|
استطاع المخرج الايطالي برناردو برتولوتش ان يحتل موقعه السينمائي
البارز، ليكمل مسيرة اجيال من المبدعين والحرفيين، الذين طرزوا ملامح
السينما الايطالية بجميع مراحلها، وبالذات الواقعية الايطالية، وحينما جاءت
مسيرة برناردو، فانها جاءت لتكمل الركب ولتحقق بصمات ستظل خالدة في ذاكرة
الفن السابع، ورغم ظروفه الصحية والاعاقة التي لحقت به في هذه الايام، الا
انه ظل يمتاز بالفكر المتقدم والذهنية الخلاقة والمقدرة على العطاء
والانتاج.
في مسيرة هذا المبدع كم من الانجازات، التي لا يمكن تجاوزها، وبالذات
في تجربته مع فيلم «الامبراطور الأخير» الذي حصد 9 جوائز أوسكار، من بينها
افضل فيلم ومخرج بالاضافة لكم من الاعمال المثيرة للجدل، ومنها التانغو
الاخير في باريس.
ونعود الى مشوار هذا المايسترو الايطالي الذي سار على نهج الكبار.
فقد ولد برناردو في مدينة بارما الايطالية في 16 مارس 1940 والدته
نينيتا «المدرسة»، ووالده اتيلو برتولوتش الشاعر الناقد والمؤرخ السينمائي،
وقد نشأ برناردو وسط تلك الاجواء الثقافية، ما فجر لديه الطاقات الابداعية،
حيث تؤكد المصادر ان كتاباته الاولى كانت في سن الخامسة عشرة من عمره، راح
بعدها يحصد الكثير من الاشادات والجوائز، بالذات عن كتابه الاول.
وتشير المصادر التاريخية لهذا السينمائي، الى ان العلاقة التي كانت
تربط بين والد برتولوتش والمخرج الكبير بيربالو بازوليني، ساهمت في ان يقوم
بازوليني في اختيار برناردو «الابن» ليكون احد مساعديه في فيلم «اكتوبر
1961»، حيث التقى مع زوجته الاولى ادريانا استي.
برناردو شقيق المخرج المسرحي جوسبي، وابن عمه المنتج جيوفاني برتولوتش
ومع هذا الاخير صنع برناردو العديد من الاعمال السينمائية.
لقد كان برناردو يتمنى ان يصبح شاعرا، كما هو شأن والده،، حيث درس
الادب الحديث في جامعة روما في الفترة من 1958 الى 1961 حيث بدأ مشواره
كمساعد للمخرج بازولين، حتى قبل ان يكمل دراسته للحصول على البكالوريوس.
في عام 1962 وفي سن الثانية والعشرين من عمره، صور فيلمه الاول،
معتمدا على سيناريو كتبه له بازولين نفسه تحت عنوان «لاكامورا سيكا» والذي
تجري احداثه وسط جريمة غامضة، بعدها قدم فيلم «قبل الثورة» في عام 1964.
في تلك المرحلة كانت تتبلور ملامح ومضامين السينما الايطالية الجديدة،
لينطلق تحت تلك المظلة.
في مرحلة لاحقة، يبتعد برتولوتش عن بازولين، الذي كان يمتاز بأسلوبه،
وقوته في المضامين والاشكال التي يقدمها وليحاول بعدها برتولوتش ان يقدم
اسلوبه بعيدا عن هيمنة وفكر ومضامين واسلوب بازولين، وهذا ما جعله يجتهد
ليذهب الى مضامين وأفكار متجددة، رسخت حضوره وأكدت قيمته.
في فيلمه الثاني «قبل الثورة» عن علاقة شاب مع سيدة تكبره قليلا،
«قامت بالدور زوجته ادريانا استي» مقابل الممثل الشاب فرانشيسكو بريالي.
وتمضي مسيرة هذا المخرج، الذي استطاع ان يتجاوز الاساليب والطروحات
التي يقدمها الرواد وابناء جيله، الى مرحلة مشاكسة، جادة، ثرية. حتى تأتي
«فضيحة» فيلمه «التانغو الاخير» في باريس. ففي عام 1972 اصبح اسم برتولوتش
مشهورا اثر هذا الفيلم، الذي يصفه نقاد السينما العالمية بانه فضيحة
حقيقية.
والفيلم من بطولة مارلون براندو وماريا شنايدر عن علاقة تجمع بين
اميركي وفتاة فرنسية لا يعرفان بعضهما بعضا في احدى ليالي باريس، وكانت
المفاجأة وجود مشاهد جنسية شاذة شكلت ردود افعال قاسية من قبل النقاد
والجمهور رغم الاقبال الجماهيري المذهل الذي حصده الفيلم في انحاء العالم.
وقد دمر ذلك الفيلم حياة الممثلة «ماريا شنايدر التي لم يعد يراها
العالم الا فتاة عارية بل انها مرت بفترة من الادمان، أوصلتها الى الموت.
ويتجاوز برتولوتش ذلك المأزق الذي يتحول الى اهم الفضائح السينمائية،
ليقدم عام 1976 فيلم «توشنتو 1900» عن الحرب العالمية الثانية من بطولة
روبرت دونيرو وجيرار دوبارديو ورونالد ساثرلاند وستيرلنج هايدن والبيرت
لانكستر ودومنيك ساندا، ثم فيلم «القمر» وفيلم «تراجيديا رجل رديتالي في
عام 1981 مع الايطالي اوجوتونيازي.
وبعد سنوات الفضيحة تأتي القفزة الاشهر والاهم مع تجربته في فيلم «الامبراطور
الاخير» حيث قدم في عام 1987 تحفته السينمائية الخالدة «الامبراطور الاخير»
الذي يروي من خلاله ذكريات الامبراطور الأخير للصين اسين جيرو بين، وقام
بانتاج الفيلم المنتج البريطاني جيرمي توماس والذي اصبح لاحقا، منتج افلام
برتولوتش، وقد حصد الفيلم تسع جوائز أوسكار، من بينها افضل مخرج لاسم
برتولوتش، كما قام بالمشاركة في كتابة السيناريو مع مارك بيبول.
ونشير الى ان الجوائز التسع هي «افضل فيلم - مخرج - افضل سيناريو -
افضل سينايو مقتبس، افضل تصوير - مونتاج وازياء، وتصميم مشاهد، وموسيقى
وصوت.
وكان الفيلم اول فيلم تسمح الحكومة الصينية لفريقه ان يدخل المدينة
المحرمة، وهو اول فيلم عالمي يتناول تلك المرحلة التاريخية من تاريخ الصين.
بعد سنوات يعود الى روما من جديد، ليقدم فيلم «الجمال المسروق» مع ليف
تايلور في عام 1996 ثم «الحالمون» 2003، وتجري أحداث هذا الفيلم على خلفية
احداث باريس 1968.
في عام 2007 يحصل برناردو برتولوتش على جائزة الاسد الذهبي تكريما
لتاريخه وانجازاته وفي عام 2011 يحصد السعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي
تكريما لتاريخه ومسيرته.
وفي العام الحالي 2012 قدم أحدث أعماله «أنا وأنت» خارج المسابقة
الرسمية لمهرجان كان السينمائي الدولي. وعلى الصعيد الشخصي، فبعد انفصاله
عن زوجته ادريانا استي ارتبط مع البريطانية كلير بيبول «وهي كاتبة سيناريو
ومخرجة».
تمتاز النسبة الاكبر من الاعمال السينمائية التي قدمها برتولوتش
بالبعد والفكر السياسي بل ان تلك الاعمال كانت تأتي على خلفيات سياسية تعكس
المراحل شأنه في ذلك شأن أعمال فيسكونتي.
وقد تصدى لنقد الكثير من التيارات السياسية فكانت المواجهة مع
الايديولوجيات وايضا ضد العنصرية وكم آخر من القضايا التي لها بداية وليس
لها نهاية، متأثرا بالفكر السياسي وايضا المناخ الثقافي الذي نشأ وترعرع به.
وفي رصيد برتولوتش عدد مهم من الجوائز من بينها الاوسكار والغولدن
غلوب ونقابة السينمائيين الاميركان ومهرجانات مثل لوكارنو وفينسيا وكان
وغيرها من الملتقيات والمحافل السينمائية الكبرى.
خلال مشواره قدم 23 فيلما لعل ابرزها «الامبراطور الأخير» و«القمر»
و«السماء المحصنة» و«الجمال المسروق» وغيرها.
مسيرة عامرة بالانجازات وسينما ذات بعد فكري وابداعي رفيع المستوى
تسير على نهج الكبار، ولهذا يستحق هذا المبدع لقب «المايسترو» لانه استطاع
ان يطوع حرفته ليجعلها معبرة وراصدة لقضايا الانسان والمجتمع حتى رغم
فضيحته السينمائية المجلجلة مع فيلم «التانغو الاخير في باريس».
النهار الكويتية في
15/08/2012 |
