حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

                          دراما رمضان التلفزيونية لعام 2012

الأساتذة.. أهم صناع السينما في العالم

نوري بليج جيلان.. عين على الإنسان التركي!

بقلم: عبدالستار ناجي

الحلقة ( 19 )

حينما نذكر السينما التركية اليوم يذكر اسم المخرج الرائع نوري بليج جيلان وهو من تلك النوعية من المبدعين الذين يذهبون الى صناعة الفن السابع ليمارسوا حضورهم ويزرعوا بصمة في ذاكرة الحرفة، حيث السينما عندهم قضية، وموقف، وعين على الإنسان، وهنا نوري بليج جيلان يذهب بعينه للإنسان التركي بكل قضاياه وارهاصاته.

شيء ما يذكرنا بالراحل يلمز غونيه، ولربما ابعد لان غونيه ظل مشغولا بقضايا الشعب الكردي ولكن جيلان يذهب الى قضايا الانسان، والانسان التركي كمدخل لذلك المحور الثري والخصب.

ويكفي ان نعرف ان في رصيد هذا المبدع كماً من الجوائز المهمة لعل ابرزها جائزة لجنة تحكيم مهرجان كان السينمائي الكبرى لعام 2011 عن فيلم «حدث ذات يوم في أناضوليا».

درس جيلان التصوير حينما كان في الخامسة عشرة من عمره، وبدأ اهتمامه يتطور بالسينما حينما بلغ الثانية والعشرين من عمره، وخلال فترة دراسته في جامعة بوغازيشي كانت له مجموعة من المساهمات في عالم التصوير، بانتظار ان يتخرج حيث حصل على بكالوريوس الهندسة الكهربائية، طار بعدها للدراسة والتخصص في مجال الهندسة الكهربائية الى لندن، ولكنه سرعان ما عاد الى انقرة للالتحاق بالخدمة العسكرية، وفي فترة الخدمة العسكرية استقرت سفينته على السينما التي وجد بها المكان الحقيقي للتعبير عن ابداعاته.

وفي عام 1995 قدم جيلان فيلمه الاول القصير بعنوان «كوزا» والذي عرض في مهرجان كان السينمائي الدولي وعنه فاز بجوائز عدة ساعدته لانجاز فيلمه الثاني قصة «مدينة صغيرة».

وتتواصل المسيرة ليأتي فيلم «اوزاك - مسافات» وعنه فاز بجائزة لجنة تحكيم كان الكبرى، وايضا جائزة افضل ممثل، وبعد كل هذا ساهم هذا الفيلم في تحقيق معادلة الانتشار الاساسية بالنسبة له شخصيا وللسينما التركية.

وفي عام 2006 تأتي القفزة الثانية والتي ذهبت الى ابعد من ذلك بكثير وهذا ما تحقق مع فيلم «اكليمر - مناخات» والذي فاز عنه بجائزة النقاد الدوليين في مهرجان كان السينمائي الدولي، وليحصد بعدها اكثر من 5 جوائز مهمة ورئيسية من بينها جائزة أناضوليا (البرتقالة الذهبية) عن مهرجان السينما التركية بالاضافة لجائزة افضل مخرج في تركيا.

وخلال جميع مراحل التصوير في افلامه لم يكن نوري جيلان يفارق كاميرا التصوير الفوتوغرافي، بل انها كانت عينه الثالثة ومن خلالها صاغ افضل الصور التي تحولت لاحقا الى تحف وبوسترات ترصد جوانب من حياة الفن السابع في تركيا.

وهذا ما جعله يصدر كتاب «تركيا سينما سكوب» الذي احتوى على اهم الصور التي التقطها، والتي حملت توقيعه مع كتابة تحليلية لاهمية الضوء والظلال في تكوين المشهد المصور فوتوغرافيا وسينمائيا.

ويعود الى السينما من جديد حيث يقدم في عام 2008 فيلم «القرود الثلاثة» ليفوز بجائزة افضل مخرج في مهرجان كان السينمائي الدولي، واتذكر يومها حينما ارتقى المنصة قال: «اهدي جائزتي هذه الى بلدي الجميل والوحيد والذي احبه بشغف تركيا».

وتأتي القفزة الاهم مع عام 2011 ليقدم فيلم «حدث ذات يوم في أناضوليا» والذي فاز عنه بجائزة لجنة التحكيم الكبرى لمهرجان كان السينمائي الدولي، ثم تم اختيار الفيلم لتمثيل تركيا في الترشيحات النهائية للاوسكار كأفضل فيلم غير ناطق بالانكليزية.

والان تسألون لماذا نذهب الى اسم نوري بليج جيلان دون سواه من صناع السينما التركية ونضعه في قائمة «الاساتذة» جنباً الى جنب اهم الصناع وكبارهم، انه النهج الذي يشتغل على الفكر وعلى تحويل المشهد السينمائي الى لوحة متكاملة على استخدام الالوان والظلال، وايضا المؤثرات البصرية التي تمنح المشهد السينمائي ابعاداً واضافات لا تنتهي. وهذا ما يجعل افلام جيلان توصف بانها من تلك النوعية السينمائية العالية المستوى، من حيث فنون التصوير والفكر الذي تطرحه كل شيء عند جيلان يأتي من اجل تمرير ما يريد من حيث الشكل الذي يريده.

يذهب الى قضايا الناس البسطاء ليحول تلك القضايا الى فعل سينمائي عالي الجودة، صعب المنال، حرفي، ابداعي، يختزل كل المعطيات لبلوغ ذلك الفن الرفيع حيث بهاء الصورة والتكامل الاحترافي في رسم المشهدية السينمائية.

ولنا ان نشير مثلا الى تجربته في «حدث ذات يوم في أناضوليا» حيث الساعة والنصف الاولى من الفيلم تعتمد على تقنية عالية في التصوير والاضاءة حيث نفذت تلك المشاهد بكاملها في الليل وسط ظلام دامس ولكن بامكانيات في الاضاءة والظلال جعلتنا نذهب الى عوالم الظلمة في الذات قبل المشهد.

في جميع افلامه يلجأ نوري جيلان الى المشاهد الثابتة وايضا الطويلة، والتي تستغرق في احيان كثيرة بما يعادل البكرة الكاملة (عشر دقائق) بمشهد محكوم، ومرسوم، ومصاغ، ومدرس لا مجال للخطأ فيه أبداً.

من هنا تأتي صعوبة افلامه، وثقلها التي تتطلب نوعية خاصة من المشاهدين الذين يعرفون ماذا تعني سينما المؤلف وماذا تعني الرؤيا البصرية وسينما الإنسان والفن.

كل ذلك بميزانيات منخفضة جدا، ما عدا فيلمه الكبير «حدث ذات يوم في أناضوليا» الذي تكلف اكثر من مليون ونصف المليون دولار من اجل معدات التصوير والاضاءة فقط.

الجانب الآخر في تجارب جيلان ان جميع نجومه هم من افراد اسرته، والده ووالدته واقرباؤه وزوجته ايضا الممثلة التركية ايبرو جيلان التي مثلت في فيلمه «مناخات» او «اجواء».

اما بقية الذين يمثلون معه فهم في الغالب من الاشخاص الاعتياديين جدا والبسطاء جدا والذين يختارهم في مواقع العمل ليدفع فيهم للوقوف امام الكاميرا وهنا تكون المفاجأة، حيث يقوم بتشكيل تلك الشخصيات بأسلوبه وبمنهجه بعيدا عن أي تأثير لكل ما هو تقليدي ودارج وهامشي.

في جميع اعماله السينمائية التي قدمها يقوم نوري جيلان بعدد من المهام حيث الاخراج والانتاج والكتابة.

لانه يعرف ماذا يريد من النص فانه يشكله ويطوعه، ثم تأتي العملية الاخراجية والرؤية البصرية التي تطوف بنا في عوالم من الالوان والظلال لترسخ المضامين في منهجية انتاجية منخفضة جدا.

ولكنه حينما اراد ان يتجاوز ذلك الاطار الضيق، ليقدم فكرا سينمائيا ودرسا في الاضاءة والتعامل مع الظلمة، جاء ذلك المشهد الذي يدرس حاليا في المعاهد السينمائية حين الساعة والنصف التي تمثل عملية البحث عن جثة يقول احد القتلة انه دفنها في مكان ما.

سينما تجعلنا نفتح عيوننا باتساع كما هي مشاعرنا وعواطفنا، ونقاط الاستشعار للفهم والتفسير والتحليل.

سبعة أعمال سينمائية بينها فيلم قصير استطاعت ان تذهب باسم صاحبها الى فضاء بعيد المنال، لانه ينشغل بقضايا الانسان والمجتمع التركي ولانه يتعامل مع السينما والمشهدية السينمائية بمعايير فنية عالية الجودة، حيث ثبات المشهد وطوله.

في إطار حراك تفصيلي وتحليلي للشخصيات التي تتطور امامنا بايقاع سينمائي يدعونا الى التفسير والتحليل والاكتشاف.

لا شيء عند نوري بليج جيلان هامشي، او مكرر او نقدي.

محدودية المشاهد تحتم عليه لغة عالية من الابتكار، وهو يبلغها ليدهشنا ويدهش العالم.

هكذا هو المبدع التركي نوري بليج جيلان عين السينما التركية على الإنسان.

النهار الكويتية في

10/08/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)