حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

                          دراما رمضان التلفزيونية لعام 2012

«الجيل الثالث».. نجوم الموجة الجديدة في السينما المصرية

علي بدرخان.. سينما ضد النسيان

القاهرة - أحمد الجندي

ينتمي المخرج الكبير علي بدرخان إلى جيل السبعينيات الذي يضم عدداً من أهم مخرجي السينما في الأربعة عقود الأخيرة ذلك الجيل الذي احدث انقلابا في السينما المصرية من خلال أفلامه الذي غيرت كثيرا في شكلها ومضمونها وهو ما أطلق عليه نقاد ومؤرخو السينما وقتها «حركة السينما الجديدة».

من خلال هذا الفهم نشير إلى انه أحد المخرجين أو فناني السينما الذين أخذوا على عاتقهم تقديم السينما الجادة ذات المضمون والفكر والرؤية والمستوى الفني الرفيع وهو ينتمي لهذه المدرسة الرائعة من مخرجي وفناني السينما التي تعمل وفق نظرية «أفلام قليلة.. لكنها تساوي قيمة عظيمة».

ولد علي بدرخان بالقاهرة عام 1946 لأسرة وعائلة معروفة هي عائلة «بدرخان» ولا مجال هنا للحديث عن نشأته وكيف اكتشف ميوله وموهبته الفنية وكيف ومتى بدأ مشواره الفني والسينمائي وكيف جاءته الفرصة ومن ساعده في أولى خطواته؟ لا مجال هنا للحديث عن هذا كله فيكفي أن نقول انه ولد ونشأ في عالم ليس به سوى الفن والسينما وجلسات العمل الفنية بين النجوم مناقشة الأفلام والسيناريوهات فهو ابن واحد من رواد السينما المصرية وهو المنتج والمخرج الكبير «أحمد بدرخان» الذي امتد مشواره السينمائي منذ الثلاثينيات وحتى نهاية الستينيات..

ومن خلال هذه النشأة الفنية السينمائية بدأ علي بدرخان وكأنه ولد داخل ستديو وبلاتوه سينمائي حيث كان تواجده في هذه الأماكن مع والده لا ينقطع لذلك كان طبيعيا أن ينشأ متشبعا بهذه الأجواء الفنية والسينمائية وكان طبيعيا أيضا أن يلتحق بالمعهد العالي للسينما ليدرس به بعد أن انتهى من دراسته الثانوية.. وعندما تخرج من المعهد عام 1967 حصل على منحة تدريبية في إيطاليا باستديوهات «رد» و«تشيني تشيتا» وظل هناك لما يزيد على عام ونصف وعاد في نهاية عام 1968 لكنه لم يبدأ مشواره الاحترافي في السينما في هذا التاريخ بل بدأ قبله بكثير فقد عمل مساعدا للإخراج وهو في السنة الأولى لدراسته في المعهد وربما قبل ذلك وظل من عام 1964 وحتى عام 1970 وعلى مدى هذه السنوات الست عمل مساعد مخرج في أكثر من 18 فيلم مع كبار المخرجين في مقدمتهم بالطبع والده المخرج أحمد بدرخان.. وآخرين مثل شادي عبدالسلام، يوسف شاهين، فطين عبدالوهاب، أحمد ضياء الدين وغيرهم..

وفي عام 1976 بدأ مشواره كمخرج من خلال فيلم «الحب الذي كان» الذي قامت ببطولته سعاد حسني أمام محمود ياسين ومعهم إيهاب نافع ومحمود المليجي وكان الفيلم قصة وسيناريو وحوار رأفت الميهي الذي كان وقتها يعمل في السينما كسيناريست ومؤلف سينمائي ولم يكن قد بدأ مشوار الإخراج بعد.. وسعاد حسني هي التي عرفت علي بدرخان على رأفت الميهي حيث قامت ببطولة أفلام كتبها من قبل وكان يفكر في تقديم فيلمه عن قصة حقيقية عاش أحداثها فعرفته بالميهي الذي كتب سيناريو الفيلم الذي قدم فيه على شهادة ميلاده كمخرج واعد ودارس ومثقف وجاء الفيلم جريئا على غير عاده الأفلام المصرية التي كانت سائدة من قبل.

ومع هذا النجاح انطلق علي بدرخان كمخرج شاب متميز ينبئ بمستقبل فني وسينمائي بارز.. لكن قبل استعراض أهم الأفلام في مشواره السينمائي نتوقف قليلا لنشير إلى زواجه من سعاد حسني والذي استمر ما يقرب من عشر سنوات.. تعرف علي بدرخان على سعاد أثناء قيامها ببطولة فيلم «نادية» الذي أخرجه والده أحمد بدرخان وكان علي مساعدا له في هذا الفيلم الذي سافر بعده إلى بعثته التدريبية في إيطاليا وأثناء تواجده هناك لم تنقطع المراسلات والاتصالات بينه وبين سعاد وهو مازاد من تقاربهما وعندما عاد من البعثة توثقت علاقتهما أكثر وربطت بينهما مشاعر الحب وبدا الحديث داخل الوسط الفني عن هذه العلاقة العاطفية فما كان من الأب أحمد بدرخان إلا أن نصح الابن أن يصل إلى حل في هذه العلاقة حتى لا يسيء إلى سعاد.. وطلب منه إذا كان جاداً في علاقته بها أن ينهيها بشكلها الصحيح وإطارها المحترم.. وهو ما حدث بالفعل حيث انتهت العلاقة بزواجهما التي رحبت به سعاد وكان ذلك في عام 1971وقدمها كبطلة في فيلمه الأول وهي زوجته ورغم أن الزواج الذي استمر حتى مطلع الثمانينيات لم يثمر عن أبناء الا انه أثمر عن 6 أفلام رائعة قدمتها سعاد حسني مع علي بدرخان وتعتبر من أهم الأفلام في مسيرة كل منهما وأيضا بعضها من أهم أفلام السينما المصرية.

ومادمنا أشرنا إلى أفلامه مع سعاد حسي فإننا نشير إلى اننا سنستعرض خلال هذا المشوار السينمائي لهذا المخرج الكبير عدداً من أهم الأفلام التي قدمها خلال مسيرته السينمائية وإذ كنا قد بدأنا بفيلمه الأول فإننا سنتوقف الآن أمام فيلمه الثاني «الكرنك» 1975 المأخوذ عن رواية نجيب محفوظ الشهيرة التي تحمل نفس الاسم وكتب لها السيناريو والحوار الشاعر صلاح جاهين مع السيناريست ممدوح الليثي وقام بالبطولة سعاد حسني مع نور الشريف وكمال الشناوي ومعهم عماد حمدي وشويكار وفريد شوقي وتحية كاريوكا وصلاح ذوالفقار ومحمد صبحي وماجدة الخطيب وعدد كبير من الفنانين..

في هذا الفيلم «الكرنك» قدم وثيقة إدانة لعصر عبدالناصر من خلال ما سمي بمراكز القوى الذي أرهقت وأرهبت المصريين وسجنتهم وعزبتهم في المعتقلات وكتمت الأنفاس وصادرت الحريات وأمعنت في اذلال كل صاحب رأي أو موقف.. وكان الفيلم بكل النجاح الفني والجماهيري الساحق الذي حققه بداية لموجة عديدة من الأفلام المصرية التي تناولت فضائح مراكز القوى وسميت بأفلام «الكرنكة» باعتبارها تتبع وتسير على نفس خط الفيلم الرائد الذي كان أول من قدم هذه القضية السياسية بجرأة وعمق وواقعية على شاشة السينما.. ومع الجدل الهائل الذي أثاره الفيلم رأى عدد من النقاد أن هذا الفيلم رغم ما قيل عن موقفه المعادي لقوة يوليو 1952 هو فيلم مع حقوق الإنسان ضد كل الانتهاكات التي يتعرض لها وهو فيلم ضد الإرهاب وكبت الحريات والقهر والسيطرة على أقدار الناس ومصائرهم وظلمهم.

ونأتي إلى فيلم آخر رائع لعلي بدرخان أو تحفة سينمائية مهمة في مشواره السينمائي بل وفي مسيرة السينما المصرية وهو فيلم «شفيقة ومتولي» المأخوذ عن قصة أو ملحمة شهيرة في التراث الشعبي المصري تحمل نفس الاسم وكتب اللغة والمعالجة السينمائية الكاتب شوقي عبدالحكيم وكتب السيناريو والحوار صلاح جاهين والمخرج الكبير يوسف شاهين.. وخلال هذا الفيلم أطلق علي بدرخان الفنان الشباب أحمد زكي في أول بطولة سينمائية مطلقة أمام سعاد حسني وكان ذلك إيمانا بقدرة وموهبة أحمد زكي ورداً لاعتباره عندما رشحه لبطولة فيلم «الكرنك» لكن منتج الفيلم اعترض على هذا الترشيح وطلب استبداله بنجم اخر يكون له اسم وشعبية ويكون أيضا أكثر وسامة وقد أصابت الواقعة احمد زكي وكان في بداياته بحالة نفسية سيئة واكتئاب شديد.. وجاء علي بدرخان ليرد له اعتباره ويعطيه البطولة المطلقة لينطلق بعدها أحمد زكي كواحد من أهم النجوم في تاريخ السينما المصرية..

في هذا الفيلم «شفيقة متولي» يقدم علي بدرخان طابعاً ملحمياً وأجواء وطقوساً غلب عليها التراجيديا وأضفى عليها الأبعاد السياسية واختار فترة حفر قناة السويس والصراع داخل الطبقة الحاكمة العميلة للقوى الاستعمارية العظمى «انكلترا وفرنسا» ليجعلها خلفية أساسية لأحداث الفيلم.

وهنا نتوقف عند فيلمين آخرين من أهم أفلامه يربطهما معا انهما من أدب العالمي نجيب محفوظ وأيضا يعد الفيلمان من التحف السينمائية لتيار الواقعية الجديدة الفيلم الأول هو «أهل القمة» 1981 المأخوذ عن قصة لمحفوظ تحمل نفس الاسم وكتب السيناريو والحوار علي بدرخان ومصطفى محرم ولعب بطولته نور الشريف، سعاد حسني، عزت العلايلي، عمر الحريري..

يقدم علي بدرخان في هذا الفيلم تحليلا صادماً وجريئاً للمجتمع المصري الذي أصبح يعاني من التحلل واختلاط القيم والطبقات حيث انهارت تماما الطبقة الوسطي التي كانت تشكل عماد المجتمع وصلبة وأسسه الراسخة وصلت مكانها طبقة انتهازية مادية سيطرت على كل شيء وسرقت كل شيء وسقط معها البنيان الاجتماعي كله.. والفيلم الثاني هو «الجوع» 1986 وهو مأخوذ عن إحدى حكايات ملحمة «الحرافيش» الشهيرة لنجيب محفوظ وحمل الفيلم نفس اسم الحكاية «الجوع» وكتب السيناريو مصطفى محرم وقام بالبطولة سعاد حسني ومحمود عبدالعزيز ويسرا وعبدالعزيز مخيون.. ودارت أحداث الفيلم عام 1880 حيث مجتمع الحرافيش والفتوات في الأحياء الشعبية بالقاهرة ويجعل علي بدرخان هذا العالم رمزا يصور الصراع بين الأغنياء والفقراء.

وهنا لابد أن نشير إلى الأفكار والرؤية التي أوردها علي بدرخان في هذين الفيلمين بما فيها عالم «الجوع» وعالم «أهل القمة» ما يقرب من 100 عام أي قرن كامل من الزمن تدور أحداث الجوع عام 1880 حين ساد السخط وانتشرت المجاعات وتدور أحداث «أهل القمة» في القاهرة خلال النصف الثاني من السبعينيات مع بداية الانفتاح الاقتصادي وظهور طبقات وفئات اجتماعية جديدة الأحلام التي سادت «الجوع» كانت أحلاما جماعية.. وهي فردية ميكافيلية في «أهل القمة» في «الجوع» كان العلم بالعدل وفي الفيلم الثاني كانت الأحلام بالثروة والاستئثار.. عالم «الجوع» فقير محدود بصريا بينما عالم «أهل القمة» هو عالم الدنيا التي تقدمت ماديا وارتقت لكنها تخلصت روحيا وانزوت أخلاقيا وقيميا وعلى هذا التنوع والتضاد قدم علي بدرخان فيلميه لينتقد الواقع بقسوة وجرأة سواء في الماضي مسقطاً على الحاضر أو في الحاضر لكي يدينه ويفهمه.

ومع أحمد زكي احد أهم أبطاله ونجومه المفضلين يقدم خلال حقبة التسعينيات ثلاثة من الأفلام المهمة في مشوار كل منهما الأول هو «الراعي والنساء» 1991 وهو مأخوذ عن الرواية العالمية «جريمة في جزيرة الماعز» وكتب لها السيناريو والحوار علي بدرخان مع محمد شرشر وكانت البطولة مع أحمد زكي وسعاد حسني، ويسرا، والفنانة الشابة ميرنا وليد وفي هذا الفيلم يقدم الصراع والرغبة الإنسانية بين ثلاث نساء على رجل وأحداثه تدور في إطار وطقس وأجواء يغلب عليها الانعزال والوحشة والغموض وينتهي الصراع بشكل دموي حاد.. أما الفيلم الثاني فحمل اسم «الرجل الثالث» 1995 وشارك في بطولته محمود حميدة وليلي علوي من خلال هذا الفيلم يقدم علي بدرخان وللمرة الأولى أفلام الحركة والأكشن من خلال دراما اجتماعية لرجل كان طياراً ومن أبطال حرب أكتوبر لكنه بعد الحرب يواجه مشاكل اجتماعية ونفسية هائلة ما يجعله يتورط في علاقة مع عصابة لتهريب المخدرات.. لكن مع أجواء المطاردات والحركة قدم بدرخان إطاراً اجتماعياً ورومانسياً شيقاً.. جاء الفيلم الثالث ليحمل اسم «نزوة» 1996 وشاركت بطولته يسرا مع شيرين رضا وهو مأخوذ عن الفيلم الأميركي الشهير «الجازبية القاتلة» وكتب له المعالجة الدرامية والسيناريو والحوار بشير الديك وعلي بدرخان وفي هذا الفيلم تكون المشاعر الإنسانية والعواطف هي المسالة الرئيسية والنتيجة الأساسية للأحداث.. حيث يطرح الفيلم اشكالية هذه المشاعر عندما تجنح بصاحبها وتأخذ أبعاداً حادة وكيف تدفع به إلى الجنون..

ويلجأ علي بدرخان إلى الأدب العالمي ليقدم من خلال نص عالمي شهير «عربة اسمها الرغبة» لـ«تنسى ويليامز» اخر أفلامه الذي حمل اسم «الرغبة» 2002 وكتب له المعالجة والسيناريو والحوار الكاتب والسيناريست د. رفيق الصبان ولعب بطولته الهام شاهين وياسر جلال ومعهما النجمة نادية الجندي التي قدمت في هذا الفيلم دوراً مختلفاً تماما عن كل الأدوار والشخصيات التي جسدتها في مشوارها السينمائي.

ولا يبقي في النهاية إلا أن نشير إلى أن علي بدرخان يعمل أستاذا للإخراج السينمائي بمعهد السينما بأكاديمية الفنون بالقاهرة ومازال يمارس التدريس حتى اليوم.. كما نشير إلى انه حصل خلال مشواره السينمائي على العديد من الجوائز والتكريمات عن أفلامه ومسيرته السينمائية من مهرجانات سينمائية محلية ودولية. ومن أهم هذه الجوائز جائزة نقاد السينما كأفضل فيلم عن أول أفلامه «الحب الذي كان» وجائزة عن هذا الفيلم من مهرجان «طشقند» بالاتحاد السوفيتي «سابقا» وحصل على الجائزة الأولى في الإخراج عن فيلم «الكرنك» وعرض الفيلم في مهرجان «بلجراد» بيوغسلافيا عام 1976.. وعن فيلمه «شفيقة متولي» حصل على الجائزة الأولى بمهرجان «نانت» بفرنسا 1980 وجائزة من مهرجان «نيودلهي» بالهند عن فيلمه «أهل القمة» كما حصل نفس الفيلم على جوائز من مهرجانات «تورنتو» بإيطاليا.. و«لوكارنو» بسويسرا و«مونتريال» بكندا.. كما حصل فيلمه «الراعي والنساء» على الجائزة الأولى من مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي عام 1991 وشارك بمهرجان «نانت».. كما حاز فيلم «نزوة» على شهادة تقدير من نفس المهرجان.. بجانب عدد هائل لا يحصى من الجوائز المحلية حازت عليها أفلامه من بينها ما يقرب من 10 جوائز كأفضل مخرج وأفضل فيلم.

أيضا مع الإشارة إلى عدد من الأفلام التسجيلية قام بإخراجها علي بدرخان من شدة عشقه لهذا النوع من السينما ومن أهم هذه الأفلام «عم عباس المخترع» 1983- و«الخروج من بيروت» 1985 وحصلت هذه الأفلام على جوائز عالمية من مهرجانات دولية متخصصة في السينما التسجيلية مثل مهرجان الإسماعيلية الدولي للسينما التسجيلية- مهرجان سينما الحقيقة في باريس.. ومهرجان «ليبزخ» بألمانيا المتخصص في الأفلام القصيرة والتسجيلية.. كما شارك علي بدرخان في عضوية لجان تحكيم مهرجانات سينمائية دولية عديدة وأحيانا رئيسا لهذه اللجان.. كما كرمه مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي عن مجمل أعماله, وكرمه أيضا مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ومهرجان دمشق السينمائي وكذلك مهرجان قرطاج بتونس كما حصل على جائزة «التفوق» في الفنون من المجلس الأعلى للثقافة بمصر عام 2010 ومنذ ثلاث سنوات ومن خلال ثقافته الموسوعية وحبه للثقافة أنشأ مركز بدرخان للثقافة والفنون وأصبح هذا المركز مقصداً لكل محبي الفن والثقافة خاصة من الأجيال الشابة.

الجريدة الكويتية في

09/08/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)