عبر تاريخه لا يميل عادل إمام إلى عمل فني جاد مهما كانت قيمته.. بدون
ضحك.. لان الكوميديا هي كلمة السر بينه وبين الجمهور.. صحيح انه فعلها في
عدة أعمال منها أمهات في المنفى، الإنس والجن، الحريف.. حتى لا يطير
الدخان، وكلها في مراحل توهج النجومية واثبات الذات والإفلات من سجن
الكوميديا الذي ينظر إليه البعض كمادة للتسلية فقط.. وهو ما سعى عادل
لتغييره بكل ما يملك ونجح إلى حد كبير فيه دون سواه، تريد أن تتأكد تعال
معنا إلى قاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة القاهرة في احتفالاتها بمرور 100
عام على إنشائها.
كان الموضوع بعنوان «رسالة الفن» واختارت الجامعة عادل إمام دون سواه لكي
يتكلم امام حشد هائل من الطلاب والطالبات ظلوا يصفقون لدقائق حتى دمعت
عيناه واستعرض شريط عمره كله وقت أن كان طالبا مثلهم.
الكلام الذي باح به أمام الآلاف في شتاء 2008 هو نفسه الذي جرى بيننا
لساعات طوال في بغداد 2001 وكأنها نقوش فرعونية عتيقة على جدران القلب
والعقل.. لا تتغير مهما جرى عليها الزمن وعدت عليها الأيام.
العودة إلى الجذور
هل الضحك وخفة الظل أمور يمكن أن يتوارثها الأبناء عن الإباء والأجداد؟!
سؤال تعرض له مئات المرات ومع ذلك لا يمل من الإجابة عليه ونستطيع أن نحفظه
عن ظهر قلب.. كأنه «مانفيستو» الموهبة..
يعترف بأنه تأثر بوالده الرجل البسيط الذي كان ينتظر بفارغ الصبر ان يتخرج
من الجامعة التي عاد إليها بعد أكثر من أربعين سنة نجما ساطعا ساعتها تمنى
أن يكون والده معه على قيد الحياة ليشهد كيف أصبح ولده من مجرد حامل
لبكالوريوس الزراعة إلى رمز يؤرخ به لتاريخ البلاد وتفتح له أبواب السلاطين
والملوك ورجال العلم.
الأب كان يرفض فكرة التمثيل.. حتى ذهب إلى مصلحة حكومية وهناك سأل الموظف:
هل أنت يا حاج والد الفنان عادل إمام!! ساعتها أدرك مقولة ابنه: بلد
شهادات.. ما أكثرها وما أسهلها لكن النجاح له رجاله في زمن «لا يكيل فيه
العلم بالباذنجان».
خفة الدم موجودة: عند الوالد.. بفطرة الإنسان المصري لكن «الجد».. «بقال»
قرية «شها» بالمنصورة كبرى محافظات الوجه البحري.. كان هو «النبع»، على باب
الدكان يلتف أهل القرية ليس بغرض البيع والشراء من البقال لكن لجلسات السمر
والأنس والنوادر التي يفيض بها جراب عم أمام.
في القرية أتت إمام؟؟ الفطرة وخضرة الحياة.. وفي حي الحلمية الشعبي الذي
رصده أسامة أنور عكاشة في رائعته التلفزيونية.. أنت في زحام وغليان ولابد
أن تضع لنفسك خريطة وتحدد هدفك قبل أن تضيع.. إذا كنت ظريفا فهناك في
الحي.. ظرفاء لا تستطيع منافساتهم.. وإذا كنت ذكيا هناك من هو اذكى.. وإذا
كنت قد اخترت أن يكون الضحك تجارتك فاحذر لأنك مع المصريين ستكتشف انك تبيع
الماء في حارة السقايين فهل أنت مستعد لهذا الرهان؟!
قد لا يعجبك مشهد من فيلم.. أو لا يرضيك العمل الفني كله.. هذا حقك لا جدال
فيه.. وهناك بعض الفنانين اعترفوا علنا بأن أفلامهم الجريئة يقاطعها
أخوانهم وبعض أقاربهم لما فيها، قالوا هذا بألسنتهم ونحمد لهم صراحتهم ولكن
نفس الفنان قد نجده في مسرحية هادفة أو مسلسل ديني محترم.. ونقبله.. تحت
بند أن التمثيل يقوم على تقمص الأدوار كلها وعلى اختلاف تنوعها.
لذلك رأيت الحكم الصادر ضد الفنان عادل إمام فيه الكثير من الظلم لأنه على
المستوى الديني يعني احتقاره لإسلامه وبلوغه حد الكفر والعياذ بالله..
والحكم أيضا يخلط بين وجهة نظر في عمل فني قد نعارضه ونرفضه وبين الشخص
نفسه.. والبحث في جذور وأصول التربية يساعدك في فهم السلوك ومن كرم الله
سبحانه وتعالى لأهل الإسلام تلك الرحمة الشاملة والعدل والغفران الواسع وقد
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: «إن الله تعالى اختار لكم
الإسلام دينا فأكرموه بحسن الخلق والسخاء فانه لا يكمل الا بهما».
ولأنني اقتربت من عادل إمام على المستوى الإنساني اشهد له بحسن الخلق والا
ما فاز بهذا الكم الرهيب من محبة الناس.. فهو يعتز بذاته ويعيش حياته بشكل
متواضع.. وله مواقفه الكريمة مع العديد من زملاء المهنة اصابتهم المحن
وضاقت عليهم سبل العيش والعلاج حتى هؤلاء الذي لا تشملهم دائرته المقربة..
ومنهم من لم تجمعه بهم علاقة جيدة.. لكنه يطل عليهم في الشدة ويعرض
المساعدة بقلب صادق.
وفي الفن لا تتم إعادة تقديم الحياة كما هي لكننا نحاكيها ونقدم الشر لكى
نتمسك بالخير أكثر.. ونرى البغضاء لكي نعرف قيمة المحبة.. ونستشعر القبح
لكي نزداد قرباً من الجمال.
وفي تاريخ عادل الفن ما يمكن لك أن ترفضه وأنت محق.. وفيه بالتأكيد ما
تتحمس له وأنت أيضا على حق وفي الدين ما يمنحك ثوابا وأجرا لأنك.. ابتسمت
في وجه أخيك أو فرجت عنه كربة فما بالك بأحد صناع الابتسامة.. وعليك أن
تفرق بين نقد سلوك بعض المسلمين وبين الهجوم على الإسلام نفسه وتلك هي
المعضلة وعلينا ألا نشهر الدين لأننا أوصياء عليهم وأفضل منهم.. فإن حسابنا
جميعا عند ربنا فرادى ولكل إنسان طائر في عنقه.. وخطورة استخدام الدين في
الكبيرة والصغيرة يحول المسألة إلى سيف في إسلام الحكمة والموعظة الحسنة..
والأولى بكل واحد منا أن يفتش عن عيوبه قبل أن يرمي غيره بها.. والله وحده
اعلم بالنوايا وما تخفي الصدور.
فبعض الأمر نصلحه ببعض
فإن الغث يحمله السمين
ولا تعجل بظنك قبل خبر
فعند الخبر تنقطع الظنون
فيلم للعلم
إحنا بتوع الأتوبيس
إخراج: حسن كمال.
قصة: جلال جميحى.
سيناريو وحوار: فاروق صبري.
مونتاج: رشيدة عبدالسلام.
موسيقي تصويرية: بليغ حمدي.
تاريخ العرض: 23 أكتوبر 1976 بسينما ديانا.
بطولة: عبدالمنعم مدبولي/ سعيد عبدالغني/ جمال إسماعيل/ مشيرة/ عقيلة راتب/
يونس شلبي/ إسعاد يونس/ وجدي العربي.
القصــــــــة
تدور أحداث الفيلم قبل نكسة 1967 حيث تقع مشاجرة بين اثنين من الركاب هما
جابر ومرزوق مع محصل الأتوبيس ويتم الذهاب إلى قسم الشرطة واحتجازهما مع
مجموعة من المعتقلين السياسيين بتهمة توزيع منشورات تزعم إنهما من
السياسيين ويتمرد (مدبولي) بسبب المعاملة غير الآدمية للمعتقلين.. ويقوم
الضابط رمزي مدير السجن بإطلاق النار عليهم.
«حكاية مشهد»
حضرة الضابط خليفة خلف الله
أنا الأستاذ خليفة خلف الله.. خلف خلاف المحامي.. اسم يتذكره الملايين في
مسرحية «شاهد ما شافش حاجة» خلال المشهد الخالد في قاعة المحكمة الذي كان
يجمع نظيم شعراوي رئيس المحكمة مع اثنين من كبار الكومبارس.. والفنان سعيد
طرابيك الذي لعب دور وكيل النيابة ثم حاجب المحكمة «برعي».
والأستاذ خليفة خلف الله هو الفنان القدير بدر نوفل والذي رشحه للدور
المخرج حسين كمال رغم أن المسرحية ليست من إخراجه ولكنه كان قريبا من فرقة
المتحدين.
والمشهد في مجمله يحفظه الجمهور.. وقد كان عادل كعادته يتجه إلى عضوي
اليمين واليسار في المحكمة وكان يقول «أحب افرفشهم» حتى لا يناموا لان
المشهد طويل ويتم عرضه في ساعة متأخرة.
وكان هذا الدور فاتحة خير على «بدر نوفل» الذي لعب بعد ذلك دور الجرسون خال
«الواد سيد الشغال» وسمحت له المسرحية أن يسافر مع الفرقة إلى العديد من
عواصم العالم وكانت زوجته ترافقه وهي أكثر من يتمتع بالبلدان التي يسافرون
إليها.
وقال الأستاذ بدر الدين نوفل في أحاديث صحافية قبل رحيله انه كان يتعامل مع
عادل أمام مثل ابنه تماما.. وبدر لحق بالعمالقة وعمل مع إسماعيل ياسين
وأمين الهنيدي وفايز حلاوة.
والذي لا يعرفه الجمهور أن بدر هو أصلا ضابط شرطة تخصص في عمل التنكر
للضباط في حملاتهم.. حتى انه تنكر وغير شكله وقدم عرضا مسرحيا ضاحكاً أمام
الملك فاروق والملك عبدالله ملك الأردن حيث لم يكن مسموحا له وهو ضمن طاقم
الحراسة كضابط أن يفعل ذلك.
وكانت الفقرة التي قدمها تعتمد على تقليد الفنانين في هذا العصر ولما
اكتشفوا أمره سمحوا له بالدراسة في معهد الفنون المسرحية وهو زميل سناء
جميل وبرلنتي عبدالحميد ومحمد رضا وزهرة العلا وبعد التخرج انضم إلى فرقة
المسرح الحر وكان أبطالها عبدالمنعم مدبولي وزكريا سليمان ومحمد رضا وقدموا
ثلاثية نجيب محفوظ وفي مسرحية بين القصرين كان يقتضي دوره أن يدخل المسرح
وهو سكران يرقص ويغني وكان جمال عبدالناصر يحضر العرض وبلغهم أن من يؤدي
هذا العرض هو ضابط شرطة فاستنكروا ذلك وأوقفوا ترقيته لمدة 8 سنوات عقابا
لأنه فعلها أمام رئيس الجمهورية الذي قبل التماسه بعد ذلك وأمر بترقيته.
النهار الكويتية في
26/07/2012 |