تحتل الفنانة والنجمة الكبيرة «نجلاء فتحي» مكانة بارزة في مسيرة
وتاريخ السينما المصرية، فهي عبر مشوارها الفني والسينمائي الذي امتد لأكثر
من 35 عاماً قدمت سجلا حافلاً من الأفلام الرائعة تجاوز الـ 75 فيلماً،
الكثير منها يعد من علامات السينما المصرية، وتميزت هذه النجمة الكبيرة
بالتطور الهائل في شخصيتها الفنية وبتعبيرها الفني الخاص جداً عن المراحل
المختلفة التي مرت في مشوارها الفني، وأيضاً التي مرت بها السينما في مصر.
وهي من الفنانات القلائل اللاتي يمثلن حالة خاصة في السينما، حيث كانت
ومنذ خطواتها الأول بطلة لأفلامها ولم يكن عمرها يتجاوز الـ 17 عاماً،
واستفادت السينما من جمالها الارستقراطي الهادئ ورقتها الشديدة ونبرة صوتها
المميزة الحانية ونظرة عينيها البريئة وحضورها الطاغي وأنوثتها المتدفقة،
وقبل هذا كله موهبتها الهائلة والتي وضعتها في الشكل الذي يناسبها فكانت
أفضل من قدم الأدوار والشخصيات الرومانسية على الشاشة طوال حقبة السبعينيات
وكونت مع الفنان محمود ياسين ثنائياً رومانسياً رائعاً وقدما معاً سجلاً
حافلاً من الأفلام التي تعد من أهم الأفلام الرومانسية التي قدمتها السينما
المصرية، وهو ما جعل نقاد السينما يطلقون عليها الألقاب مثل «شلال
الرومانسية المتدفق» و«فتاة السينما المدللة» بل إن بعضهم أشار إلى أنها
أفضل من قدمت الرومانسية على شاشة السينما المصرية عبر تاريخها.
ورغم كل هذا النجاح استطاعت نجلاء فتحي بما تملكه من موهبة متدفقة
وذكاء فني وحضور أن تغير بوصلة أدوارها مع كل مرحلة عمرية تمر بها فقدمت
نماذج مختلفة ومتنوعة في أفلامها في الثمانينيات والتسعينيات فجسدت معاناة
وقضايا المرأة المصرية والعربية في أفلام تلك الفترة،
اسمها كاملاً «فاطمة الزهراء حسين أحمد فتحي» وهي من مواليد محافظة
الفيوم في 21 ديسمبر 1951 لأسرة مصرية ميسورة الحال وأمضت طفولتها في هذه
المحافظة في صعيد مصر ثم انتقلت مع الأسرة إلى القاهرة، وليبدأ وعيها يتفتح
على حبها للفن والتمثيل من خلال مشاهدة الأفلام وارتياد المسارح مع الأسرة،
التي بدأت تلاحظ بعض مواهب الابنة التي دخلت مرحلة الصبا، وأثناء تواجدها
في الإسكندرية مع أسرتها شاهدها الفنان عبد الحليم حافظ وكذلك المنتج
والمؤلف عدلي المولد فأعجبا بجمالها الارستقراطي الهادئ وبريق الموهبة الذي
يطل من عينيها فرشحها عدلي المولد للمشاركة في فيلم «الأصدقاء الثلاثة»
وكان من تأليفه وإنتاجه وإخراج أحمد ضياء الدين، وكان الفيلم من بطولة أحمد
رمزي، حسن يوسف، محمد عوض، يوسف شعبان، نبيلة عبيد، واختار لها عبدالحليم
حافظ اسم «نجلاء فتحي» ليكون اسمها الفني بدلاً من «فاطمة الزهراء حسين
أحمد فتحي»، ورغم أن دورها في الفيلم لم يكن كبيراً إلا أنها أظهرت قبولاً
وحضوراً طاغياً أمام الكاميرا وأيضاً موهبة فنية واضحة، وبذلك يكون هذا
الفيلم الذي عرض عام 1966 هو أول البداية لنجلاء فتحي في مشوارها السينمائي
ولم يمض على هذا الفيلم سوى عامين حتى قدمها المنتج الشهير رمسيس نجيب
كبطلة سينمائية لفيلم «أفراح» مع المخرج أحمد بدر خان، وشاركها بطولة
الفيلم حسن يوسف وعادل أدهم وعادل إمام وسعيد أبو بكر وكان فيلم مغامرات
خفيف الظل وحققت مع فيلمها نجاحاً كبيراً جعلها تبدو وكأنها تقدم فيلمها
الخامس أو العاشر ولم تمر بارتباك البدايات وكان هذا الفيلم الذي قدمته عام
1968 هو نقطة انطلاقتها السينمائية الحقيقية, ففي نفس العام قامت ببطولة
فيلم آخر مع المخرج محمود ذوالفقار هو «روعة الحب» حقق أيضاً نجاحاً فنياً
وجماهيرياً جيداً وهو ما جعل نقاد السينما وصناعها يتوقعون لها بنجومية
هائلة.
وفي عام 1969 وبينما كانت السينما المصرية تحاول انتزاع مساحة أكبر من
الحرية في التعبير تمثلت في مجموعة من الأفلام الجادة من خلال عدد من
المخرجين الذين يريدون تقديم سينما مختلفة أمثال توفيق صالح وحسين كمال
وكمال الشيخ، قدمت نجلاء وحتى عام 1972 عدداً كبيراً من الأفلام ذات
التوجهات المختلفة والتنويعات الواضحة
وفي عام 1972 بدأت نجلاء فتحي مرحلة مهمة في مشوارها السينمائي ويعود
هذا إلى اتجاه السينما المصرية للأفلام الملونة بدلاً من أفلام الأبيض
والأسود والتي كانت تحجب كثيراً من جمال وفتنة وجاذبية نجلاء وبريقها أمام
الكاميرا فقدمت خلال هذا العام عدد من أهم الأفلام في مشوارها وبدأتها
بفيلم «حب وكبرياء» 1972 مع المخرج حسن الإمام، و«أنف وثلاث عيون» 1972 مع
المخرج حسين كمال، وفي العام التالي قدمت فيلماً يعكس اكتمال نضجها الفني
وقدرتها على التعبير عن أدق مشاعر المرأة وتغيرها ومعاناتها من هذه المشاعر
وظروف المجتمع من حولها وذلك في فيلم «دمي ودموعي وابتسامتي» 1973 مع
المخرج حسين كمال أيضاً، وهنا لابد أن نتوقف لنشير إلى جانب بالغ الأهمية
في مشوار ومسيرة نجلاء السينمائية وهي أنها كونت مع محمود ياسين «دويتو» أو
ثنائي سينمائي مدهش قدم للسينما المصرية عدد كير من الأفلام الرومانسية
خلال فترة السبعينيات والسنوات الأولى من الثمانينيات وتعد هذه الأفلام
ليست هي الأهم في مشوار نجلاء ومحمود فقط بل يرى الكثير من نقاد السينما أن
ما قدمه هذا الثنائي المدهش يعد من أهم الأفلام الرومانسية ليس في
السبعينيات والثمانينيات فحسب بل في تاريخ السينما المصرية، ومن أهم هذه
الأفلام: «حب وكبرياء»، «بدور»، «الوفاء العظيم»، «أنف وثلاث عيون»، «حب
أحلى من حب» 1975 من إخراج حلمي رفلة، «لا يا من كنت حبيبي» 1976 من إخراج
حلمي رفلة، «سنة أولى حب» 1976.
ولم تكتف نجلاء بأفلامها الرومانسية التي قدمتها مع محمود ياسين بل
قدمت عدداً من أفلامها الرومانسية الناجحة مع نجوماً آخرين مثل نور الشريف
وحسين فهمي ومصطفى فهمي وعزت العلايلي ومن أهم هذه الأفلام: «أختي» 1971 مع
المخرج هنري بركات، «العاطفة والجسد» 1972 من إخراج حسن رمزي، «وتمضي
الأحزان» 1979 مع المخرج أحمد ياسين، «أقوى من الأيام» 1979 من إخراج نادر
جلال. ولم تكتف نجلاء فتحي فقط بالرومانسية في حقبة السبعينيات رغم النجاح
الهائل التي حققته كنجمة وسيدة للرومانسية على الشاشة فقدمت نوعيات
سينمائية أخرى مختلفة مثل أفلام الدراما الاجتماعية، وأفلام الكوميديا
الخفيفة وأفلام الأكشن والمطاردات بل والتراجيديا والميلودراما من أجل أن
تؤكد قدرتها على أداء جميع الأدوار والشخصيات.
ومع بداية حقبة الثمانينيات كان الانفتاح الاقتصادي في مصر قد أفرز
آثاره السلبية على المجتمع المصري ودخلت السينما المصرية في موجة هابطة من
الأفلام سميت أفلام المقاولات، لكنها دخلت أيضاً في موجة رائعة قادها
مخرجين دارسين واعدين الذين أسسوا لـ «تيار الواقعية الجديدة في السينما
المصرية» هذا التيار الذي غير من شكل ومضمون السينما وقدموا أفلاماً تعكس
الواقع المصري وحالة المجتمع الذي أصبح يتاجر بالعلم والجسد ويعلي من القيم
المادية على حساب القيم السلوكية والروحية، فبدأت نجلاء مع هذه الحقبة ومع
هذه المتغيرات في البحث عن أسلوب يناسب إمكانياتها ويناسب الواقع سواء واقع
المجتمع أو واقع السينما المصرية نفسها فقدمت العديد من الأفلام التي تطرح
وتناقش أهم قضايا المجتمع وأيضاً معاناة وقضايا المرأة المصرية في هذا
الواقع المتغير الملئ بالتقلبات، ومن أهم أفلامها في هذا الاتجاه خلال هذه
المرحلة: «الشريدة» 1980 مع المخرج أشرف فهمي، «غداً سأنتقم» 1983، «مدافن
مفروشة للإيجار» 1986 مع المخرج علي عبدالخالق، «لعدم كفاية الأدلة» 1986
مع المخرج أشرف فهمي، «اعتداء» 1982 مع المخرج سعد عرفة، «عفواً أيها
القانون» 1985 مع المخرجة إيناس الدغيدي، «الأقوياء» 1982 مع المخرج أشرف
فهمي، «امرأة مطلقة» 1986 مع المخرج أشرف فهمي.
كما قدمت نجلاء دور المرأة القوية التي تسعي للانتقام ممن دمروا
حياتها من خلال بعض الأفلام التي أثبتت خلالها أنها لا تصلح فقط للمرأة
الرومانسية بل هي امرأة قوية تملك القدرة على الانتقام فكانت أفلام مثل:
«سأعود بلا دموع» 1981 مع المخرج تيسير عبود، «المرأة الحديدية» 1987 مع
المخرج عبد اللطيف زكي، وفي ختام الثمانينيات نجد نجلاء وبوعي الفنانة
والنجمة تتخلى تماماً عن جمالها وارستقراطيتها وأناقتها وشياكتها من أجل أن
تقدم شخصية امرأة شعبية فقيرة مطحونة تعاني من الظلم والقهر الاجتماعي وذلك
من خلال رائعة وتحفة المخرج محمد خان السينمائية «أحلام هند وكاميليا» 1988
وتفوز نجلاء عن دورها في هذا الفيلم على جائزة أحسن ممثلة من مهرجان طشقند
السينمائي الدولي عام 1989.
ونأتي إلى حقبة التسعينيات وهي الحقبة الأخيرة من مشوار نجلاء فتحي
السينمائي، حيث توقفت تماماً في نهايتها ومع مطلع الألفية الجديدة عن
السينما ولم تقدم خلال هذه الفترة سوى عدد قليل من الأفلام.
واصلت نجلاء خلال حقبة التسعينيات السير في نفس الاتجاه الذي بدأته في
الحقبة السابقة، حيث حرصت خلال الأفلام القليلة التي قدمتها على أن يكون كل
فيلم من هذه الأفلام يطرح ويناقش قضية من القضايا المهمة والشائكة في
المجتمع المصري، فجاءت هذه الأفلام لتشكل نقاطاً مضيئة ومهمة للغاية ليس في
مشوارها السينمائي فحسب، بل أن معظمها يشكل علامات بارزة في السينما
المصرية خلال الثلاثة عقود الأخيرة، واستهلت نجلاء بداية الحقبة بفيلمها
الرائع «سوبر ماركت» 1990 وكان من إنتاجها أيضاً وأخرجه محمد خان الذي يعد
هذا الفيلم من أهم أفلامه وهو ضمن القائمة الذهبية التي تضم أفضل مئة فيلم
مصري، وقدمت في نفس العام 1990 فيلما رائع آخر مع المخرج عادل عوض حمل اسم
«تحت الصفر» وهو من الأفلام القليلة التي كتبها عملاق الكتابة الدرامية
الكبير أسامة أنور عكاشة، ومع المخرج علاء كريم قدمت عام 1991 فيلم رائع
آخر حمل اسم «اشتباه» وهو من الأفلام الجيدة التي كتبها السيناريست المبدع
محمد عزيز ورصد فيه في إطار اجتماعي مشوق التغيرات الهائلة في المجتمع
المصري في الثمانينيات مع المخرجة إيناس الدغيدي طرحت وبعنف وجرأة مشاكل
جيل الشباب والضياع الذي يعاني منه والمخدرات التي أصبح يدمنها بعد انعدام
الهدف والقدوة خلال التسعينيات وتراجع الطموح وذلك من خلال فيلم «ديسكو..
ديسكو» 1994.
وفي العام التالي 1995 تعود نجلاء مرة أخرى لتتخلى عن جمالها وأناقتها
من أجل أن تقدم شخصية امرأة فقيرة مطحونة تواجه ظروف الحياة الصعبة وهي أم
لخمسة أبناء منهم الأطفال والشباب ويستعرض الفيلم معاناة الطبقة الفقيرة في
المجتمع المصري الذي أصبح يعاني من تفاوت طبقي هائل، وقدمت نجلاء واحداً من
أقوى وأهم أدوارها وأفلامها على شاشة السينما، وحصلت على العديد من الجوائز
الدولية والمحلية عن هذا الدور الذي قدمته مع المخرج علاء كريم في فيلم «الجراج»
1995، وفي عام 2000 تقدم فيلمين دفعة واحدة الأول «كنشرتو درب سعادة» مع
المخرجة أسماء البكري وهو دراما اجتماعية موسيقية تستعرض في إطار رومانسي
تغيرات المجتمع المصري من خلال عيون امرأة مصرية غابت عن مصر أكثر من 20
عاماً وعادت إلى وطنها فترى العديد من التغيرات الهائلة التي أضرت المجتمع
وعملت على تخلفه بعد أن كان هذا المجتمع وهذا البلد هو أصل الحضارة، أما
الفيلم الثاني فحمل اسم «بطل من الجنوب» وقدمته مع المخرج محمد أبوسيف
ودارت أحداثه حول الحرب اللبنانية من خلال معاناة أم مصرية يختفي ابنها في
هذه الحرب، وكان هذا الفيلم هو آخر أفلامها على شاشة السينما ومنذ هذا
الفيلم ومنذ أكثر من 10 سنوات وهذه النجمة الكبيرة الجميلة في حالة خصام مع
السينما فهي تؤكد أنها لم تعتزل الفن لكنها لم تجد العمل الذي يناسبها
ويناسب تاريخها ويغريها بالعودة.
ولا يبقى إلا أن نشير في النهاية على أن نجلاء فتحي عملت طوال مشوارها
السينمائي الذي امتد لأكثر من 35 عاماً مع عدد كبير من المخرجين من أجيال
متتالية وهم من كبار مخرجي السينما المصرية كما شاركها بطولات أفلامها عدد
هائل وكبير من نجوم السينما المصرية من مختلف الأجيال، وحصلت خلال هذا
المشوار السينمائي الحافل على العديد من الجوائز والتكريمات من مهرجانات
سينمائية محلية ودولية كما شاركت في عضوية لجان تحكيم عديدة لهذه
المهرجانات بحكم مكانتها وتاريخها وثقافتها كواحدة من أهم نجمات السينما
المصرية على مدى تاريخها كلها.
الجريدة الكويتية في
27/07/2012 |