أكثر ما يسعد الفنان أن يتحول في مصر إلى طبق فول مدمس بالزيت الحار
والشطة، وإلى طبق كشري، ورغيف ساخن خارج لتوه من الفرن وقد أحمر وجهه، وصار
مقرمشاً بعض الشيء، فهذا معناه أنه ضرورة ولزمة أساسية من لوازم الحياة لا
يمكن الاستغناء عنها, هذه إجابة عادل التي لم يقلها لي ولكني أرصدها
وأقرأها جيداً في تصرفاته، وسلوكه وعينيه ومشواره الحافل.
ورغم وجهات النظر التي أعلنها عادل في أفلامه ضد المتشددين، والمتطرفين
ووجدت بعض النقاد من الإسلاميين العاديين, لكن الداعية عمرو خالد يؤكد بصوت
عال أنه يتابع أفلام ومسرحيات عادل إمام ويضحك معه من قلبه، ولا يحرم
المسرح والسينما، والفنون عامة مثل غيره, خاصة أنها وسيلة مهمة للترفيه،
والثقافة والوعي ولهذا ما زلت أذكر ذلك الحديث المهم الذي أجرته مندوبة
شبكة الـCNN
العربية في دبي مع عادل أثناء تكريمه في مهرجانها السينمائي، وقالت «هيام
حمدي» في مقدمة الحوار إنه سفير النوايا الحسنة الذي يجد مقر سفارته في
قلوب محبيه.
المدهش في الأمر أن الفنان الذي ذهب إلى دبي احتفالاً بتكريمه لم يشغله هذا
الأمر عن المهمة الإنسانية المكلف بها, وفي كل زيارة إلى عاصمة من العواصم
يطلب أن يتضمن برنامج الزيارة الذهاب إلى مكتب مفوضية اللاجئين بها مهما
كان الوقت مزدحماً، وفي دبي شارك في حفل خيري مع النجم الأميركي «مورجان
فريمان» والسير بوب جيلدوف وسنويب وسلكر بهدف جمع التبرعات لمؤسسة نيسلون
مانديلا للفقراء في إفريقيا.
وكنت قد سألت عادل أكثر من مرة عن مهمته كسفير وهل اللاجئ المشرد الذي لا
يجد المأوي ولا الطعام الضروري كي يعيش، عنده من الوقت والإمكانيات ما
يجعله يتابع نجوم الفن العرب والأجانب ويتابعهم وحتى إذا افترضنا هذا هل
هذا الجائع سيشبع إذا رأى أمامه أنجلينا جولي، وسوف يرتوي عطشه إذا ما وجد
أمامه «رونالدو» مثلاً, وكانت إجابته في كل مرة هادفة وبنفس عدد الكلمات
والأحرف تقريباً: هناك مشاكل ضخمة في إفريقيا والعالم كله، ومهمة النجم
الذي تحيط به الأضواء أن يستثمر هذا في تسليط الضوء على المشكلة ثم البحث
عن حلول لها، نعم هناك من يذهب لكي يأخذ هو الأضواء لنفسه وليس لأصحاب
المشكلة، ثم إنها ليست وظيفة نتقاضى عنها أجراً, وما الذي يغريني أن أذهب
بقدمي إلى حيث تتفشى الأوبئة والأمراض المعدية ألم يكن بإمكاني الكلام من
بعيد لبعيد، ثم إن رحلات وحفلات النجوم تجمع التبرعات لأن ميزانية المفوضية
السامية لشؤون اللاجئين حوالي مليار دولار وعدد اللاجئين يزيد على 400
مليون فإذا قلنا إن الواحد منهم يلزمه 4 دولارات يومياً للأمور الأساسية في
حياته، أحسبها أنت نحتاج كم!! ولم أحسبها.. لأن الرقم بالفعل أضخم من أن
يتم حسابه ويحتاج إلى جهد خرافي لجمعه من أجل هؤلاء، وأظن أنني بعد ذلك لن
أسأل «عادل» هذا السؤال مرة أخرى.
رد طبيعي
وعندما سألته مندوبة
CNN ماذا سيفعل لو وجد نفسه أمام إرهابي حقيقي وهو الذي قاتل الإرهابيين
وانتصر عليهم في أفلامه, قال بكل بساطة: سأهرب طبعاً وسأضع ذيل جلبابي في
فمي وأجري.
وكان السؤال التالي طريفاً وجديداً بلا شك: هل يمكن للإرهابي أن يضحك؟!,
وكانت الإجابة من عادل مصحوبة بتكشيرة نادراً ما تراها مرسومة على وجهه
قائلا: لا طبعاً, الإرهابي القاتل لا يمكن أن يعرف الضحك، لأن الضحك
أحياناً رحمة، تصور لو أنك في موقف غاية الانفعال والتوتر وربما تصاب بأزمة
قلبية إذا ارتفعت معدلات توترك فهناك الآن مستشفيات جديدة في العالم
لمعالجة المرضى عن طريق الضحك، أي الدكتور من الممكن أن يكتب في روشتة
علاجك مشاهدة: فيلم «مرجان أحمد مرجان» قبل الأكل وبعده, مع العلم بأن هناك
نظرية تؤكد بأن الإنسان عندما يضحك تفرز دماغه مادة تساعد على التسامح».
ويعترف عادل بإنه من الصعب أن ينجح في إضحاك إرهابي، ومع ذلك يوصي بالحوار
مع الإرهابيين لأنه مقتنع جداً بأن الإرهاب ثقافة وظلم وفقر وتخلف، وكيان
في المنطقة اسمه إسرائيل ورغم كل ما يقوله في السياسة فإنه يكره العمل
السياسي مباشرة لأنه يشعر بأن طريقه إلى قلوب الناس تحقق بالفن وحده وأساسه
المتعة والتسلية وكذلك الفكر.
وتسأله هيام: هل يمكن أن تتحقق الديموقراطية بالقوة؟
ويرد بسخرية وبشكل سريع: إنها ديكتاتورية بالذوق!!
وفي حديثه مع المحطة الأميركية يقول بكل ثقة: الحلم العربي لايزال قائماً
وأراه أمامي في كل عاصمة عربية أزورها, ومن حفاوة الناس بي هذا على المستوى
الشخصي، وعلى المستوى العام ثورة الاتصالات والفضائيات ساهمت إلى حد كبير
في التواصل العربي بمنتهي السهولة، ولذلك لا أخاف على الشباب العربي من
الانقسام بالعكس أراهم أقرب إلى بعضهم البعض، وأنا انظر إلى أحفادي بكل
ثقة، وأتمنى أن يعم السلام في العالم كله، وأن تدرك البشرية كلها أنها من
آدم وحواء ومن تراب وإلى تراب.
وأضحك قائلاً: الله الله يا مولانا!، فيقول: طيب تعالى نحسبها!
وحسبناها سوياً, ماذا يقول الداعية على منبر الخطابة في مجمل ما يقول، إن
الخير هو أساس الكون بالحق والعدل والجمال، وهي نفسها أهداف الفن لكن
الوسيلة تختلف، والأخطر أن الفن أكثر جاذبية من المواعظ، ولذلك عندما يكون
الواعظ مستنيراً وعلى صلة وثيقة بالحياة وما يجري فيها يحقق شعبية جارفة،
وأعود معه إلى الوراء لسنوات مع الشيخ عبد الحميد كشك وأنا شخصياً عاصرت
صعوده وشهرته عن قرب في منطقة حدائق القبة بالقاهرة، حيث بدأ في مسجد صغير،
وكانت السيدات يجلسن في الشارع أمام المسجد للاستماع إلى خطبته التي كانت
دائماً بعد صلاة المغرب وإلى العشاء وربما إلى بعده ليلة الخميس وربما
اختار ذلك لكي ينافس أم كلثوم في عز مجدها وفي حفلاتها الشهرية المعتادة
أول خميس من كل شهر.
الشيخ كشك أولاً كان خفيف الظل جداً ومن النكات المشهورة عنه: أن رجلاً
استضاف صديقه وعلى المائدة تواجدت الملوخية والناس تعرفها بالخضراء، وعلى
المائدة أيضاً ديك رومي ولاحظ الرجل أن الضيف يود أن يلتهم الديك وحده فأخذ
يدعوه إلى «خضرة الشريفة» أي الملوخية ولكنه بذكاء طلب منه أن يتركه مع
«عديم الشرف» وأشار إلى الديك!!
وكان كشك يجذب المصلين من جميع الأعمار بأسلوبه المميز الذي استمده من
الإذاعة والتلفزيون وأساليب الصحافة فقد كان يتناول ما تنشره الجرائد
الإنكليزية والأميركية والفرنسية الشهيرة وهو الكفيف, فيقول نشرت النيوزويك
هذا الأسبوع تقريراً يقول كذا وكثيراً ما كان يتوغل في الفن وينتقد أم
كلثوم، المرأة العجوز التي تقول: خدني لحنانك خدني, ويسخر من عبد الحليم
الذي كان يتباهي بأنه يمسك الهواء.
سؤال الساعة
عندما أمسك الإخوان بزمام السلطة البرلمانية وجاءت بهم الانتخابات بأغلبية
خرجت جموع الفنانين تعلن تخوفها من أن يتم تسليط سيف الرقابة على الفنانين
في أعمالهم بشكل أو بآخر، والغريب في الأمر أن معظم من أعلنوا تخوفهم هذا
هم من نطلق عليهم أصحاب الأدوار المتحررة وقد تخصصوا فيها دون غيرها مع أن
التمثيل معناه التقمص والدخول من شخصية إلى أخرى، أما الاستسلام لنوعية ما
فهو يحول الفنان إلى آلة ميكانيكية وهو ما يصيب المتفرج بالملل، بل إن بعض
هؤلاء هدد بأنه سيترك البلاد إذا ما وصل الإخوان إلى الحكم، ولما فازوا
بغرفتي البرلمان الشعب والشورى لا هؤلاء حملوا حقائبهم ورحلوا، ولا الإخوان
فعلوا ما كانوا يفعلونه من قبل أيام مبارك وهم قلة ومحظورة.
والأعجب من هذا أن الوحيد الذي لم يتكلم أو يتخوف هو عادل إمام مع أن
الإخوان هاجموه من قبل بشدة ولما سألته عن ذلك قال لي ضاحكاً: لأني أراهن
على الاعتدال وهو السمة المميزة لشعب مصر عموماً, وقد يكون الإخوان عندهم
وجهة نظر من الفن، لكن إلغاء الفن أو شطبه هذه مسألة بعيدة، وفي ظل
التعددية لا يمكن أن نعود إلى الخلف على هذا النحو وعلينا أن نفرق بين
أسلوب عمل الإخوان تحت القهر والحراسة وهم جماعة محظورة, تتحرك سراً ثم بعد
الثورة وقد اختلف الحال وتصدروا المشهد السياسي ثم إنني أعرف جيداً أن
جمهوري فيه الإخوان والمنتقبة وكنت أجدهم في مسرحي وفي أفلامي ثم إن حق
النقد متاح، وما يعجب متفرج قد يرفضه آخر، والمسألة نسبية، وفى يوم قد يجد
الفنان أن الجمهور انصرف عن أعماله، وبالتالي إما أن يغير من أسلوبه
احتراماً لهذا الجمهور أو يضحي بنجاحه، وبصرف النظر عن علاقة النسب التي
تربطني بالإخوان من خلال زوج ابنتي سارة وعائلته، فإنني لا أخشى على الفن
في المستقبل مع أي تيار وعندي أسبابي!
فيلم للعلم
الغول
إخراج: سمير سيف
قصة وسيناريو وحوار: وحيد حامد عن المسلسل الإذاعي قانون ساسكونيا
تصوير: سمير فرج
مناظر: ماهر عبد النور
مونتاج: سلوى بكير
موسيقى: هاني شنودة
صوت: جميل عزيز
تاريخ العرض: 16 يونيو 1983
بطولة: نيللي، فريد شوقي، صلاح السعدني، حاتم ذو الفقار، أسامة عباس، شريفة
زيتون، عبد السلام محمد، نادية عزت
القصة
عادل مصطفى صحافي مطلق وأعزب وأثناء سهرة في البار، يشاهد نشأت الكاشف ابن
رجل الأعمال الشهير فهمي الكاشف، وهو يقتل عامل البار ويصيب الراقصة نادية،
وينجح عادل في الوصول إليها وتقديم نشأت للمحكمة لكن والده يسعى جاهداً
لإنقاذ ولده من حبل المشنقة، ويقع عادل في غرام مشيرة ابنه فهمي من زوجته
الأولى وتحكم المحكمة ببراءة نشأت لكن عادل يظل بالمرصاد وقد أثارت نهاية
الفيلم جدلاً كبيراً عندما حاول البطل أن يأخذ حقه بيده.
حكاية مشهد
الأسطى النجار يحلم «بالكراكون»
كان أحد النجارين يعمل عندي في بيتي وأمامه التلفزيون يعرض فيلم «كراكون في
الشارع» ولاحظت اهتمامه غير العادي بمشهد العربة التي صممها المهندس شريف
(عادل إمام) بطل الفيلم.. وتحولت إلى بيت متنقل وسألته: إيه الحكاية يا
أسطى؟
فقال: يا أستاذ بافكر في هذا التصرف وأنا كرجل نجار أراه حلا يمكن أن يساهم
فعلا في حل مشكلة الإسكان قلت له: ولكنه يحتاج إلى ارض خلاء ويصلح أكثر
للمحافظات البعيدة أو ذات الكثافة السكانية البسيطة.
ويضيف النجار وقد أنهى عمله وتركني أفكر في كلماته وكيف نجح عادل أمام
والمؤلف احمد الخطيب وزميله بسيوني عثمان والمخرج احمد يحيى نجحوا في تقديم
كوميديا فيها هذا الاقتراح العملي.. وتذكرت كيف كانت احد الشركات فيما مضى
تبيع المساكن الخشبية الجاهزة وبمبلغ بسيط.. ويمكن نقل هذا البيت بسهولة من
مكان إلى أخر.
في هذا الفيلم يأتي الضحك ممزوجا بدعم الاقتراح الجيد الذي طرحه وكان بعض
المهندسين قد أعلنه في برنامج تلفزيوني.
ومن ابرز مشاهد الفيلم الكرفان الذي يجره الحمار وقد استقر به المقام في
منطقة وقامت أسرة المهندس شريف لتجد نفسها على النيل في أرقى الأماكن
بالقاهرة والفضل في ذلك للحمارّ.
المخرج أحمد يحيى يحكي كيف مر تصوير هذه المشاهد في وسط العاصمة بإخفاء
الكاميرا في أماكن متفرقة وفوق أسطح بعض العمارات.. وهي أمور تعودنا عليها
في السينما التي يكون تركيزها في المقام الاول على التصوير الخارجي وقد
تأخذ لقطة من المشهد في ميدان التحرير وأخرى في الإسكندرية ولا يشعر
المتفرج بالاختلاف باستخدام المونتاج والمخرج السينمائي يحب هذه المشاهد
بعكس مخرج الفيديو الذي يميل إلى التصوير داخل الاستديوهات لضمان مستوى جيد
من الصوت والصورة.. وهذا هو الفارق بين مخرج وأخر ولكننا في السينما نلجأ
لأسباب إجبارية إلى البلاتوه والديكور إذا لم يتيسر لنا التصوير في الأماكن
الحقيقية مثل مشاهد المقابر صممنا الديكور ولأنه مصنوع بشكل جيد بفضل قدرات
ماهر عبدالنور والناس قد يعجبها الديكور ولكن لا نلاحظه ولا نشعر بوجوده
وكأننا نصور في أماكن طبيعية وهذا هو النجاح والحقيقة أن فيلم كراكون
اكتملت فيه عناصر التميز من التصوير عصام فريد والموسيقي عمار الشريعي
والمونتاج عنايات السايس وكنا نتمنى أن يأخذ المسؤولون اقتراحات الفيلم
بعين الاعتبار.
النهار الكويتية في
15/08/2012 |