حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

                          دراما رمضان التلفزيونية لعام 2012

الفيلسوف الضاحك.. نجيب الريحاني

بقلم: ماهر زهدي

الحلقة ( 10 )

حكم قراقوش

وقف نجيب الريحاني فوق خشبة المسرح لا يبتسم ولا يخالف الحركة التي رسمها له المخرج وبطل العرض جورج أبيض، وعلى رغم ذلك فهو لا يعرف ماذا يحدث من حوله، فمن المفترض أنه يقدم دوراً جاداً لشخصية إمبراطور وليس مهرجاً في سيرك، فماذا يحدث إذا؟ وما الذي يجعل الجمهور يضج بالضحك لهذه الدرجة؟ ولماذا ثار جورج أبيض كل هذه الثورة وطلب من العمال غلق الستار وإنهاء العرض بعدما سادت خشبة المسرح والكواليس حالة من الهرج والمرج، واختلط الحابل بالنابل، واتجه جورج إلى الكواليس وهو يصرخ ويتوعد ملك النمسا أو نجيب الريحاني، وما فعله بملك إنكلترا «ريتشارد قلب الأسد» أو جورج أبيض.

اتجه جورج أبيض إلى حجرته وفمه يخرج سيلاً من القذائف الحادة من أنواع الاتهامات والشتائم والتوبيخ كافة، لمن جعل نجيب الريحاني يصعد إلى خشبة المسرح. غير أن الأمر لم ينته عند حد جورج أبيض، بل راح جميع العاملين في الفرقة، بمن فيهم الكومبارس الذين يؤدون أدوار الجنود، يوجهون اللوم إلى نجيب الريحاني على ما فعله من إفساد المسرحية، وتعكير صفو بطل العرض ومدير الفرقة!

أما ما زاد من دهشة الريحاني وجعله يكتشف الشرك الذي نُصب له، فهو ما قام به الفنان والكاتب عمر وصفي من «تأنيب» لنجيب الريحاني على ما فعله فوق خشبة المسرح، وأنه خلط الأمور ببعضها، وقدم شكلاً ومضموناً لإمبراطور النمسا الحالي، وليس لملك النمسا منذ تسعمائة عام، أو ما يقرب من ألف سنة.

فقد نجح عمر وصفي بامتياز في «تطفيش» نجيب الريحاني من فرقة «أبيض وحجازي».
سدت في وجه نجيب الريحاني الأبواب، وضاقت به السبل حتى إنه لم يجد طريقاً يسلكه لكسب العيش، فقرر بعد يومين من «موقعة صلاح الدين الأيوبي» في مسرح «أبيض وحجازي» أن يذهب في صباح هذا اليوم إلى سليم أبيض، يطالبه ولو بجزء مما لديه من دين، ففوجئ بأعضاء الفرقة (على غير العادة) يجتمعون في ساحة المسرح الخارجية، بينما يقف وسطهم سليم أبيض يهدئ من ثورتهم لأنهم لم يتقاضوا رواتبهم منذ بدأ عرض «صلاح الدين الأيوبي»، حيث كان نصيب الفرد من الأسهم، وفقاً للنظام الذي ابتدعه جورج أبيض، لا يزيد كل يوم على خمسة عشر مليما، أي قرش ونصف القرش، وهو ما لا يكفي لذهاب ومجيء أحدهما في المواصلات العامة!

طرأت فكرة على ذهن نجيب الريحاني، وهي لماذا يظل هو وهؤلاء يعملون لدى الغير ممن يتحكمون فيهم ولا بد من أن يرضوا «بقليله»؟ وما الذي يجعلهم يحتملون هذا الوضع الذي لا يجدون معه قوت يومهم؟ لماذا لا يستقلون بأنفسهم ويعملون بشكل حر بعيداً عن قيود جورج أبيض التي يضعها في عقوده ثم لا يجدون أي مردود لذلك؟

اقتناع بالكوميديا

عرض نجيب الريحاني هذه الأفكار على عزيز عيد، فوجدها لم تلق استحساناً كبيراً لديه فحسب، بل راح يعرض الأمر على بعض أعضاء الفرقة المقربين منه، ولاقت الفكرة ترحيباً كبيراً من الفنانة روز اليوسف، وانضم إليهم عدد من الشباب الذين يبحثون أيضاً عن فرصة وصدموا بما حدث لهم في فرقة «أبيض وحجازي» من بينهم ستيفان روستي، وحسن فايق وعبد اللطيف جمجوم، ثم انضم إليهم بعد ذلك من غير أعضاء فرقة «أبيض وحجازي» أمين عطا الله، بعدما سرَّح فرقته التي كونها مع شقيقه سليم عطا الله. كذلك انضم الكاتب أمين صدقي الذي يحمل بين يديه باستمرار عدداً من روايات ألَّفها اقتباساً، ولا يجد من ينفذها.

قرر الريحاني ومعه عزيز عيد وروز اليوسف، ومعهم من انضم إليهم، تكوين فرقة خاصة بهم لمنافسة فرقة «أبيض وحجازي»، وقد أصبح أعضاء الفرقة كافة موجودين، من الممثلين الكبار والصغار، المخرج، والمؤلف الذي يقدم الرويات. لكن لا يزال ينقصهم الأهم، وهو الممول الذي يقوم بتمويل عروض الفرقة والمسرح الذي سيقدمون عليه عروضهم!

قرر نجيب الريحاني أن يلتقي كل من يؤيد هذه الفكرة يومياً لبحث أمور تكوين الفرقة الجديدة، ومن سيشارك فيها؟ ومن سيتولى إخراج أعمالها، ومن يكتب لها؟

استقر الرأي أن يكون الاجتماع بشكل يومي في مقهى «متروبول» في أول شارع عماد الدين، حيث اتفق الجميع أن يكون هذا المقهى محلاً مختارًا يأوون إليه، منذ طلوع الشمس، وحتى غلق المقهى بعد منتصف الليل، ليكونوا هم أول من يستقبلهم موظفو المقهى في الصباح، وآخر من يرونهم قبل الإغلاق بعد منتصف الليل. فالجميع لا عمل ولا وظيفة له سوى الجلوس في المقهى.

ظلوا يلتقون يومياً، وعلى مدار ما يقرب من الشهر، حتى ضاق بهم الخواجة «استولو» اليوناني صاحب المقهى، لكنه لم يجرؤ على طردهم، كذلك لم يعد النادل يقترب منهم كعادته ويسألونه عما يطلبون، فلم يعد مع أي منهم ما يمكنه من طلب ولو «فنجان قهوة» لنفسه، وليس للآخرين، يجلسون يتحدثون ويتشاورون فيما يمكن أن يقدموه، ويبنون في مناقشاتهم مستقبلاً من الآمال، حتى لاحظ ذلك أحد رواد المقهى الدائمين، السيد «بحري»، فاقترب منهم وتوجه بالسؤال إلى نجيب:

= مساء الخير…                                              

* مساء النور… أهلاً وسهلاً.

= محسوبك «بحري».

* أنعم وأكرم… وبتشتغل بقى على أي مركب؟

= لا يا فندي أنا اسمي بحري… وبشتغل قومسيونجي.

* آه… أهلاً أهلاً.

= اتفضل سيجارة… نزل قهوة هنا يا فلفل للأفندية.

* واجب علينا يا فندم… ملوش لزوم والله.

= أنا بس كنت عاوز أسألك لو مفيهاش تدخل… أنا بشوف حضراتكم هنا من ييجي شهر. وفي أي وقت آجي القهوة ألاقيكم بنفس القعدة… وما تآخذنيش يعني سمعتكم بالصدفة كده بتتكلموا عن المرسح والروايات.

* إذا كنت سمعتنا بالصدفة مفيش مشكلة.

= هو حضراتكم بتشتغلوا إيه؟

* أحنا كده بعيد عنك وعن السامعين «أرتيست».

= كدهه. عال عال أوي… فين القهوة يا فلفل؟

* بنحاول نكون فرقة. وإن جيت للحق… كل شيء جاهز… مش ناقص بس غير الممول.

= وعلى كده يلزمكم كام تمويل علشان تشتغلوا؟

* قول كده يا سيدي… قد عشرة جنيه.

= عشرة جنيه حتة واحدة.

* يا سيدي معندناش مانع تبقى عشر حتت… كل حتة بجنيه.

تولدت صداقة بين السيد بحري «القومسيونجي» وبين أفراد المجموعة، فراح من حين إلى آخر يطلب لهم الشاي والقهوة على نفقته الخاصة، أو يشتري صندوقاً من السجائر ويتركه أمامهم، حتى لاحظ الخواجة «استولو» صاحب المقهى ذلك، فسأل السيد بحري عن أمر هؤلاء الذين ملَّ وجودهم من دون أي منفعة، فأخبره بما سمعه من نجيب الريحاني، وأنهم في حاجة إلى مبلغ عشرة جنيهات لتقديم أول رواية مسرحية لهم.

ممول بالصدفة

هز الخواجة رأسه وراح يفكر، ثم توجه ناحيتهم، فحدث بينهم قلق وتوتر وظنوا أنه قد آن الأوان ليطردهم من المقهى لأنهم جلبوا له النحس بجلستهم اليومية التي لا طائل فيها، غير أنه فاجأهم:

ـ سوف خبيبي أنت وهو… أنا يعرف إن أنتو جماعة أرتيست.

* أيوه يا خواجة… أحنا كنا هنمشي من نفسنا خلاص.

* لا خبيبي. أنتو مس يمسوا أنا ممكن أمول الفرقة… أدفع عسرة جنيه والمكسب ييجي سوا سوا بالنص. أنتو قولتوا إيه؟

نظروا بعضهم إلى البعض الآخر وعلت وجوههم الدهشة والحيرة، وقد أخرستهم المفاجأة، فطلبوا منه إمهالهم خمس دقائق للرد عليه، وانصرف الخواجة عائداً إلى مكتبه، بينما راحوا يتداولون في أمر هذا العرض، فأدلى عزيز عيد برأي، بينما خالفه نجيب الريحاني برأي آخر:

= أنا من رأيي إن الاتفاق ده مع الخواجة بشرة خير… ودليل أننا هننجح، لأنه راجل ابن سوق. يعرف من أين تؤكل الكتف، ومش ممكن يغامر بفلوسه لو هو مش متأكد من النجاح وعارف إنها هترجع أضعافًا مضاعفة.

* أنا بقى عندي تفسير تاني خالص.

= خير يا نجيب.

* الراجل ده زهق مننا… ومن ساعة ما طبينا على القهوة ومفيش زباين غيرنا. وإحنا يا حسرة يوم ما بنتمعظم بنطلب واحد شاي وكل واحد فينا ياخد شفطة. فالراجل حب يضحي بالعشرة جنيه علشان يخلص مننا وترجع القهوة تشتغل زي الأول.

= على كل حال أنا شايف إن دي فرصة مش هتتعوض… وأنا من رأيي نمسك فيها بأدينا وأسنانا.

على رغم التفسيرات الكثيرة التي راح البعض الآخر يبديها، والاقتراحات من البعض بأنه طالما الرجل يريد الخلاص منهم، فليأخذوا المبلغ ويتم توزيعه على الجميع بالتساوي، وإلغاء فكرة الفرقة، إلا أنهم استقروا في نهاية الأمر على قبول العرض وتكوين الفرقة باسم «فرقة الكوميدي العربي»، على أن يكون بطلاها نجيب الريحاني وروز اليوسف، ومعهما أمين عطاالله، أمين صدقي، ستيفان روستي، حسن فايق، عبد اللطيف جمجوم، وآخرين، وسيتولى عزيز عيد الإخراج.

وقع اختيار الفرقة على مسرح «برنتانيا» في شارع عماد الدين، على بعد خطوات من مقهى «متربول»، واختاروا رواية «خللي بالك من إميلي» التي ترجمها عن الفرنسية أمين صدقي، لتكون أول عروض الفرقة.

مولد كوميديان

جاء توزيع الأدوار، فحجز عزيز عيد دور البطولة لنفسه، ثم أسند دور «برجيه» والد إميلي إلى نجيب الريحاني باعتباره بطل الفرقة، وهو دور جندي بوليس قديم، له ابنة جميلة يعيش عالة على سعيها، على أن تقوم روز اليوسف بدور إميلي، فأسقط في يد نجيب الريحاني:

* إيه يا عم عزيز ده؟

= خير فيه إيه يا نجيب؟

* دور «برجيه» ده كوميدي راجل فكاهي دمه خفيف… وأنت شايف السحنة اللي قدامك… مكشرة حتى وأنا بنكت… ومرسوم على وشي علامة استفهام.

= طيب حلو أوي!

* حلو إزاي… أنا مليش في الكوميدي… ما أنت عارف أنا غاوي دراما وحاسس إني اتخلقت علشان الدراما وعمري ما حسيت ناحية الكوميديا بأي عاطفة.

= أحاسيس إيه وعواطف إيه؟ فيه إيه يا عم نجيب؟ هو أنا بقولك أعمل غراميات مع الكوميديا. دا دور وأنت أرتسيت المفروض تعمل كل الأدوار.

* أيوه. بس مش أول ما أشطح أنطح. أنت عاوز الجمهور يحدفني من أول ليلة بالبيض والطماطم. وبدل ما تكون بدايتي تبقى نهايتي!

= أعمل الدور وعلى مسؤوليتي.

* يعني أنت هتنضرب بدالي. أنت هتبقى في الكواليس بعيد عن الضرب.. وبعدين بدل ما نرّجع للخواجة أستولو فلوسه.. نخرب بيته؟!

= يا سيدي متخافش.. وبعدين مفيش حد في الفرقة يقدر يعمل الدور دا إلا أنت.

* يعني ياسي عزيز عيد أروح أنا في ستين داهية علشان حضرتك مش لاقي ممثل يعمل دور برجيه؟!

= يا نجيب. أنا المخرج وأنا اللي بقولك على مسؤوليتي.

ذهب نجيب الريحاني إلى منزله، وأغلق عليه حجرة نومه، ووقف أمام المرآة، وراح يجري تجربة أمام نفسه على دور «بروجيه»، يلقي جمل حوار الدور واحدة إثر الأخرى، ويراقب ما يرتسم على وجهه من تعبيرات، متلمساً السبيل إلى إجادتها. لكن من دون جدوى. لم يحس بالدور، بل وجد ثقل ظل غير عادي لا يتناسب وهذه الشخصية المرحة، فما كان منه إلا أن جدد الاعتذار لعزيز عيد في اليوم التالي، فامتعض وجه عزيز وصاح فيه:

= أستاذ نجيب. أحنا مش هنهزر… مفيش حد غيرك هيعمل الدور. مفيش قدامنا غير تلات أيام. اتفضل ع البروفة.

انقضت التجارب. وأخيراً جاءت اللحظة الحاسمة. اللحظة التي ينتظرها نجيب الريحاني منذ سنوات طويلة، لحظة أن يكون ممثلاً محترفاً، فها هو ينال الدور الثالث في الرواية بعد عزيز عيد وروزاليوسف، بعد الأدوار الهامشية، وفي عرض مسرحي يضم الكثيرين من المحترفين، إن لم يكن فيهم الكثيرون ممن يطلق عليهم نجوم، لكن كيف ستسير الأمور؟ كيف سيستقبله الجمهور وهو يتقمص دور العسكري «بروجيه»؟ هل سيكتب شهادة ميلاده الفنية، أم ستكون نهايته التي لن تقوم بعدها له قومه؟!

وقف عزيز عيد في كواليس خشبة المسرح، وأمسك في يده عصا غليظة، وراح يدق دقات المسرح الثلاث ليعلن عن بدء عرض رواية «خللي بالك من إميلي».

راح قلب الريحاني يدق بصوت أعلى من دقات المسرح، غير أنه اهتدى إلى حل لهذا المأزق، فمادام أن السقوط سيكون حليفه، فما الذي يخيفه أكثر من ذلك؟ ومادام عزيز عيد أعلن مسؤوليته الكاملة عن هذا الفشل، فما الذي يخيفه؟ فليكن ما يكون.

قرر نجيب الريحاني أن يمهد لدخوله إلى خشبة المسرح، على عكس ما اتفق عليه مع عزيز عيد، فقرر أن يمهد للجمهور بصوته قبل أن يرى وجهه، فراح يبدأ الحوار من خلال الكواليس، فضجت الصالة بالضحك، ما زاد من توتر وخوف نجيب الريحاني، وقال لنفسه: ربما ضحكوا لأنهم لم يروا وجهه بعد، فاقتحم المسرح وتشجع وأدى الدور، وراح يصول ويجول فوق خشبة المسرح، كأنه يوجد بمفرده في هذا الفضاء، لا يرى ممثلين ولا جمهورا، حتى أفاق من اندماجه على تصفيق حاد من الجمهور.

لم يصدق نجيب الريحاني أن التصفيق الذي يسمعه له، وأنه كممثل قادر على انتزاع كل هذا الضحك من الجمهور، فمن المؤكد أن الجمهور يستجيب لممثل آخر غيره، فنظر الريحاني عن يمينه وعن يساره وخلفه، فلم يجد غيره فوق خشبة المسرح. إذاً فهذا الذي يحدث بفعله هو… دون غيره.

بالرغم من مشاركة عزيز عيد بطل الرواية، إضافة إلى عدد كبير من نجوم الكوميديا في العرض إلى جانب الريحاني، إلا أنه لم يتأكد أن الجمهور أعجب به ورفعه دون غيره إلى هذه المكانة، إلا في نهاية العرض، وهو يستقبله هذا الاستقبال الحار والتصفيق المدوي، فقد أراد نجيب أن يختار طريقاً لنفسه من خلال الأعمال التراجيدية والميلودرامية، غير أن الجمهور هو من اختار له الطريق، ليس ليعلن عن مولده كممثل ناجح فحسب، بل ككوميديان ليس له مثيل.

(البقية في الحلقة المقبلة )

 

حكم بالفشل

وقف سليم أبيض في بهو «التياترو» وفي يده خطاب إنهاء عقد نجيب الريحاني من الفرقة، والذي كتب حيثياته ووقع عليه مدير الفرقة وبطلها الأول جورج أبيض، حيث احتوى الخطاب على التذكير ببنود العقد التي تبيح لمدير الفرقة فسخه إذا ما أرتأى ذلك، لكن ما لفت نظر الريحاني وأثر فيه بالغ الأثر تلك الجملة التي ذيل بها جورج أبيض خطاب الرفت: «حيث أنكم رجل ليس له علاقة بفن التمثيل، ولن تكون ممثلاً في يوم من الأيام، حتى ولو ممثلاً ثانوياً… قررت إدارة جوق «أبيض وحجازي» الاستغناء عنكم»!

أخذ نجيب الريحاني خطاب رفته من الفرقة، ولم يستطع أن يفاتح سليم أبيض في أمر ما له من أموال لا تزال ديناً عليه، ويكفي ما حدث الليلة، ليخرج من المسرح يجرجر أذيال الخيبة والندامة، واستقل «مترو» مصر الجديدة عائداً إلى بيته، وبينما اختار مقعداً خالياً ليجلس عليه، إذا بمن يصعد خلفه ويجلس بجواره، إنه صديق قديم من الرواد الدائمين لمقهى «إسكندر فرح» في شارع عبد العزيز، وجاره في سكنه الجديد:

= إيه الصدفة الجميلة دي؟ نجيب أفندي؟

* أهلاً وسهلاً… إزي حضرتك؟

= الله… أنت مش واخد بالك منيّ ولا إيه… أنا صادق عبد الفتاح صديقك… وكمان جارك في سكنك الجديد بمصر الجديدة.

* عارف والله العظيم. أنا بس دماغي مش رايق شويتين.

= لا ألف سلامة… لو أعرف والله كنت خدتك معايا تسهر وتفرفش النهاردة.

* على كده بقى حضرتك راجع من سهرة حظ؟

= مش بالظبط كده… بيني وبينك كنت ناوي على سهرة جد مع رواية محترمة… لكن جت في نصها وقلبت «مسخرة»!

* مش فاهم… ليه أنت كنت فين؟

= كنت في جوق أبيض وحجازي. الجوق اللى اتعمل جديد ده… كانوا بيقدموا رواية صلاح الدين الأيوبي وكانت الرواية ماشية تمام، وعمك جورج أبيض كان ملعلع للسما…

* عمك أنت أنا مليش أعمام.

= القصد فجأة ظهر واد ممثل كده ابن (…) قلبها مسخرة.

* إزاي مش فاهم؟ يعني كان كويس ولا وحش؟

= مش حكاية كويس ولا وحش… دا المفروض عامل ملك النمسا من أيام صلاح الدين. قوم بسلامته طلع ملخبط خلقته ولابس هدوم الإمبراطور فرانز جوزيف الإمبراطور اللي ماسك النمسا دلوقت. وعنها والرواية قلبت مسخرة وباظت والتياترو كله هات يا ضحك… أما حتة واد (ابن …) ملوش مثيل… بجد مشخصاتي هايل ابن الـ… ده.

* حيلك يا سدنا… أنت نازل شتيمة وقباحة. مش كده أمال.

= أصله عجبني أوي… واد جريء فعلاً.

* تقوم تشتمه؟! برضه ما يصحش!

= يا سيدي… دا كان نفسي أشوفه بعد ما خرجنا علشان أقوله الكلمتين دول.

* اعتبر نفسك قلتهم له.

= إزاي مش فاهم؟

* ماهو الواد ابن الـ… ده يبقى محسوبك. العبد لله.

= طب بعد إذنك يا نجيب أفندي. أنا لازم أنزل هنا لأني افتكرت حاجة مهمة عاوز أجيبها.

الجريدة الكويتية في

29/07/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)