الليالي الملاح
عاد نجيب الريحاني إلى فنه ليستكمل عروض روايات «كشكش بك»، ومع نهاية
أغسطس راح يفكر في الرواية الرابعة في سيرة «كشكش بك» ووضع لها عنوان «خليك
تقيل» لتكون الرواية التي يفتتح بها شهر سبتمبر من العام نفسه. غير أنه،
ونظراً إلى الإقبال الجماهيري الكبير، أراد أن يجدد في شكل الرواية، فلم
تعد قاصرة على «كشكش بك» وتابعه «شيخ الخفر زعرب».
أراد نجيب أن يضيف إلى الرواية عدداً آخر من الشخصيات التي من شأنها
تقديم الجديد من خلال «كشكش» كي لا يمله الجمهور، وفي الوقت نفسه تأخذ
الروايات شكل المسرح «فرانكو آراب» الحقيقي، وأهم ما يميزها أنها كوميديا
مكتوبة، وليست مرتجلة، حتى لو كأنت ذات فصل واحد، والحوار فيها مزيج بين
العربية وبعض اللغات الأجنبية، تحديداً الفرنسية والإنكليزية، فضلاً عن
أنها تهتم بوجود الأدوار النسائية، حيث تعتمد بشكل أساسي على المثلث
الدرامي «الزوج، الزوجة، العشيق» أو العكس، بمعنى أن تكون «زوج، زوجة،
وعشيقة» بدلا من عشيق… والأخير هو النموذج الذي اختاره الريحاني.
أضاف نجيب الريحاني إلى عروض روايات «كشكش بك» عدداً من الشخصيات أقرب
إلى شخصيات «الكوميديا ديلارتي» الفرنسية، غير أنه حرص على أن يصبغها بصبغة
محلية، منها دور «الحماة» وأطلق عليها «أم شولح»، و{شولح» شقيق زوجته، ودور
«قواد» أجنبي يعيش في مصر، والخواجة اليوناني، ودور الزوجة، ودور العشيقة.
تطلبت هذه الأدوار الجديدة ضم ممثلين جدد إلى جانب عبد اللطيف المصري
«زعرب شيخ الخفر» وألح الريحاني على ضم ستيفان روستي فوافق، وضم إلى الفرقة
الجديدة أيضاً عبد اللطيف جمجوم، وكلود ريكانو، وهما من فرقة «الكوميدي
العربي».
غير أن الوقت لن يسعف نجيب في كتابة أعمال جديدة لكل هذه الشخصيات
أسبوعياً، وهو ما يعد إرهاقاً كبيراً له، فضلاً عن انشغاله بالإخراج
وبترتيب دور «كشكش» وبقية الأدوار، غير أنه لا يريد أن يغضب الخواجة
«روزاتي» ويحمله فوق ما لا يطيق، حتى جاء الفرج:
= اسمع نجيب أفندي. أنا يشوف أنك لازم يكون لك شخص آخر يساعدك.
* والله يبقى كتر خيرك يا خواجة. أنا كنت عاوز أقولك كده بس خايف أنت
تزعل.
= لا أنا مش يزعل. لأن مفيش وقت. أنت يعرف أنه لازم يكون فيه رواية كل
أسبوع، وأنت حرام يتعب كتير.
* آي والله يا خواجة. من جهة يتعب… يتعب كتير كتير.
= أنت شوفتو واحد مترجم… واحد يألف واحد هو يكتب. بس أنت يتفرغ لإخراج
وتمثيل.
* وأنا عندي اللي يقوم بالمهمة دي.
استعان نجيب بالكاتب أمين صدقي، الذي يعمل على ترجمة الروايات
الفرنسية إلى العربية في فرقة «الكوميدي العربي» مع عزيز عيد، ليصوغ أفكار
الريحاني ويكتبها في شكل روايات «فرانكو آراب»، من خلال الأفكار والشخصيات
التي يقدمها الريحاني، فضلاً عن اقتراح نجيب كمخرج بأن يجسد أمين صدقي
شخصية «أم شولح» حماة «كشكش بك»، فوافق بدون تردد!
أصبح نجيب بمثابة «الفرخة» التي تبيض ذهباً لصاحب الملهى، حيث أصبح
إيراد مسرحه اليومي يتراوح بين الثلاثين والأربعين جنيهاً بعد مصروفاته
جميعها وهو مبلغ لم يكن أحد يحلم به!
الأمر الذي جعل لنجيب وزنًا ثقيلا لدى الخواجة روزاتي، وبات له كلمة
مسموعة لديه، فقرر أن يقوم بمحاولة مع الخواجة لرفع أجر زملائه الذين
يعملون معه، وبالفعل نجحت مساعيه في رفع أجورهم، بمن فيهم ستيفان الذي قفز
من ستين قرشًا إلى ثمانين قرشًا، وأصر نجيب على أن يبلغ ستيفان بنفسه بهذه
الزيادة التي لم يكن ينتظرها، وراح يداعبه قائلا:
* أنت أتوسطت لي أمبارح أشتغل بأربعين قرش في الليلة… والنهاردة أنا
بقى أتوسطت لك علشان اجيبلك زيادة عشرين قرش في الليلة.
= معقولة! أنا زدت عشرين قرش في الليلة.. مش ممكن
* لا ممكن… بس أفتكر أنا إللي جبتلك الزيادة إللي هتأخد عقلك دي.
= مش عارف أقولك إيه يا نجيب؟
* متقولش حاجة. آدي حال الدنيا… يوم في الواطي… ويوم في العالي…
والدنيا على دا ودا يا صاحبي.
نجح نجيب في أن يرتفع بأجر زملائه، أما فيما يخصه، فكان قانعًا بما
قسمه الله له، وأصبحت النسبة التي خصصها له صاحب الملهى، وهي الخمسة
بالمائة، تضمن له مع الستين قرشًا، أجرًا يوميًا قد يصل إلى مائتي قرش في
الليلة، يشكر الله عليها، معترفًا بما طوقه به صاحب الملهى من جميل لا
ينساه، ذلك أنه ظهر وأصبح له اسم فوق مسرحه، وقد أحس روزاتي بذلك، فتوثقت
بينهما صلة الود وتمكنت عرى الصداقة، ما كان سببًا في مواصلة النجاح الذي
قوامه الرئيسي نجيب الريحاني.
إعلان في الصحف
لم يكن للنساء نصيب كبير من مشاهدة «كشكش بك» حيث إن أغلب رواد
«الأبيه دي روز» من الرجال، ويندر أن يصطحب أحدهما زوجته أو أسرته لمشاهدة
المسرح، بسبب التقاليد والعادات، الأمر الذي كان يشعر نجيب بأن نجاحه ناقص،
فاقترح على الخواجة روزاتي تقديم حفلة أسبوعية ماتينيه تخصص للنساء
والعائلات فقط، واهتدى إلى الوسيلة التي يعلن بها عن ذلك، حيث نشر إعلان
للمرة الأولى بجريدة «الأهرام»:
ماتينيه خاص للسيدات
تتشرف إدارة تياترو «الأبيه دي روز» باستلفات نظر السيدات إلى أنها
ستمثل خصيصا لهن في يوم 17 أكتوبر 1916، الساعة السابعة مساء، رواية «بلاش
أونطة» وهي الرواية التي حازت استحسأنا نادرا من نوعه، وسيقوم حضرة نجيب
أفندي الريحاني، مؤلف ومخرج الرواية بتمثيل دوره المشهور «كشكش بك».
أخيرا ظهر اسم نجيب الريحاني في الصحف، وفي إعلان كبير، كتب فيه اسمه
«بالبنط العريض»، لم يصدق نفسه، والنجاح الذي وصل إليه، فقام بشراء أكثر من
عشر نسخ من الجريدة، تعمد أن يضع إحداها مفتوحة على الإعلان أمام والدته في
صباح اليوم التالي، غير أنها نظرت إليه بامتعاض بعد أن قرأت الإعلان، وضعت
الجريدة جانبا ولم تعلق، ما زاد من حزنه وإحساسه بأن نجاحه لم يكتمل بعد،
فهاهو اسمه في أكبر جريدة مصرية، مكتوب إلى جوار الباشوات والوجهاء، لكنه
لم يزل في نظرها… مشخصاتي.
لم يخفف من حزن نجيب لنكران والدته له كممثل، إلا ما سمعه من مجموعة
من النساء كن يتنزهن بحديقة الأزبكية، ووصل إلى سمعه ما ينشدن بينما هو
يسير، ويبدو إنهن كن من بين من حضرن الرواية، فإذا بهن ينشدن لحنا من ألحان
رواية «بلاش أونطة»:
يا واد يا زعرب بلاش أونطه
خليك مدردح وشيل الشنطة
وبينا يلا من هنا ع المحطة
نرجع بلدنا وكفاية أونطه
أصل الخواجة خد ما خلا
وكله برضه كده بالأونطه
وقف نجيب على بعد خطوات دون أن يراه هذا الجمع النسائي، مستمتعًا بما
يسمع، ليس لجمال اللحن، ولكن لشهادة نسائية موثقة بنجاح غير مسبوق، وما إن
انتهت النسوة من اللحن حتى ظهر نجيب وتعمد أن يمشي أمامهن، فرحن يدارين
وجوههن وهن يصحن: كشكش أهه.. كشكش أهه.
أسرع نجيب الخطى… وما إن ابتعد عنهن حتى وقف ونظر خلفه وقال: تعالي يا
أم توفيق اسمعي. شوفي الأملة اللي فيها ابنك المشخصاتي… الناس بتشاور عليه
في الشارع.
بسبب النجاح المتتالي ارتفع راتب نجيب إلى سبعة وعشرين جنيها في
الشهر، وهو مبلغ قياسي لم يصل إليه ممثل من قبل، ولم يكن نجيب ليخفي هذا
الرقم عن زملائه بالمسرح خوفا من الحسد، فهذا لايهم، بل الأهم عنده أن يصل
صيت المبلغ وتتناقله الأفواه في المجتمع المسرحي، ليصل أمره إلى من يهم
نجيب أن يصل إليهم، وهو ما حدث بالفعل.
غيرة فنية
لم يعد لأحد في جوق جورج أبيض وعزيز عيد، كلام سوى عن الراتب الذي
أصبح يتقاضاه نجيب الريحاني في الجوق الخاص به، ربما لم يكن الجوق يحمل
اسمه، ولكن هذا لايهم الآن، المهم هو أن يصلهم ما يتقاضاه نجيب، فلم يكن
المبلغ هو المقصود في حد ذاته، بقدر المعنى الذي يقف خلف هذا المبلغ، فلولا
تقدير الجمهور له أولاً، ثم تقدير صاحب التياترو له ثانيًا، لما وصل أجره
إلى هذا الرقم القياسي، أي أن نجيب الذي حكم عليه البعض بالأمس بأنه ممثل
فاشل، أولئك الزملاء الذين أصدروا عليه منذ سنوات سابقة حكماً، مشمولاً
بالنفاذ، يقضي بطرده من فرقة «أبيض وحجازي» لأنه لا يصلح للتمثيل، ولن يكون
ممثلا أو حتى كومبارس في يوم من الأيام، قد أصبح أغلى ممثل موجود الآن على
أرض مصر المحروسة، كذلك أولئك الذين رفضوا كتابة اسمه ولو بحجم لا تراه
العين المجردة في الإعلان الموجود على واجهة التياترو، أصبح اليوم هو الاسم
الأول، حيث حرص على كتابة أسماء بقية الزملاء معه في إعلان مسرحياته، بل
وينشر اسمه منفردا في إعلانات الصحف اليومية!
لم يكن نجيب الريحاني وحده حديث مجتمع أهل الفن وما حققه من نجاح وما
يتقاضاه من راتب، بل إن هذا النجاح الذي يحققه تياترو «الأبيه دي روز» لفت
أنظار أصحاب التياتروهات الأخرى المجاورة، خاصة أن الإيراد الصافي الذي كان
يتقاضاه المسيو روزاتي والذي يتراوح بين الثلاثين والأربعين جنيهًا في
اليوم، داعيا لهم أن يحذوا حذو «الأبيه دي روز» وينسجوا على منواله، فراحوا
يلتمسون السبيل إلى ذلك، ويجهدون أنفسهم في الوصول إلى ما وصل إليه نجيب،
وفي مقدمة هذه الملاهي «كازينو دي باري» الذي تديره مدام مارسيل لانجلو.
جاءت مدام مارسيل بمن يعيد لها أنتاج نجيب الريحاني نفسه، وليس فقط
«كشكش بك» فقد استعأنت بالمخرج المتميز والممثل البارع عزيز عيد، وجعلته
على رأس فرقتها، بل وفوضته في أن يستعين فيها بمن يريده ويستغني عمن يريد
الاستغناء عنه، المهم لديها هو النجاح:
• مسيو عزيز… أنت يعمل كل إللي أنت يسوفه. جيبتو أرتيست جديد جيبتو
ملابس، جيبتو مناظر. أنت جيبتو كل سيء. المهم أنا يسوف نجاح بتاع «كسكس بك»
هنا في «دي باري» أنا يؤووز يسوف إيراد بتاع «الأبيه دي روز» هنا.
= مايكنش عندك فكر يا مدام. إحنا هنعمل إللي أحسن من كشكش بيعمله ميت
مرة.
• أنا مسكتو نجاح… أنا ييجي مبسوط.
= سيبي الموضوع دا عليا أنا يا مدام… وهاتشوفي.
اجتهد عزيز عيد مع الفرقة الجديدة في تياترو «دي باري» وقام بتحضير
رواية جديدة أعدها بنفسه، وضع فيها كل المشهيات المسرحية التي يمكن أن تسحب
البساط من تحت تياترو «الأبيه دي روز» بعد أن وضع في الرواية الجديدة كل
خبرته في الإخراج والتمثيل، وجلب لها ما يلزم من ملابس ومناظر، غير أن
النتيجة كأنت فاجعة في الليلة الأولى من العرض، حيث لم يزد الإيراد في
الليلة الأولى عن ستة جنيهات فقط، من إجمالي اثني عشر جنيها، أنفقتها مدام
مارسيل على العرض، لتبوء الفرقة الجديدة بالخسران المبين!
خرج عزيز عيد من «كازينو دي باري» مقهورا بفعل «كشكش بك»، في حين أن
مدام مرسيل لم تستسلم، فراح ذهنها يتفتق عن ابتكار أساليب متنوعة وجديدة
علها تصل إلى النتيجة المرجوة، فتناولت أشخاص الممثلين بالتغيير والتبديل،
وفعلت مثل ذلك مع المخرجين والكتاب أيضاً، وظل تياترو «دي باري» يتبدل عليه
رهط من الممثلين والمخرجين والكتاب، إلى أن تعرفت إلى المؤلف والمترجم
المسرحي مصطفى أمين، الذي راح أيضا يفكر في أزمة التياترو وكيف يمكن إنقاذه
من الإفلاس في ظل تراجع الإيراد كل يوم عن سابقيه، حتى دخل عليها ووجهه
يتهلل فرحًا وهو يزف إليها بشراه:
= أخيرا لقيته يا مدام مارسيل… لقيته.
- مين دي مسيو مسطفي؟
= ليقيت إللي ممكن ينافس كشكش ويعمل إيراد زيه ويمكن أكتر منه كمان
- صحيح مسيو مسطفي. أنت اتكلمتو جد… مين دي؟
= عثمان عبد الباسط
- مين دي أوثمان أبد الباسط… فيه أرتيست اسمه أوثمان أبد الباسط؟
= لا دا مش اسمه. دا اسم الشخصية إللي بيلعبها؟ عثمان عبد الباسط…
بربري مصر الوحيد.
- هايل. أنتي هايل مسطفي؟ فين أوثمان دي؟
= دا فنان اسمه على الكسار بيتشغل في تياترو في روض الفرج. مولع
الدنيا هناك
- خلاص مسيو مسطفي. دي لازم جيتو يولع هنا في دي باري. حالا عملتوا
كونتراتو مع علي كسار.
في نهاية عام 1916 انضم الفنان علي الكسار لفرقة تياترو «كازينو دي
باري» وقام مصطفي أمين باقتباس وتمصير رواية تناسب الشخصية التي يقدمها علي
الكسار، ليعلن تياترو «دي باري» عن انضمام «بربري مصر الوحيد عثمان عبد
الباسط» إلى فرقته.
البربري منافسًا
فعلاً، صدق حدس مصطفى أمين، واحتل تياترو «دي باري» في شارع عماد
الدين المرتبة الثانية بعد «الأبيه دي روز» المجاور له، وبدأ نجم علي
الكسار يتلألأ إلى جانب نجم نجيب الريحاني، الذي أصبح له منذ اليوم منافس
قوي، ليس على مستوى الإيراد اليومي فحسب، بل وفي الشخصية التي يقدمها على
خشبة المسرح، وللمرة الأولى وقف الجمهور حائراً، هل يسهر الليلة عند «كشكش
بك» أم عند «عثمان عبد الباسط»؟!
أثار نجاح علي الكسار فضول نجيب الريحاني، وبدأ يعرف عن طريق بعض
المقربين منه ماذا يقدم الكسار، وإن كانت قد أدهشته تلك الشخصية التي
يقدمها الكسار، إلا أنه لم يشعر معها بالخطر، خصوصاً أن إيرادات مسرحه لم
تتأثر، بل ظلت على حالتها، إن لم تكن زادت، غير أنه قد لاح في الأفق من يجب
أن يحسب له الريحاني الحساب، فوضع فوراً أفكاراً جديدة وقدمها لأمين صدقي،
وسرعان ما ترجم أمين هذه الأفكار إلى رواية، اختار لها نجيب الريحاني الاسم
الذي أراد أن يطمئن به نفسه «أديله جامد».
استمر نجاح علي الكسار إلى جوار نجيب الريحاني، وعلى رغم أن الكسار
كان على غرار نجيب يقدم رواية جديدة كل أسبوع، إلا أن أحداً لم يكتشف ذلك
إلا داخل المسرح، عندما يشاهد العرض، ذلك لأن روايات الكسار كأنت تحمل
اسماً واحداً «بربري مصر الوحيد عثمان عبد الباسط» وبحجم صغير جداً يُكتب
اسم الرواية أسفله، في الوقت الذي كانت إعلانات مسرح «الأبيه دي روز» تكتب
عنوان الرواية بخط كبير تسبقه عبارة «كشكش بك في»، ثم اسم نجيب الريحاني.
أراد نجيب الريحاني أن يختبر مدى تعلق الجمهور «بكشكش بك»، فعرض على
الخواجة «روزاتي» عرضًا لاقى قبوله، وقررا أن يجرباه بحذر، وهو أن يستمر
عرض الرواية لمدة أسبوعين بدلاً من تقديم رواية جديدة كل أسبوع، وجاءت
النتيجة لتؤكد صحة الاستفتاء الشعبي الذي أجراه نجيب الريحاني على شخصية
«كشكش بك»، حيث جاء إيراد الأسبوع الثاني بثلاثة جنيهات زيادة على الأسبوع
الأول، فكان القرار هو تثبيت التجربة، ليتم عرض الرواية لمدة أسبوعين، ما
من شأنه توفير النفقات، فبدلا من تقديم أربع روايات في الشهر، يكتفون
بروايتين فقط، فتأخذ كل رواية حقها ووقتها في الكتابة.
قبل أن ينتهي الأسبوع الثاني من الشهر، كان أمين صدقي قد أنجز كتابة
الرواية الجديدة التي اختار لها اسم «هز يا وز»، وبينما يجلس هو ونجيب
الريحاني فوق خشبة المسرح للتحضير لها، إذ بالخواجة «روزاتي» يدخل عليهما
ويقدم لهما عضواً جديداً ضمه إلى الفرقة… ونظر الريحاني وأمين صدقي وإذ
بالأستاذ عزيز عيد يهل عليهما!
البقية في الحلقة المقبلة
زخم مسرحي
في أول سبتمبر 1916، قدمت الفرقة الجديدة بقيادة نجيب الريحاني، رواية
«خليك تقيل» اقتبس أمين صدقي قوامها الرئيسي من المسرحية الفرنسية «الديك
الرومي» وهي كوميديا فودفيل من فصل واحد، للكاتب الفرنسي «فيدو» لتحقق
نجاحًا فاق نجاحات كل الروايات السابقة، الأمر الذي جعل الخواجة روزاتي
يتبع سياسة العرض والطلب، وما دام الإقبال يتزايد كل يوم عن سابقه، فلماذا
لا يرفع ثمن تذكرة الدخول؟
عندها قفز الخواجة روزاتي بأسعار الدخول قفزة عالية، جعلت نجيب
الريحاني يضع يده على قلبه خوفا من انصراف الجمهور هروباً من هذه الزيادة
المبالغ فيها، فبعد أن كان رسم الدخول خمسين مليماً للعموم، أصبح على
درجتين، أولى بخمسة عشر قرشاً وثانية بعشرة قروش!
وعلى عكس ما توقع نجيب، فقد صدق حدس الخواجة روزاتي، ولم يقل الإقبال،
بل زاد، ومعه تضاعف الإيراد اليومي للملهى، بل أصبح الجمهور يستعجل ظهور
«كشكش بك» وينادي به قبل ظهوره.
فقد اعتادت إدارة الملهى أن تبدأ «البروجرام» في التاسعة من مساء كل ليلة،
على أن يتم تقديم فقرات أولية، حيث تبدأ السهرة بحفل «ميوزك هول»، ثم فقرات
راقصة، كما قرر روزاتي إضافة فقرة من «التخت التركي» لأجل الباشوات
والباكوات من الأتراك، ثم يأتي «كشكش بك» في تمام الحادية عشرة مساء في
نهاية البروجرام، بعد أن تكون صالة الملهى خالية من أي موضع لقدم، مع وصول
رواد آخر الليل، ما جعل الجمهور يهتف مع كل فقرة: عاوزين كشكش… عاوزين
كشكش… عاوزين كشكش.
الجريدة الكويتية في
03/08/2012 |