حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

                          دراما رمضان التلفزيونية لعام 2012

الفيلسوف الضاحك.. نجيب الريحاني

بقلم: ماهر زهدي

الحلقة ( 9 )

الدنيا على كف عفريت

لم يكن الخطاب الذي وصل إلى نجيب الريحاني فيه مبالغ مالية أو شيكات، أو حتى من عزيز لديه رحل وترك له إرثاً كبيراً، كما راح يمني نفسه.

كان الخطاب الذي تلقاه الريحاني من المكتب المجاور له، تحديداً من مدير الشركة، وجرت عينا نجيب على سطوره لتقرأ:

حضرة/ نجيب أنطون أفندي إلياس ريحاني المحترم

تفيدكم الشركة المصرية لصناعة السكر في نجع حمادي، أنه نظراً إلى وجود عدد كبير من العاملين في الشركة زائد عن حاجة العمل، فقد تقرر الاستغناء عن البعض منهم، ونحن إذا نخبركم أنه قد تقرر من أول مارس من عام 1914 الاستغناء عن خدماتكم… متمنين لكم التوفيق.

المدير العام سالم بك جركس                             

استغنت الشركة عن نجيب مجدداً، لكن هذه المرة لم يكن هو المسؤول عن هذا الاستغناء، بل كان سببه العمالة الزائدة، لذا منحته الشركة مكافأة فوق راتبه الشهري، ليصل إلى القاهرة ومعه 70 جنيهاً.

وصل نجيب إلى القاهرة وهو لا يعرف هل يفرح أم يحزن، هل يفرح لأن الأقدار قد اضطرته إلى العودة إلى القاهرة ليعاود البحث عن فرصة كممثل، أم يحزن لأنه خسر وظيفة براتب مضمون وحياة مستقرة؟ وإن كان الأهم عنده أنه هذه المرة لديه من الشجاعة ليخبر والدته عن سبب رجوعه الحقيقي، وإن كان هذا السبب أيضاً الذي لا ذنب له فيه لم يشفع له عندها، وراحت تنظر إليه نظرات شك، فقد ارتابت في أن هذا الأمر من تدبيره ليعود إلى ما كان عليه من حبه للتمثيل والجري وراء الفرق المسرحية من محافظة إلى أخرى، ومن بلدة إلى قرية. فما كان من نجيب إلا أن اختصر الطريق وآثر السلامة، وقرر استئجار شقة يعيش فيها بمفرده، وما معه من ثروةـ السبعون جنيهاً، تكفل له ذلك بارتياح شديد، بل وبأثاث جيد.

استأجر نجيب شقة في منطقة جديدة على أطراف القاهرة كي لا يكون إيجارها مبالغاً فيه، فوجد شقة كبيرة بإيجار زهيد في منطقة «مصر الجديدة» وفرشها بأثاث معقول، وحمل ما تبقى من الثروة، وارتدى أفضل بذلة لديه، فبدا وكأنه أحد الوجهاء من أصحاب العزب والأراضي، ثم راح يبحث عن الزملاء الأقدمين والأصحاب الأولين في المسارح والتياتروهات، ليجدد ما فاته.

كانت الثروة التي يحملها، والوجاهة التي ظهرت عليه سبباً في أن يلتف حوله رهط منهم، خصوصاً عندما راح يسرف في الإنفاق أمامهم، حتى فوجئ بعد مرور أسبوعين فقط من عودته من نجع حمادي أن ما تبقى من السبعين جنيهاً مبلغ وقدره 26 جنيهاً فقط لا غير، فأصدر قراراً في ما بينه وبين نفسه وأصر على تنفيذه، بأن يحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه من المبلغ المتبقي ليضمن لنفسه عدم «سؤال اللئيم» إلى حين تدبير عمل مناسب، وعليه ألا يزيد ما ينفقه يوميا على 20 قرشاً تحت أي ظروف، وهذا المبلغ سيكون للأكل ولزوم الجلوس على المقهي. أما المسارح، فإما ستكون عبر دعوة صديق من الأرتست، أو عبر مدير فرقة من الفرق، فهو على صلة وثيقة بأغلبهم، إن لم يكن جميعهم.

لم يمض على اتخاذ نجيب هذا القرار أكثر من ساعة، حتى حل ضيفاً عزيزاً على «جوق أبيض» الذي يعرض مسرحية «أوديب ملكا»، واستُقبل باعتباره «أرتستاً» سابقاً، ليجلس في صالة العرض بين المتفرجين، ودقائق وأعلن عن بدء العرض من خلال دقات المسرح الثلاث.

منحة لا ترد

راح نجيب يندمج مع أحداث المسرحية وما تتناوله من مأساة يجسدها ببراعة الفنان جورج أبيض، جعلت جمهور الحضور يذرفون الدمع، وفي مقدمهم نجيب نفسه. وبينما هو على هذه الحالة حتى وجد من يأتي ويجلس بجواره، ويربت على كتفه، فظن نجيب أن أحداً من الجمهور رق لحالة اندماجه، وما أن التفت ليشكره، فإذا به يجد الجالس إلى جواره سليم أبيض شقيق الفنان جورج أبيض، والمدير المالي للفرقة، وراح يهمس له:

• أهلاً أهلاً سي نجيب… جوق أبيض منور اليوم كتير.

* منور بيكم يا سي سليم. رواية هايلة… والأستاذ جورج ارتست ملوش مثيل. دا خلاني عيطت رغم إني ممثل وعارف أن دا تمثيل

• إيه والله يا سي نجيب معك حق أرتيست ماله مثيل… لكن البخت.

* الله!! أنت كمان بتعيط يا خواجة سليم.

• إيه ببكي… بس ما من شان أوديب.

* لكن من شو… قصدي أمال من إيه؟

• إيه يا سي نجيب هاي حكاية طويلة عريضة ما بريد أصدع راسك الكريم.

* صحيح عندك حق… هو مش وقته.

• ممكن ناخد فنجان قهوة في مكتبي إذا بتريد.

* لا والله ما بريد دلوقت… تخلص الرواية وبعدين ناخد القهوة على راحتنا.

• أستاذ نجيب… بدي أحكي معك في موضوع مهم وخطير كتير.

* والموضوع ده ما يستناش لما الرواية تخلص يا خواجة سليم

• الحين… إذا بتريد!

* خير يا خواجة سليم قلقتني.

• يا سيدي كان المفروض اليوم باعطي الفرقة قسط من راتبهم… منيح؟

* منيح.

• لكن يا حسرتي… كيف ما بتشوف ما في جمهور… يعني ما في إيراد.

* آي والله دي مشكلة كبيرة يا خواجة.

ـ من شان هيك حمدت الله إني شوفتك هون اليوم.

* ولو أني ابتديت أقلق من حكاية هون دي… بس أنا إيه علاقتي بالموضوع؟

• من شان خاطر الله… إذا بتريد أستاذ نجيب بتقرضني خمسة وعشرين جنيه نعطي الفرقة مصاريهم اليوم… وبوعدك المبلغ بيكون عندك في ظرف يومين… وشقيقي جورج بيضمني عندك

* أيوه يا خواجة سليم مش المسألة… أنت وجورج واحد… بس يعني.

• من شان الله… هذا جميل ما بنساه إلك أستاذ نجيب. أنت أرتيست وبتعرف حال الفن… يوم فوق ويوم تحت.

* قول يوم فوق وعشرة تحت… لكن يا خواجة ميغركش المنظرة والوجاهة دي… أنا كل اللي احتكم عليه في جيبي ستة وعشرين جنيه… يعني لو خدت خمسة وعشرين هيفضلي أنا جنيه واحد… عارف يعني إيه جنيه واحد؟!

• إيه بعرف… وبوعدك يومين على الأكثر وبيكون المبلغ عندك.

* في الحقيقة يا خواجة أنا مش عارف أقولك إيه… بس كل اللي أقدر أقوله لك أن المبلغ لو اتأخر عن يومين أنا هامد إيدي وأشحت… مش هلاقي أكل.

• بوعدك بشرفي.

تناول الخواجة سليم مبلغ الخمسة والعشرين جنيهاً في التو وترك في جيب نجيب جنيهاً، ليخرج بعدها من مسرح جورج أبيض وهو يلعن الظروف التي قادته اليوم إلى مشاهدة «أوديب الملك» الذي كان سبباً في إفراغ كل ما تبقى في جيبه من ثروة نجع حمادي، خصوصاً أن هذه الصدفة لم تحدث إلا في هذه الليلة الليلاء، عندما قرر أن يبدأ رحلته مع الاقتصاد والتدبير.

انقضى الموعد الذي حدده له سليم أبيض وراح يضرب أخماساً في أسداس، ويندم على ما فعل من تفريط في كل ما لديه. فذهب إلى «جوق أبيض» وقابل الخواجة سليم، وبعد أن كان الأخير يرجو ويتوسل ويتمنى، انقلب الوضع وراح نجيب يرجو ويتضرع شاكياً باكياً مرارة الزمن وشدة الحاجة:

* بقولك يا خواجة سليم أنا شطبت… خلاص مش فاضل معايا ولا مليم.

• إن شاء الله بتفرج.

* أيوه بس أنت وعدتني… وكان الميعاد أول إمبارح.

• الصبر طيب يا سي نجيب.

* يا سيدي الصبر طيب… بس أنا مش طيب.

• شو هالحكي… يا سيدي نحن ما بناكلهم عليك.

* لا يا سيدي أنا عارف أنكم مش راح تاكلوهم عليّ… لكن المهم إن أنا لازم آكل… عاوز الفلوس آكل بها يا خواجة، وإلا يعني عاوزين آكل طوب!

• نحن ما بنرضى تاكل طوب… فرج الله قريب.

* ولحد ما ييجي الفرج ده أعمل إيه؟ هو فين الأستاذ جورج… أنت مش قولتلي هو الضامن؟

• مانو هون… راح يدبر مصاري… فوت بكره نجيب أفندي يكون الله دبرها من عنده.

لم تفلح توسلات نجيب، ولم ينل من أمواله سوى 20 مليماً، ثمن أجرة «مترو مصر الجديدة» اقترضها من سليم أبيض ليستطيع أن يعود إلى منزله، وكان عليه أن يقترض مثلها من «بواب العمارة» إلى حين عودته من لقاء سليم أبيض بعد أن يكون قد استرد آخر ما تبقى من ثروته، غير أنه عاد وبحوزته خمسة قروش فقط، فقد قرر سليم أبيض أن يعيد الخمسة والعشرين جنيهاً بالتقسيط، على أن يكون القسط بين خمسة إلى عشرة قروش يومياً، وهو ما قد يستغرق 15 شهراً.

كل يوم كان يمر على نجيب كان يؤكد له صدق حدس والدته السيدة لطيفة، ونظرتها إلى التمثيل والممثلين، وحياتهم التي لا بد أنها «على كف عفريت»، وعدم صدق وعود عزيز عيد التي راح يحكي عنها في خطابه له، من بلوغ رواتب الممثلين عنان السماء، وتغير الأوضاع والظروف.

زاد من إحباط نجيب وباعد بينه وبين تحقيق حلم التقسيط الذي قبل به مضطراً نشوب الحرب العالمية الأولي في صيف 1914، ما أدى إلى تدهور الأحوال الاقتصادية في مصر، وبالتبعية تدهورت أحوال الفن والمسرح، وخلت المسارح من الجمهور، بل إن كثيراً من الفرق اضطرت إلى غلق أبوابها، والبعض الآخر دخل في شراكة ودمج فرقتين في فرقة واحدة لمزيد من جذب الجمهور، مثلما‏ ‏اندمج‏ ‏{جوق‏ ‏الشيخ سلامة‏ ‏حجازي»‏ ‏مع‏ ‏{جوق‏ ‏أبيض»‏ على ‏رغم‏ ‏فارق‏ ‏العمر‏ الكبير ‏بينهما‏، حيث‏ ‏لم يتخط عمر‏ ‏جورج‏ ‏34‏ ‏عاماً‏، بينما الشيخ سلامة‏ ‏حجازي‏ ‏بلغ 62 ‏عاماً‏، إضافة إلى إصابته بمرض «الفالج»، وعلى رغم ذلك تألفت فرقة «أبيض وحجازي»، وكان على رأسها جورج أبيض وسلامة حجازي.

كوميديان رغم أنفه

كان حدس نجيب في محله، إذ بدأ على الفور عدد من أفراد الفرقة في نصب «الأفخاخ والمقالب» له، ولم يكن نجيب على دراية بمثل هذا النوع من «المقالب» الذي اعتاده أفراد الفرقة في ما بينهم، وزاد من صعوبة الأمر أن من تصدى لتنفيذ «المقالب» الفنان عمر وصفي!

بدأت الفرقة في تجهيز الرواية التي سيبدأون بها، وهي رواية «صلاح الدين الأيوبي»، ووزع جورج أبيض الأدوار على الفرقة، بحيث حجز لنفسه دور «ريتشارد قلب الأسد» ملك إنكلترا، والشيخ سلامة حجازي في دور «صلاح الدين»، بينما جاء دور «ملك النمسا» من نصيب نجيب الريحاني.

أخذ نجيب الدور وراح يحفظ الحوار الذي سيكون بينه كملك للنمسا وبين جورج أبيض كملك لإنكلترا، غير أن ما أقلقه كيف سيكون شكل هذا الملك، فهو لم ير ملوكاً سابقاً، تحديداً ملوك أوروبا في ذلك العهد البعيد… منذ ما يقرب من ألف عام!

راح نجيب، بكل طيبة وحسن نية، يسأل الفنان عمر وصفي عله يجد عنده إجابة عن السؤال الذي يحيره، كيف كان شكل ملوك أوروبا في ذلك العهد البعيد؟!

هنا وجد عمر وصفي الفرصة سانحة لتدبير مقلب من مقالبه لنجيب، فلم يجد أمامه سوى بعض الصحف اليومية التي نشرت شكل ملوك ورؤساء الدول الأوروبية الذين يشاركون في الحرب العالمية الأولى، وكان من بينهم إمبراطور النمسا فرانز جوزيف وقد ظهر في الصورة ببذلته العسكرية المعاصرة، ولحيته التي تتدلى على وجنتيه، وفي منتصفها فراغ، وقدمه عمر وصفي لنجيب:

= أنت هتروح بعيد ليه… أهه يا سيدي إمبراطور النمسا بشحمه ولحمه.

* تفتكر كده يا سي عمر.

= إلا أفتكر… الصورة قدامك هتنطق… الشكل واللبس.

* أيوه بس دا إمبراطور وصاحبنا اللي هجسد شخصيته ملك.

= مش فارقه… الجماعة بتوع السياسة دول كل شوية يغيروا ويبدلوا… وملك من إمبراطور مش فارقة.

* أنت شايف كده؟

لم يلحظ نجيب أن الفارق كبير جداً بين ملك النمسا منذ ما يقرب من الألف عام في عهد صلاح الدين الأيوبي، وبين إمبراطورها الآن خلال الحرب العالمية الأولى، ليس على مستوى الشكل فحسب، لكن الأهم الملابس العصرية. فأغلق عليه باب حجرته وجلس أمام المرآة وراح يلتمس في مساحيق الماكياج ومعداته، ما يجعله الإمبراطور جوزيف، وليس «ليوبولد الخامس» دوق النمسا في الحملة الصليبية الثالثة في عهد صلاح الدين!

لم يستطع كل من شاهد نجيب الريحاني منذ أن خرج من غرفته أن يخفي ضحكه، وإن كان بصوت هامس لأن العرض قد بدأ، غير أن نجيب لم يهتم بذلك لتعوده على أن البعض منهم اعتاد أن يسخر منه وينكت عليه، وكان يمنعه خجله من أن يرد لهم الصاع صاعين، باعتبارهم فنانين. حتى جاء موعد دخوله إلى خشبة المسرح ليتبادل مع ريتشارد ملك إنكلترا حواراً طويلاً حول الحرب التي افتعلوها لاغتصاب «أورشليم» من أيدي العرب، مسلمين ومسيحيين، تحت شعار «الحرب المقدسة» باسم الصليب.

دخل نجيب إلى خشبة المسرح، ووجده جورج أبيض أمامه بهذه الهيئة، ولم يستطع أن يتمالك نفسه للمرة الأولى، وأدار وجهه وكتم ضحكته، غير أن الجمهور لم يكتم الضحك، وانفجرت الصالة بالضحك لدرجة أن جورج أبيض نسي ما كان سيقوله، بينما وقف نجيب مندهشا في حيرة من أمره… ولم يدر بما حل به من كارثة.

البقية في الحلقة المقبلة

 

«مقلب فني»

بسبب حالة الشيخ سلامة حجازي الصحية، أوكل الإدارة الفنية لفرقة جورج أبيض الجديدة، ولأن جورج أبيض تعود أن يكون عمل الفنانين معه بعقد رسمي، وهو ذلك التقليد الذي جلبه معه بعد دراسته التمثيل في باريس، فقرر كتابة عقود للفرقة الجديدة، خصوصاً لمواجهة الحالة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وحتى لا يقف عاجزاً عن دفع أجور الممثلين.

نصت عقود الممثلين في الفرقة الجديدة على أن يكون العمل في الفرقة بالمساهمة، أي يكون للممثل عدد من الأسهم في الفرقة، ومن ثم يوزع الإيراد، وكل ممثل ينال أجره وفقاً لنصيبه من هذه الأسهم.

ذهب نجيب كالعادة مساء أحد الأيام طالباً الحصول على قسط جديد من ماله الذي أقرضه إلى سليم أبيض، غير أن الأخير لم يكن موجوداً في المسرح، وتصادف أن كان جورج أبيض يرتِّب أدوار أعضاء الفرقة الجديدة، ويحصيهم ليوفق شخصياتهم على أدوار إحدى الروايات الجديدة التي ستفتتح بها الفرقة الموسم الجديد التي ضم إليها جورج أبيض كل من، روز اليوسف، عزيز عيد، سرينا إبراهيم، نظلي مزراحي، عمر وصفي، محمود رحمي، فؤاد سليم، عبد العزيز خليل، وعبد المجيد شكري، والمنشد الشيخ حامد المغربي وغيرهم.

اقترب نجيب من جورج أبيض، فنظر إليه جورج من خلف نظارته:

= أهلا يا نجيب… أتفضل.

* أهلاً يا أستاذ جورج.

= أخبارك إيه؟

* على فيض الكريم يا أستاذ.

= سليم عامل معاك إيه؟

* لا مؤاخذة يا أستاذ… صحيح الخواجة سليم أخوك بس ربنا ما يحكمه على يتامى.

= اسمع يا نجيب أفندي… أنت راجل أرتيست وياما عزيز عيد كلمني عنك.

* دا من أصلك يا أستاذ… بس زي ماهو واضح كده الفن ما بيأكلش عيش دلوقت.

= وإيه الجديد يا نجيب… أحنا أتعودنا على كده خلاص. بس المهم إن الأرتيست عند رسالة لازم يؤديها… حتى لو جاع أو نام ع الرصيف، لأنه لازم يكون مؤمن برسالته.

* أيوه يا أستاذ بس…

= مفيش بس… إيه رأيك تنضم للجوق الجديد «أبيض وحجازي»؟

* دا أنا يا أستاذ ماكنتش قادر على «جوق أبيض» لوحده… هقدر على «أبيض وحجازي»؟

= هاهاها… الغريبة يا أخي إن دمك خفيف قوي زي كل المصريين.

* وإيه الغريب في كده؟

= شكلك ما يقولش خالص إنك دمك خفيف… متجهم ودايماً مكشر وحاسس دايماً إنك عاوز تبكي.

* من اللي شفته يا أستاذ… الدنيا فرمتني… بتشيل وتخبط فيا. خدتها من شرقها لغربها… من فوق لتحت… ومفيش فايدة.

= خلاص من دلوقتي اعتبر نفسك واحد من الجوق… اتفضل.

* إيه ده؟

= دا عقد التحاقك بالجوق. وقع وقع… دي الطريقة الوحيدة اللي بيها تضمن تاخد فلوسك من سليم… وفوقهم حصتك من أسهم الجوق.

* يا سيدي أنا بس أطول فلوسي… وآدي التوقيع… نجيب أنطون إلياس ريحاني.

= إيه كل ده؟ كفاية أوي «نجيب الريحاني».

أصبح لنجيب اسم فني بعد أن التحق بفرقة «أبيض وحجازي»، ليكون «نجيب الريحاني»، غير أنه على غير المتوقع وجد نفسه غير متآلف مع الفنانين الموجودين بالفرقة، خصوصاً أن معظمهم قد سبق نجيب في احترافه التمثيل، وبات له اسم كبير في عالم المسرح، مثل السيدة فاطمة آل يوسف أو باسمها الفني «روز اليوسف» وعزيز عيد، والفنان عمر وصفي، وعبد العزيز خليل، وعبد المجيد شكري، وغيرهم. وزاد من عدم التآلف، إحساس نجيب بأن نظرة الجميع له، باعتباره أحدثهم، أنه جاء ليقتسم معهم رزقهم، لا سيما أن إيراد الواحد منهم، أو حصة أسهم الفرد منهم، لم تكن لتصل في كثير من الأوقات إلى أكثر من 35 قرشاً صاغاً أميرياً لا غير.

الجريدة الكويتية في

28/07/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)