حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

                          دراما رمضان التلفزيونية لعام 2012

أيقونة التمرد.. تحية كاريوكا

بقلم: ماهر زهدي

الحلقة ( 22 )

المنتصر

انطلق رشدي أباظة بسيارته ومعه زوجته تحية كاريوكا يجوب شوارع القاهرة، بحثاً عن طريق آمن للخروج من وسط الحرائق التي كانت منتشرة في كل مكان، في المحلات التجارية، والمقاهي والبيوت، والملاهي والنوادي والفنادق الكبرى… عرفت تحية أن البداية والشرارة الأولى كانت من الإسماعيلية، فقد بدأت المأساة في الثانية من صباح ذلك اليوم 26 يناير 1952، بتمرد عمال الطيران في مطار «ألماظة» (القاهرة) فرفضوا تقديم الخدمات لأربع طائرات تابعة للخطوط الجوية الإنكليزية، تبعها تمرد الشرطة في ثكنات العباسية تضامناً مع زملائهم الذين تعرضوا للقتل والأسر من ضباط وعساكر الشرطة في اليوم السابق 25 يناير، في مدينة الإسماعيلية.

سعت بريطانيا إلى مؤامرة جديدة لبث الفرقة بين صفوف المصريين، فأشعل عدد من عملائها النار في كنيسة في مدينة «السويس» أثناء غارة بريطانية عليها في 4 يناير 1952، وحاولت بريطانيا إلصاق التهمة بالفدائيين لزرع الفتنة الطائفية بين المصريين، واستعداء الرأي العام العالمي على الحكومة الوفدية والفدائيين، لكن ما لبثت التحقيقات أن كشفت عن مسؤولية جماعة «إخوان الحرية» التي تمولها المخابرات البريطانية عن الحادث.

في صباح يوم الجمعة 25 يناير 1952استدعى القائد البريطاني في منطقة القناة «البريجادير أكسهام» ضابط الاتصال المصري، وسلمه إنذارًا بأن تسلم قوات البوليس المصري في الإسماعيلية أسلحتها إلى القوات البريطانية، وتجلو عن دار المحافظة والثكنات، وترحل عن منطقة القناة كلها.

رفضت المحافظة الإنذار البريطاني وأبلغته إلى وزير الداخلية فؤاد سراج الدين الذي أقر موقفها، وطلب منها الصمود والمقاومة وعدم الاستسلام.

قبل غروب شمس ذلك اليوم حاصرت الدبابات والمصفحات البريطانية مبنى المحافظة بسبعة آلاف جندي بريطاني مزودين بالأسلحة ومدافع الميدان، بينما كان عدد الجنود المصريين المحاصرين لا يزيد على ثمانمئة في الثكنات وثمانين في المحافظة، لا يحملون غير «البنادق»، فما كان من قائد القوات البريطانية إلا أن أعطي الضوء الأخضر لقواته، فدكت مبنى المحافظة وثكنات «بلوكات النظام» بالمدفعية ونيران الدبابات وحصدت نيران الرشاشات أرواح جنود الشرطة المصريين، وسقط منهم 52 شهيداً وأصيب 80 واُسر الباقون، وكانت خسائر القوات البريطانية 13 قتيلاً و12 جريحاً.

الشرارة الأولى

كان شهداء الشرطة في الإسماعيلية هم الشرارة التي أطلقت الغضب الشعبي في القاهرة، وما إن وصلت هذه الأخبار المفزعة إلى القاهرة في صباح اليوم التالي 26 يناير، حتى تحول هذا اليوم إلى يوم أسود في تاريخ مصر، يوم حريق القاهرة.

انتشرت أخبار الحادث في مصر كلها، واستقبل المصريون تلك الأنباء بالغضب والسخط، وخرجت التظاهرات العارمة في القاهرة، وشارك جنود الشرطة مع طلاب الجامعة في تظاهراتهم في صباح ذلك اليوم.

وما إن انتصف يوم 26 يناير حتى بدأت شرارة الحريق الأولى من ميدان الأوبرا بإشعال النيران في كازينو «أوبرا»، وانتشرت النيران في فندق شبرد ونادي السيارات وبنك «باركليز»، وغيرها من متاجر ومكاتب الشركات ودور السينما والفنادق والبنوك، وكان التركيز على الأماكن والملاهي الليلية التي ارتبطت بارتياد الملك فاروق لها والمؤسسات ذات العلاقة بالمصالح البريطانية.

طاولت الحرائق أيضاً أحياء الفجالة والظاهر والقلعة وميدان الإسماعيلية ، التحرير، وميدان محطة مصر، وسادت الفوضى وأعمال السلب والنهب، حتى نزلت فرق الجيش إلى الشوارع قبيل الغروب، فعاد الهدوء إلى العاصمة واختفت العصابات، وأعلنت الحكومة الأحكام العرفية، ولكن لم يُقبض على أي شخص في ذلك اليوم، غير أن عدد القتلى تراوح بين 26 إلى 40 قتيلاً، وبلغ عدد المصابين بالحروق والكسور أكثر من 552 شخصاً، كذلك التهمت النيران أكثر من 700 مكان في القاهرة والجيزة، حيث أُحرق 117 مكتباً للأعمال والشقق السكنية، و13 فندقاً كبيراً مثل «شبرد، ومتروبوليتان، وفكتوريا» و40 دار عرض سينمائية، من بينها «ريفولي، مترو، ميامي، الكورسال، كوزموس، ديانا، وراديو، و8 محلات ومعارض كبرى للسيارات، و10 متاجر للسلاح، و73 مقهى ومطعماً في منطقة وسط القاهرة، و92 صالة وملهى، و16 نادياً، مثل «كلوب محمد علي، ونادي السيارات»، أي أن النيران أتت على كل مظاهر الحداثة في القاهرة، وشلت مراكز التجارة فيها، الأمر الذي أصاب تحية بالحزن الشديد، فلم تتمالك نفسها فانفجرت في البكاء، وراح رشدي يهدئ من روعها:

= مش وقت بكا يا تحية… لازم نفكر في اللي بيحصل وليه البلد بتولع. وإيه اللي ممكن نعمله؟

* تفتكر مين اللي له مصلحة يولع في البلد كدا؟

= وأنا جاي سمعت حاجات كتير… فيه ناس بتقول إن الملك وعصابته هم اللي ورا الحريق علشان يتخلص من وزارة النحاس باشا، بدليل أن وزير الداخلية فؤاد سراج الدين ما عملش حاجة وواقف يتفرج. وكمان حيدر باشا وزير الحربية ما عملش حاجة… وسابوا النار تاكل البلد. ناس تانية بتقول إن الإنكليز، هم اللي عملوها علشان يتخلصوا من النحاس بعد ما ألغى معاهدة 1936، وناس بتقول إن حزب مصر الفتاة والإخوان المسلمين اللي ورا الكلام دا… وما حدش عارف الحقيقة فين.

* مش مهم مين اللي ولعها. المهم دلوقت لازم نتصرف ونعمل حاجة.

= أوعى تفتكري أني مش عارف اللي بتعمليه ودورك مع الفدائيين.

في مساء 26 يناير قدم رئيس الوزارة النحاس باشا استقالته، لكن الملك رفضها، واجتمع مجلس الوزراء وقرر مواجهة الموقف بإعلان الأحكام العرفية في جميع أنحاء البلاد، ووقف الدراسة في المدارس والجامعات إلى أجل غير مسمى، وعُيِّن النحاس باشا حاكماً عسكرياً عاماً في الليلة نفسها، فأصدر قراراً بمنع التجوال في القاهرة والجيزة، من السادسة مساءً حتى السادسة صباحاً، كما أصدر أمراً عسكرياً بمنع التجمهر.

كاريوكا الفدائية

أصرت تحية كاريوكا أن تذهب إلى الإسماعيلية في ذلك اليوم العصيب، غير أن رشدي رفض رفضاً قاطعاً:

= أنت مجنونة! تروحي فين دلوقت؟ البلد كلها بتولع وكمان فيه حظر تجول وأحكام عرفية.

* حتى لو ضربوني بالرصاص هاروح يعني هاروح. ماقدرش أسيب أهلي وأخواتي هناك في الحالة دي. أختى وولادها لوحدهم.

= إحنا ممكن نطمن عليهم بالتليفون. لكن اللي عايزه تعمليه دا جنان.

* اسمع يا رشدي. أنا واحدة مجنونة. لو خايف على نفسك من جناني ابعد عني. أنا هاروح الإسماعيلية دلوقت يعني هاروح.

= إيه اللي بتقوليه دا؟ انت صحيح مجنونة… لكن أنا أجن منك.

سافرت تحية كاريوكا بصحبة رشدي أباظة، اتخذا طريق الوجه البحري، حيث وصلا إلى مدينة ميت غمر، ومنها إلى الزقازيق في محافظة الشرقية، حتى وصلا إلى حدود الإسماعيلية عند التل الكبير، وهناك تركا السيارة وارتدت تحية ملابس سيدة فلاحة، وارتدى رشدي ملابس فلاح، وتسللا عبر حدائق المانغا والزراعات إلى داخل الإسماعيلية.

اكتشف رشدي أباظة أن إصرار تحية على الذهاب إلى الإسماعيلية لم يكن بهدف الاطمئنان على عائلتها وأخوتها وشقيقتها زينب وأولادها، فلم يستمر ذلك سوى ساعات قليلة، لكنها قررت العودة مجدداً إلى التل الكبير وحدود محافظة الشرقية وشراء مواد غذائية وأدوية ونقلها عبر الطريق نفسها إلى الفدائيين المحاصرين في الإسماعيلية، وطلب منها الفدائيون نقل بعض الأسلحة لهم من الزقازيق إلى داخل الإسماعيلية فوافقت بلا تردد، غير أن رشدي عارضها بشدة:

= أنت عارفة لو اتمسكتي بالسلاح دا في الظروف دي هايحصل إيه؟ مش هايستنوا يسمعوا منك ولا يحاكموكي… ممكن يضربوك بالنار في الحال. انت بتعملي دا في الظروف العادية… لكن دلوقت مش هاينفع.

* ما يهمنيش حياتي. مصر بتضيع يا رشدي.

= ونقلك للسلاح للفدائيين في الظروف دي هو اللي هايرجعها؟ ما تنسيش أنك واحدة ست.

* مين قال كدا؟

= يعني أنا متجوز راجل؟

* أقصد مين قال إن فيه فرق بين الراجل والست في الدفاع عن بلدهم. إحنا مش هانقي الدور اللي نقوم بيه. اللي يقدر يعمل حاجة لازم يعملها فورا.

فعلاً، نقلت تحية السلاح إلى الفدائيين من القاهرة عبر الشرقية إلى الإسماعيلية بمساعدة رشدي أباظة، وأصبحت على اتصال مباشر بمركز قيادة الفدائيين في القاهرة، وكان تسلم منها الأسلحة اثنان من ضباط الجيش، هما كمال رفعت ووجيه أباظة.

واجب فني

وسط الدور الذي تقوم به مع الفدائيين، عادت تحية إلى استئناف نشاطها الفني، وما إن انتهت من تصوير فيلم «المنتصر» حتى بدأت في تصوير «على كيفك» مع ليلى فوزي ومحسن سرحان وإسماعيل ياسين وعزيز عثمان، وما إن اطمأنت على عرضه حتى غادرت القاهرة لتنفيذ تعاقد في الإسكندرية مع «كازينو الشاطبي» بأجر لم يسبق لها التعاقد به.

بدلت تحية ملابسها ووقفت تستمع إلى مطرب شاب نحيل الجسد أسمر اللون، يغني على المسرح حيث ستؤدي فقرتها بعده، غير أن الجمهور لم يعط له فرصته، فلم تعجبه الأغنية التي يغنيها:

صافيني مرة… جافيني مرة

ولا تنسانيش كدا بالمرة

صافيني مرة وجافيني مرة

هلل الجمهور وطالبه بالنزول من فوق خشبة المسرح، وعندما لم يستجب قذفه «بالبيض والطماطم» فاضطر صاحب الكازينو إلى إغلاق الستارة، وتوجه إلى المطرب الشاب غاضباً:

= اتفضل بره يا أفندي. أنت هاتخلي الجمهور يكسر لي المسرح.

- أيوا يا أستاذ اديني بس فرصة تانية.

= لا تانية ولا تالتة… بره.

هنا تدخلت تحية كاريوكا على الفور:

* لو الأستاذ مشي… أنا كمان هامشي معاه.

= أنت بتقولي إيه يا مدام تحية؟

* اللي سمعته.

- يا مدام تحية أنا بشكرك أنك بتدافعي عن واحد زيي. شاب لسه بيبدأ حياته. حتى ما تعرفيش اسمه. كتر خيرك بس أنا مش عايز أعمل لحضرتك مشكلة.

* مفيش كلام من دا. انت هاتستنى. انت صحيح اسمك إيه؟

- اسمي عبد الحليم شبانة.

* اطمن يا عبد الحليم. أنا كنت واقفه أسمعك قبل ما الجمهور يهيص. أنت صوتك حلو أوي وفيه شجن جميل. انت هيبقالك مستقبل كبير يا عبد الحليم وبكره هافكرك.

- أنا بشكرك جداً يا ست تحية ما تعرفيش كلمتك دي عملت في إيه؟

* أنا ما بعرفش أجامل. أنا قلت اللي شفته. امسك.

- إيه دا… فلوس. لا ياست تحية كتر خيرك. أنا مش محتاج فلوس.

* أمسك ما تبقاش عبيط. أنا زي أختك. انت عندك أخوات بنات.

- أيوا… عليا أختي الكبيرة.

* خلاص اعتبرني زيها. دول علشان تجيب بدلة جديدة بدل اللي الجمهور بوظها دي.

عادت تحية إلى القاهرة على إثر اتصال من الفنان حسين صدقي لمشاركتها في فيلم جديد معه، وقبلت فوراً بعدما عرفت أن الفيلم يعمل على فضح فساد الملك والحاشية، وكل من تورطوا في صفقة الأسلحة الفاسدة فقدمت مع صدقي ومن إخراجه فيلم «المساكين»، عن جرائم حرب فلسطين، وعرض في الصالات في 7 يوليو 1952.

23 يوليو 1952

في خضم التنظيمات السرية التي تكونت في الجيش المصري تكونت الهيئة التأسيسية «للضباط الأحرار» في سبتمبر 1949 برئاسة البكباشي جمال عبد الناصر، وكانت المنشورات هي سلاح التنظيمات ضد الملك، وحاول البوليس السياسي معرفة أسماء الضباط الذين يقفون وراء هذا التنظيم، لكنهم لم يفلحوا.

علم فاروق بأن ثمة اتجاهاً سائداً في انتخابات نادي الضباط لاستبعاد حسين سري عامر وترشيح اللواء محمد نجيب، فرأى ضرورة تأجيل الانتخابات التي كان مقرراً إقامتها في 31 ديسمبر 1951، لكن الضباط لم يمتثلوا لرغبة الملك، بل إنهم أيضاً استبعدوا مرشحه حسين سري عامر، على اعتبار أن سلاح الحدود الذي كان يرأسه لا يعد فرعاً في الجيش، وأقيمت الانتخابات وفاز محمد نجيب برئاسة مجلس إدارة نادي الضباط، كذلك فاز خمسة من الضباط الأحرار في عضوية المجلس.

أعقبت الانتخابات محاولة اغتيال حسين سري عامر في 8 يناير 1952، شارك فيها جمال عبد الناصر وحسن إبراهيم وكمال الدين حسين وحسن التهامي، ما أثار فزع الملك فاروق وتحرك حرسه الحديدي واغتال في 25 مارس 1952 عبد القادر طه، الساعد الأيمن لمصطفى كمال صدقي، المتهم الأول في محاولة اغتيال حسين سري عامر، الذي أصرّ الملك على تعيينه وزيراً للحربية.

توصلت الشرطة السياسية إلى بعض أسماء أعضاء الهيئة التأسيسية للضباط الأحرار وأصبح فاروق على وشك التخلص منهم وتعيين حسين سري عامر وزيراً للحربية ليسحق تمردهم، ما دعا التنظيم إلى التبكير بموعد القيام بالتحرك العسكري ليكون يوم 23 يوليو 1952.

حاول نجيب الهلالي تطهير القصر من حاشية الملك الفاسدة التي تكاد تطيح بعرشه، لكن رجال الحاشية تآمروا ضده وقلبوا فاروق ضد رئيس وزرائه فاستقال في 28 يونيو 1952 بعدما استمرت وزارته أربعة أشهر فقط.

تشكلت وزارة حسين سري في 2 يوليو ولم يمض أكثر من 20 يوماً في الحكم واستقالت في 22 يوليو، وكلف الملك نجيب الهلالي مرة أخرى بتشكيل الوزارة، وفي مساء 22 يوليو 1952 أقام الملك فاروق حفلاً ساهراً في قصر المنتزه بالإسكندرية احتفالاً بإسماعيل شرين زوج شقيقته الذي تولى وزارة الحربية ليسحق تمرد ضباط الجيش.

أثناء الحفلة دخل «الشماشرجي» محمد حسن ليبلغ الملك أن الضباط الأحرار استولوا على مقر قيادة الجيش في القاهرة، بعدما نجح الضباط الأحرار في دخول مقر قيادة الجيش في مساء 22 يوليو، وحاصرت كردونات الجيش الموالية للضباط الأحرار قصر المنتزه حيث يتواجد الملك، لكنها لم تحاول دخوله.

بعد الاستيلاء على مقر قيادة الجيش، كانت خطة الضباط تقضي بإذاعة بيان الضباط في الإذاعة المصرية صباح يوم 23 يوليو، وعندما علم فاروق بأمر البيان أمر كريم ثابت بمنع إذاعة البيان وتفكيك المحطة في الحال، لكن الضباط الأحرار كانوا أسرع فهددوا القيمين على المحطة بالسلاح. وفعلاً، ألقى أنور السادات، الذي أعاده يوسف رشاد إلى الجيش ، بيان الضباط في الإذاعة في السابعة والنصف صباحاً باسم محمد نجيب الذي أعلن نفسه قائداً عاماً للقوات المسلحة، الأمر الذي استقبله الشعب المصري بفرحة عارمة، فنزل إلى الشوارع يهلل فرحاً، واستقبل الدبابات والعربات العسكرية المصفحة التي تجوب شوارع القاهرة بالتحية و{الزغاريد»، وهو ما فعلته تحية كاريوكا التي خرجت فور سماع البيان إلى شرفة منزلها وراحت تزغرد مثل بقية الشعب، وتهنئ رشدي بهذا الخبر:

* الحمد لله… الحمد لله… ربنا كبير خلصنا من الفساد والخوف. ما فيش ملك بعد النهارده. ما فيش ظلم… ما فيش فساد وحاشية.

= عمري ما كنت أتخيل إن اليوم دا ممكن يجي… أكيد إحنا بنحلم.

* دا مش حلم دا حقيقة. قوم بص من البالكون وأنت تعرف. انزل الشارع شوف الناس بتعمل إيه.

لم تطق تحية أن تجلس في بيتها ومصر كلها تحتفل بقيام الثورة، وأصرت أن تخرج إلى الشارع بصحبة زوجها رشدي أباظة للاحتفال مع الشعب بالثورة.

(البقية في الحلقة المقبلة)

 

راقصة الكبار

ذاع صيت تحية حتى أصبحت ملء السمع والبصر، ما جعل كبار الكتاب والصحافيين ينظرون إليها كإحدى سيدات المجتمع، إلى جانب كونها فنانة كبيرة من طراز فريد، فكتب الصحافي مصطفي أمين في جريدة «أخبار اليوم» مقالاً بعنوان «عشرة عظماء بين أحضان تحية كاريوكا» قال فيه:

«من المفروض في الرقص التوقيعي أو رقص الصالونات أن الرجل هو الذي يتقدم للسيدة التي تعجبه طالباً مراقصتها… ولكن إذا انعكست الآية… وأصبحت السيدة هي التي تتقدم للرجل طالبة مراقصته للتعبير له عن إعجابها به، فمن يكون عظماء مصر العشرة الذين تختارهم نجمة الرقص الشرقي تحية كاريوكا لمراقصتهم؟

لقد عرضنا عليها هذا السؤال فقالت: إذا أتيح لي هذا الشرف فإنني سأمنح الرقصة الأولى لوزير المعارف السابق مرسي بدر بك الذي ألغى تعليم الرقص التوقيعي في المدارس أثناء توليه تلك الوزارة… وقد منحته الرقصة الأولى لسببين: الأول لكي أقنعه أن الرقص فن جميل، والثاني لأني معجبة بشاربه الذي يقف عليه الصقر!

أما الرقصة الثانية فسأمنحها لفضيلة الشيخ محمود أبو العيون لكي يوقف حملاته ضد الرقص.

وسأمنح الرقصة الثالثة لمعالي فؤاد سراج الدين باشا حينما ينجح في إنقاص وزنه ويستعيد رشاقته.

أما الرقصة الرابعة فسأمنحها لدولة النحاس باشا رئيس الوزراء، لأني معجبة به… لله في لله!

أما الخامسة فسأطلبها من حيدر باشا وزير الحربية لأنه رجل عسكري من أصحاب الأجسام الرياضية… والرقص من فنون الرياضة.

والرقصة السادسة فسأمنحها للدكتور طه حسين، لأنه رجل فنان يتذوق الموسيقى ويستطيع أن يترجم أنغامها بالحركة الراقصة.

أما الرقصة السابعة فسوف أمنحها لصاحب الدولة إبراهيم عبد الهادي باشا… خليفة علي ماهر والنقراشي في زعامة الهيئة السعدية… لكي أهمس في أذنه بكلمتين لا أحب أن يسمعهما قراء أخبار اليوم!

والرقصة الثامنة ستكون من نصيب مكرم عبيد باشا لإعجابي به كخطيب مفوه وساحر… لا يشق له غبار.

أما التاسعة: فسأطلبها من عبد الفتاح عمرو باشا، سفيرنا في لندن لأنه مثال «الجنتلمان» الذي تحب أن تراقصه كل سيدة محترمة.

بقيت لي رقصة أخيرة وأتمنى أن أمنحها لرجل المال والأعمال المشهور، عبود باشا، لكي ينزل بأمواله لمجال الإنتاج السينمائي!

الجريدة الكويتية في

10/08/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)