مانويل دي اوليفيرا من مواليد 11 ديسمبر 1908 وهذا يعني انه تجاوز
المئة عام، وبالتحديد 104 اعوام كانت حبلى بالعطاء والابداع، ولهذا فهو
يستحق لقب بشيخ المخرجين السينمائين، هكذا هو المخرج البرتقالي مانويل دي
اوليفيرا، الذي بدأ مشواره في عالم الفن السابع في العشرينات من القرن
الماضي، ولكنه ظل يتحرك في اطار السينما البرتغالية، دون ان يلتفت اليه اهل
السينما ونقادها، في بقية انحاء العالم، حتى جاءت مرحلة السبعينيات
والثمانينيات، عندها بات موضوع حفاوة وتقدير، وراحت افلام تستحوذ على
الدراسة والبحث والتحليل.
وهو من تلك النوعية من المخرجين، الذي تمتاز اعمالهم بالغزارة، فقد
كان يحقق فيلماً او فيلمين في احيان كثيرة في كل عام، وهو صديق مقرب للنسبة
الاكبر من كبريات المهرجانات السينمائية الدولية، مثل كان وفينسيا وبرلين
وموسكو ومونتريال وغيرها من المهرجانات السينمائية، والاوروبية على وجه
الخصوص.
مسيرة عامرة بالابداع، وهو في كل مرة يرسخ النهج الفلسفي الذي يشتغل
عليه، وبالذات، حينما يتعامل مع ابداعات اهم صناع الرواية والشعر سواء في
البرتغال او العالم.
وفي عام 1980، حمل لقب اكبر مخرج سينمائي في العالم، نشط ويعمل في
تفعيل الحرفة السينمائية.
وبكاد نسبة كبيرة من نقاد الفن السابع، يقرنوته مع اسم الراحل جورج
ايوت. الذي عاصر السينما الصامتة والناطقة، وظل يعطي بلا حدود كمخرج محترف
ومتميز.
ويظل مانويل، احد القلة في هذه الحرفة، الذين عاشوا، تطور السينما عبر
مراحلها، منذ السينما الصامتة، حتى مرحلة «الديجتال» وغيرها من مفردات
وتقنيات هذه الحرفة المتطورة.
يذهب مايونل دي اوليفيرا، الى ما يسمى بسينما المؤلف حيث تمتاز اعماله
بلغتها السينمائية الخاصة، وبمضاميها الفكرية والفلسفية والابداعية التي لا
تكاد تتشابه او تقارن.
ولهذا يعتبر أحد القلة في العالم، الذي فازوا بجائزة «الاسد الذ هبي»
مرتين في مهرجان فنيسيا السينمائي الدولي.
وتعود الى البدايات.. حيث ولد مانويل في 11 ديسمبر1908 في مدينة بورتو
البرتغالية، الاسرة عرفت بالثراء والاشتغال في المجالات الزراعية والصناعية
ولكن هوى مانويل كان يختلف عن اهتمامات اسرته ووالده الثري على وجه الخصوص.
درس مانويل في جامعة بورتو «حيث دراسة القانون، ولكن المفارقة والصدفة
ادخلته مجال التمثيل حينما كان في السابعة من عمره.
ويبدو ان ذلك اليوم وتلك التجربة، وكان لها دورها البالغ الاهمية في
تطوير اهتمامات ذلك الشاب لدخول مجال السينما.. وصناعة الافلام.
ويتحدث مانويل دي اوليفيرا، ضمن درس سينمائي، قدمه في جامعة بورتو
التي عاد اليها اكثر من مرة قائلاً: كنت افكر في تلك المرحلة بشيء اساسي،
فقد كان للسينما مبدعها امثال دي. دبليو غريفيث، ايربك فولد ستروهوم وشارلي
شابلن، وماركس ليندر وكم اخر من المبدعين من انحاء العالم.. فلماذا لا يوجد
مبدع سينمائي من البرتغال.
وفق تلك المعطيات، راح دي اوليفيرا يعمل، من اجل ان يحقق موقعه
السينمائي، على خارطة السينمائيين الكبار.
ولكن الظروف التي عاشها السينما البرتغالية، تحت نظام «سالازار» شكلت
مجموعة من المعطيات، ليقدم نتاجات فلسفية الجانب مثيرة للجدل.. وبالذات في
المرحلة من 1930 وحتى 1970.
بعدها بدأ ينطلق دي اوليفيرا في فضاءات عالمية بعيدة، من خلال عدد من
الاعمال «جميلة دائما» والمقتبس من فيلم «جميلة النهار» بطولة كاترين
ديتعرف واخراج الاسباني لويس بونويل.
اول الاعمال الوثائقية التي اخرجها، كان ذلك في عام 1931 بعنوان
«دورو» ويرى من خلاله ادق التفاصيل في مدينة «بورتو» والمصانع التي تحيط
بها.
حيث التلوث يدمر كل شيء في «نهر دورو» الذي يخترق المدينة، وقد استقبل
الفيلم بحفاوة كبيرة من قبل نقاد السينما البرتغالية.
وبعد 15 عاماً، قدم فيلمه الروائي الاول عام 1942 حيث قدم فيلماً،
معتمداً على قصة قصيرة للكاتب البرتغالي رود ريغو دي فريتاس، ولكن الفيلم
لم يحقق اي نجاح تجاري.. وذلك بسبب النهج الفكري والفلسفي الذي عرف به،
والذي بات يمثل النهج الذي يتحرك من خلاله هذا المبدع الكبير، الذي تمثل
الصورة بالنسبة له رسالة فلسفية عميقة الملامح.. كم يظل الحوار حاضراً ثريا
بمفرادته.. ومعانيه.. وقيمته.
في عام 1955 سافر مانويل الى المانيا لدراسة احدث التقنيات الخاصة
بالتصوير الملون، ليقدم فيلمه الوثائقي، الفنان والمدينة، والذي قدم خلاله
خلاصة تجربته بعد تلك الدراسة المتخصصة.
وتواصلت الاعمال والمسيرة، بين الافلام الوثائقية والروائية، وفي كل
مرة تلك اللغة السينمائية، التي تعتمد التحليل، وترك المشاهد يتأمل.. ويعيش
الصورة.
ومع السبعينيات والثورة التي ازاحت التسلط، جاءت الانطلاقة الجديدة
لهذا المبدع، الذي اعيد تحليل اعماله واعيد تقييم نتاجاته الفلسفية..
وسينما المؤلف والمضمون التي كان يقدمها.
ولانه يذهب الى الفكر.. فإن السينما التي يقدمها، تحتاج الى منتج من
نوع خاص، منتج براهن على سينما المؤلف والمبدع وسينما الانسان.. والقضية،
فكان ان عمل مع المنتج باولو برانكو والذي يسجل له انه انتج النسبة الاكبر
من اعمال هذا المبدع، بل ان كلاً منهما يكمل الاخر في فكرة .. وعمله.
وكما كان المنتج باولو برانكو حاضراً، كان ايضاً النجم البرتغالي
دييغو دوريا، الذي شارك في اكبر عدد من افلام اوليفيرا.
مخرج لا يكاد يتوقف، يسابق الزمن، يختار اصعب النصوص، وايضاً اكثر
النجوم حرفية في التقمص والمعايشة من افعال دوريا والفرنسي ميشيل بيكولي
والاميركي جون مالكوفيتش والفرنسية كاترين دينوف وغيرهم وقد يتصور البعض ان
دخوله مرحلة التسعينيات، وهذا يعني الثمانينيات بالنسبة لعمره، قد تكون
مرحلة الهدوء، ولكنها في حقيقة الامر، المرحلة الاكثر حيوية، كان خلالها لا
يهدأ.. وفي تلك المرحلة، راح يحقق معادلة الانتشار السينمائية، حيث باتت
اعماله تستحوذ على اهتمام المهرجانات والنقاد وشركات التوزيع المتخصصة في
هكذا افلام وايضاً القنوات التلفزيونية العالمية، التي كانت ترى فيه مبدي
حقيقياً.. ومخرجاً يمثل الوجوه الحقيقي للسينما البرتغالية.
على الصعيد الشخصي، فان مانويل دي اوليفيرا متزوج منذ عام 1940 من
ماريا ايزابيل دي الميدا، وهي ام ابناءه «مانويل» و«اوليد»، وهو جد لعدد من
نجوم السينما البرتغالية ومنهم خورخي تريبا وريكاردو ثريبا.
من اهم اعماله «القضية الغريبة الانجيليكا «2010» و«المرأة السحرية
«2005» و«الرسالة» 1999 «فرانشيسكا 1981.. وكم اخر من النتاجات التي تقدم
لنا سينما من نوع مختلف.. انها سينما البرتغالي الكبير مانويل دي اوليفيرا.
النهار الكويتية في
24/07/2012 |