|
حينما تذهب لأي من أفلام المخرج البريطاني القدير مايك لي، تشعر وكأنك
تشاهد من نافذتك في احد الاحياء البريطانية ما يدور عند الجيران من حكايات،
فسينما هذا المبدع، هي سينما الحياة البريطانية الاعتيادية، او هي البساطة
المطلقة، والواقعية بكل معطياتها، التي تجعلك تتساءل، أين التمثيل وأين
الحقيقة، لان قضايا مايك لي هي قضايا الانسان، ونجوم مايك لي، هم من شرائح
المجتمع، حتى النجوم الذين درجوا على بطولة اعماله، هم في الحقيقة جزء من
نسيج المجتمع... لا ينسلخون عنه الى عالم النجومية والاضواء ولد مايك لي في
20 فبراير 1943 كاتب ومخرج بريطاني بات اليوم أحد رموز السنيما البريطانية
والاوروبية والعالمية.
ولد في ويلين في المملكة المتحدة، وتعود اصول اسرته، الى العوائل
اليهودية المهاجرة، واسمه العائلي كان (ليبرمان) وهو اسم لعائلة يهودية
عريقة، ولكنه اختار لاحقا لان يتحول الى «لي». درس مايك في مدرسة سيلفورد،
وخلال فترة الدراسة، كان يكتب العديد من المشاهد والمواقف والاعمال
الدرامية، وبالذات خلال فترة الصيف والمعسكرات الصيفية واجازة رأس السنة
الميلادية.
وخلال تلك الفترة تطورت علاقته مع الفنون فعشق اعمال «بيكاسو» وهام في
الاعمال الموسيقية الكلاسيكية.. بالاضافة الى مشاهداته السينمائية التي
راحت تتنوع ما اتاح له الفرصة لان يشاهد النسبة الاكبر عن افلام صناع
السينما البريطانية والاوروبية بشكل خاص.
في عام 1960 حصل على منحة للدراسة في رادا بالذات في مجال التمثيل
كممثل وكمخرج. حيث راح يمارس أعماله كمخرج لاحقا في «15 يست اكتكنج» وهناك
التقى بالممثلة اليسون ستيدمان.
بعد «رادا» انتقل الى مدرسة كامبرويل للفنون وذلك في عام 1963، ومنها
الى مدرسة لندن لفنون السينما في شارلوت ستريت.
وهو يتذكر جيدا، بانه حينما وصل الى لندن شاهد في ذات اليوم فيلم
«ظلال» لجون كازافينش (عن حياة شخص يعيش في شوارع نيويورك) ويبدو ان لذلك
الاسلوب الواقعي اثر كثيرا في ذهنية وفكر مايك لي السينمائية لاحقا.
كما راحت المؤثرات الفنية والفكرية تغذي فكرة وتطور دعيه، وبالذات
العمال «هارولدنتبر» وفي عام المسرح اعمال «صموئيل البكيت».
في تلك الفترة راح «مايك لي» يلعب عدداً من الادوار الصغيرة في مجموعة
من الأفلام البريطانية، اعتبارا من مطلع الستينيات، كما عمل مع، بي. بي.
سي. وبالذات مسلسل «مارغريت» (1964 -1965».
في الفترة من «1965 -1970» عمل مايك لي في «مركز ميدلاند للفنون في
بيرمنغهام، بالاضافة لعمله كمساعد مخرج مع عدد من المخرجين، حتى كتب ذات
يوم بكامله الى صندوق تجري بداخله الاحداث، مما لفت الانتباه اليه، مشيراً
الى ان الواقع هو ذلك الصندوق.
بعد بيرمنغهام، انتقل ايستون، حيث عاش هناك عشرة اعوام، حيث عمل
كمساعد في العديد من الاعمال المسرحية الشكسبيرية، مع فرقة شركة شكسبير
الملكية، وعمل مع بيتر هال، ليقدم «ماكبث». ثم اتجه الى التلفزيون، ليقدم
مع «بي. بي. سي» تسع مسرحيات، معتمداً على نجوم اعتياديين، خارج منطقة
الاسماء المعروفة.
وقد شكل اسلوبه الانتاجي نهجاً، اذهل الكثير من النقاد، على صعيد
اكتشاف القدرات والمواهب، وتحويل العقل المسرحي الكلاسيكي التقليدي، الى
حياة انسانية يومية معاشة.
وكما اشرنا، بانه تعرف لاحقاً على اليسون ستدمان التي ارتبط بها،
والتي كانت نجمة في عدد من تلك الاعمال.
في عام 1985 توفي والده، حينما كان في ملبورن استراليا للمشاركة في
مؤتمر عن كتابة السيناريو هناك، ولكنه فضل لاحقاً ان يبقى في استراليا
والتدريس في معهد الفيلم في سيدني.
وقبل العودة، مجدداً الى انكلترا، زار بالي وسنغفورة هونغ كونغ والصين
والعديد من الدول والمدن الآسيوية الشهيرة، وهو لا ينسى تلك الفترة، لانها
جعلته يكتشف العالم ويكتشف ان هنالك «حيوات» «حياة» اخرى، وعوالم وشخصيات،
وايضاً سينما مختلفة وتبدأ المرحلة الحقيقية من مشواره السينمائي، في عام
1988، ليقدم فيلم «هاي هوب» كو لاكي» عن الواقيعة الاجتماعية الجديدة، حيث
فيض الاحاسيس الانسانية الثرية بالوجوه والشخصيات والاحداث والالم النفسي
والمعيشي.
وظلت مسيرته، تتحرك في محورين، أولهما السينما وثانيهما المسرح، في
المسرح قدم العديد من الاعمال ومنها، «اشتم الفأر»، والعار العظيم
والتراجيدية اليونانية، وغيرها من الاعمال.
وفي عالم السينما حصد مايك لي العديد من الجوائز المهمة، وفي أهم
المهرجانات السينمائية الدولية، حيث فاز بجائزة أفضل اخراج في مهرجان كان
عن فيلم «عرس 1993» ثم جائزة السعفة الذهبية عن تحفته السينمائية الخالدة «اسرار
وأكاذيب» 1996.
وقد جاء فوزه بالسعفة الذهبية ليحقق نقلة واكتشافاً حقيقياً لمسيرة
وعطاء هذا المبدع، الذي راح بعدها يحلق عاليا.
وعن فيلم «فيرا دراك» فاز بجائزة الاسد الذهبية في مهرجان فينسيا
السينمائي الدولي 2004 وقد ترشح للاوسكار سبع مرات، مرتان عن فيلم «اسرار
وأكاذيب» وفيرا دراك «افضل سيناريو وافضل اخراج» بالاضافة الى افلام «توبس
تروفي» وهابي كو لاكي» وعام اخر «افضل سينماريو اصلي».
في اعماله درج لي على التعاون مع عدد محدد من النجوم، ومنهم رفيقة
دربه اليسون ستدمان وتيموثي سبال وليسلى ما ينفل وروث شين.. وغيرهم.. وهم
نجوم غير تقليدين، يعيشون ادوارهم.. ويعيشون السينما.. وحياتهم بشكل
متداخل، بحيث لا تعرف الى ان يذهب كل منهم في تقمص وتجسيد وتقديم الشخصية
التي يتقمصها.
ومن هنا تأتي اهمية مايك لي واعماله، التي تذهب الى قضايا الانسان
والمجتمع، وكأنك كما اسلفت تطل من نافذتك على بيت الجيران، ترصد حكاياتهم..
وتعبهم.. ومشاكلهم.. وسينما مايك لي، تذهب الى المجتمع البريطاني، بلازيف..
وبلا رتوش.. اوماكياج. على الصعيد الشخصي، ارتبط في سبتمبر 1973 مع زوجته
الممثلة اليسون ستدمان، ورزق منها بولدين هما توبي وليو، وقد ظهرت ستدمان
في سبعة من افلامه وعدد من اعماله المسرحية وبالذات حفل ابيغال.
وقد انفصلا عام 2001، وهو يعيش حاليا مع الممثلة ومصممة الازياء
شارلوت هولدش.
ومن رصيده السينمائي نشير الى عدد هام من اعماله التي باتت اليوم تشكل
المرجع الحقيقي في الواقعية الجديدة في السينما البريطانية والاوروبية.
ومن تلك الاعمال نشير الى لحظة الانفصال 1971، و«قبلة الموت» 1977
وسويت هوم 1982 وهاي هوبز 1988 وعرس 1993 واسرار واكاذيب 1996 وعام اخر
2010 وحصاد ضخم من الاعمال المسرحية التي ساربها عام ذات النهج وهو تحويل
خشبة المسرح الى واقع معاش، حيث ذات الاسماء تعمل معه، وذات المحاور التي
تذهب الى قضايا الانسان والمجتمع، ولهذا يحرص اشد الحرص على ان يعتمد ذات
الفريق الذي بات يعرف ماذا يريد منه مايك لي وباختصار شديد هو معايشة
الشخصية.. والذوبان بها.
كما يمتلك مايك في جملة التجارب التي قدمها بعداً فكرياً وتحليلاً
لقضايا المجتمع، والمراحل التي مر بها، وايضا بعداً عميقاً لجدليات
العلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وقد حظيت تلك الاعمال بكثير من
الدراسة وقدمت عنها بحوث ومشاريع تخرج عدة، وقبل ان نطوي صفحة هذا المخرج
الكبير نشير بانه يحمل في خزانته كماً من الجوائز الكبرى، لعل ابرزها
السعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي الدولي عام 1996 عن فيلم «اسرار
واكاذيب». وايضا الاسد الذهبي في مهرجان البندقية السينمائي الدولي عام
2004 عن فيلم «فيرا دراك». وهذه الجوائز جعلته يدخل قوائم الخالدين في
السينما العالمية.
النهار الكويتية في
14/08/2012 |
