حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

                          دراما رمضان التلفزيونية لعام 2012

الفيلسوف الضاحك.. نجيب الريحاني

بقلم: ماهر زهدي

الحلقة ( 17 )

أحمر شفايف

تعمد نجيب الريحاني أن تحمل الرواية الرابعة له في تياترو «الرنيسانس» عنوان «وصية كشكش بك» ليس بسبب ما فعله علي الكسار ومحاولة دخوله في منافسة مع الريحاني، لكن لأن الريحاني أراد أن يقف مع نفسه ويعيد حساباته، خصوصاً أن هذه الرواية التي تنتهي في مايو، ستكون هي الأخيرة على خشبة مسرح «الرنيساس» في شارع بولاق (26 يوليو).

في مايو عام 1917، انتهت مدة التعاقد بين الخواجة «ديموكنجس» ومالك تياترو «الرنيساس»، وفكر ديموكنجس في الدخول في تجربة جديدة اطلع عليها شريكه الفني وصاحب نجاحاته نجيب الريحاني:

= شوف نجيب أفندي. بعد يومين ينتهي تعاقد مع مسيو برناسوس صاحب تياترو «رنيسانس» وأنا مش فضلتوا تجديد تعاقد.

* مفهوم مفهوم. بدك تنقل على تياترو تاني يا خواجة.

= لا خبيبي. أنا مش ينقل في تياترو تاني. أنا فكرتو في واخد فكرة شيطاني.

* فكرة شيطاني!! مش بعيدة عليك يا خواجة قول.

= أنا فكرتو ليه اخنا نأجر تياترو. ليه إخنا مش يشتري تياترو.

* أيوه بس على حد علمي مفيش تياترو في وسط البلد معروض للبيع علشان تشتريه… ولا حد عنده نيه للبيع.

= لا لا خبيبي. فيه تفكير جديد… أنت ييجي مبسوط منه كتير.

رأى الخواجة «ديموكنجس» بثاقب بصره أن يستقل بمسرح جديد يكون ملكاً خاصاً به، لأن قيمة الإيجار الذي يدفعه كأنت كبيرة جداً، وراح يبحث عن المكان الذي يصلح لهذه المهمة، فوقع اختياره على «مقهى» في شارع عماد الدين، مقام على قطعة من الأرض يمتلكها البنك العقاري المصري، بعد المعاينة اللازمة اتفقوا على شرائها وإقامة مسرح مكانها، وقرر {ديموكنجس» أن يبدأ العمل فوراً في الهدم والبناء، وقدرت المدة اللازمة لذلك بأربعة أشهر، ستتعطل الفرقة فيها عن العمل.

مسرح خاص

لم تكن لنجيب الريحاني والفرقة خلال هذه الفترة وظيفة سوى الجلوس على المقهى، وكانت أربعة أشهر كافية لأن تستنزف كل ما ادخروه ليكفيهم شظف العيش، ليس أعضاء الفرقة فحسب، بل إن بناء التياترو الجديد استنزف أيضاً كل ما ادخره مسيو ديموكنجس، من النجاحات التي حققها مع نجيب الريحاني، لدرجة أن ما لديه نضب قبل أن ينتهي العمل ويكتمل بناء التياترو، فاضطر نجيب إلى أن يمده بما بقي معه من «شقا العمر» حتى أصبح أيضاً خالي الوفاض… لتعود أيام البؤس والشقاء تعم الجميع.

انتهت الأربعة أشهر، وإذا بهم أمام مسرح كامل البناء وإن كان من غير سقف، حيث انتهى كل قرش كان معهم جميعاً، لكن أعضاء الفرقة والريحاني والخواجة ديموكنجس أجمعوا على استئناف العمل والاكتفاء بتغطية السقف بالقماش، ووضع مقاعد مصنوعة من «قش رخيص» ولم يكن ذلك كله مهماً، فالمهم أن تدور العجلة، وحينها يتم وضع السقف اللازم، و{كراسي منجدة»!

جاء دور اختيار الاسم الذي سيتم إطلاقه على المسرح الجديد، ففكر نجيب في اختياره على أن يكون معروفاً للمصريين والأجانب على حد سواء، لأنه لاحظ، منذ أن كانوا يقدمون عروضهم في «الرنيسانس» أن عدداً كبيراً من الأجانب الموجودين في مصر بدأوا يتهافتون عليه «كزبائن» مستديمين لفرقة الريحاني، فأصبح الإقبال موزعاً بين المصريين والأجانب على حد سواء، لذا وقع اختيار نجيب على اسم «» لإطلاقه على التياترو الجديد، وهو اسم أقرب إلى الفرانكو آراب، حيث يجمع بين كلمة مصر باللاتيني ويميل نطق الاسم إلى العربية، وإن كان الأهم هو أن افتتاح «الإجيبسيانة» كتب بداية تاريخ جديد لشارع عماد الدين، ولم يمر وقت طويل حتى أصبح اسم «الإيجبسيانة» يطغى على اسم الشارع، لامتداد سمعته واتساع نطاق شهرته التي تسبب فيها الريحاني.

جمع نجيب الريحاني الفرقة التي تعطلت أكثر من أربعة أشهر، بعدما انتهى مع أمين صدقي من أولى الروايات لتياترو «الإجيبسيانة»، والتي اختارا لها عنوان رواية «أم أحمد»، وروعي فيها للمرة الأولى، التسلسل المنطقي للأحداث التي تقدم في فصلين، يحتوي كل فصل على أغنيتين، وتدور أحداثها في أجواء «ألف ليلة وليلة» بشكل أقرب إلى العصرية، حول الشخصية التقليدية «كشكش بك» الذي تخلى عن دور «العمدة» التقليدي، ليصبح «كاتباً بسيطاً» وتحولت حماته من «أم شولح» إلى «أم أحمد» غير أنها لم تعد هنا حماته، إلا أنها تحمل المواصفات نفسها كشخصية مثيرة للمشاكل، وعهد الريحاني بتجسيدها إلى ممثل انضم حديثاً إلى الفرقة اسمه حسن إبراهيم.

أما بقية الأدوار، فكانت شبه ثابتة لمن يؤدونها. تخصص ستيفان روستي في دور الخواجة، وكلود ريكانو في دور «الرجل الشامي» وعبد اللطيف المصري في دور «زعرب» تابع كشكش بك، ثم انضم إليهم ممثل شاب جديد اسمه حسين شفيق، ترك مدرسة الحربية في أول إجازة له منها بسبب حبه للفن، وراح يعمل دون علم أسرته واختار لنفسه اسم «حسين رياض».

رحيل البلبل

في يوم 17 سبتمبر عام 1917، تم افتتاح مسرح الإجيبسيانة برواية «أم أحمد» لتكون فاتحة خير على الفرقة، حيث أقبل عليها الجمهور بشكل كبير، لدرجة أن شباك التذاكر أغلق في الليلة الأولى قبل موعد رفع الستار بثلاث ساعات، واستمر هذا الإقبال في الليالي التالية، وإن كانت التذاكر تنفد قبل رفع الستار بأكثر من ساعة، في الليالي التالية.

شعر نجيب الريحاني بأنه يطير في سماء الفن، ولا يمشي على الأرض، بسبب النجاح الذي حققه، وإقبال الجمهور عليه بهذا الشكل غير المسبوق، وبينما يحتفل مع أعضاء الفرقة ببداية نجاح الرواية الجديدة «دقة بدقة» حتى صدم بخبر أليم!

استيقظ الشعب المصري صباح الخميس 4 أكتوبر 1917 على خبر صادم، فقد انتقلت روح أحد أكبر وأهم فناني المحروسة إلى بارئها، وانطفأ نجم كان منيراً في سماء مصر، وسراجاً وهاجاً يتلألأ طويلاً فوق منائر الفن، سكن الصوت السماوي الحنون، وانتشر الخبر وضرب الحزن جميع الناس، وخيمت الرهبة على شعب مصر وعمه الأسى والحزن.

مات الشيخ سلامة حجازي، تلاشت تلك الموسيقى الحانية وارتفع أثرها، وتحطم مزمار القدر الذي أسبغت عليه الطبيعة روائع وبدائع النغم.

مات الرجل الذي جزع لفقده خصومه قبل أصدقائه، إذ إن الحادث عام جلل، اشترك فيه الجميع بتوديعهم للراحل إلى مقر الأبدية ومثوى الذاهبين، فقد فزعت كل مصر للخطب، وتخاطف نعشه الآلاف من المشيعين، وهم يودعون جثمانه في يوم الجمعة 5 أكتوبر 1917، إلى مقره الأخير في مدافن السيدة نفيسة.

رأى نجيب الريحاني ضرورة مشاركة الشعب المصري في مصابه الجلل، بتقديم ولو شيء بسيط لأجل أستاذه الكبير الذي عمل معه يوماً في فرقة «أبيض وحجازي»، وأن الواجب يدعوه إلى إعلان الحداد العام، وتعطيل العمل في المسرح ولو ليلة واحدة، غير أن مسيو ديموكنجس رفض هذا الرأي وتلك الرغبة التي تحولت إلى مطلب جماعي من كل أعضاء الفرقة:

= خبيبي أنا حبيتو سيخ سلامة حجازي تمام، لكن ليه أنت يعطل جوقة؟ كفاية دقيقة خداد.

* أيوه يا مسيو ديموكنجس دا الشيخ سلامة حجازي… عارف يعني إيه سلامة حجازي بالنسبة للمصريين؟

= خبيبي أنا يعرف يعني إيه تعطيل تياترو بالنسبة لديموكنجس… يعني بيتو أنا جيتو خراب. خبيبي أنا مافي فلوس… أنا واحد مسكين.

* أنت فعلا مسكين… لأنك ما بتفكرش غير في الفلوس وبس. عموماً، أنا قلت اللي عندي ومش هشتغل النهاردة ويجرى اللي يجرى.

= مسيو نجيب… أنت مس يحب ديموكنجس.

* لا. أنا زي كل المصريين… بحب الشيخ سلامة حجازي.

= مسيو نجيب أنا مس يوافق… أنتي ليه عملتو سبطه.

انتهى هذا التضارب في الرأي بانسحاب نجيب الريحاني من الفرقة نهائياً، مصراً على التضحية بعمله ونجاحاته الكبيرة، بسبب موقف الخواجة ديموكنجس من رحيل الشيخ سلامة حجازي، فترك التياترو وانفصل عن الفرقة بصرف النظر عن النتيجة.

انفصال… وعودة بشروط

جلس الخواجة «ديموكنجس» لا يعرف ماذا يفعل حيال المأزق الذي وضعه فيه نجيب، فحاول أن يسوق إليه بعض الأصدقاء المقربين منه لإثنائه عن قراره، غير أنه رفض، فلم يكن أمام الخواجة ديموكنجس سوى أن يسند الدور الذي كان يؤديه نجيب الريحاني في مسرحية «دقة بدقة» إلى أحدث أعضاء الفرقة، حسين رياض.

لم يمر سوى ثلاثة أيام وبدأ العد التنازلي لانصراف الجمهور عن المسرحية، ومسرح «الإجيبسيانة» ومع بلوغ الرواية ليلتها الخامسة من دون الريحاني، تدهورت الفرقة وانفض الناس من حولها، وأمام الخسائر المتتالية، اضطر الخواجة «ديموكنجس» إلى إغلاق مسرحه والعودة إلى الدخول في مفاوضات جديدة مع نجيب الريحاني.

بعد إلحاح جميع أعضاء الفرقة، وفي مقدمهم حسين رياض، وافق نجيب الريحاني من حيث المبدأ على العودة إلى الفرقة، غير أنه أرجأ الموافقة النهائية إلى حين الجلوس مع الخواجة ديموكنجس، لأن لديه شروطاً جديدة لا بد من أن يسمعها الخواجة، فمن المؤكد أن ثمة فرقاً بين مرحلة ما قبل رحيل الشيخ سلامة حجازي، ومرحلة ما بعد رحيل الشيخ:

* شوف يا خواجة صحيح أنا ممنون لك كتير لأنك متمسك بيا… بس فيه حاجات مهمة لازم نتفق عليها.

= خبيبي أنا يوافق على كل سروط. كمان أنا زودتو ماهية بتاع أنت خليتو متين جنيه في السهر.

* مش القصد يا خواجة… الحكاية مش فلوس وبس. أنت بتتعامل مع الأرتيست كأنك بتتعامل مع عمال تراحيل ودا مش منطق.

= مسيو نجيب أنت يعرف أنا صرفت كل فرانك في جيبي علسان تياترو. يعني أنا…

* عارف يا خواجة ومتنساش أني أنا كمان دفعت كل اللي حيلتي. علشان كده أنا عندي اقتراح هيريحك ويريحنا… لأن الفرقة محتاجة أرتيست يتعامل معاهم. علشان كده أنت هتيجي التياترو تقعد زي الباشا تشرب كل اللي أنت عايزه على حسابي وتتفرج زي الجمهور… بس مالكش دعوة بالتياترو ولا بالإدارة.

= طب وأنا يتعب ليه. ما أنا ياخد كاتينا وسافرتوا وأنتو ياخدو تياترو!

* أنا ما كملتش كلامي يا خواجة… أنت هتقعد مالكش دعوى بحاجة وتاخد 30 المية صافيين من الإيراد كل يوم، وماتتعبش نفسك بأي حاجة، وإحنا هنبقى ملزمين بكل شيء، من كهربا وميه وأجور أرتيست وعمال وكل حاجة.

فكر الخواجة ديموكنجس في عرض نجيب الريحاني، ثم هزّ رأسه بالموافقة، وكتب مع الريحاني عقداً جديداً بهذه الشروط، على أن يكون للريحاني الحق في الإدارة وتعيين ممثلين جدد أو الاستغناء عن بعضهم، وتحديد أجورهم… ليبدأ من هذه اللحظة تاريخ جديد في حياته كمدير لفرقة مسرحية للمرة الأولى.

استلم نجيب الإدارة وبدأ بجرد «الخزينة» فإذا بها لا تحوي غير 50 جنيهاً، ومع ذلك قبل التحدي، وعرض الأمر على أعضاء الفرقة، وأعطى لكل منهم حرية اختيار البقاء والاستمرار والإصرار على النجاح أو الرحيل، فقبل الممثلون بارتياح كبير أن يعملوا تحت إدارته، وبدأوا فوراً في الاستعداد لرواية جديدة باسم «حماتك تحبك» كتبها أمين صدقي.

قبل أن يمر أسبوع نجح نجيب في استعادة الجمهور الذي هجر مسرح «الاجيبسيانة» لتستمر الرواية لأكثر من شهر بنجاح كبير، فقدموا بعدها رواية «حلق حوش» تأليف أمين صدقي، واستمر عرضها أكثر من شهر أيضاً، وإن كان الإقبال لم يكن كما تعوده الريحاني.

جناب المدير

بعد شهرين، وفي نهاية ديسمبر 1917، عاد الريحاني إلى جرد الخزانة للاطمئنان على حالة الاحتياطي، فكانت المفاجأة أنه وجد في الخزانة 50 جنيها بلا زيادة ولا نقصان، أي أنه استطاع موازنة الميزانية بأن جعل الإيرادات مساوية للمصروفات، ليس أكثر!

فكر طويلاً في طرق الإصلاح، وأسباب ابتعاد جزء كبير من جمهوره وانصرافه إلى «كازينو دي باري» المجاور الذي تديره مدام مارسيل لانجلو حيث يقدم علي الكسار عروضه. فاكتشف أن الأشهر الأربعة التي غاب فيها وفرقته عن الساحة الفنية، خلال بناء مسرح «الإجيبسانة» كانت فرصة كبيرة ليحتل علي الكسار بمفرده المساحة التي كان يتقاسمها معه، فزاد الإقبال عليه وأصبح تياترو «دي باري» يشهد إقبالاً يومياً غير طبيعي.

سمع نجيب أن فرقة فرنسية تزور مصر وتقدم عروضها على مسرح «الكورسال» المجاور لهم في شارع عماد الدين، ففكر أن يزور هذه الفرقة ويشاهد عروضها، عله يجد من أفرادها ما يمكنه الاستعانة به في الرواية الجديدة «حمار وحلاوة»، فلم يكذب الخبر، وتوجه فوراً إلى مسرح «الكورسال» ليشاهد عرض الفرقة الفرنسية.

جلس نجيب يشاهد العرض، وإذ بعينه تقعان على إحدى فتيات الفرقة لا تفارقها، تذهب معها أينما تحركت فوق خشبة المسرح، فتاة جميلة، شعر أصفر، عينان ملونتان، قوام ممشوق، عمرها لا يزيد على 18 عاماً.

انتهى العرض، غير أن الريحاني ظل مكانه لم يخرج مع الجمهور، بل اتجه إلى باب دخول الممثلين، وطلب مشاهدة الفتاة التي أدلى بمواصفاتها للحارس الذي يقف على الباب:

= فاهم يا أستاذ والله… بس حضرتك مش واخد بالك، دول كلهم شعرهم أصفر وكلهم عنيهم خضر وزرق. اطلعها إزاي من وسطهم؟

* اللي كأنت لابسه فستان أحمر.

= يا أستاذ ما كلهم لابسـ…                               

* لا أوعى تقوللي كلهم لابسين أحمر… ماكنش فيه غيرها. بس يظهر أنت اللي مش مركز… أمسك بس العشرة صاغ دي يمكن تفتكر.

= آااه… طب مش تقوللي الآنسة لوسيين.

* هي بسلامتها اسمها لوسيين. أشهد أن لا إله إلا الله… طب أديها خبر أني عاوزها.

= لا يا أستاذ… إحنا كباريه محترم ماعندناش الكلام ده.

* كلام إيه يا أخينا. أنا عاوزها في شغل.

خرجت لوسيين لمقابلة الريحاني وهي في حيرة ودهشة، من يكون هذا الرجل، وماذا يريد منها. فقد ظنت في بداية الأمر أنه أحد المعجبين جاء ليصافحها، غير أنه طلب منها أن تسير معه قليلاً أو أن يجلسا معاً في أحد الكازينوهات القريبة من المسرح، لأنه يريدها في أمر مهم، فاضطرت إلى أن توافقه كي تعرف ماذا يريد، وقد زاد من سهولة التفاهم أنه يتحدث لغتها الفرنسية بطلاقة.

سار الريحاني إلى جانب لوسيين في طريقهما إلى أحد الكازينوهات القريبة وهو يشعر بحرج شديد، لمجرد أنه يسير إلى جوار سيدة في الشارع، ففكر أن يسبقها بخطوات فاستوقفته وهي ثائرة:

= بردون مسيو… أنا لازم أمشي.

* ما إحنا ماشيين أهوه.

= لا أنا لازم ارجع بنسيون… أنت رجل لا يعرف كيف يعامل النساء!!

(البقية الحلقة المقبلة)

 

الجمهور عايز يفرفش

قرر نجيب أن يوقف عرض رواية «حلق حوش» على مسرح «الإجيبسانة» لمدة ليلة يذهب فيها بنفسه ليشاهد ما الذي يقدمه علي الكسار ويجعل الجمهور يتهافت على مسرحه. عمد إلى التنكر وإخفاء شخصيته، باعتباره فناناً معروفاً وقد يتعرف إليه الجمهور بل وسيكتشفه علي الكسار والعاملون في المسرح. اشترى تذكرة دخول التياترو كغيره من المتفرجين ليشاهد العرض.

قضى الريحاني ليلة (كمتفرج) فأدهشه ما رآه، فالرواية عبارة عن «استعراض» راقص من بعض الفتيات الفرنسيات الموجودات في مصر، والتي تفرض وجودهن مدام مارسيل، وتتخلل الاستعراض بضعة مواقف فكاهية يؤديها علي الكسار باعتباره البربري النوبي «عثمان عبد الباسط»… ليس أكثر من ذلك!

رأى الريحاني أن هذه الاستعراضات لا تحوي موضوعاً ما ولا معاني خاصة، بل تعتمد على فخامة المناظر وثراء ملابس الاستعراض و»تابلوهات» الرقص.

خرج الريحاني من التياترو بعد انقضاء الليلة وراح يمشي وحيداً يفكر ويحدث نفسه فيما رآه:

يا لله إيه اللي أنا شايفه دا!! بقى هي الحكاية كدا… والكلام دا يبسط الجمهور. طب أنا بتعب نفسي ليه وبنقعد نفكر أنا وأمين صدقي في الرواية وحبكتها ونشغل مخنا ليل ونهار وندور عن مغزى للرواية واللي بتتكلم عنه علشان الجمهور يخرج بفايدة… وآتاري إحنا في وادي والجمهور في وادي تاني… الناس مش عاوزه تشغل دماغها عاوزين ينبسطوا ويفرفشوا شوية وخلاص. شوية رقص على شوية ضحك والسلام عليكم… وعليكم السلام!

بعد السهرة التي أمضاها الريحاني مع علي الكسار وفرقته، فكر في رواية استعراضيه، غير أنه رأى أن يكون العنصر المصري فيها هو الغالب على العنصر الأفرنجي، واطلع أمين صدقي على هذه النية. في الحال، وضعا الهيكل الرئيس لرواية جديدة بهذا المضمون الاستعراضي الراقص، أطلقا عليه اسم «حمار وحلاوة»، وبدأ أمين صدقي في وضع الأغاني على أوزان موسيقية مطروقة، بينما وضع نجيب كل همه في ترتيب المناظر، واختيار أشكال وألوان الستائر. والأهم هو إمداد الفرقة بما ينقصها من عناصر الرقص والغناء.

الجريدة الكويتية في

05/08/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)