أكثر من مرة يفكر في دخول كل بيت بمسلسل تلفزيوني يتقابل من خلاله مع
الأسرة كل ليلة وربما أكثر من مرة، لأن الأعمال حالياً تعاد وتعاد كانت
مبررات عادل وهو في ذروة نجاحه السينمائي، إن المتفرج عندما يرتدي ملابسه
وينزل من بيته لكي يقطع تذكرة السينما حباً في نجمه المفضل وثقة فيما يمكن
أن يقدمه إليه من أعمال فهذا هو النجاح الذي يجعل نجم السينما يفكر في
المغامرة قبل الظهور التلفزيوني، حيث يحدث العكس، لأن الفنان هو الذي يذهب
إلى البيوت وربما داخل غرف النوم ومجاناً.
وتكرار التواجد على الشاشة الصغيرة يبدد الشوق ويحرق النجم، ولأن الإقبال
جيد والإيرادات عالية «أبعد عن المسلسل وغني له»، لكن إذا تأزمت السينما
وفرضت الظروف ألا تغيب أكثر مما ينبغي عن جمهورك فلا بأس من عمل تلفزيوني
يضاف إلى رصيد قليل وشحيح من المسلسلات والمسرحيات التي وصل عرض بعضها إلى
10 سنوات وأكثر.
والسؤال لماذا قرر الزعيم العودة أخيراً في سنة 2012 بمسلسل «فرقة ناجي عطا
الله»؟، هل تراجعت إيرادات أفلامه السينمائية؟، وهل انصرف عنه جمهوره؟،
الإجابة لا شيء من هذا نهائياً والحكاية وما فيها أن «فرقة عطا الله» كانت
مشروعاً لفيلم يكتبه يوسف معاطي ونظراً لكثرة الأحداث وجدوا أن السيناريو
الذي كتبه سوف يحتاج إلى أكثر من 3 ساعات لعرضه سينمائياً لذلك تحمسوا
للاقتراح بأن يتحول الفيلم إلى مسلسل وبدأ معاطي يعيد كتابته على هذا النحو
أضاف شخصيات وكتب على راحته، لأنه في الفيلم كان يختصر وفي المسلسل مطلوب
منه أن يحكي ولا يتوقف عن الحكي لمدة 22 ساعة لكي يجد المتفرج أنه أمام 30
حلقة تلفزيونية.
وعلم المنتجون أن عادل يطرق أبواب التلفزيون فأقبلوا عليه وحتى لا يقال إنه
أفلس سينمائياً طلب رقماً غير مسبوق في تاريخ الدراما التلفزيونية والمسألة
عرض وطلب وبلغ الأجر مليون جنيه عن الحلقة الواحدة ونحن هنا نتكلم عن 170
ألف دولار قد تنقص قليلاً.
سألت منتج العمل صفوت غطاس عن حقيقة هذه الأرقام وكانت بجواره سميرة أحمد
وكنا في دمشق خلال مهرجان السينما فضحك قائلاً: وماذا تنتظر أن نعطي لعادل
إمام وهناك من النجوم من بلغ أجره 10 ملايين، والمنتج مهما تحدث فإنه يحتفظ
لنفسه بالأرقام الحقيقية، لا يفصح عنها بسهولة حتى لأقرب المقربين لأنها قد
تفسد الاتفاق مع شركات الإنتاج الأخرى والمحطات التي تريد شراء العمل.
وقال غطاس إن ميزانية العمل قد تصل إلى 10 ملايين دولار، ولكنه يعرف كيف
يستردها لأنه لا يشرع في الاتفاق إلا بعد الاتصال بالمحطات وعادل إمام
بالنسبة لهم هو فاكهة محرمة بعيدة المنال وفي رمضان ستكون كعكة الإعلانات
الأكبر من نصيبه رغم شدة المنافسة مع كبار النجوم: محمود حميدة ومحمود
عبدالعزيز ونور الشريف ويحيى الفخراني إلى جانب الشباب الذين يظهرون
تلفزيونياً هذا العام مثل كريم عبد العزيز وأحمد السقا.
وكان مقرراً أن يعرض ناجي عطا الله في العام الماضي ولكن الثورة كانت في
ذروتها والظروف الاقتصادية والسياسية تجعل من الإنتاج مغامرة ضخمة غير
مأمونة بالإضافة إلى أنه محسوب على نظام مبارك ورحب في حديث تلفزيوني
بالتوريث وقال عادل في جلسات خاصة أو عامة: أرجوكم ارجعوا إلى أفلامي
وانظروا كيف كنت أهاجم النظام والاستبداد بطريقتي الخاصة وعندما ذكرت اسم
جمال مبارك كنت أتكلم وفقاً للظروف التي كانت متاحة في هذا الوقت، ومرة
أخرى أنا فنان أفلامي أمامكم أما تصريحاتي فقد تخطئ وتصيب مثل غيري وقد يتم
تحريفها في الجرائد والمجلات.
مسلسل قديم
عندما ذكرت أمامه اسم «حسن أرابيسك» أدرك على الفور مغزى السؤال، وقال: أحب
أسامة أنور عكاشة كمؤلف تلفزيوني كبير وفي حوار معه فاتحني بأمر مشروعه في
مسلسل «أرابيسك» وهو عمل جاد يتناول هوية مصرية، وليس عيباً أن نختلف في
وجهات النظر حول عمل فني ورصيدي التلفزيوني القليل يجعلني أفكر في الدخول
إلى البيوت بمسلسل كبير ولا مانع عندي مع تعدد الفضائيات واهتمام الناس
بالمسلسلات، ولكني متواجد بأفلامي ومسرحياتي، في القنوات المختلفة أغلب
الوقت.
وذاكرة المسلسلات عند عادل إمام تعيده إلى أيام «الفتى الطائر» وكان وحيد
حامد قد كتب نفس القصة كفيلم لعب بطولته «محمود عبد العزيز» باسم «طائر
الليل الحزين» وكان أول أفلامه السينمائية كمؤلف، وحتى الآن يتداول الناس
إشارة إبراهيم بيديه، وهو يضع الكف فوق الكف ويحرك أصابع الأطراف كأنها
أجنحة.
وأثار مسلسل «دموع في عيون وقحة» اهتمام الشارع المصري والعربي، وكان وقت
إذاعته مقدساً، حيث يتفرغ الكل لمتابعته، وفي رحلة إلى السويس مع المخرج
الكبير الراحل يحيى العلمي حكى لي عن العمل وظروفه وطرائفه فقال:
عادل فنان حساس، والقصة التي كتبها صالح مرسي مأخوذة من ملفات المخابرات
وبطلها «جمعة الشوان» ظهر بشكل حقيقي أمام الناس أكثر من مرة، ونجح عادل في
تجسيد الموضوع وأضاف إليه الكثير بحضوره القوي، ولهذا عرضت عليه «رأفت
الهجان» أولاً، ولكن حساباته كانت مختلفة وهو مؤمن أن البقاء للسينما ولكني
مقتنع بأن الدراما التلفزيونية تدخل كل البيوت بلا استئذان وتعيش، والأعمال
تعاد أكثر من مرة هنا وهناك.
والأهم أن نجاحات عادل في السينما والمسرح لا تترك له مساحة لكي يتجه نحو
التلفزيون وبصراحة ليس هناك ما يغريه مادياً ولا جماهيرياً مثل غيره.
حزب إمام
كلما حاولت أن تسأل عادل إمام عن الحزب الذي يود الانتماء إليه، ويعبر من
خلاله عن وجهة نظره يقول لك بكل ثقة:
«حزب إيه، أنا لست محروماً من التعبير عن نفسي، ثم إنني امتلك حزباً باسمي
في قلوب الجماهير، أدوات تعبيري التمثيل على المسرح وفي السينما، ورصيدي
الملايين ممن يحبون فني، هذا حزب أنا رئيسه وأمينه العام وسكرتيره وأمين
الصندوق وحامل أختامه، وهو حزب بلا شعارات».
وتفسر هذا المعنى وتوضحه الكاتبة الدكتورة نعمات أحمد فؤاد في كتابها شخصية
مصر عندما تقول: «المصري قد يتقوقع على نفسه النفيسة ويصيغ من دموعه في
محرابه أو عزلته، لؤلؤة»، إنها هنا تتكلم عن الإنسان المصري البسيط، فما
بالك لو طبقنا هذا الكلام على فنان استثنائي من طراز عادل، يبيع الضحك في
حارة الساخرين.
وما دام الحديث قد جاء إلى مصر وشخصيتها فلابد من وقفة مع المفكر الدكتور
جمال حمدان في كتابه البديع «شخصية مصر» والذي كان محور مناقشة طويلة مع
عادل إمام في أكثر من جلسة، وهي حالة نادرة من الأقاليم والبلاد كما يقول
«حمدان»، فهي بطريقة ما تكاد تنتمي إلى كل مكان دون أن تكون هناك تماماً
فهي بالجغرافيا تقع في إفريقيا ولكنها تمت أيضاً بصلة مع آسيا عبر التاريخ،
وهي متوسطية دون مواربة بعروضها ولكنها موسمية بمياهها وأصولها وهي وإن
كانت أصلاً موسمية في مصدرها فقد أصبحت موسمية دائمة أخيراً على ما في ذلك
من تناقض، هي في الصحراء وليست منها، إنها واحة ضد صحراوية بل ليست بواحة
وإنما شبه واحة، هي فرعونية بالجد، عربية بالأب، ثم إنها بجسمها النهري قوة
بر، ولكنها بسواحلها قوة بحر وتضع بذلك قدماً في الأرض وقدماً في الماء وهي
بجسمها النحيل تبدو مخلوقاً أقل من قوي ولكنها برسالتها التاريخية الطموح
تحمل رأسها أكثر من ضخم وهي بموقعها على خط التقسيم التاريخي بين الشرق
والغرب، تقع في الأول لكنها تواجه الثاني وتكاد تراه عبر المتوسط كما تمد
يداً نحو الشمال وأخرى نحو الجنوب وهي توشك بعد ذلك كله أن تكون مركزاً
مشتركاً لثلاث دوائر مختلفة بحيث صارت مجمعاً لعوالم شتى فهي في قلب العالم
العربي وواسطة العالم الإسلامي وحجر الزاوية في العالم الإفريقي.
سبحان الله، يكاد كلام جمال حمدان عن مصر من خلال شخصيتها تتطابق إلى حد
كبير مع شخص عادل إمام، نعم فهو أيضاً كتلة من التناقضات، صناعته الضحك
وحياته في منتهى الجدية، صناعته الضحك ودمعته قريبة، في المواقف التي يبكي
فيها الناس تراه جامداً يتأمل فإذا اختلى بذاته وفي لحظات بذاتها تجده فيها
باكياً وبأثر رجعي كما حدث عند وفاة والدته، هو في قمة الهرم الاجتماعي لكن
قلبه في البدروم والحواري وعلى نواصي الحلمية والسيدة زينب وباب الشعرية،
وهو الذي يتباهى بأنه فنان الفقراء والبسطاء والصنايعية وهو صديق الملوك
والزعماء.
فيلم للعلم
أرجوك لا تفهمني بسرعة
تأليف: محمود عوض وهو كاتب صحافي سياسي شهير كانت تربطه صداقة قوية مع عبد
الحليم حافظ.
إخراج: محمد علوان.
زمن العرض: 1974.
عدد الحلقات: 30 حلقة إذاعية.
الأبطال: نجلاء فتحي، عبد الحليم حافظ.
القصة
تم تقديم هذا العمل في مسلسل إذاعي جمع بين عبد الحليم حافظ وعادل إمام وهو
العمل الفني الوحيد بينهما، وكان المسلسل سبباً في التقارب بين النجمين،
وعادل اعترف أكثر من مرة بأنه تأثر بعبد الحليم وتعلم منه كيف يصنع نجوميته
ويحافظ عليها، ومن هنا نجح في تكوين شبكة علاقات على أعلى مستوى فسرها
البعض بالانحياز للنظام، والمسلسل به مواقف سياسية جريئة في وقتها كتبها
محمود عوض بمهارة ربما يتناسب مع إمكانيات عبد الحليم حافظ.
حكاية مشهد
شيرين سيف النصر.. في التواليت الرجالي
حكايات عديدة تربط بين عادل إمام ومحمود عبدالعزيز وقد اجتمعا في فيلمين
فقط هما عيب يالولو عيب، وشباب يرقص فوق النار وكانت الترشيحات مثلا في
مسلسل رأفت الهجان في مصلحة عادل أولا ولكنه اختلف مع الكاتب صالح مرسي
والمخرج يحيى العلمي لأسباب فنية بحتة، وتكرر الاعتذار بعد ذلك عن الكيت
كات ثم عبر عادل عن إعجابه بالفيلم وبأداء عبد العزيز.
وقد لا يعلم الغالبية أن عصام إمام شقيق عادل هو الذي أنتج مسرحية لمحمود
(7/2/7) وقيل وقتها انها عملية استحواذ ذكية وغير مباشرة من عادل لإيقاف
نجومية محمود الذي يلاحقه كظله والحقيقة أن احد النقاد الكبار كتب في هذا
الوقت أن عادل يقدم الخدمات الجليلة لعبد العزيز مجانا وأهمها أجره الذي لم
يكن يرتفع.. الا بعد أن يرتفع اجر عادل إمام.. صحيح انه لم يأخذ نفس
الأرقام لكنه بشكل أو بأخر كان يرتفع والحقيقة أن أجور نور الشريف وحسين
فهمي ومحمود ياسين كلها كانت تتحرك بعد أن يتقدم عادل وهو ما يعني أن
الأجور متأثرة بأجره هو الذي يعتبر المقياس.
ولما بدأ عادل العمل في فيلم «أمير الظلام» قالوا انه سعى لتقليد محمود
عبدالعزيز واستثمار نجاحه في «الكيت كات» وهناك من قارن بعض المشاهد بما
قدمه آل باتشينو في فيلم «عطر امرأة» وكان أيضا يلعب دور جنرال كفيف يحب
امرأة بطريقته
وعن هذا الفيلم الذي أخرجه رامي إمام يقول نلاحظ أن الأستاذ عادل لم يظهر
كفيفا بالشكل التقليدي بل ظل مفتوح العينين ولكنه لا يرى.. وهذه أصعب عند
التمثيل حيث يقتضى الأمر أن يحافظ على ثبات حركة عينه إلى حد كبير.. اما
الفيلم فقد كان عامراً بمشاهد عديدة وجدنا صعوبة ومتعة في تصويرها منها
مثلا مشهد سيدي العريان عندما وجد بعض المكفوفين أنفسهم عند نافورة مياه
وتجردوا من ملابسهم ابتهاجا بمولد رجل يدعى مولانا العريان.. ومشوا في
شوارع القاهرة على هذا النحو.. وقد جرى تصويره خارجيا على أكثر من مرحلة.
وفي مشهد اخر مع شيرين سيف النصر كان يتمشى معها وهي لا تعرف بأنه كفيف..
وفجأة يجد نفسه في دورة مياه للرجال... واضطررنا لإعادة المشهد أكثر من مرة
لان شيرين كانت تضحك قبل الوقت المحدد لرد فعلها.. وكذلك عند ساعة تصوير
مباراة للكرة بين فريقين من المكفوفين وتمت الاستعانة فيها بالزميلين سعيد
صالح ويونس شلبي.
النهار الكويتية في
13/08/2012 |