حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

                          دراما رمضان التلفزيونية لعام 2012

الفيلسوف الضاحك.. نجيب الريحاني

بقلم: ماهر زهدي

الحلقة ( 14 )

سلامة في خير

جلس نجيب الريحاني أمام المرآة يصنع لنفسه «مكياجاً»، ويضع لمسات ملامح شخصية «كشكش بك» كما شاهدها وتصورها، وركَّب «لحية» وارتدى ملابسه، ثم وقف ونظر إلى نفسه في المرآة، فوجد «كشكش بك» بشحمه ولحمه، عمدة كفر البلاص، الرجل الساذج الذي أشاب الزمان قرنيه، ولا تزال أشعة السحر تبدو في عينيه.

خرج نجيب من حجرته يجر ساقيه بصعوبة بالغة، يقدم إحداهما فيجد الأخرى تتراجع رغماً عنه، فهذه تجربة عمره، إما أن يكتب له النجاح وإما أن يغلق ملف التمثيل ويكتفي ببعض الحركات الهزلية على طريقة بعض المهرجين، هذا إن سمح له أحد «بالتهريج».

أعطى نجيب الإشارة وتم رفع الستار، وفجأة تحول نجيب إلى شخص آخر، انطلق فاقتحم المسرح مضطراً بملابسه ولحيته، وسوء المصير يلوح في خياله، حيث سيعود إلى المقهى مجدداً، ويعود ليرى في نظرات والدته «الشماتة والتأنيب».

بدأ نجيب يجسد شخصية «كشكش بك» وراح يصول ويجول فوق خشبة المسرح، يتحرك ولا يرى شيئاً أمامه، لا يعرف هل أجاد أم لا؟ غير أن كل ما يدركه أن ثمة ضحكاً متواصلاً لم ينقطع طوال عشرين دقيقة، لدرجة أنه شك في أن هذا الضحك مصدره الجمهور الذي يجلس في صالة العرض.

انتهت الرواية، ومرت أطول عشرين دقيقة في حياة نجيب الريحاني، من دون أن يدري على أي حال انتهت؟ وهل نجحت الرواية أم سقطت؟ وهل نال القبول من مدير الملهى الخواجة روزاتي، أم سبب له امتعاضًا فوق ما كان يشعر به من ضيق وإحباط بسبب اقتراب إغلاق الملهى؟!

لم يشأ نجيب أن يعرف انطباع المحيطين ورأي مدير الملهى إلا صباح اليوم التالي، حتى تكون الصدمة قد أخذت مداها وخف وقعها، فخرج من فوق خشبة المسرح وهو يخفي وجهه في ملابس «كشكش بك» حيث قرر أن يعود بها إلى منزله، فلا وقت لتبديل ملابسه… وضع معطفه فوق ملابس كشكش بك، ورفع ياقة المعطف يخفي بها أطراف وجهه عن الأعين، وتسلل على مهل متخذًا طريقه إلى الخارج من دون المرور على الخزانة، على غير عادة كل يوم، لقبض الأربعين صاغًا أجره اليومي.

وفي اللحظة التي كاد يسلم فيها ساقيه للريح عند الباب الخارجي لمحته ليليان وكيلة الملهى وصديقة الخواجة «روزاتي»، صرخت تنادي عليه فتوقف مكانه كتمثال شمع لا يحرك ساكناً، واقتربت تهنئه بحرارة لم ير لها مثيلاً. هل هذه تهنئة حقيقية بنجاحه أم هو فخ حتى يأتي الخواجة «روزاتي»؟ ولم يدر كيف سحبته من يده وألقت به أمام الخواجة «روزاتي» الذي كان مشغولاً بإحصاء «كومة» من المال أمامه، وما إن رأى نجيب حتى صرخ ضاحكاً وقفز ليمطره بوابل من القبلات وهو يحدثه بالفرنسية:

= رائع نجيب أفندي… رائع… أنا ما كنتش أظن أبدًا أنك ممثل عظيم بالشكل ده!! أنت هايل مبروك مبروك!

* العفو يا خواجة بس إيدك على جيبك بقى واتحفني بالأربعين صاغ… الله يطمنك أحسن أنا كنت هاروح كعابي.

= مفيش كعابي… فيه أتوموبيل.

* لا وحياة والدك يا خواجة بلاش موضوع الأتوموبيلات دا لأن مفيش عمار بيني وبينها… خليني ألحق المترو.

= خد نجيب أفندي. أنت من النهارده أجرك ستين قرش… ومفيش غلق محل خلاص… أنت من اليوم بطل «الابيه دي روز».

وضع نجيب المبلغ في جيبه، وراح يبحث في كل مكان عن ستيفان روستي حتى قابله، فارتمى ستيفان في أحضانه يهنئه، وبادره ستيفان:

= مبروك… ألف مبروك يا نجيب.

* خلاص يا عم… ما حدش أحسن من حد يا سي ستيفان. الروس ساوت بعضها أجري من النهارده ستين قرش.

= أنت تستاهل يا نجيب لأنك فنان حقيقي ومش واخد حقك.

* خلاص يا عم ستيفان… جهز نفسك علشان تشتغل مع «أبو الكشاكش»… أنا محتاجك معايا.

= وأنا مقدرش أتأخر… بس أنت عارف أنا ليا «بروجرام» لوحدي ومش عاوز الخواجة يحس أننا بنجدد حاجة علشان نقفل حاجة تانية… وبعدين يا سيدي سيبني أهيئ لك الجمهور الأول قبل أنت ما تبدأ.

حاول نجيب أن ينقل هذا النجاح الذي شعر به للمرة الأولى إلى والدته، غير أنها كالعادة رفضت أن تستمع أي كلام حول التمثيل وعمل ابنها فيه، غير أن أشقاءه فرحوا به، خصوصاً الصغير جورج الذي كتب بخط يده تفاصيل حياة «كشكش بك» على الورق قبل أن ينطلق بها نجيب فوق خشبة المسرح.

اقترب الأسبوع الأول من نهايته والنجاح يزيد من يوم إلى آخر، ما جعل نجيب يفكر في الرواية الثانية التي سيظهر بها «كشكش بك» في الأسبوع الثاني، فراح يعد أفكارها وتفاصيلها ويمليها على شقيقه جورج، وكان لا بد من البحث عن جديد يضيفه إلى العمدة، فاختار شخصية جديدة تابعة للعمدة وأطلق عليها اسم «زعرب»، وعرضها على الخواجة روزاتي، ليس من الناحية الفنية، لكن من الناحية المالية، لأن وجود «زعرب» يعني أجراً جديداً لممثل آخر، غير أن الخواجة أمام النجاح الذي يراه يومياً وافق على كل ما يقوله نجيب.

ولما رفض ستيفان عرض نجيب، كان لا بد من البحث عن ممثل آخر يقدم الشخصية أمامه، وبينما يجلس نجيب يتأمل الورق ويقرأ حوار «زعرب» حتى وجد الممثل عبد اللطيف المصري يقفز أمام عينيه، ووجده ينطق بالحوار، فضحك نجيب، وقام من فوره واتجه إلى تياترو «الشانزليزيه» خلف ملهى «الابيه دي روز» ليقابل عبد اللطيف المصري، وعرض عليه الشخصية التي سيقدمها أمامه مقابل عشرين قرشاً في الليلة، فأبدى عبد اللطيف موافقته بشكل عملي، حتى كاد أن يغشي عليه من فرط السعادة.

قدم نجيب روايته الثانية التي كتبها عن «عمدة كفر البلاص» وتابعه «زعرب شيخ الخفر» بعنوان «بستة ريـال» لتنجح كما نجحت سابقتها، وشعر عبد اللطيف المصري بنفسه كممثل للمرة الأولى إلى جانب الريحاني، وكإنسان بعدما تقاضى عشرين قرشاً يومياً. ورأى الخواجة «روزاتي» صاحب الملهى بعدما شاهد من ازدياد الإقبال، أن يرتقي بنظام الدخول إلى الملهى بعض الشيء، حيث كان دخول الملهى بلا رسوم اعتماداً على ما سيطلبه الرواد من شراب وطعام، لكن لأنهم يقصدون عرضاً لمشاهدته، فلا بد من دفع رسم دخول، وجعله خمسين مليمًا.

كتب الله النجاح لنجيب وروايته الثانية، ما جعل ثمنه كفنان يرتفع مع ارتفاع الإيراد اليومي، فلم يقف راتبه عند القروش الستين، إذ اتفق معه صاحب الملهى على أن تكون له إلى جانب الراتب اليومي حصة تعادل خمسة في المائة من الإيراد، نظير التأليف والإخراج، وهو مبلغ كبير جداً، إذ بلغت حصته اليومية ما يقرب من المائه وخمسين قرشاً، إلى جانب الستين قرشاً… فأقبلت الدنيا على نجيب الريحاني ترفرف بجناحيها.

في الأسبوع الثالث من يوليو عام 1916، كتب نجيب الريحاني روايته الثالثة وأخرجها باسم «بكرة في المشمش»، والتي حققت مزيداً من النجاح والإيرادات.

تعود نجيب الريحاني أن يخرج من بيته في الثامنة صباحاً وبصحبته شقيقه جورج. يتجه الأخير إلى ملهى «الابيه دي روز» ليبدأ في تجهيز البروفة وتحضير الأوراق، بينما يذهب نجيب إلى محل «حديقة جروبي» في منطقة الأزبكية وهي على بعد خطوات من الملهى، يتناول «قهوته» ويراجع بعض الجمل الحوارية التي سيقولها في العرض مساء اليوم، على أن يكون في الملهى في العاشرة صباحاً.

جلس نجيب وأحضر له «الجرسون» القهوة، وبدأ يرتشف أول رشفة منها، عندما سمع حواراً يدور بين اثنين من الباشوات اعتادا أن يفطرا ويتناولا قهوتهما في «جروبي»، فوضع الفنجان وعاد برأسه إلى الخلف ليستمع إلى حوارهما:

= وبعدين يا مون باشا راح طالع على المسرح عمك كشكك بك ده وشاف زعرب بيلعب بديله من وراه… وعنها ومسك زعرب متلبس وهات يا ضرب… لما وقعنا من الضحك.

• دي رواية هايلة يا باشا… لازم أشوفها.

= أمال لو كنت شفت الرواية الأولانية… كانت حاجة «مسخرة» يا مون باشا… كشكش بك دا مفيش كده. أنت لازم تشوفه يا باشا.

• ضروري… بس يا هل ترى المكان يليق بوجودك يا باشا.

= مكان مش بطال… وبعدين أنت أول ما هتشوف كشكش هاتنسى كل اللي حواليك. ومش هتعرف تمسك نفسك من الضحك.

أراد نجيب الريحاني أن يلتفت ويصرخ بأعلى صوته لهما: أنا كشكش بك اللي بتتكلموا عنه. لكنه وجد أنه من الأفضل أن يترك ذلك لهم وللجمهور، يترك لهم أن يتعرفوا إليه في الشارع وفي المترو، وأن يبادروا هم يشيرون إليه… «كشكش بك أهه» هذا أفضل من أن يبادر بتعريف نفسه. لكن إلى أن يحدث ذلك يكفيه ما وصل إليه من لفت الأنظار بهذه القوة، لدرجة أن يكون مادة للحديث بين اثنين من الباشوات.

كعادته عاد نجيب الريحاني بعد انتهاء العرض اليومي، وما إن وضع رأسه على الفراش حتى سمع من يدق فوقه. انتظر أن ينتهي الدق، لكنه تزايد وراح من يدق بشكل منتظم، ما سبب له توتراً وقلقاً استحال معه النوم، وقد تجاوزت الساعة الثانية بعد منتصف الليل، فلم يجد بدا من أن يصعد بنفسه إلى الجيران لينظر في أمر هذا الدق المستمر دون توقف:

* مساء الخير يا فندم.

= مساء النور يا سيدي… أي خدمة؟

* أنا نجيب الريحاني… جاركم اللي تحتكم.

= تشرفنا. أؤمر أي خدمة؟

* لا أبداً بس بدي أقول لسعادتك إني عاوز أنام.

= حضرتك طالعلي في الوقت ده علشان تقوللي إنك عاوز تنام. ما تنام يا أفندي. ولا عاوزني أنزل أنيمك.

* يا سيدي مش القصد. بس الدق… الدق نازل يخبط في نافوخي زي المطرقة… وأنا عندي شغل من النجمة.

= بنعمل كفته يا أفندي عقبال عندك.

* كفته!! كفته الساعة اتنين بعد نص الليل.

= والله أنا حر… دا بيتي وأنا حر. أعمل كفته الساعة اتنين الساعة أربعة أنا حر.

* أيوه ماهي دي مش أصول… الناس بدها تنام برضه.

= أنت هتعلمني الأصول يا مشخصاتي أنت.

* من فضلك… الزم حدودك. وبعدين هو ماله المشخصاتي يا ناس… عيب عليكم اختشوا بقى.

= اختشي أنت على دمك يا أفندي لأحسن والله ما يحصل طيب.

تكرر فعل هذا الجار المشاكس وتكررت شكوى نجيب من دون فائدة، وخطر للجار أن ينتقم من نجيب فأبلغ إدارة القرعة (مكتب التجنيد) بأن في منزله شاباً متهرباً من القرعة! على الفور أرسلت إدارة القرعة مندوباً اصطحبه شيخ الحارة إلى منزل نجيب الريحاني لضبط هذا المتهرب من القرعة:

* يا سيدنا مين بس اللي قالك الكلام ده… أنا لا متهرب ولا حاجة. أنا دافع البدلية من حوالى ست سنين.

= مفيش كلام من ده. اسمك موجود قدامي أهه ولازم تسلم نفسك يوم (السبت) الساعة سبعة صباحاً وإلا هنعتبرك متهرب من القرعة… ودا هيعرضك لسين وجيم واحتمال ينضاف لهم نون.

* واشمعنى نون يعني.

= علشان النون مع السين والجيم يبقوا «سجن» يا خفيف.

* سجن إزاي؟ أنت هتصدق الراجل الخرفان ده؟ أنتو أكيد غلطانين.

= سلم نفسك وبعدين نشوف موضوع الغلط ده.

ذهب نجيب الريحاني في الموعد المحدد إلى الفرز العام، مع من يتم توقيع الكشف الطبي عليهم لإلحاقهم بالتجنيد، ذهب وهو على يقين أن ثمة خطأ ما، وكان عليه أن يقدم البرهان القاطع أن والدته دفعت «البدلية» له لإعفائه من أداء الخدمة العسكرية، وأن ما حدث هو بلاغ كيدي من ذلك الجار.

بلغ نجيب «إدارة القرعة» في السابعة من صباح أول أغسطس 1916، ليجد المكان مزدحماً بشكل مبالغ فيه، ويبدو أن شمس أغسطس تعلن عن وجودها منذ اليوم الأول، فانتحى جانباً يحتمي من حرارة الشمس الملتهبة حتى يخف هذا الزحام ويستطيع أن يتفاهم مع أولي الأمر أو قائد إدارة القرعة، فهو ليس ممن ينادون على أسمائهم ويتقدمون لتوقيع الكشف عليهم.

وفجأة وجد نجيب الجندي الذي يقف على باب الإدارة ينظر في ورقة بين يديه وينادي بصوت مرتفع:

= نجيب الريحان… نجيب الريحان.

* أفندم؟

= ما ترد على طول يا نفر.

* أيوه يا أمباشى… بس أنا اسمي نجيب الريحاني مش الـ…

= أنت هتحكي حدوته… فوت امشي ع الفرز… فوت.

سحبه الجندي من يده إلى إحدى الغرف وطرق على بابها طرقاً خفيفاً، وظن نجيب أن هذه الغرفة التي يجتمع فيها مجلس القرعة المكون من عدد من كبار الضباط الذين سينظرون في أمره، ويحددون إذا ما كان قد دفع بالفعل «البدلية» أم سيدخل الفرز ويتم توقيع الكشف الطبي عليه، ومنه إلى معسكر التدريب، غير أن ما أثار دهشة نجيب ما رأه داخل الغرفة.

خمسة مشايخ من الأزهر الشريف في لباسهم الأزهري يجلسون على طاولة كبيرة في مواجهة الداخل إلى الغرفة التي قذفه إليها الجندي وانصرف:

* السلام عليكم.

= عليكم السلام… اجلس يا بني.

- اقرأ الربع الأخير من سورة الأعراف.

* أفندم؟!

= ألم تسمع ما قاله لك؟

* سمعت يا فضيلة الشيخ. لكن أنا…

- أنت ماذا؟ إذا لم تكن تحفظ الأعراف فاتلُ إذن سورة فاطر.

* فضيلتك أنا مش حافظ القرآن الكريم لأني أنا…

= أنت إيه؟ كيف تدعي في الأوراق الرسمية أنك من حفظة القرآن الكريم وتطلب الإعفاء من الجهادية؟

* يا فضيلة الشيخ أنا لم أدع ولم أطلب الإعفاء لأني حافظ للقرآن الكريم.

= كيف وهو مثبت أمامي في أوراقك تلك؟ ألست بخيت الريحان؟

* ماهو ده اللي عاوز أقوله من بدري. أنا فضيلتك اسمي نجيب أنطون إلياس ريحاني وسبق ودفعت البدلية من ست سنين!

= أنطون إلياس. عذرا يا بني. يبدو أنك الشخص غير المقصود. تفضل يا بني… تستطيع أن تنصرف مصحوباً بالسلامة.

خرج نجيب وهو لا يصدق أن هذا الخطأ الذي كان يمكن أن يكلفه الالتحاق بالجندية لمدة أربع سنوات، قد مر بسلام، بعدما راجع أوراقه في مكتب شؤون الأفراد وتأكد له ولإدارة القرعة أن نجيب الريحاني قد دفع البدلية، وعنها قد تم إعفاؤه من الخدمة العسكرية، باعتباره مواطناً مصرياً.

(البقية في الحلقة المقبلة)

 

أمام المرآة

وسط هذا النجاح المتزايد وقف الريحاني أمام نفسه في المرآة وراح يحدثها:

* ياااه الحمد لله… معقول؟! معقول اللي أنا فيه ده. فلوس ونجاح وكل أسبوع روايه أنقح من التانية. لا لا دا أنت عديت يا واد يا أبو الأنجاب… لا ولسه!!

لا… عندك… اثبت يا نجيب. أوعى تخلي اللي بيحصل ده يلحس دماغك ويغيرك ولا يركبك الغرور وتاخد في نفسك قلم… أيوه يا عم نجيب الغرور بداية الفشل اللهم ما أحفظنا. أيوه مش لازم تتغر… أنا من النهارده لازم أتغير للأحسن… لازم حياتي كلها تتغير… من النهارده مفيش سهر ولا سرمحه… من النهارده فيه التزام… من البيت للكباريه ومن الكباريه للبيت… على رأي أخواتنا الراقصات الشريفات!

قرر نجيب منذ هذه اللحظة وقف كل أوقاته على العمل وحده، ما إن ينتهي من عمله في المسرح ليلاً حتى يعود إلى منزله مباشرة بصحبة شقيقه جورج الذي أصبح يرافقه ولا يفارقه إلا عند النوم، ثم يخرجان معاً في الثامنة صباحاً إلى المسرح لعمل البروفات والتجهيزات اللازمة لعرض الليلة، أو لكتابة جزء من رواية جديدة، حيث يتحتم تقديم رواية جديدة كل أسبوع، فأصبح نجيب رجلاً بكل معنى الكلمة في المثل والأخلاق والالتزام اليومي بعمله منذ الصباح حتى المساء، لدرجة أنه أثار دهشة والدته بهذا السلوك الجديد، غير أنها أخفت إعجابها هذا بحياته الجديدة… لأنه لا يزال يمتهن التمثيل. على رغم حزن نجيب من ذلك إلا أنه يلتمس لها العذر، فهي جزء من هذا المجتمع الذي لا يزال ينظر إلى التمثيل على اعتبار أنه من المهن الدنيا التي لا يمتهنها إلا من ليس لهم عائلات كبرى وقاع المجتمع. بل إن بعضهم يتعامل مع «الأرتيست» أو «المشخصاتية» باعتبارهم «وباء» لا بد من أن يفروا منه، حتى رأى وسمع نجيب ما أثلج صدره وأشعره بقيمة ما يفعله، وبأمل كبير في قدرته على تغيير هذه النظرة المتدنية إلى الفن والفنانين.

الجريدة الكويتية في

02/08/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)