رغم قرب المكسيك من الولايات المتحدة، ووجود اكبر عدد من الجالية
المكسيكية في لوس انجلوس على وجه التحديد، الا ان صناعة السينما في المكسيك
ظلت بعيدة عن دائرة الضوء والانتشار، الا من بعض الشذرات هنا او هناك
كالنجمة ذات الاصول المكسيكية «سلمى حايك» والنجم يائيل غارسيا بيرنال
وايضا المبدع السينمائي المخرج اليخاندرو جونزاليس انرييتو الذي شكل وجوده
نقلة سينمائية حقيقية، عملت على تسليط الضوء على السينما المكسيكية
والمبدعين المكسيكيين، بل تتفق النسبة الاكبر من نقاد السينما الاميركية
وصناعها، على ان انريتيو هو المكسيكي الذي تحترمه هوليوود، وتفتح له
خزائنها من اجل الانتاج وبميزانية مفتوحة.
ولبوغ هذه النقلة، كان عليه ان يحقق مجموعة من القفزت، وان كانت نقاط
الانطلاق تتمحور حول فيلمين اساسيين اولهما «21 غراماً» وفيلم «بابلس الذي
ذهب من خلاله الى عمق البيت الهوليوودي.
وفي هذه المحطة، نتعرف على جوانب من مسيرة هذا الكاتب والمخرج
المكسيكي الفذ.
ولد اليخاندور في العاصمة المكسيكية «مكسيكو سيتي» والده هيكتور
غنواليز، والدته ليزماريا انرييتو، ولهذا حمل الاسم المشترك لوالده
ووالدته، تربى ونشأ في لاكالونيا نرفارت بالقرب من العاصمة المكسيكية، ضمن
طبقة متوسطة الحال، والده كان يعمل المضاربة والمتاجرة مع البنوك، وحينما
كان اليخاندور في الخامسة من عمره، خسر والده جل ثروته وممتلكاته، ولكن
والده عاد الى العمل، وخاصة في مجال تجارة الخضراوات التي كان يشتريها من
الاسواق العامة، ليبيعها الى الفنادق الكبرى.
هذا المناخ ولد عند اليخاندرو الرغبة في المغامرة والتحدي، فكان ان
بادر حينما بلغ الثامنة عشرة من عمره لعبور المحيط الاطلسي من خلال زورق
للشحن، حيث عمل في مجال التنظيف.. وفي العام الثاني، عبر المحيط صوب اوروبا
وافريقيا، وجمع مبلغ «الف دولار» وخلال تلك الرحلات اتيحت له الفرصة لقراءة
الكثير من الكتب والتعرف على ثقافات العالم، وايضا مشاهدة انماط سينمائية
متعددة.
وخلال فترة دراسته الجامعية، عمل مذيعاً في احدى المحطات الاذاعية
المكسيكية عام 1984 وخاصة في محطة «دبليو. اف. ام» التي اصبحت لاحقا اهم
محطة اذاعية مسموعة بسبب تقديمها برامج المنوعات، واغاني الروك على وجه
الخصوص، وخلال الفترة من «1987 - 1989» الف اليخاندرو العديد من المعزوفات
الموسيقية وايضا صاغ الموسيقى التصويرية لستة افلام مكسيكية من بينها فيلم
«حرب النمر - 1989».
بعدها سافر الى الولايات المتحدة والى لوس انجلوس حيث درس الاخراج
والتمثيل تحت ادارة جوديث ديستون، وفي مطلع التسعينيات اسس شركته التي حملت
عنوان «زد» التي تعيد اليوم الشركة الاقوى في الانتاج السينمائي في
المكسيك، ويشاركه في «زد» الكاتب راؤول اوليفيرا.
تتعدد ابداعات اليخاندرو بين الانتاج والكتابة والاخراج، ففي عام 1990
قدم للتلفزيون المكسيكي فيلمه الروائي القصير «وراء المال» بطولة المطرب
ميغائيل بوسيه.
بعدها بثلاثة اعوام، التقى المبدع جيجالمو ارياغا، وهو احد العباقرة
في فن كتابة السيناريو وقد تكلل ذلك اللقاء والتعاون عن ثلاث قصص شكلت
فضاءات عمله الروائي الاول الطويل «اموريس بيروس» عام 2000، بطولة يائيل
غارسيا بيرنال، وقد حصل الفيلم على ترشيحه لجائزة اوسكار افضل فيلم اجنبي
وهكذا مع جوائز يافتا «جوائز السينما البريطانية» كما حقق الفيلم ستين
جائزة في عدد مهم من المهرجانات من بينها جائزة اسبوع النقاد في مهرجان كان
السينمائي.
في ذات الفترة من خلال شركته حقق اليخاندرو خمسة افلام قصيرة وتعاون
في تحقيق عمل سينمائي تناول موضوع «11 سبتمبر» مع عدد بارز من المخرجين من
بينهم الفرنسي كلود ليلوش والياباني شوهي ايمامورا وكين لوش ميراناير واموس
غيتاتي وشون بين.
اشتغاله في المكسيك، لم يجعله يبتعد عن التفكير في هوليوود، بالذات
بعد نجاح فيلمه «اموريس بيروس» وجاء الفيلم الروائي الثاني الذي حمل عنوان
«21 غراما» الذي كتبه ايضا ارياغا وقام ببطولته بيتشو دل تورو ولغومي واتس
وشون بين، وعنه فاز شون بجائزة فولبي لافضل ممثل في مهرجان فينسيا
السينمائي الدولي، كما ترشح عن الفيلم كل من دل تورو ونعولي لاوسكار افضل
ممثل وممثلة.
وتأتي التجربة الاهم، او القفزة البعيدة في فضاء النجومية والشهرة
والتألق، حيث فيلم «بابل» تلك التحفة السينمائية التي تتمحور حول اربع
حكايات تدور احداثها بين المغرب والمكسيك والولايات المتحدة واليابان وهنا
تتأكد استفادة اليخاندوا من تلك الرحلات التي قام بها في صباه الى تلك
الانحاء.
الفيلم من بطولة، براد بيت وكيت بلانشيت، ويتحدث عن حكاية زوج وزوجته
«اميركان» يقومان برحلة الى المغرب وتتعرض الزوجة لرصاصة، يطلقها صبي يلهو
من بندقية لياباني كان قد زار المغرب، وفي الحين ذاته تجري احداث متداخلة
لاطفال الزوجين حينما ترافقهما الخادمة المكسيكية الى بلادهما وتتورط معها
في احداث يتسبب بها ابنها، كم من الحكايات وتماس ثقافات متعددة، في «بابل»
التحفة والقصيدة السينمائية الثرية والابعاد والمضامين والاكتشاف الحقيقي
لاهمية الحوار بين الثقافات.
عن تلك التحفة فاز انرييتو بجائزة افضل مخرج في مهرجان كان السينمائي
عام 2009.
كما حقق سبعة ترشيحات للاوسكار عام 2006 وخاصة في الدورة «79»
للاوسكار من بينها افضل فيلم ومخرج، وفاز باوسكار افضل فيلم وايضا الغولدن
غلوب «كأفضل فيلم» ومعه فاز الموسيقار غوستافو سانتولالا بأوسكار افضل
موسيقى تصويرية.
وفي العام ذاته، حصل الانفصال والطلاق في التعاون بين انرييتو وارياغا،
الذي لطالما تعاون معه، ليؤسس ارياغا شركته الخاصة بالانتاج.. وحول ذلك
الانفصال تناقلت الكثير من الاحاديث والحكايات، ولكن يظل لكل منها مكانته
وقيمته ورؤيته الابداعية.
وفي عام 2007 قدم انرييتو مشاركته في الاحتفال بالذكرى الستين لتأسيس
مهرجان كان السينمائي من خلال فيلم بعنوان «انا» وقد حملت تلك المشاركة
عنوانا محوريا بعنوان «كل له سينما» وشارك بها رومان بولانسكي وعباس
كياروستامي ويتثوانجلو بولس الصيني «زنغ يميو» وغيرهم.
وفي عام 2008 قدم فيلمه الجديد رودو كروسي عبارة عن كوميديا سينمائية
وقام ببطولتها يائيل غارسيا بيرنال ودييغو لونا.
كما ذهب انرييتو الى الاعلانات التجارية، ليقدم فيلما اعلانيا لشركة
«نايك» بمناسبة كأس العالم لكرة القدم عام 2010 وشارك به عدد من نجوم كرة
القدم ومنهم ديديه دروغبا وواين روني وفرانك ريبري وكريستانو رونالدو
وانيستا وفابرياس.
ثم تأتي النقلة الثانية الاهم في مسيرة هذا المخرج المقتدر، حيث فيلم
«بيوتيفول» مع النجم الاسباني القدير خافيير باراديم، وعرض في عام 2010 في
مهرجان كان السينمائي، وفاز عنه باراديم بجائزة افضل ممثل في مهرجان كان
السينمائي مناصفة مع الايطالي الشاب اليوجيرمانو عن فيلم «حياتنا الخاصة»
وهذا الفيلم الذي تجري احداثه في الضواحي الفقيرة لمدينة برشلونة ويتحدث عن
علاقة تاجر مع عدد من المهاجرين غير القانونيين، يمثل فيلمه الروائي الثاني
باللغة الاسبانية وقد مثل المكسيك في الترشحات للاوسكار كأفضل فيلم اجنبي
كما ترشح للغولدن غلوب، وفاز بجائزة البافتا وايضا فاز عنه خافيير بجائزة
أفضل ممثل.
مخرج يذهب الى قضايا الانسان مع تحليل وتفصيل للقضايا الاجتماعية
والانسانية، والمزيج الثقافي والاثني الذي يحيط به، وكأنه يحول السينما الى
مرآة تعكس الظروف الانسانية المعاشة.
مخرج رغم قلة اعماله، الا ان اي من اعماله يظل مثيرا للجدل مقرونا
بالدهشة للحرفية العالية في ادارة كبار النجوم وباقتدار عال.
هكذا هو اليخاندرو جونزاليس انرييتو.. الذي تحترمه هوليوود والعالم.
النهار الكويتية في
02/08/2012 |