حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

                          دراما رمضان التلفزيونية لعام 2012

الأساتذة.. أهم صناع السينما في العالم

جعفر بناهي.. المخرج الإيراني السجين

بقلم: عبدالستار ناجي

الحلقة ( 11 )

الذهاب إلى المخرج الايراني جعفر بناهي، يعني بالضرورة الحديث عن جملة من القضايا، وفي مقدمتها موضوع سجنه نتيجة لموافقه السياسية التي تحمل الرفض.. والمواجهة حتى لا تفهم بطريقة مغلوطة، فإننا امام مبدع سينمائي نرصد مشواره ومسيرته وانجازته، وايضاً عذاباته كانسان ومبدع.

حيث يعتبر جعفر بناهي احد اشهر صناع السينما في ايران وفي اسيا، وتلك الشهرة الساطعة لم تكن وليدة مواقفه السياسية او حتى سجنه، بل هي حصاد رؤيته السينمائية ولغته الابداعية العالية الجودة التي تمزج بين الفيلمين الوثائقي والدرامي، حيث ان المشاهد في لحظات كثيرة، من اعماله يتساءل، هل ما تشاهده فعل وثائقي تسجيلي، او دراما سينمائية مصنوعة بواقعية شديدة الشفافية والعمق.

وكمدخل نشير الى ان هذا المخرج الايراني، الذي قد لا يعرفه الكثير من اهل السينما في المنطقة والعالم العربي، حاصل على جائزة الاسد الذهبي في مهرجان فينسيا السينمائي الدولي، وايضاً «الدب الفضي» في مهرجان برلين السينمائي، وايضاً الكاميرا الذهبية لمهرجان كان السينمائي الدولي، فهل بعد ذلك من انجازات ومكانة وشهرة، ساهمت في تسليط الضوء عليه ودراسته وتحليلاته، وحينما جاء قرار سجنه، لم يمر مرور الكرام بل لقي التفاعل والاهتمام وايضاً التنديد الدولي، من جمعيات حقوق الانسان والحريات في العالم.

ولد جعفر بناهي في 11 يوليو 1960 في ميانا شرق اذربيجان، فهو مخرج ايراني من اصول اذرية.. وقد عرف ومنذ مرحلة مبكرة من حياته، بموهبته وابداعاته، حيث الف كتابه الاول، وهو في العاشرة من عمره، حيث فاز عنه باحدى الجوائز الرئيسية في سابقة خاصة ككتاب الشباب الموهوبين.

وفي ذات الفترة، بدأ اهتمامه بالسينما والتصوير الفوتوغرافي، ولهذا فإنه لاحقا قام بتصوير النسبة الاكبر من اعماله السينمائية.

وشأنه شأن النسبة الاكبر من الشباب الايراني، كان قدره ان يخدم في الجيش الايراني، ابان الحرب العراقية الايرانية والتي استمرت منذ عام 1980 الى 1988 لتحصد ارواح الكثيرين من الطرفين.

ويومها انجز فيلما وثائقياً عن تلك الحرب معترضاً على الحرب بشكل عام.

التحق جعفر بناهي، فور انتهائه من العسكرية، في كلية الفنون «البث» في طهران، وتخرج عام 1988، حيث شرع بعدها في تحقيق مجموعة من الاعمال الخاصة بالتلفزيون الايراني.

كما طور علاقته مع المخرج الايراني الكبير عباس كيار وستامي، الذي عمل مساعداً له في عدد من اعماله السينمائية، واصبح صديقاً مقرباً له، ولعل اهم الاعمال التي عمل بها بناهي مساعداً لكياروستامي يأتي فيلم «خلال اشجار الزيتون» 1994.

من تلك المرحلة، راحت تجربة هذا السينمائي المقتدر تنضج وتشهد ثمارها، في الطروحات والرؤى والمضامين، وباتت كاميرته شاهدة على الظروف الموضوعية التي يعيشها الانسان والمجتمع الايراني.

ونشير هنا الى ان فيلمه الذي صنعته عن الحرب في عام 1988 كان بعنوان «الرؤوس المصابة» وفي عام 1991 قدم فيلم «كيش» عن جزيرة كيش في الخليج العربي، ليقدم بعدها فيلم «صديق» عام 1992، ثم، الامتحان الاخير 1992.

وفي عام 1995، تأتي النقلة الاولى والاساسية في مسيرة جعفر بناهي، حينما كتب اليه صديقه واستاذه عباس كيار وستامي سيناريو فيلم «البالون الابيض» وهو اول فيلم روائي طويل له، واتذكر يومها انني تشرفت بالتعرف عليه، حيث نلتقي في ذات المقهى «كازينو» في مقابل قصر المهرجانات والتي تحولت يوما بعد اخر، الى ملتقى الكثير من المخرجين والسينمائيين والنقاد، ومن بينهم جعفر بناهي وغيرهم من صناع السينما الايرانية ونقادها، ويوم فوزه بالكاميرا الذهبية والتي يمنحها مهرجان كان للتجارب السينمائية الاولى، تحولت تلك المقاهى الى عرس شارك به الجميع وافراح هذا المخرج الواعد يومها.. والمبشر بميلاد مخرج حقيقي.

وعبر حكاية طفلة صغيرة وبالونها، نتعرف على شرائح المجتمع الايراني والموازاييك الذي يتشكل منه، وايضاً قضايا وارهاصات كل شخصية. من تلك الشخصيات.

فيلمه الثاني كان «المرأة» 1997، وفاز عنه بجائزة النمر الذهبي لمهرجان لوكارنو السينمائي الدولي في سويسرا.

وتأتي الفقرة الثانية الاهم، مع تحفته السينمائية «الدائرة» عام 2000، والتي رسخت حضوره ومكانته السينمائية، كأحد أهم رواد السينما الايرانية الجديدة التي جمعت تحت مظلتها عددا بارزا من الاسماء ومنهم بناهي وكياروستامي، ومنحملياف «الاب محسن والابنة سميرة» وعن تلك التحفة فاز بجائزة الاسد الذهبي في مهرجان فينسيا السينمائي الدولي، كما فاز عن ذلك الفيلم في ذات العام بجائزة نقاد السينما العالمية، الفيريشي».

بعدها قدم فيلم «المد الذهبي» 2003 وفاز عنه بجائزة تظاهرة «نظرة ما» في مهرجان كان السينمائي الدولي.

وفي عام 2006 قدم فيلم «اوف سايد» عن حكاية طريفة عاشتها ابنته، التي كانت ترغب في الذهاب لمشاهدة مباراة في كرة القدم، وسرح خيال بناهي حيث يعتمد الفيلم على مبادرة مجموعة من الفتيات للبس ملابس رجال ودخول الملعب لمشاهدة المباراة التي جمعت منتخبي ايران والبحرين للتمهيد ككأس العالم، وظروف تلك المفارقة والقوانين ومنع الاختلاط، وفاز الفيلم يومها بجائزة الدب الفضي في مهرجان برلين السينمائي الدولي.

بعدها دخل بناهي في دوامة في الاشكاليات السياسية، والتي تم على اثرها القبض عليه وايداعه السجن، ثم تم الافراج عنه.

وفي فبراير 2010 كان من المقرر ان يسافر الى مهرجان برلين للاحتفال بالذكرى الستين لتأسيسه، ولكنه منع من السفر، وتم سحب جوازه.

ومنذ ذلك الحين، ما ان يخرج بناهي من السجن حتى يعود اليه.. لسبب او لاخر، وفي الغالب لاسباب تتعلق بموضوع الحريات.. والعدالة.. والديموقراطية.. والاختلاف في وجهات النظر.

ونستطيع القول بانه منذ 30 يوليو 2009 حتى اللحظة، وجعفر بناهي تتراوح حركته بين السجن.. والسجن، فما ان يطلق سراحه.. حتى يعود الى سجن اخر.. وبتهمة جديدة.

ونظراً للمكانة والقيمة الاجتماعي التي يتمتع بها، لم يعد او سجنه يتعلق به وباسرته، بل اصبح خبراً عالمياً.

ترصده وتتناقله كبريات وكالات الانباء والصحف والمطبوعات في جميع بقاع المعمورة.. ليس لمواقف تلك الدول من النظام الحاكم في الجمهورية الاسلامية بل لم يمثله جعفر بناهي من قيمة ومكانة.. وايضاً لما يقدمه من فكر سينمائي، قد تختلف معه الجهات الرسمية في بلاده.. ولكنه يظل محل احترام.. وتقدير على المستوى العالمي.

خلال فترة اطلاقه، عام 2011 لعدة ايام صنع فيلمها بعنوان «هذا ليس فيلمها «يتحدث خلاله عن استعداده لعمل جديد، وحواره مع اصدقائه والظروف التي تحيط به، وقد عرض الفيلم في مهرجان كان السينمائي، وتم الاحتفاء بالفيلم والتأكيد على ضرورة اطلاق سراحه.. لانه اعيد مجدداً الى السجن.

يمتلك جعفر بناهي لغة سينمائية متفردة في المخرج بين ما هو وثائقي وروائي عبر قضايا متداخلة، وشخصيات عامة عفوية مشبعة بالالم والهم والقلق والمعاناة، تطل علينا، فتأسرنا، وتذهب بنا الى عوالم المجتمع الايراني وقضاياه المتعددة.

لقد ظل جعفر بناهي، ومنذ «البالون الابيض» يراهن على قضايا الانسان، واليوم حينما نذهب الى اعماله، نشاهد الانسان الايراني بكثير من الشفافية والعمق.. وهذا لربما ما يزعج الاخرين منه.

النهار الكويتية في

01/08/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)