حب ثوريّ
وقع اختيار الضباط الأحرار على علي ماهر ليكون رئيس وزراء مصر الجديد،
بدلاً من نجيب الهلالي، ليعطي الأمان للملك وفي الوقت نفسه لعلاقته الطيبة
بمحمد نجيب، وتولى علي ماهر توصيل مطالب الضباط للملك.
انتقل الضباط الأحرار لتنفيذ المرحلة الأخيرة من خطتهم لعزل فاروق
وتولية نجله أحمد فؤاد تحت مجلس وصاية، فأحكموا سيطرتهم على الإسكندرية
وانتقل محمد نجيب مع ستة منهم إلى المدينة مساء يوم 25 يوليو لوضع خطة عزل
فاروق وتنفيذها. اتفقو على اتجاهين، يقضي الأول بمحاكمة فاروق وإعدامه،
والآخر بنفيه خارج البلاد، فأرسلوا جمال سالم إلى القاهرة لاستطلاع رأي
جمال عبد الناصر فرد عليهم:
«ليذهب فاروق إلى المنفى، ويُترك للتاريخ الحكم عليه».
طلب فاروق الخروج من مصر بحراً على يخته «المحروسة» واصطحاب زوجته
وبناته وولي عهده أحمد فؤاد، وطلب أن تحفظ كرامته في وثيقة التنازل، فوعده
علي ماهر أن تكون مثل وثيقة تنازل ملك بلجيكا عن العرش، وتولى كتابة
الوثيقة القانوني الشهير عبد الرزاق السنهوري.
انتقل سليمان حافظ المكلف بتوقيع وثيقة التنازل عن العرش إلى قصر رأس
التين وسلمها للملك الذي قرأها أكثر مراراً و حاول التظاهر بالهدوء، ثم
وقَّع عليها، لترحل «المحروسة» مع غروب شمس ذلك اليوم ويرحل معها ملك مصر
فاروق الأول والأخير بعدما استمر حكمه من 29 يوليو 1937 إلى 26 يوليو 1952.
ما إن اطمأنت تحية على نجاح الثورة حتى قررت السفر إلى بيروت لتنفيذ
تعاقد جديد على الرقص لمدة أسبوع في أحد الملاهي، وقرر رشدي أن يصطحبها في
الرحلة، خصوصاً أنه لم يكن مرتبطا بأعمال فنية جديدة.
خيانة في بيروت
ما إن انتهت تحية من رقصتها في الملهى حتى جاء من يهمس في أذنها بأن
زوجها رشدي أباظة يجلس مع إحدى السيدات في أحد ملاهي شارع الحمراء، فاتجهت
إلى هناك فوراً لتجده فعلاً يجلس مع فتاة فرنسية تدعى «آني بارينه» في وضع
حميم، ومن دون مقدمات أو مراعاة لأي قواعد أو أصول، اقتربت تحية وأمسكت
المرأة الفرنسية من شعرها وجرتها إلى الأرض، وانهالت عليها ضرباً بقسوة،
ولم ينطق رشدي بكلمة، بل خرج من الملهى إلى الفندق، حمل حقيبته واتجه إلى
المطار.
لم تكمل تحية بقية الأسبوع في بيروت وعادت فوراً لتثأر لكرامتها مما
فعله رشدي، وما إن بدأ الشجار حتى ترك رشدي البيت، وعندما عاد فجراً، تجدد
الشجار، وزادت حدة التوتر بينهما.
لم يغمض لهما جفن، ومع ضوء النهار، حمل رشدي حقيبته وتوجه إلى أسيوط،
ليمضي أياماً عدة عند صديق له هناك، وانقطعت خلالها صلته بالفن والسينما بل
والأهم بتحية، وبعد طول تردد وتفكير طويل، أرسل خطاباً إلى تحية من أسيوط،
كتب فيه خمس كلمات فقط:
«تحية… أنت طالق… رشدي أباظة».
على رغم حبه الشديد لها، اضطر رشدي أباظة إلى أن يطلق تحية، التي لم
تبك في حياتها بقدر بكائها على طلاقها من رشدي أباظة، كما لم تندم على قرار
اتخذته في حياتها بقدر ندمها على مطالبتها له بتطليقها، بسبب غيرتها
الشديدة، فقد أحبته بصدق وشعرت بأنه الزوج الوحيد من بين من سبقوه كأزواج
في حياتها الذي أحست معه بمعنى الحياة الزوجية والحب. بكت تحية طويلاً،
لكنها لم تنكسر، بل ظلت صامدة.
حاولت سميحة توفيق أن تتوسط لإصلاح العلاقة بينهما، خصوصاً بعدما
شاهدت حال صديقتها:
* دا الراجل الوحيد اللي دخل حياتي واتمنيت أنه ما يخرجش منها… عارفة
أنا اتجوزت قبله كذا واحد! كنت دايماً بعد الأسبوع الأول من جوازي من أي
واحد فيهم. ما عنديش مانع يطلقني. وبعد شوية أنا اللي بطلب الطلاق. لكن لما
اتجوزت رشدي اتمنيت أكمل معاه كل اللي جاي من حياتي.
= عموماً اللي حصل دا خلافات بتحصل كتير مع أي اتنين متجوزين وبيرجعوا
تاني لبعض.
* شوفي يا سميحة. أنا بحب رشدي ومتأكدة مليون في المية إن رشدي بيحبني
زي ما بحبه وأكتر… لكن مش هانرجع لبعض تاني.
= ليه بتقولي كدا؟ أنا فعلاً اتصلت بيه وكلمته في أننا نقعد ونتكلم
وهو وافق.
* أنا أتمنى يحصل دا طبعا… بس كنت أتمنى تيجي منه هو. لكن دلوقت حتى
لو هو وافق أننا نرجع أنا هارفض.
= ليه ترفضي طالما بتتمني ترجعوا لبعض؟
* لأن حبه بيضعفني.
= بس الحب مش ضعف يا تحية.
* غلط. مين قال الحب مش ضعف… وأنا مش عايزه أضعف. حتى لو كان دا
التمن.
على رغم الجرح الذي تعاني منه تحية، إلا أن إحساسها بالمسؤولية تجاه
عملها لم يتغير، فراحت تستكمل تصوير دورها في فيلم «بنت الهوى» الذي عرضه
عليها الفنان يوسف وهبي، من إنتاج شارل نحاس لتشاركه بطولته، واضطرت إلى
قبوله على رغم ترددها في البداية لأكثر من سبب، من بينها رهبتها من الوقوف
أمام وهبي وما يعرف عنه من نظرات حادة وقوية يصعب لأي فنانة أن تركز معها،
والأهم لأنها ستجسد فيه للمرة الأولى دور الأم على الشاشة، أم ليست لطفلة،
بل للفنانة الشابة فاتن حمامة، وقد نصحها بعض المقربين منها بعدم تقديم
الدور، لأن ذلك سيشجع المخرجين على إسناد مثل هذه النوعية من الأدوار إليها
في ما بعد، غير أن تحية ضربت ذلك كله بعرض الحائط، لأن الدور أعجبها.
دمعة حزينة
جسدت تحية في الفيلم «الدمعة الحزينة» وسط عمل اجتماعي فيه لمسة
كوميدية، شارك فيه إلى جانبها ويوسف وهبي وفاتن حمامة، كمال وماري منيب،
وزينات صدقي.
لم تنزعج تحية من القيام بدور أم لفتاة تقترب منها في العمر، لكنها
أصرت على تقديم الفيلم لطبيعة دورها فيه، حيث تجسد شخصية راقصة تتعرف إلى
رجل يخدعها وتنجب منه طفلة، ثم يتركها لتلقى مصيرها، فتشعر بالظلم وتحقد
على الرجال كلهم، وتسعى إلى الانتقام منهم جميعاً. فعلاً، تحضر إلى القاهرة
وتصبح راقصة مشهورة يتهافت عليها الأثرياء. في مقابل ذلك، تنجح الراقصة في
تهيئة حياة خاصة لابنتها فتحصنها بالعلم والأخلاق، وتتعرف الابنة عندما
تكبر إلى شاب يطلبها للزواج، إلا أن والده يرفض بسبب عمل أمها، وأمام إصرار
الابن يوافق الأب بشرط أن تختفي الأم من حياة ابنتها فتوافق الأم حتى تسعد
ابنتها.
قدمت تحية أحد أجمل أدوارها، فحقق الفيلم نجاحاً كبيراً، ما جعل
النقاد يحتفون بها، لبلوغها مرحلة من النضج الفني لم تصل إليها فنانات
كبيرات سبقنها في التمثيل.
التف الشعب حول ثورة الجيش… وتلقفتها بالأيدي لتضعها في القلوب. وسارع
الفنانون متجاوبين مع مبادئ الثورة وأهدافها، وما كان لتحية كاريوكا أن
تتخلف عن الركب والالتحاق بقطار الثورة والتعلق بتلابيبه… فقد تحقق الحلم
الذي طالما حلمت به، الثورة على الظلم والقهر، الثورة لأجل حياة كريمة، ليس
لنفسها فحسب، لكن للمواطن المصري الذي عاشت بنفسها مراحل قهره وظلمه، بل
إنها ذاقت من الكأس نفسها، فقد عاشت طفولة بائسة، وجربت الظلم والقهر طوال
حياتها، فما كان لها إلا أن تؤيد الثورة بكل ما تملك، خصوصاً بعدما أعلنت
منذ لحظتها الأولى عن «إقامة عدالة اجتماعية» في أحد أهم الأهداف التي قامت
لتحقيقها، كذلك رفعت الشعار الذي أطلقه البكباشي جمال عبد الناصر «ارفع
رأسك يا أخي فقد مضى عهد الاستبداد»!
إعلان الجمهورية
في 18 يونيو 1953، وقع مجلس قيادة الثورة قراراً بإلغاء عهد الملكية،
وإعلان مصر جمهورية، وللمرة الأولى وبينما تنقل الإذاعة المصرية حفلة
«أضواء المدينة» على الهواء مباشرة من حديقة الأندلس، ضمن احتفالات الدولة
بالثورة، أرسل مجلس قيادة الثورة بياناً ليذاع على الهواء إلى شعب مصر، وتم
تكليف أكبر فناني مصر يوسف وهبي، بإذاعته على الهواء:
«بسم الشعب وبسم ثورته المباركة… واستكمالاً لأهداف ثورة الجيش، في
الثالث والعشرين من يوليو عام 1952، والتي قامت من أجل القضاء على الحكم
الفاسد… أزف إليكم بشرى إلغاء نظام الملكية، وإعلان مصر جمهورية، ليصبح من
اليوم اللواء أركان حرب محمد نجيب رئيساً للجمهورية.
وتزامناً مع هذه البشرى العظيمة لشعب مصر أقدم لكم الفنان الشاب عبد
الحليم حافظ في أغنية «العهد الجديد» كلمات محمود عبد الحي، وألحان عبد
الحميد توفيق زكي».
أصرت تحية كاريوكا على المشاركة في حفلة أضواء المدينة، وكانت أسعد
الحضور ليس فحسب في إعلان مصر جمهورية، ونجاح الثورة في تحقيق بعض أهدافها،
لكن كانت سعادتها أيضاً في مدى الاستقبال الذي استقبله الجمهور للمطرب
الشاب عبد الحليم حافظ، الذي تنبأت له بمستقبل كبير، وما إن انتهى من
الغناء واستقبل تصفيق الجمهور حتى جرت عليه تحية في الكواليس تهنئه وتذكره
بما قالته له.
كان من بين الحضور أيضاً المخرج إبراهيم عمارة، الذي جاء خصيصاً ليس
لحضور الحفلة، لكن لمقابلة تحية ليعرض عليها بطولة فيلمه الجديد «أنا ذنبي
إيه» غير إنها طلبت منه تأجيله:
= ليه التأجيل يا تحية؟ دا إحنا مستنينك بقالنا شهر. وكل حاجة جاهزه.
* معلش يا أستاذ إبراهيم أنا مش طالبه أكتر من أسبوع.
= طب ليه بس؟ أنت عارف أن الوقت بفلوس.
* وأنا ماقدرش اتأخر عن مصر ولا عن الثورة حتى لو مش هاشتغل خالص… دا
اليوم اللي كلنا كنا بنحلم بيه.
= ماحدش حاشك عن الثورة. بس هي الثورة هاتخلينا نسيب شغلنا.
* يا أستاذ إبراهيم أنا خارجة بكره في قطار الرحمة. دا أغلب الفنانين
طالعين… يبقى تحية كاريوكا تتخلف؟
= لا يا ستي مين قال كدا؟ لازم تروحي وأنا كمان جاي معاكم.
حب في تنظيم سري
على رغم حماسة تحية الكبير للثورة وإزاحة الظلم، إلا أنها شعرت بأن
سعادتها لم تكتمل بسبب غياب الديمقراطية، فوجدت ضالتها في إحدى الحركات
الشيوعية التي تنادي بتحقيق الديمقراطية وتطالب الثورة بذلك، وهي «الحركة
الديمقراطية للتحرر الوطني» واختصارها كلمة «حدتو» والتي ضمّت عدداً كبيرا
من الكتاب والمثقفين، من بينهم الكاتب الصحافي صلاح حافظ، محمود أمين
العالم، شريف حتاته، وغيرهم إلى جانب عدد من ضباط الجيش البعيدين عن تنظيم
الضباط الأحرار، كذلك انضم إليهم جناح من حزب الوفد يطلق عليه مسمى «شباب
الطليعة الوفدية» لتكوين «جبهة وطنية» وجميعهم على اقتناع تام بأن الجبهة
تعمل على تصحيح مسار الثورة، لتحقيق الديمقراطية الحقيقية، وحرصت تحية على
حضور اجتماعات هذه الجبهة، والتي كانت تتم كل مرة في مكان مختلف، وفي هذا
اليوم الذي انفض فيه الاجتماع مبكراً لمعلومات وصلت إليهم بأن الشرطة تبحث
عن صلاح حافظ في الأماكن كافة التي يتردد عليها، فعرضت تحية عليه أن يختبئ
في بيتها، وهنا تردد صلاح، فأكدت له أنها لا تعيش بمفردها، بل معها والدتها
وابنا شقيقتها، وأن ذلك سيكون موقتاً حتى تهدأ الأمور.
قضى صلاح حافظ ثلاثة أيام في بيت تحية كاريوكا، خرج بعدها وقد وقع في
غرامها، ليس كأنثى، بل لإعجابه بشجاعتها وشهامتها ومواقفها العظيمة التي لم
تكن لدى كثيرين من الرجال، فقرر أن يطلبها للزواج:
* تتجوزني أنا؟
= إذا ماكنش عندك مانع.
* لا طبعاً… أنا عندي عشرين مانع.
= عشرين! طب قوللي مانع واحد.
* أولاً، أنا أكبر منك… ثانياً، إحنا صحيح أصحاب بس أنت ما تعرفنيش
كويس إلا من تلات أيام بس… ثالثاً، ودا الأهم أنا عارفة انك بتحب الفنانة
هدى زكي بنت الأستاذ إبراهيم زكي ومتواعدين على الجواز…
= أيوا… بس أنا فعلاً…
* روح يابني. الدنيا قدامك… ما تبصش وراك.
وسط هذا المناخ الفائر بالتأييد والحماسة، رأى قادة الثورة أن
يستوعبوه في مشروعات عملية تعود بالنفع على الجميع، فكان المشروع الذي
أطلقه البكباشي جمال عبد الناصر لإيمانه بدور الفن والفنانين وحب الشعب لهم
وقربهم وإمكان القيام بدور مهم في توصيل أهداف ومبادئ الثورة لجموع الشعب
المصري، فقرر إطلاق ما سمي بمشروع «قطار الرحمة»… وهو القطار الذي انطلق من
القاهرة إلى مختلف محافظات مصر محملاً بالفنانين، وكان يتوقف في كل مدينة
وتتجمع حوله الجماهير لتلتقي بفنانيها المحبوبين الذين يدعون لمبادئ الثورة
وشرح أهدافها، وحل مشكلاتها وتقديم المساعدات لهم.
قطار الرحمة
ضمَّ القطار عدداً كبيراً من أشهر فناني مصر، إن لم يكن جميعهم: يوسف
وهبي، أمينة رزق، مديحة يسري، عماد حمدي، كمال الشناوي، أنور وجدي، ليلى
مراد، محمود المليجي، فريد شوقي، عبد الحليم حافظ، شكري سرحان، شادية،
سميحة توفيق، حسين صدقي، إلى آخر ما في القائمة من أسماء مشهورة ولامعة
وعلى رأسها جميعاً كانت تحية كاريوكا التي لم تتخلف عن الالتحاق بقطار
الرحمة مهما كانت الأسباب والدواعي، وعلى رغم انشغالها وتعاقدها على بطولة
خمسة أفلام، ما كان يستدعي عدم خروجها من البلاتوه ساعة واحدة للوفاء بهذه
الارتباطات، إلا أن ذلك كان على حساب صحتها وراحتها.
لم تفعل تحية كاريوكا ذلك بحثاً عن دور، أو نفاقاً للثورة ومجلسها،
لكن عن حب واقتناع بأهمية الدور الذي لا بد من أن يؤديه الفنان لأجل نهضة
بلده والعبور به من هذه اللحظة التاريخية الحرجة، حتى لو كانت تختلف مع
الثورة في عدم تحقيق هدف من أهدافها حتى الآن.
راح القطار يتوقف عند كل محافظة، ينزل ركابه من الفنانين إلى الجماهير
المحتشدة منذ الصباح الباكر في انتظار وصولهم، يندس الفنانون بين الجماهير،
متحدثين عن مبادئ الثورة وأهدافها، وعن الإنجازات العظيمة التي تنوي القيام
بها، ويتحدث الناس في المقابل عن مشكلاتهم والحلول التي ينتظرونها على أيدي
الثورة وضباطها الشبان، إذ كل قطار من هذه القطارات يسير تحت إشراف أحد
ضباط الجيش، سواء ممن شاركوا في الثورة، أو المخلصين لها.
في هذه الرحلة تقرر أن ينطلق القطار الذي ستستقله تحية، من القاهرة
إلى أسوان، وهو القطار الذي كان يشرف عليه الضابط مصطفى كمال صدقي، الذي
كان الملك فاروق قد ضمه إلى الحرس الحديدي للتخلص من أعدائه، ثم انقلب عليه
ورغب في التخلص منه بعدما بلغه خبر علاقته بالسيدة ناهد رشاد، زوجة الدكتور
يوسف رشاد، وصديقة الملك المقربة منه، فأراد الملك التخلص منه، وكلف
التنظيم الجديد بذلك، لولا تسارع الأحداث وقيام الثورة.
في القطار التقى مصطفى كمال صدقي بتحية كاريوكا، راح يراقب تصرفاتها
وحركاتها وسكناتها، كيف كانت تتعامل مع زملائها الفنانين، ومع الجمهور الذي
كان يظهر لها حباً جارفاً ويتجاوب معها بشكل كبير ويسمع لها، يحب كلماتها
ولزماتها. أعجبته شخصيتها القوية وحماستها الرائعة للثورة وأهدافها… أعجبه
حب الجميع لها، سواء من زملائها الفنانين، أو جموع الشعب.
(البقية في الحلقة المقبلة)
الضابط الثوري والفنانة الثورية
أخذ مصطفى كمال صدقي يتقرب من تحية كاريوكا، يقترب والجميع يلاحظون،
العلاقة بين الضابط الثوري والفنانة الثورية، قبل الثورة والثوريين، وبدأت
هي تلاحظ ذلك، ومحاولاته الدائمة الاقتراب منها والتعرف أكثر إلى أفكارها
ورؤيتها:
= مدام تحية اسمحي لي أعبر لك عن عظيم امتناني بأني اتعرفت إلى شخصية
عظيمة زيك.
* الشرف ليا أنا يا حضرة الصاغ.
= أنا سمعت عنك كتير أوي… وكنت متابعك من زمان كفنانة. لكن دي أول مرة
الظروف تسمح لي التقي تحية الإنسانة.
* واكتشفت الفرق على كدا؟
= اللي يقرب منك ويتعرف عليك كإنسانة ويعرفك كفنانة… هايكتشف أنك عندك
اتساق غير عادي مع نفسك… ما فيش فرق بين تحية اللي بنشوفها على الشاشة
وتحية اللي شايفها قدامي دلوقت. إنسانة من غير ماكياج… لا ماكياج بره ولا
جوه.
* ياه… للدرجة دي أنت مهتم تعرف تحية كاريوكا.
= فوق ما تتصوري. ما تتخيليش أنا معجب بك لأني اكتشفت كمان أننا
قريبين من بعض إنسانياً وفكرياً.
* طب إنسانياً ودي ممكن أفهمها. لكن فكرياً إزاي؟
= (هامساً) أنا عارف أنك عضو نشط في «حدتو» نفس الحركة اللي أنا منتمي
لها.
* ومالك بتوطي صوتك ليه؟ الثورة قامت علشان نعلي صوتنا ونقول اللي
جوأنا خصوصاً ان الحركة هدفها نبيل، إنسانياً واجتماعياً وسياسياً.
= بس مش كل الناس بتفهم دا… مش كل الناس تحية كاريوكا… مش كل الناس
عندها نفس المشاعر ونفس الحس المرهف.
* قدام الكلام الجميل دا ماعنديش حاجة أقولها غير أني أشكرك. لأني لو
قلت لك إني ببادلك الإعجاب هايبقى دا له معنى تاني.
سرعان ما تحول الإعجاب المتبادل إلى مشاعر قوية، نمت وترعرعت على مدى
الأيام القليلة التي التقيا خلالها، ولم يفترقا ساعة واحدة إلا عند النوم،
ليدخل كل منهما «كابينة النوم» لساعات قليلة ثم يواصلا الرحلة، حتى لاحظ كل
الفنانين في القطار هذه العلاقة الوليدة.
الجريدة الكويتية في
11/08/2012 |