياً واقتصادياً حيث يشارك فيه فنانون من دول عربية أخرى غير السالف ذكرها.

النساء الأربع تجمع بينهن علاقة صداقة ويجسدن معاناة المرأة ويعبرن عن طموحاتها في مصر ولبنان ومنطقة الخليج، ويجمعهن تجمع سكني راقي المستوى، لكل منهن فيلا فيه بعد أن أتين من عوالم ومجتمعات مختلفة.

أول هذه النماذج هي ناهد (لوسي) القادمة من القاع المصري لتجاور أهل القمة، من دون أن تنسى أصلها وأهلها، وهي بينهن كما الأم الحاضنة لكل واحدة ومشكلاتها، ولذا أطلقن عليها لقب “العمدة” ولكن هذا لا ينفي معاناتها من زوج متعدد العلاقات.

والثانية هي المطربة نادين القادمة من لبنان باحثة عن الشهرة والمجد في مصر تاركة زوجها وابنتها تحت رعاية شقيقتها لتنشأ علاقة حب بين الزوج والشقيقة مما يصيب نادين بصدمة كبرى.

والنموذج الثالث السيدة الخليجية بتول (مايا دياب) وهي ابنة عائلة تجمع بين نفوذ السلطة والمال، ولكنها تتمرد على واقعها الاجتماعي وجبروت الأخ وتسافر الى مصر باحثة عن حريتها.

والرابعة هي سيدة مصرية تنتمي للطبقة الراقية المثقفة ووالدها استاذ جامعي واسمها مها (فريال يوسف) وتعمل وزوجها في مهنة واحدة لكنها تتفوق عليه مما يثير ضغينته ضدها حتى يقع الطلاق ويدفع ثمنه ابنهما.

المسلسل أشرفت عزة شلبي على كتابته التي تولاها 4 كتاب، والغريب أن كل حلقة كانت تحمل اسم كاتب وهو ما ليس مقبولاً في الحلقات المنفصلة فما بالك برواية درامية، ينبغي أن تخضع لرؤية إبداعية واحدة، ولذا فقد كانت النتيجة أن جاءت الشخصيات كلها فاقدة لمعالم التطور الدرامي ومتناقضة مع ذواتها، ما وضع المشاهد في حيرة من أمره، وهو يتعاطف معها أحياناً ويجد لها المبررات، ليعود ويقف في صف “جلادها” أحياناً أخرى، نتيجة ما ترتكب من أخطاء يرفضها العقل والمنطق، مثل سرقة ناهد لزوجها، ورفضها أن تصفح عنه رغم محاولاته المتكررة وإلحاحات ابنها وابنتها. كما أن مها ظهرت في بعض الحلقات وكأن كل ما يهمها هو نجاحها ولو على حساب ابنها المتأزم نفسياً، أما نادين فقد سعت لحضانة ابنتها عقاباً للأخت والزوج وهي المشغولة كل الوقت بنفسها وبالمجد المنتظر، كما أن علاقتها مع العجوز (أسامة عباس) خلت في كثير من مراحلها من أي منطق. أما الخليجية بتول الباحثة عن الحرية بأي ثمن، فقد استخدمت المال وسيلة لتحقيق كل ما تنشد، ليتحول الإنسان في نظرها الى سلعة تباع وتشترى، وهي التي رفضت أن تكون سلعة في يد شقيقها.

المسلسل فكرته جيدة وكان يمكن أن يكون الأفضل بين الأعمال الرمضانية، لو تخلص من أمراض التأليف متعدد وجهات النظر التي أصابته، وكان يحتاج الى كاتب مخضرم يرسم معالم واضحة لكل شخصية حتى لا يتوه المشاهد، وهو الخطأ الذي يتحمل مسؤوليته بشكل كامل المخرج عمر عبدالعزيز، والذي يبدو أنه كان حريصاً على إنجاز العمل بأي شكل بعد قبوله بنص مفكك وشخصيات متناقضة وليقع في فخ المط والتطويل كثيراً.

ولعل من أكثر العناصر التي تميز بها المسلسل كان التمثيل حيث تألقت نادين الراسي وكتبت من خلاله شهادة ميلاد نجوميتها عربياً، وأكدت لوسي أنها ممثلة بالفطرة تجيد التعبير عن روح الشخصية، وفرضت فريال يوسف، التي لم تكن معروفة من قبل، نفسها على الخريطة الفنية، أما مايا دياب فكانت الحلقة الأضعف حيث جاء أداؤها لأكثر المشاهد حدة هادئاً وبارداً لا يتناسب وطبيعة الموقف الدرامي.

الخليج الإماراتية في

28/09/2009

 

على الوتر

المسلسل الحدث

محمود حسونة 

ما أجملها صورة عربية، تلتحم فيها قيمة الأرض والوطن مع المشاعر والأحاسيس والهموم والحب والحرب والصراع على البقاء والكرامة والعنفوان والوجع والدم والروح.. إنها صورة عنوانها عكس مضمونها، لكن هذا العنوان مليء بالرموز والمعاني، إنه “هدوء نسبي” الذي يبدو من خلال مشاهدتنا له أن فريقه لم يهدأ ولو للحظة، بل عاشوا جميعاً في حالة من التوتر والتشنج الذي لا بد أن ينعكس على أعصاب الممثلين والمصورين والمخرج طوال فترة العمل، وربما بعده بمدة من الزمن، فمن يعيش أجواء الحرب على العراق وما صاحبها من فوضى ودمار وقتل واستباحة لكل القيم والحرمات، وبالشكل الدقيق الذي قدمه “هدوء نسبي” لا بد أن يحتاج إلى وقت طويل ليخرج من هذه الحالة النفسية، ويعود إلى أرض الواقع البعيد عن العراق ورائحة البارود والموت.

 “هدوء نسبي” مسلسل يظلمه من يقارن بينه وبين أي عمل آخر، لأنه يتجاوز كل ما نشاهده بكثير سواء على مستوى المضمون والرسالة والهدف والقيمة الفنية، أم على مستوى الصورة والأداء والماكياج والديكور وكل عناصر عملية الإبداع الفني.

هذا المسلسل ظلمه منتجوه، وظلمه القائمون على الفضائيات العربية، وكانت النتيجة أننا نحن جمهور المشاهدين الأكثر تضرراً من ظلم هؤلاء وأولئك لعمل شديد التميز كان من حقه على من خصصوا له أضخم ميزانية درامية أن يسبقوا عرضه بحملة ترويجية ومتابعة إعلامية تلقي الضوء على هذا العمل الحدث في تاريخ الدراما العربية، وهو الدور الذي لم يؤده أيضاً القائمون على الفضائيات حقه ليتعامل معه قطاع عريض من المشاهدين على أنه واحد من عشرات وعشرات المسلسلات العربية التي تسعى إلى المشاهد والمعلن خلال رمضان، وبالتالي فقد بدأ الكثيرون متابعته والانتباه إليه بعدما سمعوا عنه من أصدقاء ومقربين لتأتي مشاهدتهم مفتوحة لعمل يستحق أن يشاهده بشكل كامل كل عربي يبحث عن مشهد تلفزيوني أو صورة درامية تنقل إليه حقيقة ما تعرضت له مدينة الرشيد من تدمير ممنهج على يد قوات الاحتلال، وانعكاس ذلك على علاقات أهلها وناسها بعضهم ببعض.

من يتابع الصورة التي يتألق في نقلها شوقي الهاجري يحس أنه يعيش داخل الحدث، وأنه ضحية دكتاتورية صدام حسين وأطماع جورج دبليو بوش والمحافظين الجدد الذين اتخذوا قراراً بشن حرب على البشر والحجر والزرع في العراق، وأن لا حل سوى مواجهة المحتل بكل الأساليب والطرق، وبذل كل الجهد لتستعيد بغداد أمنها واستقرارها ويستعيد أهلها وناسها أمانهم وثقتهم في بعضهم بعضاً.

ولعل ما تركه “هدوء نسبي” في مشاهديه يؤكد أن العمل الدرامي له تأثير غير محدود، خصوصاً أننا نتابع ما يحدث في العراق منذ 2003 وحتى الآن يوماً بيوم وعلى كل شاشة فضائية متصدراً نشرات الأخبار إلا أن المسلسل لمس الوجدان، ويمكنه أن يخلق لدى جمهوره حالة من الغضب والتأثر تفوق بكثير النشرات.

ولأن أهل الصحافة هم من دفع ثمن الاحتلال مع العراقيين فقد اختار مؤلفه الروائي السوري الكاتب خالد خليفة المراسلين الصحافيين في العراق ليكونوا الإطار الذي يقول من خلاله كلمته، ويفضح بهم ممارسات الاحتلال ضد الإنسانية، ويكشف عن المستور من سلوكياتهم العدوانية تجاه العروبة والعراق. فالمسلسل يصور معاناة أهل الصحافة في زمن الحروب، ويمزج بين قصص الحب التي تربط بين مراسلين وزميلات لهم، وبين مشاهد التفجير والقتل والإبادة، مؤكداً أن الحياة لا بد أن تستمر وأن الأمل لن يموت وأن الوضع الحالي مؤقت ولا بد له من نهاية ليستعيد العراق مكانه وليستعيد أهله مكانتهم على الخارطة السياسية والإنسانية.

ولعل من أبلغ المشاهد تأثيراً ورمزية كان مشهد زفاف المراسلة العراقية والتي تجسدها قمر خلف، وذهابها بالفستان الأبيض إلى أحد مواقع التفجير، ولتستعرض جثث القتلى ويلطخ الفستان بالدم وآثار التفجير.

المسلسل ناقش مختلف القضايا المطروحة اليوم على الساحة العراقية بشكل واضح، وقال كلمته في الطائفية التي أوجدها وروج لها المحتل الأمريكي، ولم يتجاهل تأثيراته في أخلاقيات وسلوكيات الناس، وهو ما يتضح من خلال عائلة الكاتب والمثقف الذي يحلم بتأسيس جريدة شقيقه الأستاذ الجامعي وشقيق زوجته الموسيقار، ورغم أنهم جميعاً نماذج مشرفة إلا أن ابنه يبتعد عن كل ذلك ويقرر الاتجار في السلاح وفي التخريب وفي توفير أدوات القتل لمن يدفع، مجسداً الأخلاق التي زرعها الاحتلال في الأجيال الشابة..

وللحديث بقية

الخليج الإماراتية في

19/09/2009

 

على الوتر

أم البنات

محمود حسونة 

استهلكت قضايا وهموم المرأة وتسلط الرجل عليها وديكتاتوريته معها، الكثير من المساحات التلفزيونية سواء من خلال البرامج والدراما، ولكن القليل القليل هو الذي ترك تأثيراً على جمهور المشاهدين. والمتابع لشاشات الفضائيات هذا العام سيجد العديد من المسلسلات والبرامج التي تتمحور حول المرأة، وتناقش قضاياها وإنجازاتها بأساليب وأنماط مختلفة، وأكثر ما استقطب اهتمام الناس ونال إعجابهم، وأصبح موضوعاً لمناقشاتهم وحواراتهم في الجلسات هو مسلسل “أم البنات” الذي تعرضه قناة أبوظبي الفضائية، والذي تتألق فيه الفنانة الكويتية سعاد عبدالله مع كوكبة من نجوم الفن الكويتي والخليجي.

القضية التي يناقشها مسلسل “أم البنات” ليست جديدة، ولكن تم تناولها بأشكال مختلفة في السينما والتلفزيون والمسرح، ولعل ما يميز عملاً عن الآخر هو أسلوب الطرح والتفاصيل، ولن ننسى أن ديكتاتورية الرجل واستسلام المرأة له وتمرد الأولاد قدمته السينما في أكثر من عمل، سيظل أفضلها ثلاثية نجيب محفوظ والتي أخرجها حسن الإمام في أفلام “قصر الشوق” و”بين القصرين” و”السكرية” وهي أعمال أنتجت في الستينات من القرن الماضي، ولكن الناس لا تمل مشاهدتها حتى اليوم. وللتذكير فإن الثلاثية أعاد التلفزيون إنتاجها، ولكنها لم تلق أي نسبة من نجاحها السينمائي.

 “أم البنات” في ثلثيه الأول والثاني أحسسنا أننا نشاهد شخصيات من كوكب آخر، لا شبيه لها على كوكب الأض، وأقصد بذلك الأم شريفة والتي تجسدها الفنانة سعاد عبدالله وبناتها الست وشقيقتها شيماء، واللاتي استسلمن جميعهن لإرادة زوجها عقاب، وعزلته لهن، وعبثه بمصير ومستقبل وشخصية كل واحدة من بناته، وقسوته غير المقبولة وغير المبررة واللامنطقية معهن، وأساليبه في معاقبة من تخطئ والتي لا أتخيلها موجودة في الحياة منذ عقود وعقود، ومنها مثلاً عندما قام بقص شعر إحداهن وهددها قائلاً “المرة الجاية أجز رقبتك” بسبب خطأ تافه جداً.

والغريب أن كل ذلك يحدث أمام الأم “العاجزة” والمحتارة في كل الأوقات، بين التزامها الصمت وتأييدها للزوج الجبار وتعاطفها مع البنات، ولعل صمتها قد أثار أحياناً غيظ المشاهدين، وضعفها اللامحدود أثار غضبهم منها، وهو ما أجادت فيه أداء وتألقت تعبيراً الفنانة سعاد عبدالله.

وفي الثلث الأخير هبطت هذه الشخصيات من الكوكب الغريب لتعيش معنا على الأرض، ولنحس أنها كائنات تشبهنا، وأنها أمام الجبروت والظلم لا بد من صرخة تهز الأرض، وتقهر صاحب السلطات المطلقة، لتقزم صورته وتقلص هيبته وتنحت شخصيته حتى يستوي إنساناً عادياً يحاسب مثلنا ويدفع ثمن ما ارتكب من جرائم في حق الآخرين. وهذا هو بالضبط ما حدث بعد أن تمردت الأم، وصرخت مع بناتها في صوت واحد وخرجن من “قصر العذاب والاستبداد” الى رحاب حياة واسعة، وذلك احتجاجاً على أسلوب تعامله مع الأم المغلوبة على أمرها بعد زواجه من الثانية أملاً في أن ينجب منها ولداً بعد وفاة ابنه الوحيد صقر في حادث.

الزوجة الثانية سعت لابتزازه والحصول على كل الدلال والاهتمام، ونتيجة ضعفه أمامها منحها ما ينال من شخصيته، وواصل ظلمه للزوجة الأولى واستبداده على بناته، ولأن للصبر حدوداً كانت الثورة والتمرد والعصيان والخروج إلى الحياة، لتبدو شريفة شخصية أخرى ومناقضة تماماً لما صورته الحلقات الأولى.. وجدناها امرأة قوية، قادرة على اتخاذ القرار السليم، وماهرة في قيادة بناتها إلى بر الأمان، وناجحة في تدبير أمورهن، وحريصة على الحفاظ على كرامة كل واحدة من “الطريق”، وذلك لم يمنعها من أن تكون المرأة المثالية جداً عندما رحبت بشقيقها ولملمت جراحه بعد أن تخلت زوجته وأولادها عنه نتيجة خسارته أمواله في البورصة رغم أنه هو ذاته الذي باعها لزوجها ورفض استضافتها وبناتها عنده.

المسلسل يحسب لمؤلفته هبة مشاري حمادة، ويؤكد أن سعاد عبدالله فنانة صاحبة رسالة تبحث عن الكلمة الهادفة وتحرص على إثارة القضايا المهمة من خلال أعمالها، ولن ننسى لها العام الماضي “فضة قلبها أبيض”، كما تألق فيه وأبدع أداء الفنان غانم الصالح الذي جسد القسوة بملامح وجهه وأسلوب نطقه ونبرة صوته بشكل لا يكاد أن يكون مسبوقاً.

وأدت الفتيات الست أدوارهن باقتدار نحس أنهن بالفعل شقيقات، وأن همهن واحد وطموحهن واحد.

 “أم البنات” مسلسل متميز ينتصر للمرأة العربية وقضاياها وهمومها، وليته يثمر ويحد من وصاية الرجل على المرأة في مجتمعاتنا.

الخليج الإماراتية في

17/09/2009

 

على الوتر

نساء الأرندلي

محمود حسونة 

لأجل أن يستعيد عبدالبديع الأرندلي “ميراثه” الموصى به لثلاث نساء لم يجد أمامه مفراً من أن يكون زوجاً لأربعة، حيث استخدم مهاراته اللغوية والعاطفية، وحاصر كل واحدة من الوريثات الثلاث بكل ما لذ وطاب من كليشيهات الغزل والكلام المعسول، حتى أوقعهن في شباكه، ليتزوج منهن واحدة تلو الأخرى، ويضيفهن إلى زوجته الأولى أم ابنه وابنته، لنستعيد من خلاله ذكريات “الحاج متولي”.

ولعل من أهم ما يميز الفنان يحيى الفخراني اختياره لأسماء كبيرة تشاركه بطولة أعماله ليشاهد الناس أمامهم مباراة في التمثيل، وهو ما يؤكد أن اللاعب عندما يكون واثقاً من قدراته فإنه يفضل استعراضها أمام الكبار، لا النيل منها أمام الصغار، وهذا هو ما حدث بالضبط في مسلسل “ابن الأرندلي” حيث استمتعنا بأداء يحيى الفخراني وأحسسنا أن وزن موهبته لا يقل عن وزن جسمه، وأنه معجون بالفن، يجيد التعبير عن مختلف المشاعر الإنسانية في المشهد الدرامي الواحد.

نساء “الأرندلي” الأربع، يمثلن أنماطاً بشرية وشرائح اجتماعية متناقضة، فبينهن الفقيرة ابنة الحي العشوائي وهي الممرضة أنهار وجسدتها وفاء عامر، والمرأة القوية الحادة الشديدة الثراء وتجسدها رجاء الجداوي، والارستقراطية ابنة عمه والتي تعيش حياتها وحيدة حالمة بعريس وتجسدها معالي زايد، وذلك بجانب “أم العيال” وهي المرأة البسيطة التي لا تهتم بشكلها ولا بوزنها ولا بملابسها، ولا يشغلها سوى إسعاد زوجها وأولادها بإعداد أشهى المأكولات لهم، والاهتمام بأمورهم المنزلية، لتنسى نفسها ويصيبها داء السمنة، وتخشى أن يكون سببا في ابتعاد زوجها عنها، فتعيش حالة من الضياع، بحثاً عن علاج ومحاولة لاستعادة اهتمام ابن الأرندلي، وتلجأ للأندية الصحية ومراكز التجميل حتى تصل إلى عيادات جراحات التجميل، وتقرر إجراء جراحة شفط دهون كادت أن تفقد حياتها خلالها.

أم العيال لطيفة تجسدها باقتدار وبوعي فني عال الفنانة دلال عبدالعزيز التي قبلت أن تضيف أوزانا إلى وزنها لتبدو شديدة السمنة، وهو ما لا يمكن ان تقبله كثير من الفنانات الحريصات على مظهرهن أمام الجمهور وأكثر من حرصهن على التعبير الصادق عن الدور، وقد نجحت دلال في أن تعبر عن الأعماق النفسية للشخصية، التي تختصر العالم كله في زوجها، وليس لها من همّ سوى إرضائه، ولأجل ذلك تضيع شخصيتها، وتتحول إلى امرأة ضعيفة الشخصية مسلوبة الإرادة.

وفاء عامر تألقت هي الأخرى في دور الممرضة أنهار الآتية من القاع، والراضية بنصيبها من الفقر، والوفية للأرندلي الكبير، وعندما تعلم أنه كتب لها نصيباً مهماً من ثروته تسعى لإقامة مشروع خيري باسمه يكون صدقة له.

وبعد أن كان الارندلي الصغير يعاملها بازدراء يبدأ في التودد إليها والتقرب لشقيقها العاطل وتلبية كل مطالبه، حتى يلفت نظرها إليه، ويمنحها الاحساس بأنه مصدر الحماية لها ولأموالها لتقع في غرامه ويتزوجها.

ولعل من أفضل المشاهد التي أجادتها وفاء مع الفخراني مشهد زفافهما، حيث سيطرت عليهما مشاعر القلق والتوتر وعاش الجمهور معها إحساسها بالخوف من المستقبل مع زوج لا تبدو أي ملامح للسعادة على وجهه في ليلة العمر، ولم يحاول أن يلمس يدها أو يشبك يديه في يديها.. كما عبرت وفاء عامر برومانسية شديدة عن أنها الأكثر احتياجا له وحرصاً عليه بعد الزفاف.

معالي زايد جسدت شخصية دولت الأرندلي ابنة عم الارندلي الكبير والتي يوصي لها عمها المتوفى ب 15 مليون جنيه، وبعد أن كان ابن عمها يتعامل معها على أنها “لا شيء” في الحياة، يبدأ رحلة الغزل فيها والاهتمام بها، وإهداءها ما تحب من ورود واسطوانات وتحف كلاسيكية حتى يوهمها بالحب، لتحلق معه فوق السحاب، وتبدأ تغار عليه من زوجته الأولى لتستفز مشاعر المشاهدين ضدها وبذلك تكون معالي زايد قد نجحت في توصيل الرسالة.

رجاء الجداوي بدت في مسلسل ابن الأرندلي كما لم أرها من قبل، حيث جسدت شخصية اشجان هانم حبيبة الأرندلي الكبير، ولأنه كان السبب في عدم زواجهما فقد أوصى لها ب 11 مليون جنيه إذا كانت مطلقة أو أرملة، وبالبحث عنها يكتشف أنها تعيش في سوريا زوجة لأحد أباطرة المال والتجارة، ولكنها تطلق منه في اللحظات الأخيرة، وهي امرأة قوية حادة إلى درجة القسوة وتتعامل مع كل من حولها بعنف، ولكن مهارات الأرندلي العاطفية تسقطها في غرامه.

أيضاً تألق حسن الرداد في دور ابنه علي، الذي سينقله إلى أدوار البطولة في الأعوام المقبلة، وكذلك أميرة هاني التي تؤدي شخصية ابنته اللامبالية، والتي ستدفع ثمن انشغال والدها وانشغال الجميع عنها. لكن ما استغربه هو الدور الذي تؤديه، النجمة السورية لورا الاسعد حيث شاهدناها سائقاً لا اكثر ولا اقل لابن الارندلي في سوريا وهو ما لا يتناسب مع قيمتها الفنية.

“ابن الأرندلي” مسلسل مأخوذ عن فيلم “الذل” ولكن ذلك لم يمنع يحيى الفخراني وباقي الفنانين من التألق فيه ليستحوذ على متابعة واهتمام قطاع جماهيري كبير.

الخليج الإماراتية في

15/09/2009

 

على الوتر

ابن الأرندلي”.. اقتباس أم نقل؟

محمود حسونة 

تشغل الفنان يحيى الفخراني كثيراً قضية المال، وتأثيره في النفس البشرية، وتحكمه في العلاقات الاجتماعية. ولذا فإن المتابع لمسيرة هذا الفنان منذ قدم دوراً ثانياً في فيلم “الأخوة الأعداء” ومنه انطلق إلى أدوار البطولة، وحتى مسلسله الذي يعرض حالياً “ابن الأرندلي” يجد أن الصراع على المال وسطوة أصحاب الثروات وسلطة المال محور لأعماله على مدى رحلة تقترب من الأربعين عاماً.

ومن الأعمال التي لعب بطولتها الفخراني ولا يمكن أن تسقط من الذاكرة وتتمحور حول عالم المال أفلام “الكيف” و”حكاية نصف مليون دولار” و”إنهم يسرقون الأرانب” و”نص أرنب”، بجانب فيلم “الذل”، الذي قدمه في بداية حياته وشاركته بطولته ليلى علوي وأحمد بدير وأخرجه محمد النجار، وفيه قدم الفخراني شخصية لا تختلف كثيراً في ملامحها عن شخصية عبدالبديع الأرندلي الذي نتابع مغامراته يومياً على الشاشة لاسترداد ما يعتبره حقاً ضائعاً. والمتمثل في ثروة عمه، الذي كان ينبغي أن يكون وريثه الوحيد، لكنه فوجئ بعد وفاته بوصية بتوزيع الجانب الأكبر منها على 3 نساء، وهو مايثيره، ويدفعه بعد الجنازة مباشرة للسعي لاستردادها، ولا يجد أمامه من حل سوى الزواج من النساء الثلاث.

في فيلم “الذل” جسد الفخراني شخصية “عزيز” الذي يموت عمه في ألمانيا، تاركاً وراءه ثروة ضخمة، وأيضاً هو وريثه الوحيد، لكنه يفاجأ به موصياً بثروته كاملة لخادمه الوفي، ومعترفاً بأن ابن غير شرعي له، ويتفق عزيز مع حاملة الوصية على التكتم عليها مقابل منحها مبلغاً مالياً.

الطريف أن من جسد شخصية العم في فيلم “الذل” هو الفنان يوسف داود، الذي جسد أيضاً شخصية العم في “ابن الأرندلي” وبرع فيه ليكون أحد عناصر نجاح الحلقات الأولى من المسلسل.

إن حالة التشابه بين “الذل” و”ابن الأرندلي” تطرح تساؤلات عن ما إذا كان الاقتباس حقاً لأي مؤلف أم لا؟ وهل له حدود أم للمقتبس مطلق الحرية في أن “ينقل” ما يشاء؟ وهل هناك اقتباس في الإخراج أيضاً يسمح للمخرج أن يكرر نفس الممثلين في نفس الأدوار؟ وفي النهاية هل الاقتباس إبداع أم إفلاس؟

إنها مجموعة تساؤلات تثير العديد من القضايا بعد أن تحول الاقتباس إلى نقل، وبعد أن استباح من نطلق عليهم “مبدعون” حقوق غيرهم من المبدعين الحقيقيين ونسبوها إلى أنفسهم، من دون أي إشارة للأصل، ومن دون أي استحياء أو خجل من الجمهور.

وإذا كان السينارست وليد يوسف الذي عرفناه خلال العامين الماضيين مبدعاً في الجزأين الأول والثاني من “الدالي” هو الذي قام بعملية النقل من فيلم “الذل” فأعتقد أن الأمر قد تم بتكليف من الفنان الكبير يحيى الفخراني باعتباره بطل الفيلم والمسلسل، بل وأعتقد أيضاً أنه هو الذي اختار الفنان يوسف داود ممثلاً لدور العم في “ابن الأرندلي” بعد نجاحه فيه في “الذل”.

إن ما حدث لا يعكس سوى بحث كبار النجوم أحياناً عن طبخات درامية مضمونة النجاح، وسبق اختبارها جماهيرياً، ولكن لأن ما ألفناه هو الاقتباس أو النقل عن أصل أجنبي، فإن الجديد ليس هو النقل عن أصل عربي، ولكن عن فيلم لذات البطل، ولأن التجربة الأولى نجحت قبل سنوات، فقد كان القرار المطّ فيها والتطويل، لتحويل ما تم تقديمه في ساعتين إلى عمل تدور أحداثه في أكثر من 25 ساعة، وطالما أن “الترزي” الذي سيقوم بالتفصيل وتوسيع المقاسات جاهز.. فلا مشكلة على الاطلاق.

الفخراني اختار أن يقدم طبخة “ابن الأرندلي” في إطار درامي اجتماعي يعتمد بشكل كبير على الكوميديا الساخرة، من خلال شخصية محام يجيد استغلال ثغرات القانون لصالحه، وهي أيضاً ليست المرة الأولى التي يقدم فيها هذا النمط حيث سبق أن قدمه في “نصف ربيع الآخر” مع إلهام شاهين و”أوبرا عايدة” مع حنان ترك. محامي مسلسل هذا العام عصري يجيد المشي على حبال القانون، وتسلق جدرانه، ومعرفة أسراره، ولذا لا تستعصي عليه قضية. ولكي يكون الاسم على مسمى كان اختيار “ابن الأرندلي” اسماً للمسلسل، وهو لقب دارج في الشارع المصري، ويطلق على كل من يجيد الفهلوة واللعب بالبيضة والحجر، وتجاوز القانون بالقانون، وهو الشخصية التي أجاد أداءها يحيى الفخراني ويضاف إلى رصيده حيث يؤكد من خلاله عبقريته وتفرده في الأداء السلس الممتع.

ولو أن ما لديه من موهبة في التمثيل اختار لها النصوص المناسبة وحرص من خلالها على التنويع وخرج بها إلى أفق أوسع لتتماس مع الأنماط البشرية المختلفة، ولا تكون أسيرة أنماط بعينها، لكان للفخراني شأن آخر، رغم أنه يحتل الصدارة في الأجر والمكانة بوضعه الحالي.

أما الوريثات الثلاث والزوجة فلهن حديث آخر.

الخليج الإماراتية في

14/09/2009

 

على الوتر

الكفيف الخارق

محمود حسونة 

خالد صالح هو رابع فنان يؤدي شخصية “الكفيف” بعد الكبار الثلاثة الذين سبقوه إليها، وتحدى كل واحد منهم نفسه خاشياً وضعه في مقارنة تكون نتيجتها لغير صالحه، وهم أحمد زكي الذي جسد شخصية عميد الأدب العربي طه حسين في “الأيام” وهو الذي وضعه في قائمة الكبار إبداعاً وفناً وتشخيصاً، والثاني هو الفنان محمود عبدالعزيز من خلال شخصية الشيخ حسني في فيلم “الكيت كات” والثالث هو النجم عادل إمام الذي رفض بشكل قاطع أداء هذا النمط، واعتبر أن “لا أحد يستطيع أن يقدم الكفيف مثلما قدمه محمود عبدالعزيز، وبالتالي فإن الإقدام على هذه الخطوة يعد خسارة مع سبق الإصرار والترصد”.. ورغم رفضه مراراً أداء هذا الدور إلا أن فيلم “أمير الظلام” استفزه ودفعه لأن يغير وجهة نظره ويخوض التجربة ويقبل بالمقارنة التي لم تنتصر لأحد على حساب الآخر.

خالد صالح اختار هذ العام أن يطل على جمهوره الرمضاني من خلال شخصية “الشيخ مصباح” في مسلسل “تاجر السعادة” وهو الأقرب في ملامحه النفسية وظروفه البيئية من شخصية “الشيخ حسني” الذي جسدها باقتدار محمود عبدالعزيز، ولكن صالح أداها بأسلوبه الخاص، ليعفي نفسه من المقارنة مع غيره، وليؤكد أنه واحد من الكبار الذين يجيدون الإبداع ولا يعرفون التقليد.

ورغم نجاح وتألق خالد صالح إلا أن المسلسل فشل في إقناع الجماهير بما يطرحه من قضايا، كما أنه افتقد الملامح الدرامية، وجاء في صورة “يوميات كفيف” لديه مواهب وقدرات خاصة، وهو ما أوقع الناس في حالة من الحيرة، حيث إنهم لا يجدون في المسلسل ما يستحق المتابعة، ومع ذلك يجذبهم أداء خالد صالح وأصبحوا مرتبطين بشخصية “الشيخ حسني” وفلسفته التفاؤلية رغم عدم قناعتهم بما يفعل وبما يحكي. وهو أمر يؤكد أن العمل الفني الهابط أو الذي دون المستوى قد يحقق نجاحاً جماهيرياً بسبب بطله أو بطلته، ولعل ذلك هو ما فرض ظاهرة النجم الأوحد سينمائياً وتلفزيونياً لفترة طويلة، ورغم الانتقادات الحادة التي طالتها، إلا أنها مازالت لها ذيول، ومازال البعض يصر على أنه نجم أوحد ينبغي أن يدور في فلكه باقي الفنانين.

“تاجر السعادة” اتخذ من شخصية الشيخ حسني الكفيف الذي يعيش في منطقة شعبية تحت حد الفقر محوراً لأحداثه، والتي تبدأ به رجلاً معدماً لا يملك سوى جلباب واحد، ويصارع في الحياة لأجل قوت يومه، ويحصل عليه بأي أسلوب ممكن، وهو متزوج من امرأة تعمل “عدادة” أو نادبة في المآتم، ورغم حالته المزرية يمتلك طموحاً كبيراً، ويسعى للخروج من عالم الفقر إلى عالم الثراء، واستبدال زوجته بأخرى أكثر جمالاً وشباباً، وهو ما يتحقق له مع بداية الثلث الثاني من المسلسل، حيث يكشف عن مواهبه الدفينة في عالم الدجل والشعوذة، لنفاجأ بأنفسنا أمام كفيف يتحول إلى عالم في الغيبيات، وتاجر للسعادة وبياع للأمل.. يقرأ الكف والفنجان، ويفتح الكوتشينة، ويتنبأ بالمستقبل، ورغم أنه لا يرى شيئاً حوله إلا أنه يرى كل شيء في نفوس الناس وفي المستقبل.. كيف؟ لا أدري.. ولكنها إرادة المؤلف التي حلم بها خالد صالح وباركتها المخرجة شيرين عادل.

“تاجر السعادة” لا يعدو عن كونه برنامج توك شو يستعرض من خلاله مؤلفه عاطف بشاي مجموعة من مشاكل الناس، استوحاها من البرامج اليومية التي تستعرض الهموم ويضع لها العلاج الشيخ حسني، ومنها الرجل الذي يشكو تفضيل زوجته لكلبها عليه. والرجل الذي سافر إلى الخليج وعاد ليجد زوجته وقد سطت على كل أمواله وأقامت المشاريع الاستثمارية، ورفضت أن تمنحه حقوقه المادية والشرعية. والممثلة التي هجرها زوجها لأجل أخرى مغمورة. وصعوبة الطلاق عند الأقباط وما ينجم عنه من حياة مستحيلة مع زوج لا يجيد سوى الضرب والإهانة... الخ.

ولأن من لديه القدرة على حل كل هذه المشاكل وسواها لا بد أن يكون رجلاً خارقاً، فإنه يبدو أستاذاً في الفلسفة والمشاعر والتاريخ والأدب والعلاقات الاجتماعية والسينما وكل شيء.. كيف؟ أيضاً لا أدري ولكنها أيضاً إرادة المؤلف.

ومن الطبيعي لمن يمتلك كل هذه القدرات أن ينتقل من حياة الفقر إلى حياة الأثرياء، وأن ينعم بما عاد عليه من إجادة الدجل، ولأنه أصبح حديث الناس فلابد أن تلجأ إليه الصحافة لترفع مبيعاتها، ولا بد أن يكون قادراً على إقناع كل الفئات البشرية بتميزه وبوجهات نظره بما في ذلك ضابط البوليس الذي ذهب للقبض عليه، ثم تحول إلى تابع له منبهر به وبكلامه ورؤاه!!

“تاجر السعادة” مأخوذ عن فيلم “البيضة والحجر” الذي قدمه قبل سنوات الراحل أحمد زكي، وإن كانت أحداث الفيلم لم تخل من المنطق وخصوصاً أن بطله جامعي لم يجد وظيفة فلجأ إلى الدجل والشعوذة، وأعتقد أن المسلسل لو تم اختصاره إلى فيلم لأفاد خالد صالح أكثر خصوصاً أنه يعاني أمراض المط والتطويل وكل ما يثير الملل عند المشاهدين.

إن هذا المسلسل من نمط دراما الضحك على ذقون الناس، وفيه يبيع المؤلف الوهم لا الأمل للناس، ورغم تميز خالد صالح فيه أداء إلا أنه كان ينبغي عليه أن يبحث عن نص أفضل ليقدم عملاً يضاف إلى رصيده بدلاً من أن يحسب عليه رغم الجهد الذي بذله فيه.. وكفانا شخصيات خارقة ونماذج غير واقعية، ولينظر صناع الدراما حولهم ليقدموا ما يصدقه الناس، وما يقبله العقل والمنطق، لا ما يتاجر بمشاعر المشاهدين ويخدعهم باسم السعادة.

الخليج الإماراتية في

13/09/2009

 

 

على الوتر

خوصة بوصة

محمود حسونة 

“طاق طاق طاقية.. آه يا بلاد الحرية.. إحنا الأمة العربية.. ولادنا بخير وسلام.. وغزة خير مثال.. بينامو ع ريش النعام.. شغلتنا كش الدبان.. ناكل ونشرب وننام” بهذه الكلمات ختمت المؤلفة والمخرجة الإماراتية نجلاء الشحي، حلقة “سكة سفر” من مسلسلها الكرتوني “خوصة بوصة” غنائياً واختارت أن يؤديها فريق المسلسل من فوق تمثال الحرية في نيويورك، كأنها رسالة من أهل هذه المنطقة إلى صناع القرار العالمي، وأيضاً صرخة ساخرة من المدينة التي تحتضن مقر الأمم المتحدة إلى كل عربي، تدعوه من خلالها لأن يتبصر حاله ويستيقظ من النوم العميق الذي غرقنا فيه منذ زمن طويل.

الأغنية، رغم بساطة كلماتها ولحنها، الذي يجذب الصغار قبل الكبار، تلخص حال أمة يجيد صفوة أبنائها الكلام، ولكن من دون فعل حقيقي. ولعل المؤلفة المخرجة اختارت الإرهاب الذي يوصم به العرب منذ ما قبل 11 سبتمبر ،2001 لتقول كلمتها، بعدما أصبح الصمت رد فعلنا على كل ما يحدث في محيطنا من أفعال، وما يرتكب في حق أطفالنا ونسائنا وشبابنا وأرضنا وكرامتنا ومصيرنا من انتهاكات وجرائم أنطقت الآخرين وأصابتنا بخرس لا تعرف له علاجاً.

الشحي تناولت بشكل كوميدي ساخر صورة العرب في الخارج، من خلال رحلة بطلات المسلسل إلى نيويورك عبر لندن، وما يتعرضن له في المطار من تفتيش استثنائي، واستجوابات واستدعاء للشرطة والجيش بدباباته، خوفاً من ان يكن ارهابيات لأنهن عربيات.

الأمر نفسه كاد أن يتكرر في الطائرة، وفيها تلقي الشحي الضوء على نظرة المسافر الغربي للعربي، وريبته وتوجسه منه كل الوقت. كما تكرر الأمر في نيويورك في قاعدة تمثال الحرية عندما تجمع الأمريكيون لقذف النساء العربيات بالأحذية والحجارة وخلافهما، وكأنها انتفاضة حجارة أمريكية ضد الوجود العربي هناك.

 “سكة سفر” واحدة من 14 حلقة تضمنها مسلسل “خوصة بوصة” والذي كشف عن موهبة إماراتية متميزة في مجال الإخراج ودراما الكرتون ثلاثي الأبعاد، بعد أن أثبتت تميزها في مجال الكتابة من خلال مسلسل “فريج” الذي كانت واحدة من المساهمين الفاعلين في نجاحه.

 “خوصة بوصة” اتخذ بعداً عربياً حيث تدور أحداثه من خلال 4 شخصيات نسائية هن الجدة حمامة وتجسدها صوتياً سميرة أحمد، وزوجة ابنها المصرية نفيسة وتؤديها عائشة الكيلاني، وزوجة ابنها الإماراتية عشبة والسورية أم أنس، ومن خلال الجدة حمامة ونفيسة وأبنائها ومحيطهم ناقشت نجلاء الشحي بجرأة غير مسبوقة العديد من قضايا الواقع، ابتداء من أوضاع التعليم والدروس الخصوصية ليس لمراحل التعليم المتقدمة ولكن لأطفال الروضة أيضاً، ومرورا بالازدحام واشغالات الطرق وعدم توافر مواقف للسيارات في بعض المناطق، ومشكلات التركيبة السكانية، وحال المنتخب الوطني لكرة القدم، والمكافآت التي يحصل عليها لاعبوه وانعكاساتها عليهم، وانتهاء بمشكلات الأسرة الواحدة وهموم الأطفال والشباب وصراع النساء للفوز بعريس حتى بين الأم وابنتها.

ولعل من أجمل ما تميزت به هذه الحلقات أنها حملت قيماً فنية متنوعة أبرزها الرسائل التوجيهية للنشء والأجيال الشابة، والجرأة في انتقاد بعض السلبيات، وهو ما يؤكد أن مؤسسة دبي للإعلام التي احتضنت المسلسل وعرضته تساند كل كلمة جريئة صادقة وتفسح مجالاً للرأي الآخر، وذلك رغم حذف حلقة وبعض الجمل الحوارية.

ورغم تميز “خوصة بوصة” إلا أنه لم يخل من بعض نقاط الضعف والمبالغة خصوصاً في حلقة “سكة سفر” حيث ابتعد مشهد الدبابات والمدرعات في مطار لندن عن المنطق، كما تحولت الحلقة الثانية من “منصور يا الأبيض” إلى مباراة في كرة القدم لا هدف منها سوى المديح الزائد. وإن كانت هذه المآخذ البسيطة لا تنال من العمل وقيمته ولا تبخس نجلاء الشحي حقها في الإشادة والتحية هي وكل من تعاونوا معها.

وإزاء تشجيع دبي للأعمال الفنية الهادفة من خلال جائزة دبي للدراما العربية، كنا نتمنى أن يلقى فن الكرتون نفس التشجيع خصوصاً أنه عمل إبداعي لا يقل أهمية عن المسلسلات الدرامية، كما أنه الفن الذي استطاع أن يجذب أهل الإمارات والمقيمين فيها للالتفاف حوله منذ تقديم مسلسل “فريج”، ولن ننسى أننا أجرينا استطلاعات للرأي في نهاية رمضان خلال الأعوام الماضية لاختيار أفضل عمل ووقع اختيار الجمهور خلال العام الماضي على “شعبية الكرتون” وقبله كان “فريج” وهو ما يؤكد انتصار المشاهدين لهذا النمط الابداعي الذي تتجاوز بلاغة رسالته في بعض الحلقات رسالة مسلسل درامي كامل، آملين أن يلقى ذات التشجيع والدعم في الأعوام المقبلة من إمارة شجعت كل مبدع حقيقي واحتضنت كل موهبة في المجالات المختلفة.

الخليج الإماراتية في

12/09/2009

 

على الوتر

رقابة بوجهين

محمود حسونة 

من يريد أن يستوعب واقعنا ويستقرىء ملامح مستقبلنا عليه أن يتابع ما تعرضه الشاشات العربية، قارئا ما بين المشاهد في الدراما، وما بين الكلام في البرامج الحوارية.. أما هؤلاء الذين لا يستهدفون من التلفزيون سوى التسلية وتضييع الوقت فقد يضيع منهم العمر من دون أن يعرفوا لأنفسهم مكاناً ولواقعهم معنى ولا لحياتهم قيمة، ولا لمستقبلهم ملمحاً، وذلك بعد أن تحول التلفزيون من وسيلة تسلية إلى وسيلة تأثير تحمل رسائل سياسية في كل ماتبثه إلينا بما في ذلك كليب العري وأغنيات الاسفاف وبرامج الترويج للإباحية، ومسلسلات تخدير الناس وتأهيلهم للقبول بالأمر الواقع، وإعلانات تحويل المشاهدين إلى كائنات استهلاكية، حتى تستطيع شركات المواد الغذائية متعددة الجنسيات مواصلة عملها وجني أرباحها وتوجيهها إلى من يستفيدون منها في حسم صراع القوة، وأيضاً تحول المشاهدين إلى كائنات لا تجيد سوى الكلام بداع وبدون داع حتى تواصل شركات المحمول الدور المرسوم لها في هذا العالم “التمثيلية” التي لكل شخص فيها دوره المرسوم له، وغير مسموح لأحد الخروج عن النص وإلا فإن الرقابة ستكون له بالمرصاد.

إنها هي ذاتها الرقابة التي سمحت لإيناس الدغيدي و”شقيقها” طوني خليفة صاحب برنامج “لماذا” على قناة “القاهرة والناس” بالخوض في قضايا الشذوذ، والعلاقات المحرمة، والإجهاض، والثمن الذي تدفعه بعض النجمات للحصول على الشهرة وهي القضايا التي تحدث فيها كثيرون من النجوم، من دول أي خجل.

وهي أيضاً نفسها الرقابة التي صنفت العديد من مشاهد مسلسل “متخافوش” وخصوصا تلك التي تتناول جرائم “إسرائيل” في حق الفلسطينيين والعرب، ولننتظر الحلقة رقم 17 والتي تتضمن حواراً بين نور الشريف أو الإعلامي مكرم مع مواطن فلسطيني يعيش في مصر، ويحكي تفاصيل مأساته هو وأهله الذين تم ذبحهم على أيدي “الاسرائيليين”، وفي الحلقة 19 مشهد يستضيف فيه هذا الإعلامي وزيراً سابقاً تحدث عن الكوارث السياسية التي كان على علم بها أثناء تواجده في الحكومة.. ولأن المسلسل يعرض على أكثر من محطة فإن من سيشاهده على أكثر من شاشة قد يلاحظ فرقاً في هاتين المحطتين، وذلك حسب موقف كل قناة، أو بمعنى أوضح كل دولة من الكيان الصهيوني.

كما أنها هي نفسها الرقابة التي أوقفت عرض برنامج “حكومة شو” بسبب حلقة انتقدت رئيس الوزراء المصري د. أحمد نظيف، وهي نفسها التي منعت عرض “صوتك وصل” الذي ينتقد مسؤولين حكوميين.. والبرنامجان كانا يعرضان في دولتين مختلفتين، ورغم ذلك فإن الرقابة واحدة!!

وهي ذاتها الرقابة التي قصت وحذفت مشاهد ومشاهد من برنامج “فيش وتشبيه” للميس الحديدي، ولأن البرنامج يعرض في التلفزيون المصري وفي قناة “القاهرة والناس”، فإن الحلقة الواحدة ظهرت في نفس اليوم بمضمونين مختلفين، ومن نماذج ذلك حلقة فريد الديب حيث تم حذف الجزء الخاص بشتائمه في “إسرائيل”، وكلامه عن أيمن نور، وأيضاً حلقة أشرف السعد التي حذف منها كلامه عن بعض الوزراء السابقين.

إن ما سبق سرده ليس سوى نماذج تكشف عن المسموح والمرفوض في إعلام اليوم، ويكشف أن بعض كبارنا والأوصياء على عقولنا قد تغيرت معاييرهم، وأصبح ماكان مرفوضاً وبشكل حاسم بالأمس مطلوباً وبشدة اليوم مثل الكلام عن الشذوذ والعلاقات غير المشروعة وأسرار غرف النوم.. وفي المقابل فإن من غذينا بالأمس لشحن الناس في معاركنا ضده، وفضحنا جرائمه بكل الوسائل والسبل، وتصدينا له، وتحدينا كل من يدعمه، أصبح اليوم مجرد شتمه أو تسليط الضوء على بعض مجازره أو حتى توجيه عتاب إليه أمراً مرفوضاً.

الغريب أن الترويج للمقبول غير الأخلاقي اليوم، يشارك فيه نجوم كبار وأسماء معروفة تقبل أن تحل ضيوفاً على مثل هذه البرامج، وطالما أن لكل إنسان ثمنه، فلا مانع أن تتحول إلى كائنات تباع وتشترى، ولا مانع أن نفضح أنفسنا ونكشف ما أمر الله بستره، وكلما كشفنا وتعرينا أكثر فسوف نقبض ثمناً أكبر.

لقد أصبح هذا حالنا وليتنا ندرك أن ما يحدث على الشاشات العربية يعكس تحولاً سياسياً واجتماعياً وأخلاقياً كبيراً، ورغم أن البرامج الاباحية أطلت علينا منذ فترة خلال فترات متقطعة، وعبر سؤال واحد أو اثنين، إلا أن اليوم أصبحت هناك برامج وبرامج مضمونها من الألف إلى الياء تسير في طريق إعادة تشكيل العقول والأفئدة بما يتماشى ومصالح الساسة والكبار في عالمنا.

الخليج الإماراتية في

08/09/2009

 

على الوتر

من يتصدى ل “الجريئة”؟

محمود حسونة 

في الماضي القريب استهجنا عدم تغيير فضائيات الغناء والعري والابتزال منهجها خلال رمضان، احتراماً لمكانة الشهر الكريم، ولم نكن ندري ان الفضائيات العامة والرسمية تنتظر الفرصة لتسير على نفس الدرب، وتنافسها في الاعتداء على قيم رمضان، بل وتتجاوزها أحياناً في اقتحام الخصوصيات، وفضح المستور في حياة المشاهير ونجوم المجتمع، من خلال برامج تعتمد بشكل رئيسي لغة الاثارة والجنس، سواء باسم الجرأة، أو غيرها من المصطلحات التي بات البعض يعتبر أن تناولها بشكل علني دليل تفرد وتميز ومفتاح نجاح وشهرة.

هذا العام بشكل خاص تجاوزت بعض البرامج الخطوط الحمراء، لنشاهد على الشاشة العربية ما لم نتوقع أن نشاهده، ونسمع ما لا يستوعبه عقل ولا يتخيله من يعيش في مجتمعات شرقية لها عادات وتقاليد، ولديها قانون غير مكتوب عن المسموح واللامسموح الخوض فيه، وهو قانون موروث من أجيال إلى أجيال، حتى جاء الجيل الذي خلع برقع الحياء، وقرر التمرد بوقاحة وبشكل يثير الاشمئزاز مع كل القيم معتديا على جهود الآباء والأجداد والحكماء للحفاظ عليها على مدى سنوات وسنوات وسنوات.

ولأن المهمة لا يقبل أن يؤديها كائنا من كان، فقد كانت الاستعانة بمن لا يعرفون شيئاً اسمه الحياء، ويتباهون بالقدرة على الخوض في الخصوصيات، وتطاول المحظور بشكل علني أمام ملايين المشاهدين، ليقدموا لوناً برامجياً ليس من ورائه هدف سوى عولمة الانسان العربي، ودفعه للتخلي عن قيمه ومبادئه وموروثه، وإقناعه بأن كل شيء متاح، وأن العيب كلمة من  الماضي، والحياء موضة قديمة، والخصوصية في خبر كان، وكانت النتيجة مجموعة برامج تتنافس على النقش في الخصوصيات، وكشف المستور، وإزالة ملابس الانسان ورداءاته الاخلاقية حتى يجد نفسه عارياً تماماً أمام المشاهدين، وهي المهمة التي لا يجيدها أي مذيع، ولذا كان اللجوء إلى فرسان برامج الابتذال والفضائيات الصفراء الذين يمتلكون القدرة على استباحة كل شيء، وعلى رأس هؤلاء تأتي إيناس الدغيدي، التي أدت مهمتها بنجاح في تلويث السينما المصرية، وجاءت لتساهم في تلويث الإعلام المرئي، ولذا كان ابتلاء المشاهدين ببرنامج أطلقوا عليه اسم “الجريئة” والمقصود به أنه صفة لمقدمته، وتعبير عن قدراتها في الغوص في أعماق  الضيف ليكشف أسرار غرف نومه وعلاقاته الغرامية، ومهاراته مع الجنس الآخر.

الغريب أن هناك مجموعة من الثوابت في هذا البرنامج عبر حلقاته المختلفة وهي:

تكريس أن الجنس محور حياة الناس وينبغي أن تكون له الأولوية في حياتنا.

محاولة إقناع الناس أن تعدد العلاقات أمر طبيعي ولا ينبغي الانزعاج منه.

التأكيد على أنه السبب الأساسي وراء انتشار المشاكل الزوجية، وأن الجهل به نتيجته دائماً الطلاق والتفكك الأسري.

الاسراف في تناول حكايات المشاهد العاطفية في السينما وأداء القبلات بإحساس من عدمه.

ومن استعراض النقاط سالفة الذكر يمكن اكتشاف أهداف إيناس الدغيدي ومن يقفون وراءها، من مثل هذا البرنامج الذي تبثه قناة “نايل سينما” وهي قناة رسمية مملوكة للحكومة المصرية ويتم الإنفاق عليها من الضرائب التي يدفعها الناس.

ولم تكتف الدغيدي بالتكريس لقضايا الجنس ولكنها تعرج في بعض الحلقات على قضايا دينية، ونموذج ذلك عندما سألت الفنان محمد رجب مستنكرة زواجه من سيدة محجبة، وهو الفنان المشهور والنجم الذي لا يشق له غبار.

ورغم أن إيناس الدغيدي تحاول أداء المهمة الموكلة إليها بكل الأساليب التي تضمن لها النجاح، إلا أن هذه “الجريئة” لن تثمر سوى نتائج عكسية لما يريدون، ويكفي رفض الكثير من الفنانين لأسئلتها، وقدرتهم على الخروج من الحصار الذي تفرضه عليهم، ونفي الاجابات التي تحاول أن تنطقها نيابة عنهم، والحياء الذي يغطي وجوههم، ليؤكدوا أنه مازال بين أهل الفن بعض الخير، ولكن الطوفان أقوى ويحتاج إلى سدود منيعة لمواجهته.

الخليج الإماراتية في

07/09/2009

 

على الوتر

الجذور” أصغر من الشريف

محمود حسونة 

سافر قبل سنوات إلى الغرب حاملاً معه أحلامه وأحلام كل فنان عربي في الوصول الى العالمية، ورغم تحقيق الحلم والشهرة الكبيرة التي فاقت التصور، إلا انه لم ينس أصوله، ولم يتخل عن هويته وقاوم الكثير من المغريات التي عرضت عليه للتمرد على عروبته ومصريته.. واليوم يعود “المسافر” عمر الشريف إلى جمهوره العربي بحدثين كبيرين، أولهما موافقته على سرد قصة حياته في حلقات مسجلة اطلقوا عليها اسم “الجذور” وتعرض حالياً على فضائيات عدة والحدث الثاني هو بطولته لفيلم “المسافر” الذي فتح نافذة مغلقة أمام السينما المصرية في مهرجان فينسيا العالمي، والذي يعد الثاني أهمية على مستوى العالم.

ورغم جماهيرية الحدث الأول إلا ان الثاني هو الأهم فنياً خصوصاً وأن “المسافر” قد يكون الأكثر تعبيراً عن عمر الشريف وشخصيته وموهبته، بجانب أنه الأمل في أن تعود السينما المصرية للواجهة العالمية بعد أن فقدت الكثير من بريقها ورونقها خلال السنوات الماضية، لتنال نصيبها من انعكاس الأوضاع السياسية والعامة على مجالات الابداع شأنها شأن مجالات الحياة المختلفة.

ويبدو أن عمر الشريف تعامل مع “المسافر” على أنه محطة الحساب عن رحلة فنية عمرها 56 عاماً، صال وجال فيها عالمياً، وحقق الكثير من الانجازات، ليتبوأ مكاناً مهماً بين الكبار في السينما العالمية، وقبل أن يسافر “المسافر” الى مدينة البندقية أعلن في مؤتمر صحافي ندمه على بطولة الكثير من الأفلام الأجنبية والتي وصلت الى 80 فيلماً، وأنه “لا يفتخر سوى بعدد منها لا يتجاوز عدد الأصابع” على حد تعبيره، مقابل قوله “أنا فخور بأفلامي المصرية باستثناء بضعة أفلام اسقطتها من الذاكرة” علماً بأن أعماله العربية لا تتجاوز 25 فيلماً.

الشريف حاسب نفسه، ولم يخجل من أن يعلن ندمه أمام الجميع على دوره في فيلم “جيفارا” الذي انتجته هوليوود عام 1968 أي بعد عام واحد من وفاته معترفا “لقد خدعوني” لم أكن أعرف ان ال”سي آي إيه” كانت وراءه، وأنهم ضمنوه أحداثا ملفقة، وأكاذيب للاساءة لهذا المناضل”.

- “المسافر” هو الفيلم الذي نأمل أن يتوج رحلة عمر الشريف السينمائية بجائزة دولية تعوضه عن الأوسكار التي رشح لها مرتين، وامتدت الأيادي الخفية لتستبعده في اللحظات الأخيرة.

وبالعودة للحدث الأول، وأقصد به البرنامج التلفزيوني “الجذور” والذي كنا نأمل أن يكشف خلاله فصولاً من أسرار رحلة نجاح وشهرة عالمية، إلا أنه جاء مخيباً للآمال، بل أن ما قاله عمر الشريف في المؤتمر الصحافي من تلقاء نفسه أهم بكثير مما قاله في برنامج يفترض أنه يحكي فيه قصة حياته كاملة، ولعل السبب في ذلك أن منتج البرنامج ومخرجه نبيل عبدالنعيم تعامل معه على أنه مجرد “سبوبه” لا هدف من ورائها سوى تحقيق بعض الأرباح والاتجار باسم الفنان العالمي، وهو ما يتضح من مجرد تكليف الممثلة مروة حسين بتقديم البرنامج  وإدارة الحوار، وهي لا تملك أي موهبة في هذا المجال بجانب أنها ولو كانت ممثلة معروفة، إلا أن البرنامج كشف أنها “بيضاء الذهن والذاكرة” وليس لها أي خلفيات ثقافية ولا فنية.

قالوا إن سبب اختيار مروة هو أنها كانت الوسيط بين المنتج وبين عمر الشريف الذي عملت معه في المسلسل الفاشل “حنان وحنين” وأنها هي التي أقنعته، ولذا كان لابد أن تحصل على نصيبها في الصفقة التي أساءت للفنان العالمي قبل أن تسيء للمتاجرين به.

هل تصدقون أن عمر الشريف قال لها إن اليهود استغلوه، واحتكروه 7 سنوات، دفعوا له خلالها 20 ألف دولار عن كل فيلم رغم أنه أول فنان عالمي تقاضى مليون دولار عن فيلم، وأنهم كانوا منزعجين من أنه مصري، وأنهم حاولوا إقناعه بتغيير جنسيته بكل الوسائل” إلا أن هذه المعلومات لم تستوقف الست المذيعة، بل سألته بعدها “وماذا مثلت بعد فيلم لورانس العرب”!!

المعروف أن عمر الشريف فنان خجول، لا يصد أحدا طرق بابه، وما أضافه إلينا خلال شهادات زملائه النجوم وأصدقائه، أننا اكتشفنا مدى تواضع هذه النجم الكبير الذي لا يصل إلى مكان إلا ويسارع إلى مصافحة الجميع بمن فيهم البواب والخدم، حتى في الاستوديو يجلس في أوقات الاستراحة مع العمال ولا يدخل الغرفة المخصصة له، وأمام هذا التواضع الكبير جاء “الجذور” أكثر تواضعاً من حيث القيمة والجودة، ما يدل على أن النجم وقع ضحية صنّاع البرنامج، والقنوات التي تبثه وتعيد حلقات منه من دون توضيح أو تبرير، علماً أن ما يقوله عمر الشريف في كل حلقة يكاد لا يتجاوز ال 5 دقائق، أي أن إجمالي وقت التسجيل قد لا يصل إلى ساعتين تم تقطيعها في 30 حلقة، ولكم أن تتخيلوا مدى الربح في صفقة بيع الحلقات، لذلك من المعيب أن يحاول البعض استغلال النجم العربي الوحيد الذي وصل إلى العالمية بحق، وتمسك بأصوله وجذوره، وأن نراه في أعمال هشة مثل “حنان وحنين” و”الجذور”، إنها إهانة له وللجمهور ولتاريخ الفن العربي.

الخليج الإماراتية في

06/09/2009

 

على الوتر

الكاميرا الخفية” خارج الزمن

محمود حسونة 

عندما ظهرت “الكاميرا الخفية” جذبت الناس إليها، والتف المشاهدون حول الشاشات التي تعرضها، بعد أن وجدوا فيها نمطاً برامجياً يخرج عن المألوف في زمن “الجمود” البرامجي و”الارستقراطية” الدرامية، ومن خلالها كان الكشف عن “المخفي” في النفس البشرية، والغوص في أعماق الإنسان، بحثاً عن ردة فعله عندما يتعرض لموقف استفزازي أو مفاجئ أو غريب.

وبعد نجاح هذا النمط التلفزيوني سعى إليه كثير من الفنانين الذين لم يكن لهم مكان على خريطة الدراما والتمثيل، ونجح البعض منهم في أن يحقق جماهيرية ونجومية من خلالها مثل إبراهيم نصر الذي قدمها بأشكال مختلفة، وكان النجاح نصيباً لمن لديه مهارات أكبر في استفزاز الناس واستثارتهم بأي وسيلة ممكنة.

وفي الماضي كان البسطاء من الناس هم وقود هذه البرامج الكوميدية، وكان نجومها يبحثون عنهم في المناطق العشوائية والأحياء الشعبية، باعتبار أنهم الأكثر هماً والأسهل استفزازاً، وحدثت الكثير من الشكاوى من ضحايا هذا النمط لدرجة أن البعض أصابته أمراض، وبعضهم كان مريضاً وراح ضحية مقلب سخيف، ولعلكم تدركون تأثير الابتزاز والاستفزاز على مرضى القلب بشكل خاص، ولم يك ذلك رادعاً لهؤلاء الذين جعلوا من “الكاميرا الخفية” تجارة مضمونة الأرباح حتى ولو كان على حساب الغلابة.

ومع مرور الزمن انكشفت اللعبة، ولم تعد تجدي، بل إن بعض نجومها تعرضوا للضرب بعد اكتشاف الناس لأمرهم، ولذا كان لا بد من البحث عن وسيلة أخرى تضمن استمرارها، وكان اللجوء لأهل الفن، ليكون “زيتهم في دقيقهم” كما يقول المثل.

وفي هذا الإطار شاهدنا برنامج “حيلهم بينهم” الذي برع فيه الشاب طارق الجنايني، واعتمد على استضافة الفنانين ومحاورتهم بأسئلة مستفزة ومغلوطة، والهدف فقط إحداث حالة من الاشتباك اللفظي، وهو ما كشف عن ملامح مجهولة في حياة بعض الفنانين، وأصبحنا نعرف الواثق في ذاته ممن يسهل تشكيكه في كل إنجازاته. كما  عرفنا المستقر نفسياً ممن تصيبه حالات من التوتر لو وجهت له أبسط كلمات النقد. ودائماً تنتهي الحكاية بإخبار المذيع للفنان بأنه وقع ضحية برنامج “حيلهم بينهم” ويكون الختام بكلمة “انت فنان عظيم ونحن نحبك”.

ونتيجة نجاح هذا البرنامج كان سعي البعض لقطف ثمرة من شجرته، والتي جاءت باسم “حيلهم بينهم كمان وكمان” الذي تبثه حالياً فضائيات عدة بينها قناة أبوظبي عقب أذان المغرب، وجاء هذا البرنامج معدلاً، حيث لم يعد يعتمد على الحوار، ولكن على خلق حالة اشتباك لفظي بين فنان معروف وآخر مغمور تستضيفهما مقدمة البرنامج هبة مندور باعتبار أن الأول “نجم النجوم” والثاني “نجم المستقبل” الذي تم اختياره بناء على استفتاء جماهيري عبر الإنترنت. وتكون مهمة “المغمور” استثارة “المعروف” بكل الوسائل، سواء بالتحدث معه بغرور من أعلى أو اقتحام حواره، أو التعبير له عن أنه لم يكن موفقاً في هذا العمل أو ذاك، أو تقديم النصائح والإرشادات له، وتكون النتيجة استثارته، وحدوث الاشتباك المطلوب، والمذيعة ملتزمة الصمت أو على الأكثر تحاول التهدئة بينهما أو اشعال فتيل المعركة، عندما تحس أنها في طريقها للهدوء.

باختصار “حيلهم بينهم كمان وكمان” برنامج منوعات كوميدي مصنوع على نمط البرنامج السياسي “الاتجاه المعاكس” الذي تبثه قناة الجزيرة منذ إنشائها ويقدمه فيصل القاسم الذي يجيد مهارة إشعال النيران وسكب البنزين على النار حتى تظل مشتعلة طوال مدة البرنامج.

وهبة مندور ليس لها دور في البرنامج، سوى إقناع الضيف المعروف بنجم المستقبل الذي برع في أداء دوره ممثل سينطلق إلى عالم الشهرة من خلاله هو محمد شاهين فالميزة أن ردود فعل الفنانين كشفت عن مستور شخصياتهم مثل الفتاة التي نتخيلها رومانسية منة فضالي وهي الأشرس والأكثر غروراً، وأيضاً شيرين التي قذفت الفتاة المغمورة بحذائها، ومها أحمد التي ضربتها بالأيدي وهددت “بتمزيقها” ومحمد لطفي شتم الجميع وطرد المذيعة والممثل الشاب من الاستوديو.

أما المفاجأة فكانت الممثلة علا غانم التي ظهرت أكثر رقياً في تعاملها مع الموقف رغم الجهد الذي بذلته الفتاة المغمورة لاستفزازها، وكذلك الملحن عصام كاريكا الذي يختار ألفاظه جيداً عندما يتعرض لمثل هذه المواقف.

ولعل الخطأ الأكبر في البرنامج عدم احترام القائمين عليه لتاريخ وعمر بعض الشخصيات، وخداعهم بتعريضهم لمواقف صبيانية، وأقصد بشكل خاص الفنان الكبير حسن مصطفى والفنان سعيد صالح، وكان ينبغي أن تستمر اللعبة شبابية شبابية.

وبعد المراحل التي تطورت من خلالها “الكاميرا الخفية” ولجوء الكثيرين لفبركتها والاتفاق مع مختلف الأطراف على ردود الفعل عليها، فقد أصبحت موضة برامجية باهتة ينبغي حذفها بشكل كامل في المستقبل، بعدما أصبح متاحاً للناس مشاهدة “كاميرا خفية” أخرى غير مفبركة وصادقة 100% وأقصد بها الأفلام الموجودة على موقع “يوتيوب” على شبكة الإنترنت، وهي التي قدمت ما عجز عنه برنامج “الضحك على الذقون”، وخصوصاً أنها اقتحمت حياة الساسة وصناع القرار وكشفت بعض المستور في حياتهم، ولم تضحك الناس على البسطاء بقدر ما أبكتهم على حالهم وحال من يقودونهم إلى المجهول.

الخليج الإماراتية في

05/09/2009

 

على الوتر

وحدة فنية عربية

محمود حسونة  

نجحت الدراما في أن تتجاوز هذا العام، مخططات من حاولوا اثارة الفتنة بين الفنانين العرب، وإصابتهم بالداء الذي أصاب الساسة وطلاب السياسة العربية في مقتل، وحول حكوماتنا إلى أنظمة متناحرة ومتشرذمة ومتصارعة باسم الطائفية والمذهبية والمناطقية وغيرها من الأوهام التي يروج لها المستفيدون من فرقتنا وخلافاتنا، الخاسرون من أي محاولات للتقارب العربي.

ما أصاب السياسة حاول البعض ان يطبقه على الفن خلال السنوات الماضية، وعندما اسندت بطولة المسلسل المصري “حدائق الشيطان” للفنان السوري جمال سليمان قبل 3 سنوات، سادت حالة من الهرج والمرج الإعلامي والفني، شارك فيها نجوم وصحافيون ونقاد، كان منهم من هاجمه محاولا النيل من موهبته، ومن شكك في انتمائه الفني والوطني، كما كان بينهم من اعتبره المنقذ للدراما المصرية “المنهارة”.

وبدلا من دعم اتجاه التعاون الفني سمعنا كلاماً لا يدعو سوى للفتنة الفنية، ولا هدف له سوى مزيد من التشرذم العربي.

ورغم شراسة الحملة التي قادها فنانون “كبار صغار” وتبعهم إعلاميون كما القطيع، إلا أن نتيجتها كانت عكس ما أرادوا، نتيجة ما لدى البعض من وعي وحكمة قطعت عليهم الطريق.

وفي العام التالي شاهدنا حالات أكثر للتعاون الفني، وانتقلت العدوى الجميلة من الدراما إلى السينما، ومن التمثيل إلى مختلف عناصر الصناعة الفنية من إخراج وتصوير ومونتاج وديكور وحتى الماكياج والكوافير. وكانت الحصيلة مجموعة من الأعمال الأكثر تميزاً، والتي لن تسقط من ذاكرة الجمهور العربي مثل مسلسلي “اسمهان” و”الملك فاروق” وغيرهما.

وبدلاً من العمل بمنطق ضيق، ساد منطق جديد يؤكد ان كل دور يبحث عن ممثله على المستوى العربي أياً كانت جنسيته، وكل عمل يختار مخرجه أياً كان انتماؤه، ورغم ذلك فإن اليد العابثة لم تهدأ حيث فوجئنا بالأزمة تتجدد على يد الدكتور أشرف زكي نقيب الممثلين المصريين، الذي خرج علينا في مؤتمر صحافي ليعلن وقف منح تصاريح التمثيل في الأعمال المصرية للفنانين العرب، بهدف إتاحة الفرصة للعاطلين وغير الموهوبين من أعضاء النقابة، وهو الأمر الذي صاحبه كثير من الجدل، لنسمع العديد من التفسيرات للقرار من النقيب ذاته، والتي لم تكن سوى محاولات للتراجع عن ما ورطوه فيه، ولكن بما يحفظ ماء وجهه، ووصل الأمر في النهاية إلى أن المقصود هو عدم السماح للفنان العربي ان يعمل سوى عمل واحد في مصر سنوياً.

هذا العام.. كادت الوحدة الفنية ان تتحقق، وتكاد الأعمال المشتركة ان تكون القاعدة والأعمال القطرية هي الاستثناء، ومضى قطار التعاون الفني يسير بسرعة غير مسبوقة، جاعلاً من يقف أمامه ضحية له، وأيضاً منذراً من سيفوته بأنه سيجلس وحيداً نادباً حظه ومستغرقاً في خيبة أمله.

نشاهد حالياً على الشاشة أعمالاً تجمع الموهوبين من دول عربية عدة، ومن خلال احصائية بسيطة فإن الدراما المصرية وحدها يشارك فيها 30 فناناً عربياً من سوريا ولبنان والأردن والدول الخليجية، و7 مخرجين من سوريا ولبنان والأردن، ولأول مرة شاهدنا عملاً واحداً للمخرج الإماراتي جابر آل رحمة.. كما شاهدنا أعمالاً اشترك في انتاجها رأس المال العربي الذي ينتمي لدول عدة.

وحالة التعاون التي نحصد ثمارها حالياً انعكست على مضمون الأعمال الدرامية حيث تتابع أول مسلسل عن سنوات الوحدة بين مصر وسوريا باسم “أيام الحب والحرب” بطولة سلاف فواخرجي وياسر جلال وإخراج وائل رمضان. كما نتابع أول مسلسل عربي عن احتلال العراق وسقوط بغداد في يد القوات الأمريكية وآثارها عربياً وهو “هدوء نسبي” بطولة عابد فهد ونيللي كريم وبيار داغر، ولأول مرة أيضاً نتابع عملاً يتناول مشاكل المرأة العربية في اكثر من دولة وهو “كلام نسوان” بطولة لوسي ونادين الراسي ومايا دياب والسعودي خالد سامي.

ولعل حالة التعاون العربي المشهودة حالياً تكون باب أمل للمبدعين الذين ينتمون لدول غير موجودة على الخريطة الدرامية الرمضانية، وخصوصاً لبنان الذي يتواجد فنانوه في المسلسلات المصرية ويلعبون أدوار البطولة ويتألقون وينالون اعجاب الجمهور والنقاد، بل ان بعضهم يشارك في اكثر من عمل مما يؤكد تراجع نقيب الممثلين المصريين عن قراره وأيضاً بشكل كامل يتصدون لبطولة أعمال سورية وأردنية ليؤكدوا التألق في كل مكان بعد سنوات من الغياب شبه الكامل عن خريطة التنافس الدرامي في رمضان.

ان ما يحدث يؤكد ان أهل الفن اكثر وعياً من أهل السياسة، وانهم اكثر إحساساً بالهم العربي وإصراراً على تجسيده سوياً مهما كانت نعرات القطرية التي لا أعتقد أن لديها فرصة لأن تعلو بعد اليوم.. وما يحدث ليس سوى احياء لصورة من الماضي الجميل عندما احتضن الفن المصري كل فنان عربي من دون معارك وهمية، ومع هؤلاء العظام وأعمالهم تشكلت السينما المصرية التي لا نزال نستمتع بأفلامها من زمن الأبيض والأسود، وهو ما نتمنى ان يتكرر في فن اليوم لتستمتع الأجيال المقبلة بما ينجم عن هذه الحالة الفنية من أعمال نتمناها أفضل من ميراثنا عن الأوائل.

mhassoona@yahoo.com

الخليج الإماراتية في

01/09/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)