أمام «دار القضاء العالي» في القاهرة، احتشدوا أول من أمس الأحد
دفاعاً عن جرّاح القلوب الذي ما انفك يطيب جراحهم بسخريته العالية. أما هو،
فقد أطلّ بالقبعة نفسها التي كانت مادةً للسخرية من الرئيس المصري خلال
إحدى حلقاته، ليقدّم الردّ الأبلغ على هذه «التمثيلية» الرديئة!
لكي ننتبه، كان لا بدّ من أن تستدعي النيابة العامة المصريّة باسم
يوسف إلى تحقيق دام خمس ساعات، يوم الأحد بتهمة «إهانة الرئيس وازدراء
الأديان»، قبل الافراج عنه بكفالة. كان لا بدّ من أن تبلغ «السلْبَطة»
الإخوانيّة في مصر درجة قصوى من اللامعقول، كي نتوقّف أخيراً عند تفصيل
أساسي، أهملناه عقوداً، لانشغالنا بـ «أولويّات» أخرى: «الإخوان» لا يحبّون
الضحك. هذا معطى جوهري في تكوينهم وهويّتهم.
يمكن للمرء أن يكون تقيّاً وخفيف الظل في آن، أن يكون مؤمناً وضحوكاً.
أمّا «المتأسلمون» الذين تأجّل نقدهم طويلاً ـــ لوجودهم في موقع «المقموع»،
تحت نير حاكم مستبدّ وجائر، (أو موقع «المقاوم» في حالة واحدة، صارت من
ذكريات الزمن السعيد) ـــ أمّا أولئك «المتأسلمين» نقول، فقد تكون لهم
فضائل أخرى، لكنّ المؤكّد أنّهم لا يضحكون. لا يحبّون الضحك، ولا يعرفونه.
هذه الزهرة البريّة، لا تنبت على ضفّتي الطريق التي يخيّل إليهم أنّها
الوحيدة المشرّعة أمام العباد الصالحين. الجسد اليابس، المتصلّب، المتشنّج،
الذكوري، هو عدوّ الليونة والمرونة والطراوة والخفّة والأنوثة، والقدرة على
القفز والرقص والتجاوز. وايديولوجيا «العبوس»، في النتيجة، تعبير عن تنافر
مع العالم الخارجي، عن خصومة عضويّة معه. وفي كل الأحوال، فإن نبذ الضحك،
موقف واضح من شؤون الحاضرة ومشاغل الناس. ليست المشكلة فحسب في «الفزّاعة»
الطالعة من خرائب حياتنا اليوميّة، لتعلن القطيعة مع العصر، مع الحياة
الدنيا، مع السعادة والفرح، بل إن الخطورة تكمن ـــ كما في كلّ
التوتاليتاريّات ـــ في العداء لأي شيء قد يشكّل مسافة مع الفقه الرسمي، أو
خروجاً عن حبل الطاعة… كل ما يفلت من القالب الايديولوجي مشبوه حكماً،
ومنحرف عن الصراط المستقيم. والكوميديا، تحديداً، خطر دائم، لأنّها فاضحة
عاهات، وهنات، وخطابات مزوّرة، وشعارات منحولة. «طرطوف» العربي المتربّع
الآن على عرش السلطة، لن يسمح لموليير معاصر بكشفه على حقيقته.
العداء للضحك يفضح لدى المصابين به عجزاً بنيويّاً، إحساساً
بالدونيّة. كاره الضحك يعيش حالة ذعر دائم من أن يكون هو موضوع السخرية.
والرئيس محمد مرسي صار موضوعاً مثاليّاً لكل أنواع الكاريكاتور والسخرية
والتهريج. وكان من سوء حظّه، بعدما كنّست العاصفة كوميديّي العهد البائد،
أن يطلع من بين الناس رجل اسمه باسم يوسف، ويصطفي الريّس ضحيّة نموذجيّة
لاستعراضه الساخر. طبيب القلب الخفيف الظلّ الذي ظهر فجأة بعد الثورة، خرج
من عيادته ليقلب المشهد التلفزيوني. ملايين المشاهدين في مصر وخارجها باتوا
ينتظرونه على «سي بي سي»، أو يطاردون حلقات «البرنامج» على اليوتيوب. إنّه
معلّق سياسي مناسب للأزمنة المتحوّلة، لا يشبه نموذجاً سائداً في مصر، وإن
استقى من الذاكرة المصريّة، والمخزون الشعبي، مراجعه ولغته ومؤثراته… أما
تقنيّاته فتنتمي إلى ثقافة عصريّة مشرّعة على العالم. نفح الدكتور الشاب
شيئاً من الروح في الحياة السياسيّة المصريّة: بهيّ الطلعة وسط غابة من
البشاعة، منفرج الأسارير قبالة طغمة من الوجوه المشوّهة، التماعة عينيه
تقطعان مع الغباء المهيمن، ثاقب النظرة فيما الفكر الغيبي يحاصرنا، لافت
بوعيه النهضوي في زمن الردّة، كوميدي بالفطرة في مواجهة اللغة اليابسة…
هكذا تعاطى مع المأساة التي تشهدها مصر - والعالم العربي - على قاعدة: وشرّ
البليّة ما يضحك! نحن نعيش في زمن باسم يوسف. حين سيكتب تاريخ المرحلة
الصاخب، لا بد من أن تفرد مكانة لهذه الظاهرة، على خلفيّة المبارزة
المتواصلة التي تلخّص الصراع في مصر: باسم يوسف في مواجهة محمد مرسي.
«المهرّج» هو رمز جديد لشعب منهك لم يبقَ له سوى النكتة، هو الذي تُشكّل
خفّة الظل جزءاً من شخصيّته الوطنيّة. لقد صنع الكوميدي مجده من «الترْيَقة»
على مرسي «قاطع الأصابع» ومرتكب الهفوات كما يتنفّس، و«الاسلامي المعتدل»
حسب مصطلح كرّسه الخطاب الغربي الخبيث.
الثورة مرّت من هنا، و«الإخوان» خرجوا من سجون الطاغية إلى السلطة، وباتوا
خاضعين لكل أشكل النقد. هنا تحت الأضواء الفاقعة،
تختفي دوافع التعاطف القديمة معهم، وسائر الأسباب التخفيفيّة لتظهر العيوب
في حجمها الطبيعي: خواء، وخطاب أجوف، وجهل بالقواعد، وسلوك كاريكاتوري،
وأميّة فكريّة، ونزعة استبداديّة وانقلابيّة، وقصور في الرؤيا، فصام متعدد
المستويات، واستعداد لمساومة الوصاية الخارجيّة على الحقوق الوطنيّة.
الاطلالات القليلة الماضية لـ «جون ستيوارت» المصري، كانت فتّاكة.
«العشق
الممنوع»
بين الإخوان وأمريكا. لقطة لأوباما يكشّر عن أنياب دراكولا : «القدس
الموحّدة ستبقى عاصمة إسرائيل». وباسم يوسف يحاسب رئيسه: «فاكر يا مرسي
أيّام الشقاوة، كنت بتقول إيه عن أمريكا؟». لكنّ الأزمنة تغيّرت من لعبة
«مَن الذي؟…» (جاء بأميركا، خطاب لمرسي طبعة ٢٠٠٥)، إلى حبيبتي أمريكا، على
لسان مرسي موديل ٢٠١٣! البلد على كفّ عفريت؟ فليكن الضحك وسيلة للتوعية،
وتعويذة لتفادي الهاوية. الاسكتش الذي قدّمه الاعلامي قبل أسبوع في
«ألف
نيله ونيله»،
عن «الحرب الأهليّة، أو كيف تستعدّ لها؟»، جاء مضحكاً وفظيعاً، ليخاطب
شعوباً عربيّة كثيرة غير المصريين في هذا «الربيع» الكابوسي… هل الاسكتش
المشار إليه هو القشّة التي قصمت ظهر البعير؟ بعد أسابيع من الضغوط
والشكاوى القضائيّة والتهديدات بحقّ يوسف، ارتكبت السلطة الإخوانيّة خطأ
إضافيّاً، وإذا بها تجرّ النجم التلفزيوني إلى التحقيق كمجرم خطير. علماً
أن «المطاردة» القانونيّة للاعلاميين بلغت خلال عهد مرسي، أربعة أضعاف ما
شهدته مصر طوال حكم مبارك! عشيّة مثوله أمام النائب العام، نشر يوسف، صاحب
المليون «فولورز» هذه التغريدة الهاذية: «يا جماعة أفضل ردّ على هذا
الاعتداء السافر على الحريات، انكم تعملوا «أنفولو» لمُرسي، عشان أعدّيه في
«الفولورز». يا له من رد مزلزل!».
إذا لم يبق إلا سلاح واحد في مواجهة «الشموليّة الإخونجيّة» التي تجسّد
ذروة البؤس السياسي العربي، فهو الضحك. إسألوا هنري برغسون. في المستقبل
ربّما سيكون على المواطن العربي، حين يذهب إلى صندوق الاقتراع، أن يختار
ممثليه على أساس خفّة ظلّهم (بين معايير أخرى)، وطرافتهم، وقدرتهم على
السخرية والضحك. في انتظار ذلك، ليس لنا سوى... باسم يوسف.
نجم بين ليلة وضحاها: الإعلامي الظاهرة
محمد عبد الرحمن/ القاهرة
8آذار
(مارس) عام 2011 و31 آذار 2013. عامان وأيام عدة فصلت بين أوّل ظهور على
اليوتيوب لباسم يوسف (1974) ومثوله أمام جهات التحقيق بتهمة إهانة الرئيس
وازدراء الدين الإسلامي. مع صديقيه عمرو اسماعيل ومحمد خليفة، قدّم حلقات
ساخرة عبر يوتيوب وصوّرها في غرفة الغسيل في شقته كما روى.
عندها، بدأت برامج الـ«توك شو» تنتبه إلى نجاحه خلال الأسابيع القليلة
التي أعقبت تنحّي حسني مبارك. وجه غير معروف يستخدم امكانات متواضعة ويصل
عبر يوتيوب إلى جمهوره بمضمون جديد. يعتبر باسم أوّل وجه ينتقل من يوتيوب
إلى الشاشة الصغيرة عبر قناة «أون. تي. في» التي قدّم معها أوّل مواسم
برنامج «البرنامج» في رمضان عام 2011.
نصف ساعة انقسمت إلى فقرة كوميدية يقدّمها بطريقته ثم حوار مع شخصية
ما. تضاعف الاقبال على برنامج الاعلامي خصوصاً أنّ الاستقطاب السياسي كان
أقل حدة في تلك الفترة. في الربع الثاني من العام 2012، غادر باسم «اون. تي.
في» وتعاقد مع cbc
على موسم جديد. استغل فترة الاجازة وذهب إلى أميركا للقاء ملهمه جون
ستيورات وسجّل حلقات برنامج «أمريكا بالعربي» (21:00 على قناة
«osn
يا هلا شباب»).
عاد إلى الشاشة في «البرنامج»، لكن مع جمهور داخل العرض. ضحكات
حقيقية، وتفاعل مع الحضور خصوصاً النجوم الحاضرين منهم اليسا، وأصالة،
ويسري فودة وهاني شاكر. الرئيس محمد مرسي هو الضيف الدائم على مدى 19 حلقة.
فرق غنائية تظهر مع باسم وتحقق انتشاراً كبيراً بعد البرنامج. انتقادات لا
نهاية لها وهجوم عنيف من القنوات الدينية ودعاوى لوقف «البرنامج» والقناة
ككل. كل ذلك يحدث والاعلامي الظاهرة مستمر في التأكيد على أنّ سلاح السخرية
هو أخطر ما يمتلكه المصريون الذين دافع معظمهم عن باسم يوسف أمام مكتب
النيابة العامة أول من أمس، رافضين التفريط بالبهجة الأسبوعية التي يمثلها
الاعلامي وسط الأيام الكئيبة التي جاءت بعد ثورة هزمت أعداءها بالضحك قبل
أي شيء آخر.
العالم كلّه يهتف: «باسمون»
أحمد جمال الدين/ القاهرة
اللافت في قضية استدعاء باسم يوسف للنيابة العامة أنّ الجميع تبرّأوا
من الاتهام وذهبوا إلى مساندة الإعلامي. لم يقف أحد مع النيابة التي أمرت
بضبطه وإحضاره. لم يجد المستشار طلعت عبد الله النائب العام المصري (صادر
بحقه حكم قضائي بالعزل)، مَن يسانده في قرار ضبط يوسف وإحضاره. حتّى إن بعض
مقدّمي البلاغات أعلنوا أنهم ينوون سحبها.
المتحدث باسم «اتحاد محامي مصر»، محمد رشوان، الذي اتهم باسم يوسف
بازدراء الأديان في إحدى مقابلاته الإعلامية، قال لـ«الأخبار» إنّ الاتحاد
يدرس بجدية سحب البلاغ ما لم يتم التحقيق في باقي البلاغات المقدمة للنائب
العام في الوقائع المتهم بها أعضاء من جماعة الإخوان لأنّ «المحامين لن
يكونوا وسيلة للنيل من الإعلامي الساخر».
كان لافتاً التضامن الإسلامي الذي حظي به يوسف خلال ذهابه إلى النيابة
العامة للإدلاء بأقواله. محامي جماعة الإخوان المسلمين، صبحي صالح، حضر
التحقيق مع يوسف، لكنّ مقدم «البرنامج» وافق على حضور محامي الجماعات
الإسلامية منتصر الزيات جزءاً من التحقيقات إلى جوار محاميه.
لم يكتف مؤيدو باسم يوسف بالتضامن معه عبر ساحات الفايسبوك وتويتر، بل
بتخصيص هاشتاغ له، كما نظّم أعضاء حركة «باسمون» وقفة تضامنية أمام النائب
العام، بالإضافة إلى بعض الشباب من القوى الثورية الذين هتفوا تأييداً له.
واللافت هو الإدانة الواسعة من قبل الإعلاميين ومقدّمي برامج الـ«توك
شو» خلال استعراضهم لواقعة التحقيق مع الإعلامي الساخر، لأنّ الحادثة تعدّ
الأولى من نوعها التي يتم فيها إصدار قرار بضبط الإعلامي «المتّهم»
وإحضاره، رغم عدم وجود سوابق استدعاء له.
أما تويتر المشاهير، فلم يخلُ من تدوينات التضامن مع الإعلامي
الظاهرة. غرّدت المغنية إليسا «على كل حرّ أن يدعم دكتور باسم يوسف، صوتك الحرّ يجب أن يبقى ربيع هذه
الثورة العربية»، فيما عمدت الى إعادة تغريد العديد من التدوينات التي
تدعمه. التضامن مع باسم لم يتوقف عند المغنين والإعلاميين، بل وصل إلى
السياسيين أيضاً. إذ أعلن كل من عمرو موسى ومحمد البرادعي تضامنهما مع
الإعلامي، ورفضهما إجراءات التحقيق معه، ليردّ باسم على تدوينة البرادعي
بتوجيه الشكر للنائب العام الذي منحه فرصة أن يذكر البرادعي الحاصل على
جائزة «نوبل للسلام» في تدوينة!
ولم تغب الصحافة العالمية عن الحدث.
أفردت كبرى الصحف مقالات وتحقيقات حول قضية يوسف، ومن أهمها «لو موند»
والـ«غارديان» و«نيويورك تايمز» وcnn
وbbc.
وكعادة يوسف في الردّ على متابعيه عبر حسابه الذي تجاوز متابعوه أكثر من
مليون شخص، أعلن اعتذاره عن عدم الردّ على طلبات الظهور الإعلامي، معلناً
تركيزه على التحضير للحلقة المقبلة التي ستسجّل غداً الأربعاء.
فهل يسجّل باسم يوسف الحلقة العشرين من البرنامج؟ أم سيكون استدعاؤه
للتحقيق مرة أخرى سبباً في اعتذاره عن عدم تسجيل الحلقة بسبب عدم جهوزية
المحتوى؟
التهمة الإساءة إلى الإسلام و... الرئيس
محمد عبد الرحمن, أحمد جمال الدين
القاهرة | في
حواره الشهر الفائت مع الإعلامي عمرو الليثي، قال محمد مرسي إنّ البرامج
التي تهدف إلى السخرية فقط هي مضيعة للوقت. التفسير كان واضحاً. مرسي غير
معجب بباسم يوسف. جرّاح القلب اعتاد تشريح خطابات الرئيس، ليكون أوّل
إعلامي يتابعه المصريون كل جمعة في المقاهي التي كانت شاشاتها مخصّصة
لمباريات كرة القدم، لكن في «البرنامج»، طغى نجاح باسم يوسف على الجميع.
ويبدو أنّ صبر نظام مرسي نفد بعد الحلقة الـ19 التي عرضت الجمعة الماضي. في
اليوم التالي، أصدر مكتب النائب العام طلعت عبد الله قراراً بضبط وإحضار
يوسف للتحقيق في البلاغات المنسوبة إليه (29 بلاغاً)، ليكون الإعلامي
الوحيد الذي يواجه بلاغات أكثر من عدد الحلقات التي قدّمها. قرار النائب
العام لا يصدر عادة، إلا في حالات يكون فيها المطلوب خطراً على المجتمع، أو
عندما لا يمتثل لقرار استدعائه أمام النيابة. فهل جاء قرار إحضار «جون
ستيورات العرب» لإلهاء الناس عن أزمات النظام السياسية والاقتصادية؟
السؤال ردّ عليه المتحدث باسم النيابة العامة مصطفى دويدار الذي أكّد
أنّ القرار صدر قبل أيام وأُعلن رسمياً السبت الماضي. وشدّد على أن النيابة
«تتعامل بعدالة مع كل البلاغات وليس فقط التي يتضرّر منها معارضو الرئيس».
أما باسم، ففاجأ الجميع بذهابه أول من أمس الأحد إلى النيابة وإعلان
استعداده للمثول للتحقيق رغم وجود فرضية حبسه أياماً على ذمة التحقيقات.
ذهب الاعلامي إلى دار القضاء العالي وهو يعتمر القبعة الكبيرة التي أطلّ
بها في الحلقة التي سخر فيها من القبعة التي وضعها مرسي لدى تسلّمه
الدكتوراه الفخرية من باكستان. وعبر تويتر، نقل ما جرى معه في التحقيقات،
لكن رجال النيابة طلبوا منه لاحقاً مسح التغريدات. وفي واقعة غير مسبوقة،
أجرى المحقق الرئيسي في قضية يوسف المستشار محمد السيد خليفة، مداخلة
هاتفية مساء السبت ضمن برنامج «نادي العاصمة» الذي تقدمه لميس الحديدي على cbc.
على الهواء مباشرة، أعلن أنّ موقف باسم صعب قانوناً، وقرار الضبط والاحضار
كان ضرورياً في هذا النوع من القضايا الحساسة. كان خليفة يعني التهمة التي
وجّهت إلى باسم بازدراء الإسلام لا تهمة إهانة الرئيس، والهدف هو الإيحاء
بأنّ التحقيق معه يهدف إلى «حماية الدين أولاً» لا ردعه عن نقد الرئيس الذي
بلغ ذروته في الحلقة الأخيرة.
مرسي الذي يدّعي أنّه لا يتدخل في عمل النيابة العامة، لم يعلّق على خروج
المحقق على الشاشات ليتكلم عن التحقيقات، فيما رد باسم عليه عبر البرنامج
نفسه («نادي العاصمة»)، مشيراً إلى أنّ تصريحات خليفة تعكس وجود حالة تربص
به. يذكر أنه خلال ذهاب يوسف إلى النيابة العامة، رافقه محامون ينتمون إلى
التيار الاسلامي، رافضين تقييد حرية التعبير بحجة اهانة الرئيس، ولم تعلن
النيابة مواعيد الجلسات الجديدة (أُخلي سبيل يوسف بكفالة 15 ألف جنيه على
ثلاث قضايا، وتبقى قضية رابعة لم يتحدد موعد التحقيق فيها)، لكن الموعد
الأهم هو حلقة الجمعة التي سينتظرها الكلّ بشغف، والسؤال الأهم: هل سيستمر
يوسف في نقد مرسي؟ الإجابة برسم «جرّاح القلوب»؟
«البرنامج»
كل جمعة 22:30 على قناة
cbc
نكتة جاهزة تنتظر مَن يرويها
محمد خير/ القاهرة
صوت ملايين الشباب المصريين خلال مسيرتهم، أجرى الإخوان حساب كل شيء
باستثناء أهم سلاح معارضة في تاريخ المحروسة: السخرية. حلقة واحدة كل جمعة،
أخطر من عشرة أحزاب في تأثيرها السياسي، ودورها في صنع الوعي الجديد
ثلاث خواص يملكها باسم يوسف ولا يملكها الإخوان المسلمون: حس الدعابة،
الابتكارية، التواصل مع ثقافة العصر. في خططهم التي وضعت قبل عشرات السنين،
وواصلوا تطبيقها لغاية «التمكين»، عمل الإخوان حساب كل شيء تقريباً: الجيش،
أميركا وإسرائيل، الرأسمالية المصرية، الوجود القبطي، المثقفون، الأزهر
والصوفيون، لكنهم فوّتوا أهم سلاح معارضة في تاريخ المحروسة: السخرية. يمكن
ملاحظة الرسوم الساخرة حتى في معروضات المتحف المصري في ميدان التحرير.
محاولات عمرها آلاف السنين لصناعة كاريكاتور يسخر فيه عمّال الأهرام
والمعابد من معلمي الورش. عبد الناصر واجه الإمبريالية، لكنه لم يحتمل لقب
«عبد الجبار» الذي أطلقه عليه أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام، فأودعهما المعتقل
إلى أن مات. مبارك حكم مصر منفرداً 30 عاماً من دون التخلص من لقب «البقرة
الضاحكة». السادات توقف مبكراً عن ملاحقة النكات التي تدور حول «زبيبة
الصلاة» التي كان ينساها في البيت كما تحكي النكات، ويخرج من دونها. ثم جاء
مرسي وبدا مثل نكتة جاهزة تنتظر من يرويها. لم يقصّر المصريون في هذا
الأمر. في حلقته الأخيرة (الرقم 19)، يتقدم باسم يوسف وأسرة برنامجه بـ
«شكر وخاص للدكتور الرئيس محمد مرسي لإسهاماته في نجاح «البرنامج»، ما ساعد
على التخلص من نصف فريق الإعداد وخفض التكاليف». ليس غريباً أن يستيقظ باسم
في اليوم التالي على قرار «ضبط وإحضار» من قبل النائب العام، الذي يسميه
المصريون «النائب الخاص». الرجل الذي عيّنه مرسي ويعارضه شباب النيابة،
وأصدر القضاء حكماً ببطلان وجوده في مكتبه، أصدر أمر القبض بتهمة «ازدراء
الإسلام وإهانة الرئيس». بدا القرار على غرار تظاهرات الإسلاميين التي يجري
فيها حشر أي كلمة إلى جوار الشريعة: «الشرعية والشريعة»، «الثورة والشريعة»...
البلاغ قدمه محاميان عضوان في «اتحاد محامي مصر»، وهو أحد التنظيمات
الموازية التي أنشأها الإخوان على طريقتهم في العمل السري، لتشكيل هيئات
قانونية وإعلامية تحمل عنواناً عاماً كي تبدو الصورة كأن «الشعب» هو الذي
يريد «دعم الرئيس» أو «تطهير الإعلام» أو «محاربة الرذيلة» أو محاكمة باسم
يوسف.
ويمكن ملاحظة النشاط المحموم للجان الإلكترونية الإخوانية ضد يوسف على
مواقع شهيرة، كيوتيوب أو موقع «العربية». رغم شعبية «البرنامج» التي تتضح
من عدّاد الزيارات أو من نسبة الإعلانات، سيُلاحظ أنّ هناك آلاف التعليقات
المتشابهة التي تتهم باسم بـ«تجاوز الخطوط الحمراء» أو تطالب الرئيس بأن
«يغضب»، أو تهدد البرنامج بأن تلك الحلقة ـ أيّ حلقة ـ ستكون الأخيرة. كل
ذلك لا ينفي أنّها المرة الأولى التي تفرد فيها المقاهي المصرية كراسيها
لمتابعة برنامج بديلاً عن مباريات كرة القدم، لكن ذلك لا يعود إلى جرأة
البرنامج في انتقاد الرئيس والجماعة فحسب، بل إلى مزايا أخرى قلّما يجدها
المشاهد العربي في برامجه، وهي الابتكارية والتجدد، المرتبطة في آن واحد
بما هو مألوف في ثقافة المشاهد وهويته.
في الحلقة الأخيرة، يلجأ باسم إلى أجواء «ألف ليلة وليلة»، مصاحباً
حديثه المسجوع بموسيقى كورساكوف الشهيرة، وبالرسوم ذات الصبغة الفارسية
المميّزة لليالي الألف. وفي حلقة سابقة، يقيم «زار بلدي» على المسرح تنفذه
فرقة من عازفي الدف وراقصي التنورة، يتغنّى بـ «الدور الدور، الإخوان طقشوا
في حزب النور»، مستعملاً لحن بليغ حمدي في مسرحية «ريا وسكينة» وهو يسخر
«يا شماتتك يا حمدين يا حمدين، سبتوا إيه للمدنيين؟»، ما جعل حتى أبو إسلام
أكثر الدعاة تطرفاً على قناة «الحافظ»، يعترف بأن باسم محقّ في «الزار»
الذي أقامه. إذا أضفنا إلى الأمثلة السابقة، العمل الموازي بتقديم الفرق
الموسيقية الشابة والمجددة، والجهد الفائق لفريق الإعداد في البحث وراء
سقطات الرئيس والإضاءة على هفوات جماعته، وهو جهد أدى إلى أزمات دبلوماسية
اضطر على أثرها مرسي إلى «توضيح» تصريحاته القديمة بخصوص «أحفاد القردة
والخنازير»، واضطر جون كيري في الكونغرس إلى الدفاع عن «توضيحات» مرسي،
يمكن القول إنّ حلقة باسم مساء كل جمعة، أخطر من عشرة أحزاب مجتمعة، في
تأثيرها السياسي، ودورها في صنع الوعي الجديد. ذلك أنّ الفيديو القصير
والشهير «القصاص» حيث يظهر المرشد محمد بديع وهو يلقّن «المرشح» محمد مرسي
ما يقول، أشد تأثيراً من مئات المقالات التي تشرح تبعية مرسي لجماعته
ومرشده، تلك هي عبقرية الصورة، وخطورة باسم أنه يدركها جيداً. مهما يكن ما
سيذهب إليه قرار ضبط وإحضار يوسف، فهي معركة طويلة، لأن ما لا تدركه
الجماعة أنّ باسم موجود وناجح، ليس لجهده فقط، بل أيضاً لأنه يعبر عن
ملايين الشباب.
الأخبار اللبنانية في
02/04/2013
باسم يوسف:
«شكراً للإخوان لأنّهم يوفرون مادة للبرنامج»
مصطفى فتحي
امتدت يد «الضبط والإحضار» التي أطلقها النائب العام المصري طلعت عبد
الله لتطول الإعلامي باسم يوسف صاحب البرنامج الساخر «البرنامج؟». يد
النيابة العامّة المصريّة، كانت طالت إعلاميين وناشطين سياسيين عديدين، ممن
قالوا «لا لحكم المرشد». وصار أكيداً أنّ «البرنامج؟» الذي يحقق عرضه أعلى
نسبة مشاهدة في مصر، يسبب أزمة كبيرة لجماعة «الإخوان المسلمين». والأكيد
أنّ التحقيق مع باسم يوسف، أو محاولة التهويل عليه، لا يمكن أن تمرّ مرور
الكرام، بعد ردّة الفعل الشعبيّة والإعلاميّة التي خلّفها استدعاؤه إلى
مكتب النائب العام، لتنفيذ أمر الضبط والإحضار، بتهمة «إهانة الرئيس
وازدراء الأديان والسخرية من الصلاة».
ومساء أمس، شهدت قضيّة ملاحقة يوسف تطوّراً دراماتيكياً آخر، إذ أمر
النائب العام نيابة أمن الدولة العليا بالتحقيق في البلاغ الذي تقدم به
المحامي أشرف ناجي الجندي. واتهم البلاغ يوسف بتكفير الشعب المصري، حين
قال: «ومن هنا ابتدا التار بين الإسلاميين الطيبين وبقية الشعب الكفار».
وكعادته في «البرنامج؟» تعاطى يوسف مع استدعائه إلى المحكمة أمس
الأول، بسخرية شديدة. ذهب إلى التحقيق مرتدياً قبعة ضخمة، تشبه تلك التي
ارتداها الرئيس مرسي أثناء حصوله على الدكتوراه الفخرية في باكستان قبل
أيام قليلة.
أمام مكتب النائب العام، وجد باسم يوسف المئات من أنصاره يهتفون ضدّ
«حكم مرسي»، في مشهد نقلته وسائل الإعلام العربيّة، ووكالات الأنباء،
والصحف الأجنبيّة.
حسام السنهوري، محامي باسم يوسف، قال لـ«السفير» إنّه تمّ التحقيق مع
يوسف بالأمس بثلاث تهم من أصل أربع، مضيفاً إنّ «برنامج باسم نقدي ساخر،
والفكرة جديدة على المجتمعات العربية، وإنّ وقف البرنامج ليس من سلطة
النيابة، ولكن من سلطة القضاء الإداري». وأكمل: «استمرت التحقيقات 4 ساعات
استمع خلالها خليفة إلى أقوال باسم في ما نسب إليه من اتهامات بإهانة
الرئيس مرسي وازدراء الدين الإسلامي وتكدير السلم العام، وقامت النيابة
بعرض الأسطوانات المدمجة «سي دي» والمرفقة مع البلاغات، وهو ما نفاه باسم
يوسف، وانتهت التحقيقات بإخلاء سبيل باسم يوسف بكفالة 15 ألف جنيه مصري».
من جهته، قال يوسف في اتصال هاتفي مع «السفير» إنّه لن يتوقف عن
السخرية، مضيفاً أنّ فريقاً كاملاً من المحامين يشرف على برنامجه، وإنّه
يدرك جيداً معنى ومسؤولية أي حرف ينطق به في البرنامج. وأضاف: «ضبطي
وإحضاري سيكونان موضوع حلقة الجمعة المقبلة من برنامجي، شكراً للإخوان
لأنهم يوفرون للبرنامج مادة ساخرة جاهزة».
جاء التحقيق مع باسم يوسف كدليل إضافي على التضييق الممنهج على حرية
الرأي والتعبير، من قبل «الإخوان المسلمين». ويرى جمال عيد مدير الشبكة
العربية لمعلومات حقوق الإنسان، أنَّ محاكمة باسم يوسف استمرار لمسلسل
تكميم الأفواه، وإرهاب الإعلاميين: «الأكيد أن المصريين لن يعودوا للوراء،
ومستمرون في انتزاع حقوقهم».
وتقول هبة مريف، مدير منظمة «هيومن رايتس ووتش» في مصر، إن «التحقيق
مع يوسف يمثل أخطر إهانة لحرية التعبير منذ تولي جماعة «الإخوان المسلمين»
السلطة في مصر هذا العام».
كل وسائل الإعلام العالمية اهتمت بقضية باسم يوسف، إذ كتبت صحيفة «الغارديان»
البريطانية، في تقرير لها أمس، إن محاكمة الإعلامي الساخر باسم يوسف، ألقت
مزيداً من الضوء على المخاوف بشأن حرية الرأي والتعبير في مصر، مضيفةً أنّ
هذا التحرك يمثّل «إشارةً إلى أنّ نظام الرئيس مرسي الذي يقوده الإسلاميون،
مستعدّ الآن لاتخاذ مزيد من الإجراءات الاستبداديّة، ضدّ المعارضين». كما
أشارت تقارير نشرتها صحف «واشنطن بوست» و«الإندبندنت» و«نيويورك تايمز» و«فاينانشال
تايمز»، إلى أنّ اتهام باسم يوسف بإهانة الدين الإسلامي والرئيس محمد مرسي،
«تهدف إلى إسكات منتقدي الرئيس الإخواني».
على فايسبوك وتويتر أخذ التضامن مع الإعلامي الساخر شكلاً مختلفاً،
فنشطاء عديدون وضعوا صورة باسم يوسف كصورة لحساباتهم الشخصية، وظهر مفتاح «تاغ»
على تويتر يحمل اسم «باسم يوسف» احتوى على آلاف التغريدات التي يتضامن
أصحابها مع الإعلامي المصري. لكن تظل تغريدة الأكاديمي والمفكر المصري
المصطفى حجازي هي الأكثر تبادلاً من بين كل التغريدات على مواقع التواصل
الاجتماعي، وقال فيها: «زال عن مصر كل الطغاة.. وبقي الشعب المصري يناضل
ساخراً وباسماً في وجه المحن. تحية لكل «باسم» مصري.. دمت يا باسم مناضلاً».
روح الثورة
السخرية وسيلةً للتنكيل بالسلطة
احمد ناجي
منذ التسعينيات وحتى العقد الأول من الألفية الثالثة، تشكّلت ثلاث
حلقات أساسية للإنتاج الفني في مصر. الحلقة الأولى مخصّصة للفن التجاري
الذي تتبناه شركات إنتاج كبيرة، ويتمّ التسويق له في القنوات الرسمية
والفضائية. والحلقة الثانية هي ما يعرف بالفن المستقل، والذي نما بفضل
عشرات المشاريع الثقافية المموّلة من الجهات المَانحة الأجنبية، في فلك
المسارح وقاعات العرض الصغيرة. والحلقة الثالثة هي الفنّ الشعبي المنبوذ من
الوسط التجاري لأنَّه لا يعبّر عن قيم الطبقة الوسطى، والمرفوض من حلقة
«الفن المستقل»، ويعتمد على الأفراح والليالي الشعبية، التي تقام في
الشوارع.
الثورة جاءت لتحدث خللاً عميقاً في الحلقات الثلاث.
فجأة لم يعد للرقابة بأي أشكالها أيّ معنى، بل أصبح التنافس في كسر
الخطوط الحمراء من عوامل الجذب الجماهيري. ذائقة الجماهير تغيرت أيضاً بفعل
تغيير معطيات الواقع الذي تعيش فيه.
كانت الحلقة التجارية الأكثر تأثراً بشكل سلبي بفعل التغيير. فصناعة
الموسيقى القائمة على بيع الأسطوانات، لم يعد لها مكان، بسبب انتشار
القرصنة. ولم يستطع النجوم القدامى، مثل تامر حسني وغيره العمل داخل الواقع
الجديد، فاتجهوا نحو لبنان أو دبي.
وقع الفن المستقلّ في مأزق أكثر تعقيداً، فبعد الثورة أصبح نجومه
يحلّون مكان النجوم التجاريين. الفرق الموسيقيّة التي كانت تلعب في المسارح
الصغيرة، صارت نجمة إعلانات المشروبات الغازية. تحوّل الفن البديل أو
المستقلّ إلى الفنّ السائد المدموغ بختم الثورة، والذي تتسابق عليه الشاشات
وشركات الإنتاج.
وصار الانترنت بدوره أكثر فاعليّة وانتشاراً. توسعت خدمات «يوتيوب»
الإعلانية، وتمكّن منتجو الأغاني أو الفيديوهات القصيرة من الشباب، من جني
مبالغ مالية معقولة بفضل فيديو حقّق نسبة مشاهدة عالية. شركات الإنتاج
الصغيرة، نجحت في تسويق قنوات على «يوتيوب» بشكل احترافيّ، يضاعف من العائد
المادي وانتشار منتجي الفيديوهات. ربما تكون الحالة الأبرز في هذا السياق،
برنامج باسم يوسف، الذي قفز في فترة عامين، من قناة بث على «يوتيوب»، ليصبح
البرنامج الأكثر جذباً للإعلانات التجارية، بشكل يدفع باسم نفسه للشكوى من
كثرة الإعلانات ومقاطعتها للحلقة.
تغيّرت قواعد اللعبة الإنتاجية، وباتت المنتجات الثقافيّة والفنيّة،
في صراع مع نمطين من السلطة. النمط الأول يتعلق بسوق الإنتاج الفني
والإعلامي في مصر الذي يخضع لسيطرة مُحكمة وقوانين قديمة متوارثة. والنمط
الثاني هو السلطة الصاعدة في مصر، والقائمة على التحالف بين جماعة
«الإخوان»، وبقايا مؤسسات الدولة الآخذة في التحلل.
تلك الذائقة الجديد، هي ما يمكن تسميته بـ«روح الثورة». عالم جديد
يتشكل في المجال الفني والاعلامي في مصر.
السخرية تقود الإعلام الجديد
في رواية «العنف والسخرية» لألبير قصيري، التي تدور أحداثها في مدينة
الإسكندرية في أربعينيات القرن العشرين، يشكل مجموعة من الثوريين السابقين
تنظيماً سرياً، يتخذ من السخرية وسيلة في معركتهم ضد السلطة التي يمثلها
«المحافظ». وفي إطار من التشويق وخداع البوليس السري، ينجح التنظيم في
تنفيذ ضربته الأكبر ضدّ المحافظ، من خلال طباعة آلاف الملصقات الانتخابيّة
التي تحمل صورة المحافظ وتشجع على انتخابه... لكن كلّ ملصق يحمل إحدى
عبارات المحافظ السطحية، والخالية المعنى والتي يلقيها في مناسبات مختلفة،
وتكشف خواء السلطة وجهلها. قام التنظيم بطباعة الملصقات ولصقها في كل
الشوارع. وكان المارّة يتوقفون أمامها، ويشرعون بالضحك من دون توقّف. لكنَّ
المأزق الأكبر كان لدى عناصر الدرك وأتباع المحافظ، إذ أنّهم كانوا لا
يعرفون من وضع الملصقات، ولا يجرؤون في الوقت عينه على تمزيق صورة المحافظ.
ويشرح منظر التنظيم السري في رواية قصيري فلسفته الخاصة التي قادته لذلك
الفعل قائلاً: «أعرف شيئين في غاية البساطة أما الباقي فلا أهمية له: الأول
هو أن العالم الذي نعيش فيه تحكمه عصبة نبيلة من الأنذال التي لطخت الأرض،
الثاني أنه لا يجب أن نأخذ الأمر على محمل الجد لأن هذا هو ما يرغبون فيه».
يمكن الرجوع لرواية قصيري لمعرفة نهاية قصة التنظيم السري، لكن لمعرفة
مدى فعاليّة سلاح السخرية في المعارك السياسية، يمكن تأمل طبيعة العلاقة
بين المشهد الإعلامي والنظام السياسي، في مصر اليوم. لم يعد الأمر يتطلّب
تنظيماً سياسياً سرياً، فكل رموز السلطة، الجنرالات، الشيوخ، والقساوسة،
والرموز السياسية والثورية، والتصورات الرسمية عن الهوية الوطنية... تمّ
التنكيل بها بأشكال متعددة، وبسخرية عنيفة لا ترحم، تركت آثارها على شوارع
القاهرة. كأنّ هناك آلية إنتاج أشرطة ساخرة لا تتوقّف عن استهداف كلّ
الأشكال الرمزية للسلطة، وتحويلها إلى «أرَجوزات».
«اكتشاف النار» أو قوة المونتاج
مع صعود حركات التغيير الشبابية بعد العام 2005 في مصر، ترافق انتشار
تجارب مونتاج الفيديوهات مع صعود نجم «يوتيوب»، ومواقع عرض تلك الفيديوهات.
بدأ البعض في إحياء لعبة ألبير قصيري من جديد، لكن هذه المرة بالفيديو.
وراحت تنتشر فيديوهات تحتوي على لقطات مركّبة ومنتزعة من شرائط أخرى، أو
مدمجة مع شريط صوت مختلف. تولّد في النهاية عمل قد يكون عبارة عن أغنية
شعبية مركّبة على جمل من خطابات لأحمد عز وجمال وحسني مبارك. برز في هذا
المجال بعض الرواد الأوائل منهم تميم يونس، والمجموعة التي سيذيع اسمها بعد
ذلك، تحت اسم «أبلة فاهيتا».
لم تركّز تلك التجارب في ذلك الوقت على السياسة بشكل مباشر، بقدر ما
كانت تحاول إعادة مونتاج مفردات خطاب بصري يرتبط بجيل محدّد، وإعادة تركيب
تلك المفردات بشكل يوصل رسائل مشفّرة بلغة جديدة مختلفة. لن يفهم الأشخاص
الذين ولدوا قبل فترة الثمانينيات معنى استخدام صورة لـ«مازنجر» أحد
الشخصيات الكرتونية الشهيرة في طفولة هذا الجيل، ولن يستوعب مرشحو الرئاسة
العجائز ورؤساء الأحزاب والجنرالات، سبب الانتشار الواسع لأغنية «أبلة
فاهيتا»... «معلهش يا كارولين... همّا أربع سنين» التي ذاعت بعد الإعلان عن
فوزى مرسي.
ترافق هذا مع صعود نسخة ممصرنة من فن «استاند أب كوميدي» الغربي،
وظهرت محاولات أخرى خجولة لإعادة أحياء فن «المونولوجست» الذي كان في حقبة
شكوكو وإسماعيل ياسين، أحد العناصر الأساسية في صناعة الترفيه المصرية.
في أقل من 15 دقيقة
«في المستقبل، كل شخص سوف يكون مشهوراً عالمياً لمدة 15 دقيقة» ـ أندي
وارهول
ربما تكون 15 دقيقة فترة طويلة نسبياً، إذ
يمكن اليوم أن تكون مشهوراً بسبب فيديو لا تتجاوز مدّته الدقائق الثلاثة.
على شاشات التلفزيون يجلس مذيعون مقيّدون، وضيوف يبعثون على الملل،
يتحدثون عن الحوار والتهدئة والإصلاح، بينما في الشارع عالم آخر، أناس
يحرقون الكنائس، ومدرّعات تدهس مدنيين، وبشر ترتسم فوق وجوههم ملامح كآبة
عميقة. وجد هذا الشارع في الإنترنت، بسقفه المفتوح، وحيث الشتيمة مفردة
أساسيّة فيه، مساحة أكبر، وأكثر تنوّعاً.
لم يعد المشاهد يبحث عن مادة تحاول إدعاء الحيادية أو الموضوعية، بقدر
ما يبحث عن مادّة لا تحاول خداعه. استغل باسم يوسف أستاذ الطب البشري في
الجامعة تلك الحالة. وباستخدام «النار أو قوة المونتاج»، بدأ في كشف
التناقض في المادة الإعلامية المقدمة في التلفزيون، وكيف يتلاعب السياسيون
والإعلام في تقديم الصورة.
لكنّ باسم يوسف أتى محمّلاً أيضاً بأخلاق الطبقة الوسطى الحديثة
المهذّبة. فهو شخصية منفتحة، وإلى جانب كونه أستاذاً في الرقص اللاتيني،
فهو طبيب بشري وأستاذ جامعي أكاديمي... لهذا فإنّ خطابه هو خطاب «ولاد
الناس الكويسين». وربما لهذا نجح في استقطاب قطاعات واسعة من جمهور هذه
الطبقة، الأمر الذي مكّنه من الانتقال إلى الخطوة التالية سريعاً، وهي
التلفزيون. لكن على الانترنت أيضاً تعاظم جمهور فيديوهات أخرى تستخدم ألعاب
المونتاج والموسيقي وأحياناً التمثيل لإخراج مادة مصورة أخرى، تتجاوز
بسقفها ما يمكن باسم تقديمه، ولا تجد إحراجاً في استخدام اللغة المتداولة
في الشارع.
من القنوات المنتشرة على «يوتيوب» قناة «بهجهجة» والتي يتجاوز عدد
مشتركيها المليون ونصف المليون مشترك، يقوم أسلوبها على إعادة مونتاج لقطات
مختلفة لسياسيين وإعلاميين وأحياناً قادة دينيين، بمصاحبة موسيقي من برامج
التلفزيون المصري في الثمانينيات والتسعينيات. ويتم استبدال الحوار السياسي
بالجاد بحوار آخر محمل بالإشارات الجنسية، ويحملون الفيديو عنواناً من نوع
«شاهد بالفيديو سر العلاقة الخفية بين مرسي والمشير». بالنتيجة، فإنّ أشرطة
«بهجهجة» تكون أوّل ما يظهر على محرّكات البحث عند البحث عن اسم إحدى
الشخصيات السياسية المصرية.
السفير اللبنانية في
02/04/2013
قال لمرسى:
"حقًا صدمتنى".. جون ستيورات..
مذيع الأخبار المزيفة الذى استلهم منه باسم يوسف
فكرة "البرنامج"
محمد سعد
يعرف جون ستيوارت ، مقدم البرنامج الأمريكي، "ذا دايلي شو ، نفسه على
أنه مجرد كوميدي وليس مذيع أخبار كما أن برنامجه هو برنامج أخبار مزيفة،
وتعلو مدخل استديو البرنامج بنيويورك، لافتة تقول "اتركوا الأخبار خارجاً"،
إلا أن ذلك لم يمنع ما يقرب من 3.6 مليون مشاهد أمريكي من اعتبار برنامجه
مصدرًا رئيسيًا للأخبار المحلية والدولية.
يعرض برنامج ستيوارت يومياً من الإثنين إلي الخميس، علي قناة كوميدي
سنترال، واستلهم منه باسم يوسف فكرة برنامجه "البرنامج".
أصبح ستيوارت، الذي بدأ في تقديم برنامجه الناجح "ذا دايلي شو"، في
يناير 1999 ظاهرة عالمية، إذ تنتشر مقاطع برنامجه ذي الـ22 دقيقة، علي
الإنترنت انتشار الفيروسات كما يصفها البعض، أحدث ستيوارت الذي يصر علي أنه
ليس مقدم ولا مذيع أخبار، ثورة في عالم تقديم النشرات الإخبارية وأثبت أنه
يمكن تقديم الأخبار للناس بشكل مختلف، ساخر ولاذع دون إدعاء أي مزاعم حول
موضوعية أو حيادية.
يبدأ ستيوارت برنامجه الذي استضاف فيه رموزا بارزة كالرئيس الأمريكي
باراك أوباما وبيل كلينتون والممثلة الأمريكية كاثرين زيتا جونز، بمونولوج
طويل يقدمة ستيوارت ويتبادل فيه الحديث مع مراسل أو أكثر، وتخصص الفقرة
الثانية لحوار مع شخصية مشهورة في مجال السياسة أو الفن.
لا يعرف كثيرون أن برنامج "ذا دايلي شو"، الذي يقترن بإسم ستيوارت قد
بدأ في العام 1996 مع المذيع الأمريكي كرايج كيلبورن، الذي اختلف مع
الإدارة واضطر لترك البرنامج أواخر عام 1998، وتولي ستيوارت البرنامج من
يناير 1999، وقدم حتي الآن 2232 حلقة، علي مدار تلك الفترة التي لم يتوقف
فيها سوي مرة واحدة في الفترة ما بين نوفمبر 2007 إلي فبراير 2008 بسبب
إضراب الكتاب في أمريكا.
وشارك كتاب "ذا دايلي شو"، في الإضراب الذي شارك فيه 12 ألف كاتب
يمثلون كتاب التليفزيون والسينما والمسرح، مطالبين خلاله برفع أجورهم
ومنحهم مقابل مادي عادل، يتلائم مع ما تحصل عليه الاستديوهات الكبري من
أموال ضخمة.
واستطاع ستيوارت ، تحويل البرنامج بعد توليه بفترة قصيرة إلى أحد اشهر
البرامج، وزاد من تركيزه علي الأخبار الوطنية والسياسية المتعلقة بالولايات
المتحدة، وبلغ عدد مشاهديه في 2008 حوالي 2 مليون مشاهد، بخلاف المشاهدين
علي الإنترنت وبلغ عدد مشاهدي حواره مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما في
2010 حوالي 3.6 مليون مشاهد.
يعمل مع ستيوارت خمسة مراسلين هم: سامنثا بي، آصف مانديف، جايسون
جونز، جون أوليفر، روب ريجلي.
وواجه برنامج ستيوارت ، الذي صوت للرئيس أوباما المنتمي للحزب
الديمقراطي، في 2008، انتقادات في عام 2005 لكونه ينتقد الجمهوريين، الذين
كانوا في الحكم حينها أكثر من الديمقراطيين، ورد ستيوارت علي ذلك بأن
الأولي بالنقد هم من في الحكم، وليس من هم خارجه، إذ كان الجمهوريون
يسيطرون علي الرئاسة والكونجرس، مضيفاً:"لو كان الديمقراطيون في الحكم لكان
من السهل انتقادهم".
كما واجه انتقادات أخري بضعف الحوارات السياسية التي يقدمها، لكن
ستيوارت و"ديسك الأخبار المزيفة"، كما يسميه فريق عمله، أصروا علي ألا يكون
هناك التزامات أو مسئوليات صحفية لديهم إذ أنهم مجرد "كوميديين"، يعملون
لصالح هدف واحد وهو تقديم برنامج مرح.
يعرف ستيوارت بانتقاده اللاذع حتي لضيوفه، في أواخر العام الماضي،
انتقد ستيوارت الممثل البريطاني هيو جرانت بعنف الذي كان أحد ضيوف
البرنامج، وقال إنه كالألم في المؤخرة، وأنه لن يستضيفه مجدداً.
وقام ستيوارت في فبراير الماضي وفريق عمله بأداء رقصة هارلم شيك بشكل
مضحك داخل استديو البرنامج وأذيعت في حلقة 14 فبراير.
ومن مواقف ستيوارت المعروفة انتقاده الشديد لقناة "سي إن إن"،
الإخبارية الأمريكية لتغطيتها المكثفة لحادث سفينة "كارنيفال تريومف"، في
فبراير الماضي، والتي أصيبت بعطل في مولدات الكهرباء ما أدي لتعطلها في
المياه وقامت القناة بتغطية الواقعة منذ الصباح وحتي فترة بعد الظهيرة
تقريباً، وعرضت لقطات لفتاة تلوح لأمها من السفينة.
وانتقد ستيوارت القناة بعنف موجهاً كلامه لهم قائلاً": لستم أبطالاً،
هذه ليست حادثة اختطاف" واتهم ستيوارت حينها القناة بالتعمية علي القمة
الإسلامية التي عقدت بالقاهرة وناقشت قضيتي سوريا ومالي.
جدير بالذكر أن باسم يوسف التقي ستيوارت الصيف الماضي، في مرحلة
الإعداد لبرنامجه "البرنامج"، واستضافه ستيوارت في فقرة من حلقات برنامجه
في 22 يونيو.
ستيوارت ينتقد التحقيق مع باسم:
إذا كانت السخرية من قبعة الرئيس ولغته جريمة فهذه مهمتي أثناء حكم بوش
محمد سعد
انتقد المذيع الساخر، جون ستيورات، مقدم برنامج "ذا دايلي شو"، الذي
استلهم منه باسم يوسف برنامجه، الرئيس مرسي، في حلقته الأخيرة التي أذيعت
منذ ساعات بالولايات المتحدة، وذلك بسبب التحقيق مع باسم يوسف.
وقال ستيورات إن الرئيس الذي تعاني بلاده من 30% بطالة وتحرش جنسي غير
مسبوق وتضاعف معدل التضخم مرتين، قد ترك كل ذلك ليلاحق "الساخر باسم يوسف"
حسب قوله.
وتابع ستيورات قائلاً:"أنا كنت أعرف باسم جيدًا .. لقد صدمت بشدة
لأنني كنت طوال هذه الفترة أتعامل مع مجرم". وقال: الديمقراطية ليست
ديمقراطية إذ ظلت موجودة فقط حتي يأتي شخص ما ويسخر من قبعتك.
وقال ستيورات لمرسي:" إذا كانت السخرية من قبعة الرئيس ولغته
الإنجليزية جريمة فهذه كانت مهمتي لمدة 8 سنوات. في إشارة لانتقاده المستمر
لقبعة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش وقبعات الكاوبوي التي كان يرتديها
دائماً.
وقال ستيورات: "أنا لا افهم هذا يا رجل، أنت رئيس مصر، الوريث لأعظم
حضارة عرفها التاريخ المكتوب.. أناسك اخترعوا الحضارة والورق واللغة
المكتوبة، وبنوا الأهرامات ، ما الذي أنت قلق منه، من فنان كوميدي؟".
وأضاف ستيورات" سيدي الرئيس، نحن نعمل منذ 15 عاماً ولم نسقط حكومة
خلال هذا الفترة لم نستطع ايقاف حرب العراق، حاولنا ولم نستطع.
وقال ستيورات:"اتهام باسم يوسف بإهانة الإسلام والرئيس.. أنا أعرف
باسم إنه صديقي وأخي وهناك أمران يحبهما باسم.. مصر والإسلام.. لقد اختار
باسم العيش بمصر رغم أن هناك أناس مجانين يهددونه".
وأضاف:"بدون باسم وهؤلاء الصحفيين والمدونين والمتظاهرين الشجعان
الذين نزلوا إلي ميدان التحرير لم تكن أيها الرئيس مرسي في مكانك الآن. لقد
سجنت أنت في فترة سابقة لأجل جرائم ليست جرائم".
ووجه ستيورات كلاماً أخيرا لمرسي قائلاً: ليس عليك أن تستمع لنصائح عن
الديمقراطية مني ولكن ربما عليك أن تستمع لهذا الرجل الشجاع، وقام ستيورات
بعدها بعرض فيديو للرئيس مرسي وهو يقول فيه إنه يرحب بالنقد وكل الآراء،
وإن باسم يوسف والبرادعي وعمرو موسي، لن يذهب أحد فيهم إلي السجن بسبب
انتقاده لأنهم مصريون ولن يمسهم أذى.
هيئة الاستثمار تنذر"سي بي سي"
بإلغاء ترخيصها بسبب برنامج باسم يوسف.. والقناة:
ملتزمون بالقانون
فاطمة شعراوى
وجهت الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة إنذارا إلى قنوات "سي بي
سي" بإلغاء ترخيصها في حالة عدم الالتزام بضوابط العمل داخل المنطقة
الإعلامية الحرة، وذلك على خلفية ما اعتبرته الهيئة العامة للاستثمار خروجا
على هذه الضوابط في برنامج "البرنامج" الذي يقدمه باسم يوسف.
وقالت إن ذلك جاء وفقا للشكاوى والدعاوى القضائية المقدمة ضده والتي
تتهمه بالتعرض لبعض رموز الدولة وشخصيات عامة وبارزة بالإهانة والتهكم
والاستهزاء والسخرية ، وأضافت هيئة الاستثمار أن البرنامج يتضمن إسفافا
وتطاولا وتلميحات جنسية وألفاظا نابية.
من جانبها أكدت إدارة سي بي سي أنها حريصة في الالتزام بالقانون
ومواثيق الشرف الإعلامي وشروط التراخيص في كل ما تبثه.
وأشارت إدارة "سي بي سي" إلى أن الموضوع محل الإنذار هو أمام القضاء
الآن ، ولم يتم البت فيه، وأن الاتهامات الموجهة للبرنامج هي من الأشخاص
الذين قدموا بلاغات ضد "البرنامج" ولا يعني هذا إطلاقا أنها حقائق فهي
مجرد اتهامات لم يبت القضاء في ثبوتها من عدمه ، وبالتالي لا يجب اعتبار أن
ما يقدم في البرنامج تنطبق عليه هذه الاتهامات إلى أن يصدر حكم نهائي بشأن
تلك البلاغات.
بوابة الأهرام في
02/04/2013 |