حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

                          دراما رمضان التلفزيونية لعام 2012

الأساتذة.. أهم صناع السينما في العالم

مايكل هينكية... الإبداع بلا حدود؟

بقلم: عبدالستار ناجي

الحلقة ( 18 )

هناك نوعية من المخرجين، هم اقرب الى الفلاسفة، من كونهم مجرد مخرجين، يقومون بالوقوف خلف الكاميرا، لتنفيذ سيناريوهات صاغها الاخرون، ومن النوعية الاولى النادرة، والتي تجدل ابداعها بفكر فلسفي عميق، يأتي اسم المخرج النمساوي مايكل هينكية، الذي يمكن اختصاره بكل المعاني والمفردات بجملة مقتضبة تقول انه المخرج الحاصل على جائزة السعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي مرتين، اخرهما هذا العام 2012، عن فيلمه التحفة «حب» والاخرى عن فيلم الشريط الابيض عام 2009.

وقد يتصور البعض ان هكذا فوز، هو امر هين، وبسيط، ولكنه في حقيقة الامر، التحدي المطلق، والمنال الصعب، والهدف الابعد بالنسبة للكثيرين من صناع الفن السابع، فكيف بالفوز بهذه الجائزة الحلم.. مرتين؟!

ولد مايكل هينكية في 23 مارس 1942 في مدينة ميونيخ الالمانية، ورغم ذلك فهو نمساوية الجنسية، يتحدث وبطالقة تامه الالمانية والفرنسية والانكليزية... والده الممثل الالماني فريتز هينكية ووالدته الممثلة النمساوية بيرتكس فون ديزشيلد.

نشأ وترعرع في مدينة فيز نستاد، والتحق بجامعة فيينا حيث درس الفلسفة، ولاحقا الدراما بعد بذل محاولات لدتخول عام التمثيل والموسيقى. وبعد تخرجه، عمل في مجال النقد السينمائي في الفترة من عام 1967 وحتى 1970، كما عمل في مجال المونتاج التلفزيوني، لاحدى المحطات في جنوب المانيا الغربية.

وفي عام 1974 حقق اولى تجاربه الاخراجية للتلفزيون، ولكن عينه كانت على السينما، لان العبد الفلسفي الذي تعمر به افكاره ومشاريعه، لا تصلح لمشاهد التلفزيون الذي يسعى الى كل ما هو خفيف وبسيط.

في عام 1989 جاءت تجربته السينمائية الاولى مع فيلم المحتويات السبعة، حيث درس وحلل اسباب العنف، حتى قبل ان تندلع موجة افلام العنف في السنيما الاوروبية والعالمية.

ومع عام 2001، تأتي القفزة الاولى في فضاء الشهرة والنجومية، وترسيخ بصمته، كسينمائي يميل الى سينما المؤلف، والابداع وتجلياته العالمية، وكان ذلك مع فيلم «عازفة البيانو» الذي فاز عنه بجائزة مهرجان كان السينمائى الكبرى بالاضافة لجائزة افضل ممثل لمواطنه بانوا ماجميل، والفرنسية ايزابيل هوبير التي باتت لاحقا نجمته المفضلة، وايضا الفرنسية الاخرى «جولييت بينوش» التي عملت معه في افلام الرقم غير المعروف 2000، وفيلم المخفي 2005.

ومع عام 2009، تأتي القفزة الاساسية مع فيلم الشريط الابيض الذي نال عنه السعفة الذهبية، والذي يرصد بالاسود والابيض، احداثيات قرية صغيرة على الحدود النمساوية - الالمانية، في عام 1913 وقبيل اندلاع الحرب العالمية الاولى، عبر حكاية مجموعة من الاطفال والعقاب الذي يتلقونه من اولياء امورهم نتيجة للضغوط التي تحيط بهم.

ويومها كانت تترأس لجنة التحكيم النجمة الفرنسية ايزابيل هوبير، كما ضمت اللجنة النجمة الايطالية اسيا ارجنتو وحنيف قريشي وروبين رايت بين.

ولانه من تلك النوعية، التي تشتغل على الفكرة والمضمون، حيث يتحول النص المكتوب، الى دراما روائية، خصبة وثرية بالقيم والمعطيات، راح يشتغل على مدى ثلاثة اعوام ليحقق فيلم، «حب» الذي يمثل هو الاخر، قفزة في فضاء الابداع، نال عنها السعفة الذهبية، مجدداً في كان 2012.

وبهذا الفوز المضاعف، ينضم هينكية الى سبعة مخرجين، كانوا قد حققوا الجائزة مرتين، وهم فرانسيس فورد كابولا وشوهي ايمامورا والأخوين دارين والف سيحبورغ وبيل اغوست وامير كوستاريكا.

يشتغل هينكية على مجموعة من المعطيات، التي يأتي في مقدمتها، ايمان هذا المخرج بمنح المشاهد فضاء اكبر للتخيل، والتحليل الذاتي للرؤية البصرية المطروحة، والشخوص ومضامينها.

لذا يهتم هينكية بالتفاصيل الدقيقة، التي تتحكم بالمكان والزمان. بل ان المكان والزمان، يمثلان المحاور الاساسية، التي يبني عليها دراما العمل، وتكون تلك الركائز ابطالاً حقيقية، وفاعلة ومؤثرة في التنامي والتطور الدرامي والمشهدي.

لا شيء هامشياً عند هذا المبدع، انه يذهب الى الموضوع الذي يريده، عبر قيم فكرية، ومضامين فلسفية، تبدو للوهلة الاولى بسيطة، ولكن المشاهد يكون قد تورط خلالها في لعبة المشاهد وتطور الاحداث، حيث الانشغال في فك تلك الشفرات التي يبعث بها، والتي تعتمد الفكر .. قبل الرؤية البصرية التقليدية، حيث لاشيء تقليدياً.. او هامشياً. انه يحول الهامش الى اساس.. وقيمة.

في اعماله ذلك الفكر الذي يدهشنا، ويشغلنا بالاسماء، والتفاصيل، ففي عدد من اعماله تبدو الاسماء متشابهة، مثل آنا داني، وجورج وجورجيه. وهذا ما نلمسه في عدد من افلامه ومنها المحتويات السبعة، وبوني فيدو واللعبة المرحة والرمز غير المعروف وزمن الذئب والمخفي واللعبة المرحلة الولايات المتحدة، انه لعب على هوية الشخصيات، وايضا مضامين الفكرة وهو اشتغال ذو بعد فلسفي، يحمل الالتباس للوهلة الاولى، وسرعان ما يذهب المشاهد الى التحليل، وعندها يبدأ بفك رموز وشفرات الشخصيات.

الحديث عن السينمائي مايكل هينكية، لا يعني ان تنسى المسرحي مايكل هينكية، فقد اشتغل هذا المبدع، في عام المسرح، حيث يعتز شخصيا بعمله ولسنوات في المسرح الالماني، وقدم نتاجات لاستداندبرغ وجوته وفون كليست في كل من برلين وميونيخ وفيينا.

واتشرف بانني شاهدت له عام 2006 تجربته الرائعة مع اوبرا باريس الوطنية حينما قدم اوبرا دون جوفاني لموزارت ويومها كان عليّ ان انتظر من شهر (5) حيث اشتريت التذكرة، الى شهر ديسمبر لمشاهدة العرض.

ونعود للسينما والفكر السينمائي، حيث لا يتردد هينكية دائما بتوجيه كثير من النقد للسينما الهوليوودية، التي يتهمها بان «شوهت» عقول المشاهدين، او الاجيال، حيث راحت تقدم نتاجات سينمائية تبدو بعيدة كل البعد عن الواقع والقضايا المعاشة، والفكر الانساني بكل مضامينه واختلافاته.

كما انه يعترف، بان مخرجه المفضل، وبدون تحفظ هو المخرج الايراني، بمناسب كياروستامي، لسبب اساسي انه يتعامل مع السينما ببساطة يصعب بلوغها.. ومن هنا اهميته وقيمته .. وابداعه.

يشتغل هينكية على الفكر وايضا الواقع، حيث يستحضر الفكر ويستحضر الواقع المعاش، ليعمل على تحقيق علاقة مشتركة بينهما، ما يجعلنا نعيش الواقع المعاش بفكر ومضامين متداخلة، ويجعلنا نرى ذلك الفكر عبر الواقع، في اقتراح تحليلي للشخصيات وتطورها.. وللاحداث والازمان التي تتحرك بايقاعها اليومي المعاش، بلا تكلف وبلا مبالغة.

جميع اعمال هينكية تنطلق من نصوص (سيناريوهات) قام بكتابتها شخصيا، ونعتقد ان تلك النصوص لو ذهب الا مخرج اخر، لدخل مباشرة في الالتباس.. ولربما التفسيرات المركبة والمتداخلة، لانها تحتاج الى فكر كفكر هينكية ومنهجية عمل وانتاج كتلك التي يشتغل بها هذا المخرج، الذي يشتغل على النص المكتوب، واكثر حينما يتعامل مع فريقه، فمن يتعامل معه من نجوم التمثيل يؤكدون بانهم يعشون مرحلة جديدة من حرفتهم وتجربتهم وتجعلهم يفجرون طاقات كامنة في ذواتهم وهذا ما اكد عليه النجم الفرنسي جان لوي ترتنيان، حينما توقف عن التمثل لاكثر من (15) عاما، ليعود متألقا في فيلم «حب» وهذا ما دفع رئيس لجنة التحكيم المخرج ثاني موريتي، لان بشير وبكثير من الاشادة الى اداء الثنائي، جان لوي ترتنيان وايمانويل ريفا قبل ان يعلن فوز فيلم «حب» بالسعفة الذهبية.

مخرج يشتغل على الانسان.. والمجتمع.. عبر مضامين فكرية.. فلسفية ابداعية.. حيث الابداع بلا حدود.. والسفر بالسينما الى فضاءات لا نمتلك امامها الا ان نقول: برافوا.. مايكل هينكية.

النهار الكويتية في

09/08/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)