كشكش بك
رغم الطريقة المهينة التي خرج بها نجيب الريحاني من فرقة «الكوميدي
العربي» برئاسة عزيز عيد، ورغم النجاح الذي أحرزه نجيب في الفرقة، فإن عزيز
رفض حقاً أصيلاً لنجيب بكتابة اسمه على إعلان الفرقة على واجهة التياترو،
ووضعه بين خيارين كلاهما مر، إما القبول بالأمر الواقع والرضوخ لما يفرضه
عزيز من صرامة في التعامل، أو أن يغادر الفرقة غير مأسوف عليه.
لم يجد عزيز عيد إلا كل ترحيب بانضمامه كممثل إلى الفرقة التي كونها
الريحاني في تياترو «الأبيه دي روز»، واعتباره عضواً أصيلاً في الفرقة، لكن
يبدو أن عزيز كان له رأي آخر، حتى عندما انتقل كفرد يشارك في فرقة على
رأسها نجيب الريحاني، فهو لا يرضى أن يكون في مكان لا يكون هو الأول فيه!
فلم يكن النجاح الذي بلغه نجيب الريحاني وتياترو «الأبيه دي روز» ليمر
مرور الكرام على الكثيرين، وليس عزيز عيد وحده، ممن يضعون أيديهم في
«اللعبة» نفسها، وكما أصبح لتياترو «الأبيه دي روز» حساد، كثر أيضاً حساد
نجيب الريحاني، ووجد بعضهم أن المدخل للقضاء على هذا النجاح، ليس سوى
الوقيعة بينه وبين صاحب تياترو «الأبيه دي روز» لذلك بدأوا يعكرون الجو
بينه وبين الخواجة «روزاتي»، وراحوا يتلمسون أسباب الشحناء بينهما، باذلين
في ذلك جهودًا غير محمودة، إلى أن وقفوا على ناحية الضعف في «روزاتي»،
فضربوا على وتر حساس استطاعوا من خلاله أن يتغلغلوا إلى دخيلة الرجل.
لم تكن مدة التعاقد بين نجيب وتياترو «الأبيه دي روز» قد أنتهت بعد،
وكان هناك شرط جزائي بين الطرفين، يقضي بأن من يخل بالتعاقد أو يسعى إلى
فسخه يدفع مائة جنيه للآخر. مع ذلك، قرر نجيب ترك التياترو بعد مهلة أسبوع
كما طلب من صاحب التياترو، كي يجد في أثنائه من يحل محله في مسرحه.
تقدير مستحق
ما حمل نجيب على اتخاذ هذا القرار أنه قد استشعر بوادر غير طيبة من
ناحية الخواجة «روزاتي» وأن أعضاء جدداً في الفرقة استطاعوا في وقت قصير أن
ينجحوا في الوقيعة بينهما، وهو ما دفع نجيب إلى الاستجابة لمفاوضات ألح
فيها عليه الخواجة «ديموكنجس» الذي استأجر تياترو «الرنيسانس» في شارع
«بولاق» (شارع 26 يوليو الآن) للدخول معه في اتفاق جديد، وبضعف ما يتقاضاه
نجيب في تياترو «الأبيه دي روز» غير أن نجيب رفض وبإصرار مجرد سماع الرقم
الذي سيتقاضاه من مدير «الرنيسانس» على رغم تلميحات الرجل بأن الأجر سيكون
أضعاف الرقم الذي يتقاضاه الآن، وأبدى نجيب استعداده لأن يقبل بزيادة قدرها
ثلاثة جنيهات شهرياً وليس مضاعفة أجره في «الأبيه دي روز»، إلا أن «روزاتي»
رفض رفضاً قاطعاً الزيادة ولو قرشاً، ورحب بمغادرة نجيب التياترو على أمل
بأن يصنع غيره، كما أوحى له بعض من رحب نجيب بوجودهم كأعضاء جدد في فرقته.
وجد نجيب الطريق مسدوداً أمام أي تفاوض أو تفاهم مع «روزاتي» فقرر
قبول التفاوض الذي ألح فيه كثيراً الخواجة «ديموكنجس»، ووقع التعاقد الجديد
معه على العمل لديه في تياترو «الرنيسانس» مقابل أجر شهري قدره مائة وعشرون
جنيها!
لم يصدق نجيب الرقم المكتوب في العقد، لدرجة أنه ظن أن الأجر سنوي
وليس شهرياً، فقطع الخواجة ديموكنجس كل شك داخله بأن ناوله مقدم أجر نصف
شهر، أي ستين جنيهاً، عندئذ فقط أدرك الريحاني أن المبلغ صحيح تماماً، كما
أدرك أن قيمته كفنان ارتفعت إلى هذه القامة.
قبل أن يصعد نجيب الريحاني إلى خشبة مسرح الرنيسانس وجد أربعة من
أعضاء فرقته في «الأبيه دي روز» يدخلون عليه التياترو، معلنين التأييد
التام لكشكش بك أينما ذهب، وهم الكاتب أمين صدقي، ستيفان روستي، وعبد
اللطيف المصري، ولحق بهم عبد اللطيف جمجوم، ليكونوا قوام فرقة الريحاني
الجديدة على «مسرح الرنيسانس».
نزاع على كشكش
لم يستطع من سبق ووعد الخواجة «روزاتي» خيراً مقابل التخلي عن نجيب
الريحاني الوفاء بوعده، فوجد نفسه وحيداً في مسرح «الأبيه دي روز» لم يجر
سوى الخراب والخسارة للخواجة «روزاتي»، الذي راح يعض بنان الندم على ما جره
إليه دس الدساسين وأكاذيب المنافقين. غير أن الندم لم يعد ينفع، فلم يجد
أمامه سوى اللجوء إلى القضاء لتعطيل مسيرة الريحاني.
أقام «روزاتي» دعوى قضائية أمام «المحكمة المختلطة» التي تنظر في
القضايا المقامة بين الأجانب والمصريين، ووجد نجيب الريحاني نفسه أمام
القضاء متهماً بسرقة شخصية «كشكش بك» باعتبار «روزاتي» صاحب الشخصية، وصاحب
التياترو الذي ظهرت عليه الشخصية للمرة الأولى!
أخذت القضية دوراً كبيراً في ساحة المحكمة، فاستمرت ما يزيد على
الشهر، قدم خلاله الريحاني ما يثبت أنه صاحب الشخصية ومبتكرها، من نصوص
مكتوبة بخط يده، إضافة إلى شهادة الكاتب أمين صدقي بأن الريحاني قدم له
الشخصية باعتباره مبتكرها، وكان ذلك بحضور المسيو «روزاتي».
بعد مرافعات ومداولات صدر الحكم، يقضي برفض طلبات المدعي «روزاتي» مع
إلزامه بدفع مبلغ المائة جنيه المنصوص عليها في العقد المحرر بين الريحاني
وبين المسيو «روزاتي»، وزاد هذا الحكم أن سجل للريحاني في حيثياته شخصيته
الفنية «كشكش بك» بصفته أول مبتكر لها، وأول مؤلف استعملها.
أسقط في يد «روزاتي»، حيث كتب الحكم نهاية ملهى «أبيه دي روز»، غير
أنه لم يستسلم، واقترح عليه من كان سبباً في نهاية مسرحه أن يحشد عدداً من
النجوم الكبار، عله يضرب بهم نجيب الريحاني وشخصية «كشكش بك»، وراحوا
يستعدون للافتتاح الجديد.
ما إن حصل نجيب الريحاني على حقه حتى بدأ التفرغ لعمله مع فرقته التي
ضم لها عدداً آخر من الممثلين، وأنتهى أمين صدقي من كتابة الرواية الجديدة
التي سيفتتحون بها تياترو «الرنيسانس»، وجلس الجميع فوق خشبة المسرح يبحثون
عن اسم يجذب الجمهور ويكون لافتاً، وهنا اقترح ستيفان روستي عليهم أن
يطلقوا على الرواية الجديدة اسم «ابقى قابلني» نكاية في الخواجة «روزاتي»
لجعل الاسم أداة لإغاظة خصمهم الذي رفع دعوى في المحكمة، وما كان يريد أن
يفعله بالريحاني وبشخصية «كشكش بك» فضج الجميع بالضحك… ووافقوا على الاسم.
جاء هذا التقليد كبداية لاكتشاف جديد في عالم التمثيل، وهو مراعاة
«السخرية» و»الكيد» عبر أسماء الروايات المسرحية، باستعمال اصطلاحات وأمثال
يذهب الآخر في تفسيرها مذاهب شتى، ويطبقونها على ما يكونون فيه من حالة
نفسية، لينتشر هذا «الاكتشاف» الذي ابتدعته فرقة نجيب الريحاني أنتشاراً
سريعاً، حتى صار قاعدة، عند غالبية الفرق المسرحية عند اختيار أسماء
رواياتها، خصوصاً تلك التي يجمع بينها شارع واحد، أو منطقة واحدة.
وجاءت ليلة الافتتاح، وفوجئ نجيب بالخواجة «ديموكنجس» ينشر هذا
الإعلان بهذه الصيغة، يوم الأحد 17 ديسمبر 1917 في جريدة «الأهرام»:
يوم يتذكره الجمهور
فقد آن هذا اليوم، الاثنين 18 ديسمبر 1916، ففي منتصف الساعة العاشرة
مساء، سيمثل لأول مرة «كشكش بيه» وهو الممثل البارع الطائر الصيت «نجيب
الريحاني» مع جوقه المشهور رواية «ابقى قابلني!» في «تياترو الرنيسانس»
بشارع بولاق، حيث سيسابق الجميع إلى مشاهدة اللعب اللطيف، مع التأكيد أنهم
سيمضون فيه ليلة من أجمل لياليهم.
يمكننا من الأول أن نؤكد أن هذه الرواية هي في جميع أدوارها قابلة
لحضور العائلات والسيدات، ولا يفوتنا أن نشكر إدارة «تياترو الرنيسانس»
لتقديمها هذه الرواية إلى جمهور سكان القاهرة الذين سيحضرونها جميعاً.
في يوم 18 ديسمبر بدأت مرحلة جديدة من حياة نجيب الريحاني، جديدة في
كل شيء. حتى إنه طلب من أمين أن يمتد زمن عرض المسرحية إلى ثلاث ساعات،
بعدما بدأ في «الأبيه دي روز» بعشرين دقيقة، وأنتهى بأربعين دقيقة، فاتجه
أمين صدقي للمرة الأولى إلى كتابة المسرحية ذات الفصلين بدلاً من الفصل
الواحد، ما أدى إلى اتساع مساحة الأدوار كافة، وليس مساحة دور «كشكش» فحسب،
لتكون «أبقى قابلني» أول مسرحية يقدمها الريحاني وفرقته من فصلين.
قدمت المسرحية، واستمر عرضها لمدة شهر كامل، من دون أن يقل إقبال
الجمهور أو ينقص إيراد الشباك، بل زاد لدرجة أن صافي ربح الخواجة
«ديموكنجس» من الإيراد بعد دفع إيجار التياترو والكهرباء والمصاريف، بلغ
«ألفا وتسعين جنيهاً»، ما حمل «المسيو ديموكنجس» على تمام الثقة بأن الفرقة
الجديدة بقيادة الريحاني تسير إلى الأمام، وبأنه كان على حق حين رغب في
الاتفاق معه، فقد تتبع الجمهور خطى «كشكش بك»، وتضاعف الإقبال عن ذي قبل
وكتب الله له التوفيق.
دأب نجيب الريحاني كل ليلة وقبل الذهاب إلى مسرحه أن يمر على مسارح
عماد الدين ومحيط شارع «بولاق»، ليتفقد أسماء الروايات المعروضة، وما إن
عرج على شارع «الألفي» فإذا به يجد أمامه روز اليوسف وبصحبتها صديق نجع
حمادي «قندس» أو المهندس محمد عبد القدوس، صافح روز اليوسف، وارتمى في
أحضان محمد عبد القدوس:
* يا ابن الإيه قندس… معقولة إيه الصدفة الجميلة دي؟
ـ ياه… نجيب الريحاني. حبيب قلبي.
* إزيك يا روز… عاملة إيه؟
* إزيك يا نجيب. قصدي يا «كشكش بيه»… سامعه بأخبارك وفرحت جداً
لنجاحك.
* أنت فين؟ وفين أراضيك؟ وإيه إللي لم الشامي ع المغربي؟
= أنتو تعرفوا بعض على كده.
* إلا نعرف بعض؟ قندس أجمل صحبة من أيام ما كنت في نجع حمادي. بس
ماحدش جاوبني… إيه إللي لم الشامي ع المغربي؟
ـ أنا أقولك يا سيدي دي حكاية طويلة. من بعد ما رجعت من نجع حمادي
اشتغلت في الطرق والكباري. وأنت عارف أني هاوي فن ومرسح، وباعتباري أهلاوي
صميم وعضو في النادي الأهلي شاركت في الحفل السنوي إللي عمله النادي من كام
شهر… ولقيت نفسي في الحفل قدام أختك روز. ماقدرتش أنام إلليل، عنها ورحت
متقدم لها وماضيعناش وقت أتجوزنا من أربع أشهر… وعنها.
* وعنها إيه؟
= ما تكمل يا قندس لنجيب بقيت الحكاية… وعنها والسيد الوالد اتبرأ منه
لأنه اتجوز واحدة أرتيست!
* لسه فيه ناس بتفكر بالطريقة دي في القرن العشرين؟
ـ وأكتر من كده… دا راح يحاربني في شغلي علشان يضيق الدنيا عليا لحد
ما استقلت من الطرق والكباري.
* الله!! وبتعمل إيه دلوقت.
ـ لا ماخلاص صاحبك بقى ممثل محترف. أنا دلوقت بقدم فصل هزلي في جوق
جورج أبيض… وروز بتشتغل معاه رواية.
* دا النهاردة إجازة جورج… خلاص… يبقى أنتو معزومين عند «كشكش بيه»
إلليلة في «الرنيسانس» لازم نحتفل بيكم.
عرض الريحاني على روز اليوسف ومحمد عبد القدوس الانضمام إلى فرقته،
غير أنهما كانا مرتبطين بعقد مع فرقة «جورج أبيض» ومع ذلك كانا سعيدين، ليس
فحسب لأن نجيب أصبح صاحب فرقة خاصة به، ولكن الأهم هو هذا النجاح الذي
شاهداه في مسرحه.
تراشق مسرحي
في منتصف يناير من عام 1917، بدأ الريحاني الاستعداد للرواية الثانية
على مسرح «الرنيسانس»، ولم يشأ أن يستمر في أسلوب السخرية في أسماء
مسرحياته، ووجد أنه الأفضل أن يكرس ملكيته لشخصية «كشكش بك» كي لا يفكر
أحد، سواء من أصحاب المسارح أو أي من الممثلين أو المؤلفين، في السطو على
الشخصية، فأطلق على روايته الثانية في «الرنيسانس» اسم «كشكش بك في باريس».
كتب أمين صدقي المسرحية في فصلين، فبدت أكثر المسرحيات إحكاماً عما
سبق وقدمها أمين صدقي والريحاني معاً، في شكل أقرب إلى الكوميديا
«الارستوفانية» في تركيبتها. كان الفصل الأول عبارة عن «نكتة» يتم تقديمها
على مرتين بطريقة «سوء الفهم»، حيث يقوم كشكش بك بالاستعداد للسفر ومعه
زوجته وحماته «أم شولح» وابنها «شولح» وشيخ الخفر «زعرب»، لكن لدى كل من
«كشكش» و{أم شولح» بعض الترتيبات المتأخرة التي يريد كل منهما إنهاءها قبل
سفره، فلدى «كشكش» فتاة يونانية جميلة تعمل خادمة لا بد من أن «يبيعها» قبل
السفر، ولدى «أم شولح» «أنثى خنزير» تريد أن تبيعها أيضاً، وعندما يصل تاجر
الخنازير يظنه «كشكش» من جاء ليأخذ الفتاة فيظل يمتدح صفاتها وأخلاقها
وجمالها، ثم عندما يأتي من يأخذ الفتاة تظنه «أم شولح» من جاء ليشتري
«الخنزير». أما الفصل الثاني فيكون مؤامرة تدور أحداثها في ملهى يقع في حي
«مونتمارتر» في باريس.
حققت الرواية نجاحاً أحدث دوياً كبيراً، لدرجة أن اسم «كشكش بك» أخذ
ينتشر بين الطبقات كافة، ويسري فيها مسرى الكهرباء، حتى أصبح يتردد على كل
لسان في البيوت الشعبية قبل القصور والميادين. فأنتشر في الشوارع والحواري
والأزقة، ولم يعد أحد في مصر كلها، قاصيها ودانيها، لم يردد اسم «كشكش بك»،
بل ويبتسم حين يطرق سمعه.
كما لفت اسم «عثمان عبد الباسط بربري مصر الوحيد» نظر نجيب الريحاني،
وراح يتابعه عن بعد، لفت في المقابل نجاح «كشكش بك» علي الكسار وراح يفكر
في أسبابه، فهو يقدم شخصية ثابتة مثلما يقدم الريحاني شخصية ثابتة، وإن كان
عثمان يمثل طائفة «الخدم» الذين غالبًا ما يتحدثون باللهجة النوبية في أقصى
جنوب مصر، في حين أن «كشكش» يمثل الطبقة الثرية، طبقة العمد والباكوات، وإن
كان يجمع بينهما الطيبة والمكر في آن.
لفت نجاح «كشكش بك في باريس» نظر علي الكسار، فقرر وبسرعة أن يدخل
«الخادم عثمان» السباق مع العمدة، وبينما قدم الريحاني روايته الثالثة على
مسرح «الرنيسانس» بعنوان «أحلام كشكش بك» أطلق علي الكسار مسرحية «البربري
في باريس» قدم خلالها رؤية ماذا سيفعل «الخادم البربري» الذي يتحدث باللهجة
النوبية عندما يذهب إلى باريس، من خلال اعتماد المفردات الشعبية والفقر
والجوع، على عكس «كشكش» الذي يرتاد الملاهي ويجري خلف الحسناوات. وعلى رغم
نجاح المسرحية بشكل لافت، إلا أنها لم تحقق ما حققته «كشكش بك في باريس»،
ولم تستمر أكثر من أسبوعين، فأراد علي الكسار استكمال رحلة «عثمان» في
أوروبا، وقدم «البربري في مونت كارلو» استعرض خلالها مواقف جديدة لعثمان
عبد الباسط من خلال رحلته في «مونت كارلو»!
لم يلفت نجاح علي الكسار الريحاني، بقدر ما أثار انتباهه السير على
خطاه، خصوصاً في ما يخص رحلة «كشكش في باريس»، فأراد الابتعاد عن الانزلاق
في هذا الطريق وقدم رحلة جديدة «لكشكش بك» في دولة أوروبية جديدة، بل فاجأ
الجميع بأن قدم مسرحية بعنوان «وداعا كشكش» الأمر الذي لفت الجمهور فتهافت
على المسرحية ظناً منه أنها ستكون رواية كشكش الأخيرة، فحققت نجاحاً غير
مسبوق. لكن هذا التصرف وضع علي الكسار في حيرة، فقدم رواية بعنوان «البربري
الفيلسوف»، ففكر الريحاني في توصيل رسالة مهمة إلى الكسار يؤكد له عدم
اعتماده على «كشكش» فحسب وقدم في أبريل من عام 1917 رواية «وصية كشكش»!
(البقية في العدد المقبل)
مفاتحة
أحس نجيب أن العلاقة بينه وبين «روزاتي» بدأت تتراخى من ناحية الأخير،
وأن الدسائس وجدت طريقها إلى قلبه، فلم يتوان في مفاتحته في الأمر والوقوف
على أسباب التغير من ناحيته:
= أهلا نجيب أفندي… اتفضل.
* ياه… من فترة طويلة ماقلتليش يا نجيب أفندي ويمكن دا بيأكد إحساسي.
= إحساس إيه؟
* إنك اتغيرت يا خواجة.
= يعني إيه اتغيرت؟ شايفني ماشي على الحيط؟
* لا مش القصد. بس أنا حاسس إنك اتغيرت عن الأول.
= بلاش رومانسية نجيب أفندي… الشغل مافهوش مشاعر.
* مين قال؟ مفيش حاجة ممكن تنجح من غير مشاعر.
= مش مهم… المهم إنك تعرف إن كل شيء زي ما كان عليه لم يتغير شيء.
* طب يا سيدي مصدقك. وعلشان تبقى النوايا صافية… أنا طالب زيادة
بسيطة.
= إيه زيادة!! زيادة إيه؟
* أنا شايف بسم الله ماشاء الله الإيراد كل يوم بيزيد… ومن حقي إني
كمان أزيد.
= أنا مابحبش الطريقة دي نجيب أفندي.
* طريقة إيه؟ دا كل إللي أنا طالبه عشرة صاغ زيادة في اليوم… يعني
تلاتة جنيه في الشهر.
= ولو أنا مش موافق؟
* يبقى ظلم. وأنا ماحبش إنك تكون ظالم.
= أنا عمري ما كنت ظالم… وماتنساش إني إديتك الفرصة علشان توصل لمكانة
عمرك ما كنت تحلم بيها.
* مش ناسي. بس أنا كمان عملتلك نجاح عمرك ما اتخيلته.
= أظن أنك اشتغلت عندي وأنا ناجح وأنت شفت بنفسك.
* أيوه ناجح… بس كان التياترو بيعمل ستة سبعة جنيه في اليوم. مش
أربعين جنيه في إلليلة.
= دا حقي. وأنا السبب في النجاح ده وممكن زي ما عملتك أعمل غيرك.
وأحقق بيه نجاح أكتر.
* أنا موافق وخلينا نشوف. وأنا عن نفسي هاستنى النجم الجديد إللي أنت
هاتعمله… قدامك أسبوع من النهاردة تشوف البديل إللي هاتصنعه.
= أنا أكبر من أي تحدي. نجيب أفندي… الباب إللي دخلت منه لسه مفتوح.
الجريدة الكويتية في
04/08/2012 |