قسمتي
أشهر قليلة تلك التي شعر فيها نجيب بنعمة الصداقة الحقيقية والرفقة
بقدوم المهندس محمد عبد القدوس، الذي ملأ عليه حياته، وأنسى كلاهما الآخر
مرارة الغربة، حتى استيقظ يوماً على خبر صدمة بشكل كبير. فقد وصل خطاب من
مديرية التعليم إلى المهندس محمد عبد القدوس تستدعيه للعمل في إحدى مدارس
القاهرة الصناعية، وكان عليه أن ينفذ أمر النقل من فوره.
شعر نجيب بأن مرور محمد عبدالقدوس بحياته كان كالطيف الجميل، الذي مر
به، فأسعده ثم أكمل رحلته، ليتركه وحيداً يكابد شوقه للتمثيل في تلك الغربة
المريرة.
تدافعت الأيام متشابهة على نجيب. حتى إنه لم يحاول العودة إلى
الزيارات اليومية إلى الدكتور جودة، فقد أصبح يسيطر عليه الملل والنوم
مبكراً، إلى أن وصل إلى نجع حمادي في شتاء 1913 رجل بلجيكي بصحبة زوجته
الفرنسية. يعمل الرجل في مهنة التنويم المغناطيسي، بينما زوجته تقوم بما
يسمى «قراءة الكف» فقد جاءا النجع كواحدة من محطات عدة يمران بها، ليقوما
بإحياء بعض حفلات في المدينة أمام جمهور الأهالي، فيأتي الرجل بعدد من
الألعاب المدهشة التي لم يكن يعتادها الجمهور، اللهم إلا بعض الحركات
البسيطة التي كانوا يشاهدونها من بعض الحواة، غير إنها لم تكن ترقى إلى هذا
المستوى المدهش.
على رغم الدهشة التي سببتها عروض الرجل البلجيكي، إلا أنها لم تكن
تساوي شيئاً إلى جوار ما قامت به زوجته من قراءة كف بعض من أرادوا ذلك، فما
إن يمد لها أحدهم يده وتتفرس كفه، حتى تبدأ بقراءة ما فيها وكأنها تتلو من
كتاب بين يديها، ما أدهش نجيب بشكل أثار فضوله لمعرفة ما يخبئه له
المستقبل. غير أن المبلغ الذي تتقاضاه تلك الفرنسية كبير، ونجيب لا يزال
يسد ديون رحلة القاهرة، حيث كان عليه الاستدانة فور عودته من رحلته، ويتم
ترحيل الدين من شهر إلى آخر.
في إحدى الليالي، ذهب نجيب مع عدد كبير من العاملين في الشركة لحضور
حفلة لهذا البلجيكي وزوجته، وما إن انتهى العرض حتى تقدم الزوج بعدد من
«التذاكر» ثمن الواحدة منها «20 مليما» ستكون واحدة من بين هذه التذاكر
فائزة، أما الجائزة فهي أن تقوم الزوجة الفرنسية بقراءة كف الفائز عصر
اليوم التالي في مقر إقامتهما.
تذكرة السعادة
سارع نجيب بشراء واحدة من التذاكر وهو يمني نفسه بالفوز لتقرأ
الفرنسية طالعه المكتوب في كفه. ما إن انتهى توزيع التذاكر حتى تدافع
الجميع لحضور عملية السحب، فيما بقي نجيب في مكانه وقد أغمض عينيه للحظة في
انتظار اسم الفائز، وإذا بالرجل البلجيكي يعلن اسم عبد الكريم صدقي، ضرب
نجيب الطاولة بيده لاعناً حظه العاثر، ولكن لعب القدر لعبته في اليوم
التالي:
* بتنفخ وتفش ليه يا عبد الكريم أفندي… أنت المفروض إن محدش أدك
النهاردة.
ـ على إيه بس يا سي نجيب. الحكاية مش ناقصة.
* هي إيه اللي ناقصة وزايدة. واحد زيك كسبان أمبارح «لوترية» وهتروح
النهاردة بعد العصر تسلم أيدك لأختك الفرنسية تقطع في فروتك وتقولك ع اللي
طالع واللي نازل في حياتك.
ـ لا طالع ولا نازل… ارتاح بقى يا سي نجيب. مش رايح.
* هو إيه أصله ده… أنا مش فاهم؟
ـ جاتلي مأمورية لسوهاج… ولازم أمشي دلوقتي فى التو واللحظة.
* يا حظك اللي زي وشك. قصدي يا حظك الأسود.
ـ مش كده
والنبي؟
* لا بس اسمع… أنت وشك مش أسود أوي. أنت اسمر على خمري. يعني ممكن
يكون حظك بني.
ـ أنت فايق وبتنكت يا نجيب أفندي.
* مش القصد والله… بس بدي أقولك إن ممكن تكون المأمورية دي فيها خير
لك… مين عارف؟
ـ أنت شايف كده؟
* هو فيه غير كده؟
ـ طب يا سيدي حيث إنك بشرتني بالخير خد التذكرة دي روح أنت بيها خللي
الست الفرنجية تشوفلك الطالع.
* أنت عارف يا عبد الكريم أفندي أني مليش في الخزعبلات دي…
ـ كده… طب خلاص أديها لفكري أفندي.
* والله ما أنا كاسف إيدك يا راجل. دا حتى أبقى أنا قليل الذوق.
خطف التذكرة من يد زميله عبد الكريم ووجهه ممتعض، غير أن قلبه كان
يرقص بين أضلعه. ستتحقق أمنيته ويذهب لهذه السيدة فربما أخبرته بما سيكون
عليه حبه للتمثيل، وهل سيتجه إليه أم سيظل وجهه في وجه عبد الكريم أفندي،
وتوماس أفندي وفكري أفندي… وبقية فريق الأفندية زملاء الشركة؟!
قبل الموعد المحدد كان نجيب بين يدي السيدة الفرنسية، تناولوا معاً،
نجيب والسيدة وزوجها، فنجاناً من القهوة، ثم ترك يده للسيدة التي راحت تنظر
إليه، ثم تنظر في كفه، تطيل النظر في كفه، ثم تنظر إليه مجدداً، حتى بدأ
القلق يساور نجيب، وراح يحدث نفسه:
ماذا ستقول هذه السيدة، هل هناك كارثة تظهر في كفي، أم أنها لا ترى
شيئاً، أم أنها مدعية وتبحث عن كلام تقوله من ذلك الذي يُقال في مثل هذه
المناسبات من نوعية «قدامك سكة سفر، وسيصلك خير وفير بعد نقطتين، والنقطتان
إما ساعتين أو يومين أو سنتين…} وفي الغالب ستكون النقطتان سنتين، حتى تكون
الفرنسية وزوجها قد فارقا نجع حمادي، أو فارقا بر مصر بأكمله، أو ربما
فارقا الحياة!
أطالت السيدة النظر في عيني نجيب ثم قالت بالفرنسية التي يجيدها نجيب
جيداً:
= خدمة الجيش لن يكون لك فيها عيش!
همس نجيب لنفسه قائلا:
* بدأنا النصب… خدمة جيش إيه يا خالتي أم ليشع. شحط زيي عنده أربعة
وعشرين سنة لسه هيخدم في الجيش… جلتّ منك دي يا حيزبون. أكيد أنت عارفه أني
موظف وفات معاد خدمة الجيش… القصد هاتي اللي عندك.
انصرف نجيب ذاهلا.. شعر بأنه كان يحلم.. فربما قامت السيدة بتنويمه
مغناطيسيا وحلم بما قالته، ولكن زوجها هو من يقوم بالتنويم وليس هي، فكثير
مما قالته السيدة عن حياته الماضية قد حدث بالفعل، ولكن ربما تكون الصدفة
مع كلام يتم تكراره مع كثيرين غيره، ولكن الكارثة الحقيقية فيما هو آت..
راح نجيب يقطع الطريق إلى مسكنه سيرا على الأقدام وهو غائب عن الوعي يفكر
فيما قالته هذه السيدة:
* لا… لا… ده أكيد نصب وكلام محفوظ بتقوله لكل واحد. أكيد الكلام ده
كانت هتقوله لعبد الكريم أفندي لو كان هو اللي جه مكاني.
- لكن دي قالت لي على حاجات حصلت معايا زي حكاية الرفت من الشركة
والرجوع لها مرة تاني بسبب الطيش اللي كنت فيه… بس كله كوم وحكاية الفلوس
اللي من غير عدد دي كوم تاني… ومنين؟ يا حسرة دا مرتبي أول عن آخر أربعتاشر
جنيه، ومفيش مؤشر يقول إني ممكن أورث… دا يمكن أنا أغنى واحد في العيلة.
عمي توما باطه والنجم، وعمتي ماتيلدا الله يرحمها ماتت مديونة وجوزها بيسأل
ربنا في حق النشوق… وحتى لو عنده ثروة… ماهي بنته الوحيدة هتورثها… وست
الحبايب أم توفيق على الله زينا… يعني لاخال هيسيبلها تركة ولا عم هتورث
عنه يشوفك في وصيته بحسبة كام ألف مصري يبحبحوك… لا… لا… مش بقولك دي ست
بتتكلم من وسع. أمال بس منين رايح يجيني الغنى يا أخواتي إن ما جاش
بالطريقة دي، هييجي من التمثيل؟ اسم الله… ده إخوانا باسم الله ما شاء الله
مكانش يلف الشهر إلا والجعيص فيهم يستلف قد ماهيته مرتين!
وكله كوم وحكاية الجيش اللي مليش فيها عيش دي كوم تاني… أما ست نصابة
بشكل!
لا واللي زاد وغطى حكاية حادثة الأتوموبيل دي. أعوذ بالله… طب بالعند
فيكي عمري ماهشتري عربية حتى لو بقيت أغني واحد في البر كله… وريني بقى
هتيجي منين حادثة العربية؟ ست بوزها ناشف.
مضى نجيب في طريقه يحدث نفسه وهو في دهشة من أمره، ويلعن الحظ الذي
جعل عبد الكريم تأتي له مأمورية فيحل محله ليرى هذه السيدة ويسمع منها هذا
الكلام، الذي لا أصل ولا فصل له. وظل بين أخذ ورد بينه وبين نفسه، وراح
يعبر الشارع الرئيس في المدينة وهو على هذه الحالة، ولم يدر بنفسه إلا وهو
يسقط على الأرض مغشياً عليه بعدما صدمه أتوموبيل نجل حامد باشا رشدي صاحب
أكبر عزبة في زمام نجع حمادي بأكمله:
= لا حول ولا قوة إلا بالله… الراجل طب ساكت يا ولداه.
ـ من فضلكم. من فضلكم. شوية كده. شوية هوا. ابعد من فضلك أنت وهو.
= هوا إيه؟! دا الراجل مات يا سعادة البيه.
ـ من فضلكم هدوء شوية. مفيش داعي للكلام ده خلينا نشوفه ونطمن عليه…
يا أستاذ… يا أفندي… يا أستاذ… أنت يا…
* هه… إيه؟ فيه إيه؟ أنا فين؟
= مفيش حاجة متخافش اتطمن أنت بخير.
* إيه اللي حصل؟
= أنت كنت ماشي سرحان مش واخد بالك وعديت الطريق وفجأة لقيتك قدامي
قمت صدمتك بالأتوموبيل… بس الحمد لله جت سليمة.
* إيه؟! بتقول إيه؟ صدمتني بالأتوموبيل؟
= بس الحمد لله جت سليمة… أنت حاسس بحاجة؟
* حاسس بمصيبة جيالي.
= يا لطيف! مصيبة إيه ياجدع أنت كويس أهه.
كذب المنجمون
لم يصدق نجيب ما حدث بهذه السرعة. راح يقبل قائد السيارة، ثم هرول وهو
لا يكاد يصدق ما حدث. ليس لأن الله نجاه من هذا الحادث الذي كان من الممكن
أن ينهي حياته في لحظة، بل لأن هذه أول نبوءة تحدث له من بين ما قالته له
السيدة الفرنسية: «حادث تصادم أتوموبيل سينجيك الله منه!».
بقدر سعادة نجيب بتحقيق هذه النبوءة، بقدر ما سببت له مزيداً من
الحيرة. فراح يسأل نفسه في حيرة: «وماذا بعد؟!».
غادرت السيدة الفرنسية وزوجها نجع حمادي، وعاد نجيب إلى عمله وروتينه
اليومي، غير أنه مل في انتظار تحقيق شطر جديد من نبوءات السيدة الفرنسية،
فنسى الموضوع ونسى أمرها كله، حتى فوجئ بخطاب يأتي له من القاهرة، أمسك
الخطاب بيده وراح يفكر فيمن أرسله، وماذا يحمل له من أخبار. لعل عزيز عيد
أرسل يستعجل حضوره إلى القاهرة، فقرر بينه وبين نفسه أنه إذا كان الأمر
كذلك، سيرد عليه بأن ينسى أمر هذا الموضوع مؤكدا له أنه سعيد بحياته هنا.
لكن يا لها من مفاجأة، فالخطاب من السيدة لطيفة والدة نجيب:
ولدنا الحبيب/ نجيب
أرجو أن تكون بخير وبصحة جيدة. أنا وأخوتك توفيق ويوسف وجورج بخير ولا
ينقصنا إلا رؤياك.
ولدى الحبيب… أعلمك بأن زكي أفندي شيخ الحارة كان قد حضر إلينا الشهر
الماضي ومعه ورق القرعة بخصوص طلبك للجهادية، ولكننا قمنا بدفع «البدّلية»
لك، وتم إعفاؤك من الذهاب إلى الجهادية.
اطمئن يا ولدي والتفت لعملك ولا تحمل هم أي شيء.
والدتك الحبيبة
لم يصدق نجيب السطور التي يقرأها، لدرجة أنه أعاد قراءتها ثلاث مرات.
دفعت له والدته «بدّلية» الجيش لإعفائه من أداء الخدمة العسكرية، من حقه أن
يسعد بما فعلته والدته لأجله حتى تضمن له مستقبله. لكن الأهم أن ما حدث هو
النبوءة الثانية… حقاً إنها النبوءة الثانية التي أخبرته بها السيدة
الفرنسية، فيبدو أن هذه السيدة على حق… لكن كذب العرافون ولو كانوا صادقين.
هكذا تقول الأديان كافة، لكن ما تفسير ما يحدث هذا؟ ربما هي الصدفة، لكن
ماذا لو لم تكن الصدفة؟ هذا يعني أن النبوءة الثالثة في الطريق. لعن نجيب
السيدة الفرنسية ويوم لقائها، فقد كان على وشك نسيانها ونسيان ما قالته،
لكن هذا الخطاب جدد عليه ما قالته، وراح ينتظر النبوءة الثالثة.
يبدو أن القدر لم يجعله ينتظر طويلاً، في صباح يوم الأحد 28 فبراير
عام 1914، وبينما كان يجلس في مكتبه بإدارة شركة السكر في نجع حمادي، تسلم
إشعارًا بوصول خطاب مسجل «مسوكر» باسمه، فقام بالتوقيع على هذا الإشعار،
على أن يذهب لاستلام الخطاب من مكتب بريد نجع حمادي في وقت لاحق.
لم ينتظر نجيب انتهاء يوم العمل للذهاب إلى مكتب البريد، وحصل على إذن
بالانصراف، وكانت المفاجأة أن المدير لم يسأله عن سبب انصرافه مبكراً، بل
أومأ برأسه وأشاح له بيده، فلم يلق له نجيب بالاً، وخرج وقلبه يرقص فرحًا،
وهو على يقين بأن الخطاب «المسوكر» يحمل النبوءة الثالثة، وليست أي نبوءة،
فهذه المرة ستكون تلك التي تتحدث عن المال، المال الذي سيكون بلا حساب وبلا
عدد. فمن يا ترى من عائلته فارق الحياة وترك له إرثا؟ ليس مهماً من يكون،
المهم أنه فعلها وترك له الإرث!
أحلام العرافة
راح نجيب وهو في طريقه إلى مكتب بريد نجع حمادي يرسم شكل حياته
الجديدة، متى سيتقدم باستقالته من الوظيفة؟ فهو لن يستطيع أن يستمر بها
ليوم واحد، فلا يصح لمثله من الأثرياء أن يعمل تحت إمرة رجل مهما كانت
درجته الوظيفية، سيرفض نجيب غداً أن يجعله موظفاً لديه!
الأمر الثاني لا بد من أن يشتري «بيتا من بابه» لأسرته ترتاح فيه
والدته بقية عمرها ويستأجر من يخدمونها هي وأشقاءه، ثم يتفرغ بعد ذلك
لمطالبه، فالقائمة طويلة، فهو لن يرضى أن يعمل لدى أحد من أصحاب الفرق
الموجودة، لا بد من أن تكون له فرقة خاصة تحمل اسمه «جوق نجيب الريحاني»
ويضم إليها كبار الممثلين والممثلات، لينافس بها أكبر جوق في البر المصري
كله، ويكتب عليها اسمه بالنور، ليكون اسمي «نجيب بك»، ويكفي إلى هنا مشواره
مع لقب «الأفندي»، وهذا يلزمه سيارة تصميم 1914… لكن لا داعي للسيارات،
فربما كان هناك بقية لنبوءة حادث السيارة، وإذا كان الله سلم في «البروفة»
فربما تقع الواقعة بسيارة يملكها ويقودها بنفسه، فلا يعرف ماذا قد يتحقق
أيضاً من نبوءات تلك السيدة الفرنسية، التي يبدو أنها من الأولياء الصالحين
المكشوف عنهم الحجاب، إذا صحت نبوءتها الثالثة التي ستكشف عن نفسها بعد
لحظات!
دخل نجيب مكتب البريد وقدم نفسه لموظف المكتب الذي ابتسم ابتسامة
عريضة وهز رأسه يمينا ويسار:
= يا نجيب أفندي… أنا إيدي دي ياما سلمت جوابات كلها شيكات وحجج
أطيان… وكان الواحد من دول يمد إيده بالحلوان بتاعي ولا يستخسرش فيا
الكتير.
* يا سيدي أنا عنيا لك بس نطمن الأول ونشوف اللي فيه
ـ بسم الله ماشاء الله… الجواب متختخ ومنفوخ… وبخبرتي الطويلة في
البريد بقولك إن فيه شيكات بنكية.
* من بقك لباب البنك. متعرفش منين الجواب ده؟
ـ الجواب ده من هنا… من النجع.
* من هنا إزاي؟! أنا لاعم ولاخال هنا.
ـ مين عارف يا نجيب أفندي؟
* على قولك… يا خبر بفلوس دلوقت يبقى ببلاش.
ـ أنا على قولي… بس أنت خليك عند قولك. أنا اسمع إنك بحبوح وابن حظ
واللي في إيدك مش ليك.
ـ أنا عارف… بس اللي في إيدك أنت دلوقت ليا.. تسمح لي.
تناول نجيب الخطاب من موظف البريد وراح يتحسسه، وبدا له أن موظف
البريد على حق، فالخطاب منفوخ وله غلاف سميك، بدأ يفتحه جزءاً جزءاً، وكلما
مرت يده على جزء زادت ضربات قلبه، حتى أصبحت أسرع من بندول الساعة، وأخيراً
انفتح الخطاب!
لم يكن به شيك، ولا حجة أطيان ولا حتى مبلغ من المال، جرت عيناه بسرعة
على سطوره القليلة… وكاد يغشى عليه من صدمة ما قرأ.
البقية في الحلقة المقبلة
الكف والبخت
نظرت السيدة مجدداً في كف نجيب ثم نظرت إليه وأكملت بفرنسيتها
الواضحة:
عيناك فيهما مكر مثل الثعلب، إلا أنهما ممتلئتان طيبة وحنان. أنت تحب
النساء كثيراً، وهذا سبب لك الكثير من المتاعب، سواء في القاهرة أو هنا في
نجع حمادي. زي فصلك من عملك بسبب سيدة كنت تنوي الارتباط بها، ورجعت لعملك
مرة تانية بسبب نفس السيدة، وهناك متاعب أخرى بانتظارك بسبب علاقاتك
بالنساء. لكن سيكون لك حظ الارتباط بأكثر من سيدة في حياتك.
حياتك عبارة عن ضجة صاخبة، شوية تحت… وكتير فوق… عندك أفكار مجنونة
كثيرة تسيطر على رأسك. ستضحي براحة بالك من أجل هذه الأفكار. أنت مغامر وفي
المغامرة حظك.
أموال كثيرة جداً ستجري في يديك… لدرجة أنك لن تستطيع عدها. وستنتقل
من الفقر إلى الغنى، ثم من الغنى إلى الفقر مجدداً… ثم تعاود الغنى. وسيحدث
لك حادث تصادم في «أتوموبيل» وسينجيك الله منه… وسيصبح لك شأن عظيم ويرتفع
اسمك فوق الجميع… ويكتب بأحرف من نور.
صمتت السيدة لحظة ثم ابتسمت ابتسامة عريضة وقلبت يدها لتصافح بها يد
نجيب قائلة:
= مسيو نجيب. شرف لي أن أجلس معك… وأصافحك.
الجريدة الكويتية في
27/07/2012 |