إلا خمسة
جلس الريحاني يستمع إلى الفتى الجديد، وهاله ما سمع، صوت ساحر قوي
متمكن من مخارج الألفاظ، يعزف بإتقان المحترفين على العود، فقرر ضمه إلى
الفرقة فوراً:
برافو… برافو… أرتيست أصيل فعلاً. اسمك إيه بقى يا سيدي؟
اسمي محمد عبدالوهاب.
ضم نجيب الريحاني المطرب الشاب محمد عبد الوهاب إلى فرقته، ووقع معه
عقداً ليس كمطرب فحسب بل كمطرب وممثل، وأسند إليه دوراً صغيراً في روايته
التي كان يعرضها آنذاك «الدنيا جرى فيها أيه»، في مشهد الريحاني هو بطله،
ليكون ذلك مشجعاً للفتى الذي يمثل للمرة الأولى بعيداً عن الغناء.
لكن يبدو أن الخطة جاءت بأثر عكسي مع محمد عبد الوهاب، فما إن وجد
نفسه أمام الريحاني في المشهد حتى شعر بأنه نسي كل شيء، وقف أمامه لا
يستطيع أن ينطق أو يتحرك، فتفهم الريحاني الموقف وحاول أن يهدئ من روعه
ويلقي بعض النكات والقفشات، ثم اقترب منه وهمس له بمفتاح الحوار الذي
سيقوله، لكن هيهات… ظل عبد الوهاب صامتاً ينظر إلى الريحاني كأنه أحد أفراد
الجمهور. صعد فوق خشبة المسرح ليتابع الرواية والممثلين عن قرب، فجن جنون
الريحاني ولم يجد نفسه إلا يصفعه صفعة قوية على خده.
أطاحت الصفعة بمحمد عبدالوهاب إلى الكواليس، تلقاها واندفع خارج خشبة
المسرح بسرعة، وبخبرة الفاهم استوعب نجيب الموقف وحوله إلى كوميديا صارخة…
وانتهت الأزمة فوق خشبة المسرح وكان على نجيب أن ينهيها خارج خشبة المسرح:
* تعالى يا محمد… أنت لسه زعلان؟
= لا يا أستاذ. أنا بس كنت مرعوب.
* من إيه؟ المسألة بسيطة جداً. ما تبصش للجمهور ولا كأنه موجود.
وبعدين دا أنت مطرب وياما غنيت قدام جمهور.
= أنا ما كنتش خايف من الجمهور. أنا كنت خايف منك انت.
* أنا؟ يا سيدي اعتبرني أخوك الكبير وواقفين بنتكلم مع بعض. عموماً ما
تزعلش لأني على المسرح ما بعرفش أبويا من أخويا. ببقى الشخصية إللي بقدمها.
على رغم النجاح الذي حققته الرواية إلا أن شيئاً من اليأس أصبح داخل
الريحاني، بسبب توالي صدمات مالية قاسية، فقد اشترى قدراً هائلاً من
«الفرنكات والليرات والأسهم والماركات»، فهبطت أسعارها كلها في البورصة،
وكان التدهور المادي شنيعاً فأحس بعده بهبوط حالته المعنوية مع هبوط حالته
المادية، لدرجة أنه لم يعد يتمالك نفسه على خشبة المسرح، ودب في عمله نوع
من الإهمال الذي انقلب إلى فوضى تفشت في ثنايا المسرح، وكادت تقلبه رأساً
على عقب.
ضياع الحب وبداية الكوارث
لاحظت لوسي لقاءات الريحاني المتكررة مع سرينا إبراهيم، فخيرته بين أن
تترك الأخيرة الفرقة أو أن تهجره هي. وفي منتصف عام 1920، وصل الخلاف إلى
ذروته بين نجيب ولوسي، فما كان منها إلا أن نفذت تهديدها، وفجأة لم يجدها
الريحاني أمامه، فقد سافرت إلى فرنسا ليفترقا إلى غير عودة، ويكون هذا
الفراق أولى النكبات التي صبها القدر فوق رأس نجيب وساقها إليه في حلقات
متتالية يأخذ بعضها برقاب بعض.
فما كان يغمره من خير جارف، أضحى البحر جفافاً من كل ناحية، بل وشراً
مستطيراً، حتى شعر نجيب بأن لوسي كانت سبب الخير الوفير الذي كان ينهمر
عليه وبرحيلها أخذت معها كل شيء!
جاءت بداية الكوارث التي حلت بنجيب بتغير شعور كل من عزيز عيد والشيخ
سيد درويش نحوه، فقد علم أن عزيز والشيخ سيد اتفقا معاً ضده وينويان رفع
راية العصيان، فلم يشأ أن يجعل ما بينه وبين صديقيه مادة للتداول، ما قد
يعطي فرصة للحاقدين للتدخل وإفساد العلاقة، فقام بمواجتهما:
* شوف يا أستاذ عزيز. شوف يا عم الشيخ سيد. أنا راجل دوغري أحب الشغل
في النور. يعني أي كلام لازم يكون بينا وبصراحة من غير لف ولا دوران.
= في إيه يا نجيب؟
- مش تفهمنا إيه إللي حصل يا أستاذ.
* أنا وصلني أنكم بتقولوا إني مليش حق في إيراد «العشرة الطيبة». وإن
الإيراد كله من حقكم لوحدكم باعتبار أن واحد المخرج والتاني ملحن الأوبريت.
= أيوه يا نجيب أنا قلت الكلام ده.
- يا أستاذ نجيب دي حاجة متزعلكش… إحنا غرضنا نعرفوا راسنا من رجلينا.
* آدي راسك وآدي رجليك يا شيخ سيد… وطالما أنتوا اتكلمتوا بصراحة أنا
هاكون صريح معاكم. أنا ما عنديش مانع أخلع ايدي من المشروع كله بشرط تدفعوا
انتوا المدة إللي فاضلة من إيجار الكازينو ونتحاسب على بقية إللي أتصرف على
الأوبريت. والله يبارك لكم حلال عليكم الرواية والفرقة والتياترو.
نفض الريحاني يده من أوبريت «العشرة الطيبة» وترك لهما «الجمل بما
حمل» بعد أن تعهد بدفع بقية قيمة إيجار «كازينو دي باري»، ويبدو أن نجاح
«العشرة الطيبة» أغراهما فقررا تقديم رواية جديدة أطلقا عليها اسم
«شهرزاد»… غير أنها فشلت فشلاً ذريعاً، جعلتهما يفضان هذه الشراكة.
قرر عزيز عيد السفر إلى إيطاليا لدراسة فن التمثيل والإخراج مع يوسف
وهبي، بينما لم يستطع الشيخ سيد درويش العودة إلى الريحاني، فالتقطه الفنان
علي الكسار، الذي راح يجدد دماء فرقته، وينهل من ألحان درويش فقدم معه
الكثير من الأوبريتات.
ارتفعت أسهم علي الكسار، وبدأ عدد من أعضاء فرقة الريحاني ينسلون منها
ويتجهون إلى فرقة الكسار وغيرها من فرق، فراح نجيب يبحث عن ممثلين جدد
يضمهم إلى فرقته، لذا لم يتردد في قبول ثلاث فتيات صغيرات، أصغرهن لم يزد
عمرها على الرابعة عشرة، طلبن الالتحاق بالفرقة، هن: رتيبة وأنصاف وفاطمة
رشدي، غير أنه لاحظ في الصغرى (فاطمة رشدي) ذكاء وقاداً، وهواية شديدة
للتمثيل ورغبة أكيدة في العمل للتقدم على خشبة المسرح، على عكس شقيقتيها
اللتين شعر بأن ميلهما كان متجهاً إلى إلقاء المقطوعات الغنائية.
شعر الريحاني بحالة من الإحباط والتخبط، وأن الدنيا أدارت له ظهرها،
خصوصاً بعد سفر لوسي وابتعاد سيد درويش وعزيز عيد عنه، واتجاه بعض أعضاء
فرقته إلى علي الكسار وجورج أبيض وغيرهما، لذا لم يتردد عندما جاءه مصطفى
حفني، متعهد رحلات فنية، ليعرض عليه رحلة يقدم فيها بعض الحفلات في سورية
ولبنان.
رحلة بيروت
لم يكن أمام الريحاني سوى الموافقة لأكثر من سبب، أهمها الترويح عن
نفسه للخروج من الحالة النفسية التي يمر بها من إحباط واكتئاب، ومن ناحية
أخرى ربما يجدد نشاطه الذي تضاءل لما حل به من فتور وعدم اهتمام بالعمل.
ودع نجيب والدته وأشقاءه، وأوصاهم خيراً بوالدتهم في غيابه، كذلك
أوصاهم خيراً بصديقه الحميم بديع الذي تركه مضطراً، فلم يكن له وجود في
الاتفاق الذي عقده مع مصطفى حفني:
* إيه يا أم توفيق! انت هتقلبيها مناحة؟ هي دي أول مرة أسافر.
= دي أول مرة أحس إنك هتبقى بعيد بجد… بيني وبينك بحور وبلاد.
* بحور إيه وبلاد إيه! الشام عندك هناك أهه… غاية الوابور لحد القدس
ومن هناك تاخدي الوابور اللى طالع ع الشام. أنا عاوزك تاخدي بالك من نفسك.
كلها أسبوعين تلاتة وأكون عندك هنا.
= خد بالك من نفسك يا نجيب… محدش عارف هترجع تلاقيني ولا لأ.
* رغم أني كنت في بداية حياتي بحب الدراما لكن ابتديت أفهم ليه ربنا
بعدني عنها. لأني ما بحبش النكد ولا البكا. خدوا بالكم من أمكم. وأنت يا
جورج خد بالك من بديع وأوعَ تبعد عنه.
نزل نجيب في بيروت مع بعض أعضاء فرقته، وكله أمل في النجاح الذي
ينتظره فيها ليخرجه من الإحساس الذي سيطر عليه بالفشل والإحباط، غير أنه لم
يكن يدري أن فشلاً جديداً في انتظاره ليجعله أكثر إحباطاً.
ما إن بدأ نجيب أولى حفلاته في بيروت، والتي استدعى خلالها أمجاد
«كشكش بك» وصولاته وجولاته، حتى فوجئ بحالة من التذمر غير عادية من
الجمهور، وفي كل مشهد كان يجد سخطاً بدلاً من الضحك، وراح يسمع بأذنيه بعض
الناس يهتفون:
ـ بلا زعبرة… انزل يا زلمة.
= هايدا مانه كشكش، هايدا تقليد!
- شو ها الحكي يا زلمة… مو هايدا كشكش بك؟!
ظن نجيب أن شخصية «كشكش بك» لم ترق للجمهور اللبناني، أو أن الدعاية
التي سبقتها كان مبالغاً فيها بشكل كبير واكتشف الجمهور وهم الدعاية ولم
يجدوا ما قيل لهم عن «كشكش»، غير أنه سرعان ما اكتشف حقيقة الأمر، فقد أصبح
في بيروت «كشكش بك» التقليد وليس الأصلي!
كشكش تقليد
اكتشف الريحاني أن أمين عطا الله، الذي سبق وعمل معه منذ بداية ظهور
«كشكش بك»، نسخ جميع رواياته وألف فرقة من مواطنيه في سورية وعرض أعمال
الريحاني كلها، ولم ينس أن «يغتصب» أيضاً اسم «كشكش بك»، لذا بمجرد أن ظهر
الريحاني بالشخصية على خشبة المسرح، اعتبره الجمهور مقلداً لكشكش بك
الأصلي، أمين عطا الله.
لم تنجح الرحلة من الوجهة الفنية ولا من الناحية المادية، فقد كانت
النتيجة أن الإيرادات والمصروفات كانتا متوازيتين، فلم يخسر كما لم يكسب،
غير إن المكسب الحقيقي هو ما شاهده في إحدى حفلات الفرقة، عندما لفتت نظره
سيدة تجلس في المقصورة الأولى وقد ارتدت أفخم ملبس وتحلت بأبهى زينة،
والمفاجأة التي أدهشته أنها حضرت إلى حجرته في المسرح في فترة الاستراحة
لتحيته:
* تشريف حضرتك شرف عظيم ليا يا فندم. أتفضلي حضرتك.
= يا فندم وحضرتك… شو سيد نجيب. مانك عارفني؟
* ماحصلش عظيم الشرف قبل كدا.
= يا عيب الشوم… مانك فاكر هالوجه.
* بيني وبينك هالوجه مش ممكن حد ينساه. بس يظهر أني مش واخد بالي.
= انا بديعة. مانك فاكر بديعة.
* باديييعة… بديعة مين حضرتك.
= بديعة مصابني. كنت قابلتك بمصر من تلات سنين ووقعت معك كنتراتو لكن
ما اشتغلت.
* أيوه أيوه. افتكرت. بديعة… ياااه الأيام بتجري. ورحتي فين يا ست
بديعة؟
= بعد ما وقعت معك الكنتراتو عدت للشام من شان أمور هيك قضائية. مرأت
بسلام نحمد الله. والحين أنا بشتغل هون ببيروت رئاصة (راقصة).
* عال… عال أوي.
= شو رأيك سيد نجيب؟
* ودي عايزة رأي. دي حاجة ملك.
= بأصد شو رأيك بنجدد الكنتراتو… وبرجع أشتغل معك. بنفع أشتغل ممثلة؟
* تنفعي. دا أنت تكتسحي كل إللي ع الساحة ويكون لي عظيم الشرف إنك
تشتغلي معايا.
جدد الريحاني عقد الاتفاق على العمل مع التياترو، ليضم بديعة إلى
الفرقة براتب شهري قدره 40 جنيهاً مصرياً، وظهرت معه للمرة الأولى في أدوار
غنائية، فنالت ما تنبأ به لها من نجاح.
مكث الريحاني في سورية ولبنان ثلاثة أشهر كاملة، غير أنه ما إن دخل
الحدود المصرية حتى وجد في انتظاره قضية مدنية رفعها ضده الخواجة «ديمو
كنجس»، صاحب تياترو «الإجبسيانة» حيث كان يعمل قبل سفره إلى الشام، فقد كان
مديناً للخواجة بمبلغ 600 جنيه كتأمين، فلما اتفق على القيام بالرحلة تراضي
على أن يدفع له مبلغ خمسة جنيهات عن كل يوم من أيام تغيب الفرقة في رحلة
الشام، انتهز فرصة غيابه وأقام الدعوى مطالباً إياه بتعويض مالي لما سببه
من خسائر بامتناعه عن العمل في مسرحه، على رغم الاتفاق بينهما، لتستمر هذه
المنازعات حوالى شهرين، انتهت لصالح نجيب.
ريا وسكينة
عاد الريحاني لاستئناف نشاطه الفني في القاهرة، وبدأ يستعد لتقديم
رواية جديدة بعدما قرر استغلال الحادث الشهير الذي هز أرجاء مصر، وهو القبض
على شقيقتين من الإسكندرية هما ريا وسكينة مع زوجيهما، بسبب ارتكابهما
جرائم قتل نساء كثيرات بعد سرقتهن.
أعد نجيب رواية باسم «ريا وسكينة» وأخرجها، وقام الممثل حسين إبراهيم
بدور «ريا»، وقامت نظلي مزراحي بدور «سكينة» فيما جسدت بديعة دور «ضحية»
بنت بلد مصرية، وأدى الريحاني دور سفاح شريك لهما اسمه «مرزوق»، وقاسى
الممثلون في البروفات وبذلوا جهوداً جبارة لم تكن بديعة اعتادتها في عملها،
غير أن كل متاعبها زالت ما إن رأت نجاح الرواية، فعلى رغم كمية التراجيديا
والميلودراما التي احتوت عليها، إلا أنها نجحت بشدة.
خلال وقت قليل استطاع الريحاني أن يستعيد جمهوره وشعبيته، خصوصاً بعد
عودة الحياة إلى شكلها الطبيعي عقب صدور تصريح 28 فبراير 1922، الذي اعترف
بأن مصر دولة مستقلة ذات سيادة، ما جعل نجيب يشعر بفخر لما كان له من دور
وطني كبير في إشعال حماسة الجماهير.
نجاح نجيب جعل شركة سجائر «ماتوسيان» تقدم له مشروعاً للاتفاق معها،
يقضي بأن تعمل فرقته ثلاثة أشهر في الإسكندرية لحسابها، على أن تضع الشركة
في علب سجائرها كوبونات يستطيع من يشتريها أن يقدمها لعامل شباك التياترو
فيحصل بواسطتها على تخفيض.
وافق الريحاني على المشروع هرباً من تدني الأحوال الاقتصادية التي
خيمت على الأوضاع في مصر، وبدأ عمله في تياترو «كونكورديا» في الميناء
الشرقي في الإسكندرية، من أول مارس 1922، وانتهى في مايو من العام نفسه،
عاد الريحاني إلى القاهرة مضطراً قبل أيام من انتهاء تعاقده مع
الشركة… عاد بعدما وصله تلغراف من شقيقه توفيق: احضر فوراً… والدتك توفيت.
شعر الريحاني برحيل أمه بأنه فقد الجميع، المعلمة والصديقة والشقيقة.
اعتصر الألم قلبه لفراقها، غير أن القدر لم يمهله لتضميد جراحه على فراق
والدته، ولم تمر أيام حتى فجع بكارثة أخرى، ربما أشد قسوة، ذلك أن جورج
أصغر أخوته وأقربهم إلى قلبه وأعزهم على نفسه اختفى فجأة من دون أن يعرف
أحد له مكاناً.
لم يترك نجيب مكاناً إلا وبحث فيه عنه، راح يسمع الكثير من الأقاويل
والحكايات حول اختفائه، لم تصح واحدة منها، فوقف حائراً أمام نوائب الدهر
المتتالية:
* إيه إللي بيحصلك دا يا نجيب. الدنيا مستكترة عليك أنك تفرح بأي حاجة
في حياتك. السهام ورا بعضها، واحد ورا التاني. بدأت بالبنت لوسي إللي
وحشتني أوي. وبعدين أمي الحبيبة إللي عمري ما حسيت بغياب أبويا في وجودها.
ودلوقت تكمل بضياع أخويا الحبيب وصاحبي… جورج. يا ترى الدنيا مخبية لك إيه
تاني يا نجيب؟!
مرت الأيام والأسابيع من دون جدوى، فقد اختفى أقرب الأحباء إلى قلبه،
بل من يعتبره التعزية الوحيدة له في الدنيا، الأمل الباسم في حياته، غير أن
الخبر الوحيد الذي أدخل السرور إلى قلبه بعد تعاقب الكوارث هو إنجاب شقيقه
توفيق أول أولاده، وكانت مفاجأة سارة لنجيب أن أطلق شقيقه اسم «بديع» على
ولده، لعلمه مدى حب نجيب وتعلقه بصديقه بديع خيري، فقد أحب أشقاء نجيب بديع
خيري كما أحبهم واعتبروه شقيقهم الخامس.
ظل نجيب يغالب يأسه وضيق صدره ولم يستطع أن يعود إلى سابق عهده، حتى
جاءه ما يخرجه من هذه الحالة، تقدم إليه متعهد يعرض عليه رحلة فنية جديدة
بفرقته إلى سورية، غير أنها لم تكن أحسن حظاً من سابقتها، وساءه ما وجده
منها، وللمرة الأولى رأى تعنتاً من أفراد فرقته وتمرداً عليه، حتى تكالبت
الهواجس على رأسه، ولم ينقذه منها سوى الخبر الذي وصله في بيروت، في أول
يناير من عام 1923.
(البقية في الحلقة المقبلة)
بين سرينا ولوسي
من دون أن يشعر وجد الريحاني نفسه يستجيب لدعوات متكررة من سرينا
إبراهيم والجلوس معها في غير أوقات العمل، وراحت بخبث الأنثى تسري عنه بعض
همومه التي كان يرفض أن يحملها لأحد، حتى حبيبته لوسي التي فسرت هذا التصرف
بأنه هجر لها، ومغامرة جديدة لنجيب ليدخل في علاقة يخرج بها من علاقته
بلوسي، فكان لا بد أن تضع حدا لذلك:
= نجيب. أنا مش ممكن أتحمل ما تفعله. دون كلام كثير… عليك أن تختار
إما انا أو سرينا.
* كلام إيه دا؟ مفيش مقارنة… انت طبعاً.
= خلاص. يبقى لازم تسيب الفرقة فوراً.
* انا أسيب الفرقة… أروح فين؟
= نجيب. أنت فاهم كلامي. أنا مش قصدي انت أنا قصدي هي. لازم تسيب
الفرقة.
* طب ما تيجي تقعدي مكاني وتديري الفرقة وتقولي مين يمشي ومين يقعد.
= أنت عارف أني مش دا قصدي. بس أنا تعبت واتحملت كتير من مغامرات وحب
البنات لك وجريهم وراك.
* أنا!! اسم الله على إيه؟ على جمالي؟! إذا أنا نفسي مستغرب أنت بتحبي
فيا إيه؟
= نجيب مش كل حاجة جد تقلبها كوميديا. يا إما أنا أو هي.
* لوسي… ما تكبريش الموضوع أنا لحد دلوقتي واخد كلامك هزار.
= لو محصلش. أنا مش بس هسيب الفرقة. هسيب مصر كلها.
* لوسي. ما ينفعش تهدديني. أنت مش مجرد ممثلة في الفرقة. إحنا بنحب
بعض وهنتجوز.
= مفيش أي حاجة قبل ما سرينا تسيب الفرقة.
* وأنا ما بخدش أوامر من حد في شغلي. حتى لو كان أحب الناس لقلبي.
الجريدة الكويتية في
10/08/2012 |