|
تشرفت بمعرفة المخرج اليوغسلافي في السابق البوسني أمير كوستاريكا في
مرحلة سبقت فوزه بالجوائز وشهرته العالمية، ورغم كل الانجازات، ظل كما هو،
يبادر بالسؤال، وبالحديث عن ادق التفاصيل الانسانية، هكذا هو أمير
كوستاريكا، او كوستاريتسا.. الذي يعتبر اليوم احد اهم صناع السينما في
اوروبا والعالم.. مبدع من الطراز الأول، خيال خصب، وحرفية متميزة، واسلوب
مشبع بقضايا الانسان والمجتمع، وفي كل مرة، يكون بها، يخرج بحصاد وافر من
الجوائز والاشادات، لانه يعرف جيداً، ماذا يريد.. وماذا تريد السينما منه
سينمائي وموسيقي وحرفي في عالي المستوى، وهو ابعد من كل ذلك بكثير..
ويكفي ان نعرف باننا امام مخرج استطاع ان يفوز بسعفة مهرجان كان
السينمائي مرتين، وهذا بحد ذاته انجاز لم يبلغه الا القلة، كما فاز بالاسد
الذهبي لمهرجان برلين والنمر الذهبي لمهرجان لوكارنو والدب الذهبي لمهرجان،
برلين.. وحينما سئل ذات يوم رد ساخرا: لقد فزت بجميع عناصر حديقة الحيوان
الذهبية».
أمير من مواليد 24 نوفمبر 1954، في سراييفو بيوغوسلافيا السابقة، وهو
يحمل حاليا الجنسية الصربية..
والده الصحافي والكاتب مورات «مراد» كوستاريكا، ووالدته سينكا نعما
كيدج، وكانت تعمل كموظفة في احدى المحاكم، وقد نشأ امير، بوصفه الابن
الوحيد لتلك الاسرة الصغيرة في مدينة سراييفو الجميلة، وهي عاصمة «البوسنة
هيرسكوفا»
اصوله البوسنية.. ووجوده في ذلك المناخ الاتحادي، ايام «يوغوسلافيا»
جعلته دائماً، لا يفرق بين الاديان او المذاهب، بل كان يصر بان يوغسلافيا
هي واحدة، بكل تلك الطوائف.. وقد ظل دائماً رافضاً لفكرة الحرب الاهلية
ومشاكلها.
عاش أمير وسط اجواء اسرية حميمية، ونظراً للعلاقة التي كانت تربط
والده بالمخرج سيبا كرافاك، حصل أمير على دور صغير في فيلم كرافاك، «والذي
يدافع عن سراييفو». في عام 1972 والفيلم من انتاج الحكومة الاتحادية في
يوغوسلافيا ايام الرئيس تيتو. بعد تخرجه من اكاديمية الفنون «فامو» في
براغ، عام 1978، بدأ أمير عمله في الاخراج بالتعاون مع التلفزيون
اليوغوسلافي، حيث حقق عدداً من الاعمال القصيرة.
وفي عام 1981 قدم عمله الروائي الاول بعنوان «هل تتذكر دولي بيل»
والذي فاز بجائزة الاسد الفضي في مهرجان فينيسيا السينمائي، وهنالك تشرفت
بالتعرف عليه. وعمل في الفترة من عام 1981 وحتى 1988 مدرساً في اكاديمية
الفنون في سراييفو ومخرجاً للمسرح المفتوح.
وفي عام 1985 قدم فيلمه الروائي الثاني، بعنوان «حينما كان والدي في
مهمة عمل «وعندما فاز بالسعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي، وفي ذات
العام حقق خمس جوائز ضمن جوائز السينما اليوغوسلافية، كما ترشح لجائزة
اوسكار أفضل فيلم اجنبي.
ونشير هنا الى ان أمير كان قد قام بكتابة سيناريو واخراج الفيلمين
الاولين، هل تتذكر دولي بيل؟ وحينما كان والدي في مهمة عمل، وكانت الكتابة
بالتعاون مع المسرحي والكاتب البوسني عبدالله سيدران، والذي يعتبر احد اهم
الكتاب، ولطالما تعاون معه أمير في العديد من الاعمال السينمائية المهمة.
وتتواصل المسيرة، ليقدم لاحقاً فيلم «زمن الغجر» في عام 1989، والذي
يذهب به الى عوالم الغجر واسرارهم في رومانيا، وقد حقق الفيلم صدى عالمياً
كبيراً، للمستوى الفني الذي قدم به، من حيث الفكرة والمضامين والشخصيات
والتصوير والاضاءة والموسيقى الساحرة التي قام أمير بصياغتها بنفسه.
وتأتي مرحلة التسعينيات، حيث يواصل أمير مشواره المقرون بالاحتراف
السينمائي، والاختيارات الفنية التي تذهب الى موضوعات وقضايا انسانية، تأتي
بصور ساحرة.. وخيالات مجنحة.. وشخصيات تطير.. ومنازل.. واسرة.. واحلام..
وتداعيات.. ويظل الانسان دائماً في تلك العوالم يبحث عن الخلاص..
والمستقبل.
في تلك المرحلة من مطلع التسعينيات، حينما هاجر والده الى أميركا،
التحق به ليقدم فيلمه «حلم اريزونا» في عام 1993، مع النجم جوني ديب..
وبعدها استقر لعام كامل للتدريس في جامعة كولومبيا الى جوار والده. في عام
1995، عاد ليفوز بالسعفة الذهبية عن تحفته، تحت الحصار، «تحت الارض»
معتمداً على نص مسرحي للكاتب العربي ديسان كوفافيتش.
وفي عام 1988، فاز بالاسد الفضي مجدداً، عن فيلم، قط ابيض قط اسود،
الذي يعتبر من الاعمال الكوميدية الساخرة، التي تعري الظروف التي كانت تعيش
بها بلاده، بعد تمزق يوغوسلافيا، والفيلم تجري احداثه في رومانيا على ضفة
الدانوب.
تميزت جملة الاعمال التي قدمها ببعض الموسيقى معتمدا على الفرقة التي
اسسها والتي حملت اوركسترا سموكنغ اوركسترا عدم التدخين التي رسخت حضوره
كموسيقي من الطراز الاول يعزف على الغيتار وعدد من الالات الموسيقية وأسهمت
في تقديم نماذج من موسيقى الغجر والصرب والبوسنة ومقدونيا عبر التاريخ.
وتمضي مسيرة هذا المخرج بعد سنوات من العذابات والترحال وتمزق بلاده
الى دول وطوائف ومدن وكم من مجرمي الحرب المطاردين والضحايا حيث اضطر اولا
للسفر الى الولايات المتحدة ومنها الى باريس ثم دوفيل حيث استقر هناك لاكثر
من عام ليعود لاحقا الى صربيا في احدى المدن التي انشئت لتصوير احد أعماله.
في عام 2001 قدم فيلم «سوبر 8 قصص» فيلم وثائقي عن فرقته «اوركسترا
نوسموكنغ»
وفي عام 2005 تم اختياره رئيسا للجنة تحكيم مهرجان كان السينمائي
الدولي ترسيخا لمكانته وقيمته.
عام 2007 التقى مع نجم كرة القدم الارجنتيني وحقق عنه فيلما بعنوان «مارادونا»
وعرض الفيلم للمرة الاولى في مهرجان كان 2008.
وفي هذا العام بالذات اطلق مهرجانه السينمائي الدولي الذي حمل اسم
مهرجان كوستندروف السينمائي الذي اقيم في مدينة درافينجغراد تلك المدينة
الصغيرة التي اسست في الاصل لانجاز تصوير فيلمه «الحياة معجزة».
في عام 2010 قدم فيلمه الكوميدي «الماء البارد» وهو اول عمل يقدمه دون
ان يقوم بكتابته، وقد صور في ألمانيا.
وعاد مجددا الى كان ليترأس لجنة تحكيم تظاهرة «نظرة ما» وهي التظاهرة
الثانية من حيث الاهمية وذلك في عام 2011، وفي العام ذاته حصل على وسام
الشرف من الحكومة الفرنسية وهو ارفع وسام في فرنسا بدرجة فارس.
على صعيد التمثيل شارك امير كوستاريكا في تمثيل عدد من الاعمال
السينمائية من بينها تجربته الاولى في بداية مشواره، ثم فيلم «أرملة
سانتابيير» في عام 2000 من اخراج الفرنسي باتريك لاكون ثم قدم دور عازف
الغيتار في فيلم «اللص الطيب» مع المخرج نيل جوردن.
وفي عام 2009 قدم الفيلم الفرنسي «قضية الوداع» حيث جسد عميل وكالة
الاستخبارات الروسية «كي. جي. بي» متقمصا شخصية الكولونيل سيرجي جورجيف في
فيلم مليء بالمغامرات والاسرار.
وحينما نتحدث عن أمير لابد وان نتحدث عن جوانب من مشواره الموسيقي،
ففي عام 1986 بدأ مشواره كعازف غيتار «باص» فقط، كما شارك مع فرقة «قط أبيض
قط أسود» ليعزف على عدد من الآلات الموسيقية ثم اسس فرقة أمير كوستاريكا»
مع اوركسترا نوسموكنغ ومعه طاف اتحاد اوروبا والعديد من دول العالم ليقدم
اعماله الموسيقية التي تمزج الجاز بالموروث الشعبي وموسيقى الصرب والغجر.
وعلى الصعيد الشخصي ارتبط امير مع ميجا مانديغ ابنة البوسني الصربي
ميلوس مانديج ولديهما ابنهما هما ستيربو (30 عاما) وابنتهما «نجا» (24
عاما).
مشوار وانجازات ومخرج لا يرتضي بانصاف الحلول عميق في المعطيات
السينمائية التي يقدمها والتي كانت تذهب بعيدا في طروحاتها ومضامينها.
حتى وان اختار في لحظة شاردة من الزمان والوقوف الى جوار بعض التيارات
السياسية في بلاده ابان اخطر المراحل الا انه عاد لاحقا ليبتعد عن السياسة
وان ظل يكتب مقالا سياسيا يحمله بعض الدعم لهذه الجهة دون تلك، لكنه ظل
سينمائيا اعمق به سياسيا وموسيقيا أعذب منه متحدثا في السياسة وشؤونها في
بلد شطرته الحرب الاهلية الى دول ودويلات وما شابهها.
ويبقى ان نقول: امير كوستاريكا البوسني المبدع حتى رغم بعض مواقفه
السياسية الصربية.
النهار الكويتية في
16/08/2012 |
