حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

                          دراما رمضان التلفزيونية لعام 2012

أيقونة التمرد.. تحية كاريوكا

بقلم: ماهر زهدي

الحلقة ( 7 )

الطريق

لم تكد تحية كاريوكا تنتهي من فقرتها في «الكازينو» حتى لمحت المخرج حسين فوزي بين الحضور، فأشار إليها بيده وردت التحية، ثم فوجئت به يطلب منها أن تأتي إلى مكتبه صباح اليوم التالي.

ظنت تحية كاريوكا أن حسين فوزي سيعرض عليها المشاركة في فيلم سينمائي جديد له، وبالتأكيد ستشارك كمجرد «راقصة» كالعادة، فقررت وهي في طريقها لمقابلته أن تذهب احتراماً للموعد فحسب ثم تعتذر له، فقد أخذت عهداً على نفسها ألا تشارك في السينما بمثل هذه النوعية المقصورة على الرقص.

في الموعد المحدد، دخلت مكتب حسين فوزي فوجدته في انتظارها، وبصحبته الفنان الشاب حسين صدقي، فتأكد حدسها بأنه يحضر لفيلم سينمائي. لكن الشك بدأ يساورها بأن الأمر ربما يختلف هذه المرة، خصوصاً أن حسين صدقي بمفرده ولا بطلة معه، لكن ما إن بدأ فوزي وصدقي كلامهما حتى نسفا لها كل ما جال في خاطرها:

= شوفي يا توحه. أنا فاهم أنك مش راضية عن التجارب اللي انت عملتيها في السينما لحد دلوقت، وآخرها فيلم «ليلى بنت الريف» بتاع توجو مزراحي.

* ماعرفش إيه الميزة في كدا… ما أنا برقص في الصالة زي ما برقص قدام الكاميرا… إيه الفرق؟

= انت عارفه أن المنتجين والمخرجين لهم الفنان الجاهز. يعني اللي بيمثل أو بيغني.. زي أمينة محمد وليلى مراد ورجاء عبده وعقيلة راتب وغيرهم. يعني ما حدش هايديك الفرصة بسهولة. علشان كدا أنا فكرت في الحل لأني بصراحة شايف أنك وجه سينمائي هايل مش واخد فرصته. ودا برضه رأي أخويا حسين صدقي.

ـ من مجرد جملتين قولتيهم في فيلم «الدكتور فرحات» عرفت على طول أنك ممثلة هايلة بس عايزة فرصة.

* دا من ظرفك بس يا أستاذ صدقي.

= خلينا في المهم… إيه رأيك يا توحة لو تدخلي معايا أنا وأخوك حسين صدقي شريكة في شركة أفلام.

* إيه؟ أنا شريكة؟ إزاي ومنين؟

= أنا عارف إنك ما شاء الله بتكسبي كويس من الرقص… وكمان يعني ممكن محمد سلطان باشا جوزك ممكن.

* سلطان باشا… هاهاهاها. قول كدا بقى… احنا اتطلقنا.

= لا والله مش قصدي… بس أنا قصدي أن دا الحل اللي ممكن.

* أنا فاهمه قصدك. هي تجربة مجنونة أنا مش مستعديه لها دلوقت ولا حتى بعدين. بس طالما انتوا فكرتوا فيا، أنا مش هأكسفكم. هي الحكاية محتاجة أد إيه.

= يعني احنا لو أشهرنا الشركة مش هانبقى محتاجين غير ميزانية أول فيلم نبدأ بيه على الأقل. يعني حسبة تمن أو عشر تلاف جنيه. خليها على المتوسط نقول تسع تلاف جنيه… يعني هايكون نصيب كل واحد فينا احنا التلاتة تلات تلاف جنيه.

* باعتباري أنا البطلة إن شاء الله وحسين صدقي البطل، وانت المخرج… يبقى نشيل أجورنا من الميزانية.

ـ ما شاء الله عقلية اقتصادية جاهزة. برافو عليك يا توحه. اسمحي لي أقولك يا توحة

* ياعم قول اللي انت عايزه. المهم لو افترضنا أن الأجور تلات تلاف جنيه… يفضل سته. يبقى نصيب كل واحد فينا في الشركة ألفين جنيه… أنا معايا ألف جنيه كاش. ومعايا دهب وخاتم ألماظ يعملوا حوالي خمسميت جنيه… وهاقدر أتصرف في زيهم. يبقوا الألفين بتوعي.

= وأنا معايا الفين.

ـ وأنا شرحه… يبقى على بركة الله.

= يفضل اسم الشركة.

ـ ايه رأيكم في «شركة أفلام الشباب»؟

* اسم حلو أوي.

= يبقى نتوكل الله. نبعت للمحامى يجي بعد الضهر ونكتب العقود..

ـ المهم اننا ما نضيعش وقت ونبدأ نجهز للفيلم.

* أنا من رأيي اللي يكتبه بديع خيري.

= مفيش غيره.

دروس في الفن والحياة

كتب بديع خيري الفيلم بعنوان «أحب الغلط» الذي أرادت تحية كاريوكا أن تقدم نفسها من خلاله بصورة جديدة على طريقة نجمات «هوليوود» تمثل وترقص وتغني، وطلبت منه أن يكتب لها مشهداً استعراضياً غنائياً راقصاً، فكتب لها:

الفن الفن الفن… من صغري بحب الفن

كنت أشوف العصفور… يرقص على غصن الفل

علمني الرقص معاه… وأنا جيت علمت الكل

الفن الفن الفن… من صغري بحب الفن

أرقص لك رقص الشام.. تحسبني شامية تمام

وأمسك لي يا أستاذ ع التوكا…

هارقص لك بلدي… وكاريوكا.

فى موقع التصوير وقف المخرج حسين فوزي يطلب من تحية الخضوع السماح لخبير التجميل بوضع الماكياج اللازم لها:

= يا مدام تحية… الأستاذ حلمي رفله الماكيور هو اللي حيعملك الماكياج.

* أهلا وسهلا يا أستاذ… بس أنا ما بعملش ماكياج. أنا ممكن أسرح شعري بس لكن أنا لا بحط أحمر ولا أخضر. أنا عايزه أظهر بطبيعتي كدا. زي ما أنا في الحقيقة من غير ماكياج. عايزه الجمهور يشوفني زي ما أنا.

ـ أيوه بس يا مدام تحية البطلة لازم تبقى جميلة على الشاشة وبماكياج كامل.

* بس الجمال مش بالشكل بس… وبعدين دي رغبتي. عموماً أنا بشكرك يا أستاذ حلمي.

جاء هذا الكلام بمثابة رسالة أولى أرادت تحية أن تصل، ليس إلى السينمائيين الذين يعملون معها فحسب، بل إلى الوسط السينمائي كله، والأهم إلى جمهورها الذي تقدم نفسها له كبطلة سينمائية جديدة، من دون ماكياج خارجي، كما هي دون ماكياج داخلي.

أما الرسالة الثانية، فجاءت بعفوية وتلقائية عندما دارت كاميرا المخرج حسين فوزي لتصور مشهد «الفن» الذي يجمع بينها وبين حسين صدقي في استقبال الفيللا، حيث يجلس ويعزف لها على البيانو، بينما ترقص تحية وتغني، وما إن دارت الكاميرا حتى نادى المخرج حسين فوزي بالتوقف:

= ستوب… ستوب.

* إيه يا أستاذ حسين. احنا لسه بنقول بسم الله الرحمن الرحيم. مقلناش حاجة لسه.

= أيوه يا توحه. انت المفروض هترقصي وتعملي استعراض في الأسكتش دا.

* أيوه ما أنا عارفه… وهحرك شفايفي مع الأغنية والموسيقى وأنا برقص.

= ماهو علشان كدا… لما بصيت في الكاميرا لقيت الكادر ضيق أوي؟ شوفو لنا الأستاذ ولي الدين سامح مهندس المناظر يجي يفتح الديكور دا ويوسع الكادر.

* لحظة يا أستاذ حسين. أنا عارفه أن الديكور ضيق في المشهد… بس أنا مش محتاجة أكتر من متر مربع واحد علشان أرقص فيه.

= إزاي يا مدام… متر مربع؟!

* أيوا. أنا هارقص مش هاحارب… وبعدين شوف المشهد لو ما عجبكش نعيده.

دون أن تدري لقنت تحية الجميع درساً بليغاً في الرقص الشرقي الحقيقي، وليس المبتذل، وكيفية تقديم لوحة استعراضية في مساحة متر مربع من دون اللجوء إلى حركات زائدة للجسد، ربما كان الغرض منها الإثارة ليس أكثر، وهو ما لا ترضى به تحية، وهو ما لفت الفنان سليمان نجيب، مدير الأوبرا الملكية، الذي حضر إلى المسرح بالصدفة لتصوير أحد أعماله في مسرح مجاور، وقف وسمع ما قالته تحية عن الماكياج، وعن المساحة التي تقدم فيها فنها، ثم راح يشاهد المشهد وهو بين الانبهار والإعجاب، سواء بتفكير هذه النجمة الصاعدة وكيفية إدارتها الأمور، أو أدائها كممثلة ترقص وتغني وتمثل أمام الكاميرا. ما إن انتهى تصوير المشهد، حتى وجدت تحية من يصفق لها بحرارة، لم يكن المخرج ولا عمال الأستوديو بل الفنان سليمان نجيب:

= هايلة… هايلة… هايلة يا بنت انت يخرب عقلك جننتيني… بهرتيني.

* سليمان بيه نجيب… إيه الشرف العظيم دا؟

= الشرف ليا أنا. انت فنانة موهوبة بجد يا توحة… أنا هاسيبكم دلوقت تكملوا شغلكم. بس لازم أشوفك ونتكلم شويه. خدي دا تليفوني ابقي كلميني.

الأب الروحي

انتهى تصوير الفيلم الذي شارك فيه إلى جانب تحية وحسين صدقي، أنور وجدي ومنسى فهمي، وعرض في 9 يناير 1942 في سينما كورسال لينتقل بعدها إلى الإسكندرية ثم إلى المنصورة، والثلاثي (تحية وحسين صدقي وحسين فوزي) يرافقونه في رحلات عرضه كافة، لحضور ليلة العرض الأولى في كل محافظة، وحقق الفيلم أرباحاً لم يتوقعوها. غير أن الأهم أنه كتب شهادة ميلاد تحية كاريوكا كممثلة بارعة، لفتت إليها الأنظار كافة، غير أنها كان لا بد أن تفي بوعدها مع الفنان سليمان نجيب، فربما يريدها أن تعمل معه في أحد الأفلام، وإن كان من غير المعقول أن يطلب منها أن ترقص فوق خشبة مسرح دار الأوبرا الملكية، غير أنها ما إن التقت به، لم تصدق ما قاله لها:

= شوفي يا توحة انت فنانة موهوبة بالفطرة وعندك استعداد هايل تبقي الممثلة الأولى في الشرق.

* دا كلام كبير أوي يا سليمان بيه أنا مش أده.

= لو عارف أن تحية كاريوكا من الفنانات اللي بيركبها الغرور مش هاقولك الكلام دا… لكن أنا عارف إن معدنك طيب.

* دا شرف ليا يا سليمان بيه.

= سيبك من بيه وتيه… وخلينا في المهم. أولاً انت لازم تتعلمي.

* أنا كنت في المدرسة وبعرف أقرا وأكتب.

= يا ستي وماله كويس. بس المهم انك تتعلمي تكتبي وتقري انجليزي وفرنساوي كويس. لازم تتعلمي ترقصي باليه… تسمعي مزيكا كتير… تتعلمي المقامات الموسيقية والسلم الموسيقي… تتعلمي إزاي تتكلمي وتقعدي مع الطبقة الأرستقراطية، ومخارج الحروف تبقى صح لو غنيتي أو حتى اتكلمت كلام عادي.

* بس أنا مش مغنية.

= يا ستي الأمر ما يسلمش… يجي دور لازم تأدي فيه أغنية تبقي جاهزة يا ستي.

* يعني هادخل معهد الموسيقا.

= لا… فيه ست أرمنية هايلة اسمها مدام «رطل» دي هاتتولى تدريبك… لازم تبقي حاجة مختلفة عن كل اللي حولك.

* سليمان بيه أنا مش عارفه أقولك إيه؟

= ما تقوليش حاجة. شوفي يا توحة… الفنان لازم يتعلم لأنه مش ممكن يستغني عن العلم.

لم تصدق تحية ما فعله معها سليمان نجيب لتبدأ مشواراً جديداً مع الفن والحياة، ما شجعها على التفكير في الدخول في تجربة فنية جديدة، خصوصاً بعد نجاح «أحب الغلط»، لولا الأحداث التي ألمت بمصر من جراء الحرب العالمية الثانية.

في نهاية يناير من عام 1942، ساد الاضطراب الحياة السياسية في مصر، خصوصاً مع وصول قوات «المحور» إلى «بني غازي» في ليبيا، وراحوا يواصلون زحفهم نحو الشرق في اتجاه مصر، فاتخذ وزير الخارجية المصري قراراً بتجميد العلاقات الديبلوماسية مع فرنسا، بإيعاز من السفارة البريطانية من دون أن يأخذ رأي الملك فاروق الذي سافر ليمضي إجازته الشتوية في أسوان، غير أنه ما إن علم حتى عاد إلى القاهرة، وأقال وزير الخارجية من منصبه. في 2 فبراير من العام نفسه، قدمت الحكومة (المدعومة من السفارة البريطانية) استقالتها، فقبلها الملك فاروق فوراً لتنفجر الأزمة التي شاءت الظروف لها أن تأخذ مسحة درامية.

الحرس الحديدي

ما إن علم الشعب المصري بخبر هجوم الألمان ودخولهم بني غازي وأنهم يزحفون في طريقهم إلى مصر حتى انفجرت التظاهرات في الشوارع تردد الهتافات المؤيدة لروميل وقوات المحور: تقدم يا روميل… إلى الأمام… إلى الأمام يا روميل.

أحيت استقالة الحكومة المصرية كثيراً من الآمال، وفي الوقت نفسه أصبحت الدسائس تحاك ضد القصر والملك فاروق، الذي وقف متردداً لا يستطيع اتخاذ قرار، فقررت السفارة البريطانية أن تتدخل بطريقتها في حسم الأمور.

في مساء 4 فبراير 1942 حاصرت القوات البريطانية قصر عابدين بالمدافع والدبابات، بل وانتزعت بعض الحواجز الحديدية أمام القصر، وجردت ضباط الحرس الملكي من أسلحتهم، وفي التاسعة من مساء اليوم نفسه دخل مايلز لامبسون بصحبة الجنرال ستون إلى القصر الملكي، وأجبروا الملك فاروق رسمياً على أن يكلف رئيس الوفد، مصطفى النحاس باشا، بتشكيل الوزارة الجديدة، فاضطر إلى الرضوخ لهم.

انتهت الأزمة بين الإنكليز والقصر، وفي السابع من فبراير أعلن مصطفى النحاس حل مجلس النواب، ودعا إلى الانتخابات البرلمانية، فقاطعها الأحرار الدستوريون والسعديون، ما أدى إلى اكتساح الوفد الانتخابات، وحصل على 234 مقعداً من مجموع 264 مقعداً أما الثلاثون فكانت من نصيب مرشحين مستقلين.

كسب مصطفى النحاس عداء الملك فاروق وحنقه، حين قبل أن يتولى رئاسة الوزراء بناء على طلب الإنكليز، أما أمين عثمان فكان هو الرأس المدبر لهذا الحدث الذي أوغر صدر الملك تجاه الاثنين، أمين عثمان مدبراً ومصطفى النحاس منفذاً، فقرر أن ينتقم منهما… ولكن كيف؟

كلف الملك فاروق طبيبه الخاص الدكتور يوسف رشاد وزوجته ناهد رشاد (صديقة الملك) التي كانت تعمل وصيفة في القصر الملكي، بتشكيل تنظيم اسمه «الحرس الحديدي» مهمته الإحاطة بالملك وحراسته ممن حوله من الخونة الموالين للإنكليز وتصفيتهم جسدياً، على أن يكون أعضاؤه من المعروفين بعدائهم للإنكليز وعملائهم من المصريين.

بالبحث والتقصي، لم يجد الدكتور يوسف رشاد من هم أكثر عداء للإنكليز من أعضاء «الجمعية الوطنية الاشتراكية» المتهمين باغتيال رئيس أركان الجيش المصري إبراهيم عطا. اتصل يوسف رشاد بهؤلاء المتهمين بالسجن، وساعدهم بأمر من الملك بالحصول على البراءة.

تقرَّب يوسف رشاد وزوجته ناهد شيئاً فشيئاً إلى هؤلاء الضباط الاشتراكيين وزعيمهم مصطفى كمال صدقي، وحين استقرت الثقة بين الطرفين قرر يوسف رشاد مفاتحة صدقي في أمر التنظيم الجديد، الذي يحمي فاروق من خصومه الإنكليز وعملائهم من المصريين.

رقص بالإكراه

كانت التقارير التي وضعتها أجهزة القصر والجيش أمام فاروق تقول إن الضابط مصطفى كمال صدقي يعتنق المذهب الاشتراكي على طريقة «تروتسكي» وأنه يدمن الخمر والمخدرات، يحب ارتياد «الكازينوهات» ومجالسة الراقصات، يحب التأنق وارتداء كل ما هو جميل ولافت، ويحب الطعام الفاخر، وفوق ذلك كله يحلم بالشهرة، وتدور في رأسه خيالات البطولة والزعامة.

رأى فاروق بحاسته أن هذا هو النموذج الذي يبحث عنه لينفذ له مؤامراته في القتل والتخلص من الخصوم… فرجل بهذه المواصفات لا بد من أن يحتاج دائما إلى الأموال التي تعينه على المتعة، فضلاً عن أن الخمر والمخدرات يمنحانه شجاعة وجرأة مطلوبة للإقدام على القتل من دون تردد أو خوف!

اعتاد الملك فاروق أن يلتقي ببعض هؤلاء مع يوسف رشاد في بعض «الكباريهات» والملاهي الليلية، وإن لم يكن في حاجة إلى سبب لمجالسة الراقصات، فقد تعود بعد عام من زواجه من الملكة فريدة، وما إن أنجبت له أولى بناته، أن يرتاد عدداً من هذه الأماكن التي اعتاد خادمه الإيطالي أنطوان بوللي أن يهيئها له، بل وينتقي له ما يشاء من الراقصات، كانت أولهن حكمت فهمي، وبعدما سافرت إلى أوروبا، استطاع بوللي أن يجد البديل بسهولة، فلم يكن هناك أشهر من تحية كاريوكا.

جاء مندوب من القصر الملكي إلى كاريوكا يطلب منها أن ترقص غداً في ملهى اسمه «كيت كات»، على الضفة الغربية من النهر المقابلة لحي «الزمالك» حيث تنتشر «العوامات»، وهو الملهى نفسه الذي كانت ترقص فيه حكمت فهمي قبل سفرها، فدهشت تحية لهذا الطلب:

* أيوه بس أنا ما برقصش في الكباريه ده.

= مش مهم… أنت هتروحي هاتلاقي صاحب «الكباريه» في استقبالك. ولو عايزه تمضي معاه كنتراتو هيكون على استعداد وبالأجر اللي أنت عايزاه.

* أيوه أفهم بس ليه دا كله؟

= مش مهم تفهمي حاجة… لكن اللي لازم تفهميه أنك تبقي مهيأة نفسك بكره علشان هاتكوني في الضيافة الكريمة لجلالة الملك فاروق الأول.

لم تنم تحية ليلتها، وجال في خاطرها ما قد يحدث في هذا اللقاء وبعده، خصوصاً أنها قد سبق ووصلت إلى سمعها حكايات وأساطير عن ليالي الملك، لدرجة إنها فكرت في أن تغادر مصر، لكن إلى أين؟ والوقت ضيق، وهروبها إلى أي مكان داخل مصر لن ينجيها منه.

اتصلت بصديقها الفنان سليمان نجيب الذي لاحظ توترها، وفهم ما ترمي إليه، فراح يهدئ من روعها، ويزيل مخاوفها وشكوكها:

= شوفي يا توحة أنا هاقولك كلمتين حطيهم حلقة في ودنك… أوعي تصدقي أن فيه حد ممكن يعمل حاجة غصب عنه.

* أيوه بس دا الملك… يعني محدش يقدر يقول له لا على أي حاجة يطلبها.

= عارف يا ستي عارف. بس أنت كمان تحية كاريوكا… اللي مفيش حاجة قدرت تكسرها. أنا مش هاقدر أقولك غير أنك تخليك على طبيعتك وأنت تقدري تتغلبي على الموقف. فهماني؟ خليك على طبيعتك وماتخافيش.

(البقية في الحلقة المقبلة)

الجريدة الكويتية في

26/07/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)