حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

يرصد الصراع العربي - الصهيوني من السنة الأولى للهجرة حتى السابعة

يسري الجندي: "خيبر" فوتوغرافياً تفضح المجتمع والتاريخ اليهودي

القاهرة - انتصار صالح

جولة جديدة يخوضها الكاتب يسري الجندي مع قضيته الأثيرة الصراع العربي  الصهيوني، فبعد النجاح الكبير الذي حققه مسلسل “سقوط الخلافة” العام قبل الماضي الذي قدمه مع شركة “إيكو ميديا” مع المخرج محمد عزيزية والمنتج محسن العلي، يستعد للعمل مع الفريق ذاته على مسلسل “خيبر”، مشروع يأخذه إلى البدايات، صراع المسلمين واليهود في دولة الإسلام الأولى في المدينة المنورة، ليؤصل لطبيعة الصراع ويقدم مقاربة مختلفة في مرحلة جديدة يعيشها عالمنا العربي في ظل الثورات العربية المتتالية . عن عمله الدرامي الجديد سألته “الخليج” في هذا الحوار .

·         لماذا العودة للصراع العربي  الصهيوني الآن؟

فرضته طبيعة الواقع حولنا، التحولات الثورية في عالمنا العربي وضعت القضية الفلسطينية في حراك مختلف، فبينما تمر منطقتنا بمنعطف تاريخي مهم، تتداخل فيه أطراف كثيرة في الشرق والغرب، تبرز في صدارته القضية الفلسطينية والعلاقة مع الكيان الصهيوني في سيناريوهات كثيرة مطروحة للمنطقة الفترة المقبلة، يقابله قلق كبير في الشارع العربي، يمكن أن يكون للإبداع دور مهم خلاله، ومسلسل “خيبر” استهدف المزيد من التعرية للمتلقي العربي لهذا الكيان ذي الطبيعة العنصرية التي لا يحتملها العصر، لدرجة تقنين يهودية الدولة وإقرار العالم لها من دون مقاومة، كل هذا في خضم حراك يحدث في المنطقة والعالم سينعكس على القضية بالتأكيد .

·     ألم تخش الاتهام بتحويله إلى صراع بين المسلمين واليهود بعدما ناضلت الحركات الوطنية العربية والفلسطينية طويلاً لتثبيت كونه صراعاً عربياً  صهيونياً ذا صبغة عالمية بوصف الصهيونية حركة معادية لقيم الإنسانية عموماً؟

أنا متهم مسبقاً منذ بداياتي في الكتابة  أكثر من أربعة عقود  بمعاداة الصهيونية بوعي كامل، بمفاهيمها منذ بدأت الكتابة عنها باعتبارها قضية العرب الأولى، أرفض المنطق الديني ولا أرفض الديانة اليهودية، هم كتبوا التلمود على هواهم، وعلى مر التاريخ صاغوا كياناً سقيماً وضاراً جداً أينما حل، ودوماً كان أساس الصراع الأهداف السياسية والاقتصادية، وفي صراعهم الأول مع العرب المسلمين نرصد كيف صاغوا العلاقة مع سادة قريش وهي ليس تحالفاً دينياً، لكن استخدام الجانب الديني مبني على مزاعم لا يؤمنون بها، كما هو حال زعمائهم المعاصرين بداية من هرتزل لم يكونوا متدينين، أيضاً قضية يهودية الدولة ليس هدفها دينياً وإنما سياسي لتصفية كل الوجود الفلسطيني، فتستخدم ورقة الدين لتحقيق أهداف بعيدة سياسية واقتصادية وتتحالف معها الدول التي تتربص بالدول الضعيفة بشكل عام، فهو توظيف انتهازي للدين لمصلحة السياسة، وفي المسلسل أعرض تاريخ اليهود مع الدعوة في بدايتها وكيف ما زالت تتسم بالسمات نفسها، ونكشف مزاعمهم ولا نؤكدها، فالصهيونية نمت في الشخصية اليهودية وتكونت على مدار عصور كثيرة  .

·         لماذا اختيار موقعة خيبر وعصور الإسلام الأولى تحديداً؟

هذه منطقة تهم المشاهد العربي لأنها أول صدام حقيقي بيننا، أول احتكاك باليهود قريب للإنسان العربي هو ما حدث في المدينة المنورة، فقراءة هذه المرحلة التاريخية توضح أن الإسلام في بداياته البكر جاء يرد على حالة من الطغيان والفساد وينتصر لقيم المساواة والعدل، وهي أفكار تقلق اليهود لأنها تهدد مجتمعهم الطبقي والسيادة والتحكم في الاقتصاد عندما يتساوى العبيد والفقراء بالأسياد، في البداية كانوا يتصورون أن النبي محمد  صلى الله عليه وسلم  ينتمي إلى نسل إسحق وبالتالي افترضوا أنه سيكون دعماً لهم وعندما اكتشفوا أنه من نسل إسماعيل اختلفت الصورة، وأظهروا عداءهم لدعوته وتحالفوا مع قريش ضد المسلمين، جوهر الموضوع في المسلسل هو التثبت تاريخياً من أنهم على هذا النحو من العنصرية والغدر وعدم الالتزام بأي عهد وإلى الأبد، وهو ما فعلوه مع الرسول في المدينة، وهو ما أثار حماستي للكتابة عن هذه الفترة التي تمتد من السنة الأولى للهجرة إلى السابعة حتى آخر معركة ضد حصون خيبر .

·         ألا ترى أن تحويل الصراع إلى مسلمين ويهود يتسق مع قانون يهودية الدولة الذي تطبقه “إسرائيل”؟

على العكس يعري عنصرية أفكارهم من جذورها، فلنتفق بداية أن العنصرية لا تتفق مع الديانة اليهودية في جوهرها قبل التحريف والتحول إلى رفض الآخر وتسمية كل من عداهم “الأغيار”، في المسلسل فوتوغرافياً لمجتمعهم، تظهر ملامح تكاد تكون ثابتة ومستمرة كانت موجودة في تجاربهم تاريخياً مع شعوب مختلفة كما في بابل، الرومان، روسيا القيصرية وألمانيا وجميع الأماكن التي انقلبت عليهم، كما يفرض على فقرائهم الجيتو والعزلة، وتوضح الحصون التي بنوها في المدينة فكرة “الجيتو”، أقاموها على مرتفعات حفاظاً على فكرة العزلة التي يفرضونها على أنفسهم رغم استفادتهم من المجتمع الذي يعيشون فيه، فبتصور أنهم شعب الله المختار يعيشون مغالاة كاذبة يريدون فرضها على العالم وينجحون في ذلك، لأن الإمبراطوريات الكبرى في العالم تساندهم رغم أنها بدأت في الانقلاب عليهم مؤخراً، فما تعانيه من مشكلات اقتصادية داخلية تسبب به تحكمهم في مفاصل الاقتصاد بها: الصرافة، الذهب، سوق المال والإعلام، لذا أكاد أرى أول ملامح التغيير والانقلاب عليهم تأتي من أمريكا قبل غيرها، رغم استمرار مواقف الحكومات الأمريكية المتعاقبة في الانحياز ل”إسرائيل” .

·         ما وجه الاختلاف في التناول عن المعتاد في دراما التاريخ الإسلامي؟

التركيز على مجتمع اليهود في المدينة المنورة ككيان اجتماعي ثقافي، اعتمدت اختياراتهم فيه على حسابات اقتصادية، فاختيار استقرار قبائلهم في المدينة مرتبط بكونها طريق تجارة على ساحل البحر واستطاعوا فيها ممارسة أنشطة متعددة منها تجارة السلاح والخمور، كما اهتموا بالزراعة وحرف أكثر تقدماً مما تعتاده البيئة البدوية، ولأننا لسنا في حاجة إلى استرجاع أحداث تناولتها أعمال كثيرة مثل المعاناة في الدعوة في مكة ثم الهجرة، سنعبرها ليتم التركيز على المجتمع اليهودي، فالأبطال الرئيسون في المسلسل من زعمائهم وأحبارهم ليقدم صورة لطبيعة حياتهم .

·     ألا ترى أن تناول الموضوع برؤية مسبقة تريد فرضها على العمل رغم التسليم بصدقها يخل بالصدق الفني والمهني ويعد مصادرة على العمل الفني وتوجيهه؟

الأساس في العمل هنا هو التحليل الواقعي لمراحل تطور الصراع . نحن بحاجة إلى نظرة نقدية ترى كل الصورة مثلاً هناك شخصيات يهودية انضمت للرسول بقوة لكنها ظلت تمثل الاستثناءات التي تثبت القاعدة ولا تنفيها، في العمل أتحرى التناول بشكل موضوعي وإنساني وبالتالي سنجد شخصيات من لحم ودم نعرض نقاط القوة والضعف فيها والاختلاف في السلوك والنوايا والأهداف مثلاً شخصية “ابي ابيَ” كان من كبار المنافقين وأعلن إسلامه، وغيره من الشخصيات التي أضرت بالمسلمين كثيراً في معركتهم مع القبائل اليهودية في المدينة، والصدقية هنا تأتي من طرح الكثير من العناصر الإنسانية في الشخصيات لذا ستجد في الجانبين المسلمين واليهود ما تقبله وترفضه، فليس هناك شخصيات أبيض وأسود .

·         تعمل مع فريق مسلسلك السابق “سقوط الخلافة” نفسه هل نشهد مشاركة فنية ستتواصل؟

من حظي مشاركة العمل مع هذا الفريق صاحب الرؤية والأداء الراقي الذي يدفعني لمواصلة الشراكة الفنية معهم، بدءاً من صاحب الشركة هاشم السيد الذي طرح الفكرة الدرامية في المسلسلين والمنتج المتميز محسن العلي والمخرج محمد عزيزية صاحب الرؤية والإحساس الفني الراقي وعدي الطائي المدير التنفيذي للشركة، أيضاً وجدت عوناً كبيراً من المؤرخ الدكتور عمر العادلي من مركز نهاوند للدراسات التاريخية الذي أقامته الشركة، فهذه الشركة كيان يفرض عليك احترامه باختياراتهم الفنية وبجدية التناول والاهتمام بكل عناصر العمل وبمشاركة فنانين من مختلف الدول العربية .

·         “سقوط الخلافة” كان يبحث عن أسباب الانهيار العربي، هل تسعون إلى إكمال المشروع من زوايا مختلفة؟

يجمعنا الانشغال بقضايا أمتنا العربية، فريق العمل كله مشغول بالبحث الاستقصائي في قضايانا بحثًا عن فهم حقيقي ودور في الاشتباك معها وإثارة الوعي بها عند المشاهدين، “سقوط الخلافة” ينم عن وعي بأسباب الانهيار من خلال نموذج ما حدث للدولة العثمانية التي تربصت بها الدول الأوروبية، هذا الملمح كان له علاقة بمجريات الأمور التي حدثت بعد ذلك في المنطقة وما زالت تحدث حتى الآن للعديد من الأنظمة العربية نتيجة استشراء الاستبداد والفساد، فيما تتخذ حركة التغيير أشكالاً متنوعة في المنطقة، منها الثوري الذي يزيح أنظمة كما في مصر وتونس وليبيا، وهناك تحول في بعض الأنظمة الكلاسيكية الموجودة لتكون أنظمة دستورية وهو ملمح إيجابي، الثورة لن تتم بالنمط نفسه في كل العالم العربي فالتغيير يتطلب وقتاً ووعياً بقضايانا الحقيقية من دون التباس أو تبني رؤى وأجندات خارجية تريد إعادة صياغة منطقتنا وفق مصالحها، فالربيع العربي حقيقي وليس وصفاً مجازياً، حتى هنا في مصر رغم كل المعاناة التي نعيشها اليوم في مخاض الثورة إلا انه ليس حملا كاذبا، ويستحق أن نجتهد جميعاً في المشاركة فيه .

·     هل يستهدف العمل أيضاً الجمهور الأجنبي الذي بدأت الشركة التوجه إليه في تجربة تحويل مسلسل “سقوط الخلافة” إلى فيلمين وتسويقه وعرضه في باريس؟

العمل يخاطب الكافة، نتوخى الصدق والموضوعية في التناول ليراه العربي وغير العربي، الآن توقيت مناسب ومن المفيد أن نخاطب الآخر ونقدم له رسالتنا بالشكل الصحيح وبمحتوى فني متميز، “سقوط الخلافة” تجاوز السوق العربي وعرض في أكتوبر/تشرين الأول الماضي في فيلمين في أوروبا واشترته دول عدة في أوروبا وأمريكا، رغم أن الشركة لا تولي الحسابات التجارية اهتماماً في اختياراتها كمبدأ، لكنها في النهاية تنجح في تحقيق تسويق جيد لأعمالها .

·     هل وجدت صعوبات في إيجاد مراجع تتناول الحياة الاجتماعية والجوانب الإنسانية لليهود خاصة مع التنميط الذي اعتدناه في دراما التاريخ الإسلامي للشخصية اليهودية؟

هناك مراجع قديمة كثيرة وحديثة من أهمها موسوعة الراحل الرائد عبد الوهاب المسيري، الوقائع والشخصيات موجودة، ففي المصادر ما يكفي من المعلومات للبناء عليها، أما تنميط الشخصية اليهودية فاعتبره أحد مؤشرات التخلف، فكلما كانت هناك استنارة حقيقية كان هناك صدق وعمق في تناول كل القضايا، وفي هذا العمل منظور مختلف عن الحكي التقليدي عن الدعوة الإسلامية وصراعها مع اليهود، ونظرة مختلفة لليهود كما تنظر لشخص في عينه .

·     لك تاريخ طويل من الرقابة والمصادرة منذ بدأت بتقديم مسرحية “اليهودي التائه” أواخر الستينات فهل تتوقع أن يلقى العمل مشكلات مشابهة؟

لا أعتقد ففي الدراما التلفزيونية عموماً لم تحدث مشكلات لأعمالي، غير أنهم في التلفزيون المصري كانوا يتخلصون منها بالعرض في أسوأ الأوقات من دون تدخلات رقابية، حتى في مسلسل “جحا المصري” الذي كان يتصادم مع النظام بقوة، لكن أعمالي التي تتناول الصراع العربي  الصهيوني عانت كثيراً من المصادرة والتضييق في المسرح بدءاً بمسرحية “ما حدث لليهودي التائه مع المسيح المنتظر”، التي عرضت عام 1972 بمسرح الحكيم، وأوقفت ثم أعيد عرضها عام 1988 تحت اسم “القضية 88”، ثم عرضت على مسرح البالون عام 1993 تحت اسم “السيرك الدولي” ثم عرضت عام 2007 تحت اسم “القضية 2007” في مسرح الهناجر وأوقفت مرة أخرى، وفي كل مرة أتناول القضية للأسف لا تزال حقائقها كما هي من التواطؤ الدولي والمؤامرة على الشعب الفلسطيني، ولا يزال الواقع يثبت كل يوم أن الصراع العربي  الصهيوني سيبقى قضية العرب الأولى حتى لو تخاذلوا عن خوض معركتهم، فللأسف يدرك أعداؤنا أكثر منا خطورة قضيتنا.

الخليج الإماراتية في

23/11/2011

 

تحية من جيل الشباب إليها في ذكراها الثالثة

ليلى كرم نجمة كل الأدوار في الزمن الجميل

بيروت - باسم الحكيم:  

ثلاثة أعوام مضت على رحيلها، وصرخة ليلى كرم الأخيرة التي طالبت بتأمين “آخرة الممثل”، ماتزال تنتظر . كانت الممثلة الراحلة من أكثر المطالبين بإقرار قانون تنظيم المهن الفنيّة، وركزت على الشق المتعلق بحماية الممثل في مرضه وفي أيامه الأخيرة بالتحديد . عندما كانت تصرخ في العام ،2003 وتتنقل بين مستشفى وآخر معترضة، كانت ليلى كرم ماتزال في صحتها، وكانت تحاول تأمين العلاج للفنان الراحل ماجد أفيوني لأشهر طويلة، قبل أن يغدره المرض ويفارق الحياة . هي قضيّة أساسيّة، اهتمت بمتابعتها في السنوات الأخيرة، بعدما بات العمل في مجال التمثيل لكبار الممثلين، يعتبره بعض المنتجين “تنفيعة”، خصوصاً أنهم لجأوا وقتها إلى التعاون مع أشخاص عاديين حصراً للنفقات غالباً، فكانت مشاركتها في مسلسل “خطايا صغيرة” للمخرج إيلي معلوف، آخر أعمالها التلفزيونيّة .

هكذا، تتحوّل ليلى كرم إلى قافلة الذين طواهم النسيان برحيلهم . في العامين الماضيين، بالكاد تذكّرها قلّة من الأوفياء لذكراها، هي التي وهبت حياتها لخدمة التمثيل في زمن الفن الجميل، غير أن مجرد طرح اسمها على بعض الممثلين الشباب، يجعلهم يستعيدون أعمالهم برفقتها .

الممثلون الشباب الذين تمكنوا من العمل معها في أيامها الأخيرة تلفزيونياً ومسرحياً من نجوم الزمن الحالي هم قلّة، لأن نجمة كل الأدوار لم تجد من يطرق بابها في عز حاجتها إلى المال للعلاج، وإلى فن يخرجها من حالتها الصحيّة التي كانت تتراجع يوماً بعد يوم خصوصاً أنها كانت تعدّ التمثيل منذ بداياتها عشقها، وكان طبعاً ملاذها الأخير . يقول النجم باسم مغنية، إن “هذه الممثلة التي عملت معها في آخر أيامها، كانت نموذجاً يقتدى في الفن، فنانة موهوبة أعطت الكثير للتمثيل لأنها عشقته وليس للانتفاع مادياً” .

ويرى النجم بيتر سمعان الذي كرّمها في حلقة تلفزيونيّة، أن الكلمات لا تعطيها حقها حتماً، لكنها فرصة ليؤكد أنها ماتزال في الذاكرة ولن تغيب، حتى بعد سنوات من رحيلها . ويشير سمعان إلى “أنني تعرفت إلى ليلى عن قرب . امرأة كانت تجذبني إطلالاتها، هي التي تمكنت من التمثيل بالفصحى مع أنها لا تجيد الكتابة والقراءة”، شارحاً دورها المزدوج في موقع التصوير والحياة . “كانت أماً للزملاء والزميلات، وانتهت حياتها نهاية مأساوية، وهو ما يجعلني أطالب مجدداً بالبحث عن آلية لتنفيذ قانون تنظيم المهن الفنية” .

من بين ثمانين عاماً عاشتها ليلى كرم (1928- 2008)، يمكن القول بأمانة إنها أمضت أكثر من نصفها في العطاء الفني . عاشت “وردة” في “الدنيا هيك”، بين خشبة المسرح وأمام عدسات الكاميرات التلفزيونيّة والسينمائيّة، وكانت حصيلة عطاءاتها آلاف الساعات الدراميّة بين الإذاعة والتلفزيون والسينما والمسرح . وفي المرحلة الأخيرة من حياتها، أمضت أياماً طويلة من العذاب والمرض دون أي التفاتة من الجهات المعنية في بلدها، باستثناء شخصية سياسيّة واحدة، لم تنقطع عن شكرها في أحلك ظروفها، حيث استمرت السيدة بهيّة الحريري، بتقديم المساعدة لها طويلاً .

بداية ليلى كرم كانت مع الأغنية في إذاعة الشرق الأدنى في منتصف الخمسينات، غير أن مشوارها مع الفن الغنائي، لم يستمر كثيراً، فسرعان ما وجدت نفسها في أحضان الدراما الإذاعيّة ومنها إلى تلفزيون لبنان وخشبة المسرح والأفلام السينمائيّة، حيث قدمت مجموعة كبيرة منها بين لبنان ومصر وسوريا من بينها “بنت الحارس” (1967) و”سفر برلك” مع الأخوين رحباني و”حبي الذي لا يموت” (1975) مع ملحم بركات .

ليلى كرم هي فنانة من الرعيل الأوّل، من أيّام الزمن الجميل . إنّها “وردة” في الكوميديا اللبنانيّة الأشهر “الدنيا هيك” للكاتب محمد شامل، و”ظريفة” في مسلسل “المعلّمة والأستاذ” مع الراحلين إبراهيم مرعشلي وهند أبي اللمع، وهي صاحبة عشرات الشخصيّات البارزة في مسلسلات تلفزيون لبنان، التي ماتزال في البال .

في عزلة منزلها في برج حمّود، كانت خلال السنوات الأخيرة، تحتجّ وتعترض وتسأل عن “حقوقنا نحن الفنّانين” . كلّما تذكّرت صديقها المقرّب ماجد أفيوني أو بلبل (في مسلسل “الدنيا هيك”)، كانت عيناها تدمعان: “كان يتصل بي لنلتقي في أحد مقاهي الحمرا”، ثم تلوم نفسها: “اتصل بي، قبل ساعات من رحيله، وأبلغني أنّه يقوم بغسل الكلى . قائلاً: أنا في مستشفى “الحياة”، تعي شوفيني بدي موت . لكن راح ماجد وما شفتو” . بدورها، رحلت ليلى كرم في مستشفى “أوتيل ديو” وحيدة في ظلّ إهمال الدولة، فانضمّت إلى قافلة الراحلين من الرعيل الأوّل للدراما اللبنانيّة . . . وأغلقت نصف قرن من ذاكرة الفن الجميل في لبنان .

لم تخجل كرم يوماً من تاريخها وأصولها . كانت تردّد: “أنا أُمِّيّة . . . لكنّني أتحدى أساطين اللغة العربيّة” . دخلت عالم التمثيل، وهي لا تعرف القراءة والكتابة، وكانت نصوص التلفزيون مدرستها: “عندما بدأت المسلسلات بالفصحى، بقيت في البيت، ورجوت المخرج جان فيّاض أن يعطيني ولو كلمتين . . و”كانت الجملة الأولى التي قلتها: نعم سيدي، أمرك سيدي . يومها بكى فيّاض، وقال لي لا تعودي إلى التلفزيون، فقلت له: بل ستجدني هنا يوميّاً” . وهكذا كان حتى بتّ أتحدى وأجادل من يناقشني في اللغة العربيّة” . وكما برعت في الدراما اللبنانيّة باللغة الفصحى، تميّزت في الدراما الاجتماعيّة، فمَن لا يتذكرها مع هند أبي اللمع في مسلسلاتها الشهيرة: “ألو حياتي” و”حول غرفتي” و”السراب” و”غروب” و”الأسيرة” (1980) .

ليلى كرم استطاعت أن تبرز كممثلة صاحبة إمكانات تمثيلية وموهبة فطريّة، لم تدعم بالدراسة، حالها كحال أغلبية فناني جيلها، وأطلت في عدد كبير من العروض المسرحية، كممثلة مساندة، تفوقت على معظم نجمات جيلها . فهل من أحد لا يتذكر دورها في مسرحية “ميس الريم” للأخوين رحباني؟

اختارت طريقها الفنّي على قاعدة “اشتغل مع الكبير بتكبر، واشتغل مع الزغير بتزغر . . . الرحابنة فنانون كبار، كان عاصي يقول لي: “بدي روحك في النص، بعدها بسنوات مثلت معهما خلال الحرب في مسرحيّة “المؤامرة مستمرّة” (1980)” ومن ينساها في مسرحية “الرفيق سجعان”، وفي مسرحية “أبو علي الأسمراني” . في المسرح أيضاً تعاملت ليلى كرم مع الراحل يعقوب الشدراوي في مسرحيّة “الأمير الأحمر” (1973) التي شارك فيها أنطوان كرباج وإلياس رزق، وكذلك في مسرحيّة جلال خوري “قبضاي” مع نبيه أبو الحسن، ثم مسرحيّتي “كاوبوي مرّ من هنا” (1990) و”بوب والأربعين حرامي” (1995) مع الممثل الراحل إبراهيم مرعشلي .

أما على الشاشة الكبيرة، فقد شاركت الفنانة الراحلة في أفلام عدّة من بينها: “نغم في حياتي” (1975) إلى “حبي الذي لا يموت” (1983) مع ملحم بركات وهلا عون، و”سامحني حبيبي”، مروراً ب”همسة الشيطان”، وصولاً إلى باكورة زياد الدويري  “غرب بيروت”، وقبلها جميعاً لا بدّ من أن نتذكر الفيلم الرحباني الجميل “بنت الحارس” (1967) مع السيّدة فيروز . لعلّ ليلى كرم كانت بين قلّة من ممثلي الزمن الجميل الذين استمر عطاؤهم وعاصرت جيل الشباب . وهي عرفت كيف تخطف الأضواء في الكوميديا والدراما على حد سواء، كما قدمت على مستوى مسرح الطفل مسرحيتين هما “غابة الفرح”  (1992) و”رحلة العجائب” (1997) والعملين من تأليف وإخراج طوني غطاس .

رحلت ليلى كرم معدمة كما الكثير من أبناء مهنتها الذين مازالوا محرومين من أبسط ضمانات الشيخوخة، وظلت مغبونة حتى بعد رحيلها . واليوم تتحول إلى باقة من الصور العتيقة، تذكر بمحطات فنية وإبداعية من زمن الدراما الجميل .

الخليج الإماراتية في

23/11/2011

 

دعمت 30 فيلماً في سنتين

"الشاشة" أكاديمية المستقبل

بيروت - رولا حميد:  

منذ أن تأسست في بيروت عام ،2009 قدمت مؤسسة الشاشة الدعم والتمويل لثلاثين فيلماً وثائقياً، منها سبعة أفلام للعام الجاري استفاد منها مخرجون ومنتجون من لبنان والأردن وفلسطين ومصر .

بعض الأفلام الممولة من المؤسسة تألق في كثير من المهرجانات المحلية والإقليمية كمهرجان بيروت الدولي للسينما، ومهرجان ترابيكا في الدوحة، ومنها فيلم ليلى حطيط “أقلام من عسقلان”، و”تيتا ألف مرة” لمحمود قعبور، و”بيروت عالموس” لزينة صفير .

تعتمد المؤسسة على مجالين رئيسين: صندوق التمويل، وأكاديمية الشاشة . وبينما يعد صندوق التمويل هو الإطار الأساس في عمل المؤسسة حتى اليوم، إلا أنها تركز أكثر على تأسيس وبلورة “أكاديمية الشاشة” التي ستقدم الدراسة والأبحاث الأكاديمية المتقدمة والمتطورة بأحدث التقنيات لترويج ثقافة الفيلم وصناعته .

تتبع المؤسسة خطة متطورة لضمان وصول الفيلم إلى مراحل متقدمة، فتؤمن للمخرج أو المنتج كل التقديمات والتسهيلات والمتابعة والعون . فقد جهزت مقرها بكاميرات، ومعدات مونتاج، وصوت، وملحقات التصوير . ويمكن لمن حصل على دعم أن يعتمد على تجهيزات المؤسسة مجاناً، كأن يستعير كاميرا للتصوير، أو “منتجة” الفيلم ، أو استخدام المقر للقاء، والتخطيط، والتدريب على صناعة الفيلم . كما تؤمن التدريب، والتعليم على صناعة الأفلام عبر ورش عمل، بهدف الوصول إلى أعلى المستويات في صناعة الفيلم وتقنياته، وتشجيع الإبداع في التعبير، انطلاقاً من الوقائع الاجتماعية المحيطة بالمجتمعات العربية .

إضافة إلى ذلك تتابع المؤسسة الخطوات التي ينجزها الحاصلون على الهبات، إن لمساعدتهم بخبرات أعضائها من مخرجين وسينمائيين ومتخصصين في المجال المذكور، أو للتأكد من تقدم خطوات العمل في الفيلم .

ومن ضمن أنشطتها التدريبية، نظمت المؤسسة في سبتمبر/ أيلول الفائت، بالتعاون مع المعهد الوطني للسينما في الدنمارك، دورة تدريبية لمخرجي أفلام وثائقية على أساليب الأفلام التسجيلية الحديثة، وجمالياتها واللغة البصرية الخاصة بها . وشارك في الدورة ستة مخرجين من إيران، والعراق، وتونس، ومصر، وسوريا، ولبنان . وسيلتقي المخرجون الستة مجدداً في ديسمبر/ كانون الأول المقبل لتقديم أفلامهم التسجيلية القصيرة ومناقشتها . وتولى إلاشراف على الدورة المدرّب الدنماركي آرني برو ومواطنته شارلوت ميك مايير، بالتعاون مع غسان سلهب، وكورين شاوي من لبنان .

تقدم مؤسسة “الشاشة” عبر صندوق التمويل، المنح لمخرجين ومنتجين للأفلام الوثائقية في العالم العربي، شرط أن يكون فيلماً وثائقياً طويلاً لا يقل عن 45 دقيقة . والهبات تراوح بين 5000 و15000 دولار أمريكي للإنتاج والإخراج وما بعد الإنتاج ، أي مرحلة المونتاج وما يستتبعها من تقنيات .

الأفلام السبعة الجديدة هي: “البوابة رقم (5)” للمخرج اللبناني سيمون الهبر، إنتاج جورج شقير، “المتسلل” للمخرج الفلسطيني خالد جرار ، إنتاج سامي سعيد، “لقاءات” للمخرجة اللبنانية سارة فرنسيس، إنتاج جوانا صليبا، “حبيبي بيستناني عالبحر”، أردني من إخراج ميس دروزة، وإنتاج رلى ناصر، و”أم الغايب”، مصري من إخراج نادين صليب، وإنتاج فوزي صالح، “صراع” للمخرج اللبناني جوزف خلوف، إنتاج بهاء خداج، و”9 أيار” للبنانية تمارا ستيبانيان ، إنتاج غوهار إجيتيان .

وللسنة الثانية على التوالي، ستقدم المؤسسة في “مهرجان دبي السينمائي الدولي”، جائزة قيمتها 15 ألف دولار أمريكي لفيلم وثائقي قيد التنفيذ من بين الأفلام المدرجة في “ملتقى دبي السينمائي”، سوق الإنتاج المشترك الذي يقام ضمن فعاليات المهرجان، في ديسمبر/ كانون الأول المقبل .

الخليج الإماراتية في

23/11/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)