تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

ملفات خاصة

جديدالسينما

سينماتك ملتيميديا

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

شفرة دافنشي والحكم الأمومي

السويد ـ د.سهام جبار / خاص بـ"سينماتك"

 

فيلم (شفرة دافنشي) للمخرج رون هوارد تمثيل توم هانكس وأودري تاتو من الأفلام التي شهدت ردود فعل رافضة كثيرة، هذه الردود أنتجت معنى من أثر التلقي غير المعنى الذي يمكن أن يكون عليه الفيلم بحد ذاته أي من دون الرفض الذي وجه بعد عرض الفيلم وقبل ذلك بعد ظهور الرواية، فالفيلم كما هو معروف يعتمد رواية بالأسم نفسه للمؤلف دان براون، وقد وصلت مبيعات الرواية الى 5/ 60 مليون نسخة بل هو من اكثر الكتب مبيعاً في 150 دولة وفي غضون أقل من سنتين، مع الأحتجاج الكبير أو بسبب منه الذي وجه الى الرواية والفيلم هذا الأحتجاج ظهر عبر تنظيم حملات مقاطعة ومنع بعض الدول ولاسيما العربية الأسلامية مثل مصر ولبنان وربما الأردن أيضاً منعت دخول الرواية والفيلم، وكانت هناك ردود فعل غاضبة ومستنكرة في مواقع ألكترونية عدة، ولعل قول أحد المعلقين على الرواية من أنها واحدة ((من الكتب القليلة التي تصدر فتجعلك تشك في كل شيء كنت تعرفه عن الدين والفن وكل ما تعلمته في أثناء الدراسة)) مثل هذا القول يعطي فكرة جيدة عن طابع التلقي الذي هو في الحقيقة محط الأهتمام وهو محك إبداع شفرة دافنشي الفلم والرواية لأنهما يأخذان قيمتهما من شحنة الرفض الموجهة اليهما من منظور التلقي.

ففي الحقيقة إن الخطورة التي أسبغتْ على (شفرة دافنشي) قائمة لا على أساس الفرية التي ترى بأن السيد المسيح (ع) بشر وليس بإله ـ خاصةً أن الدين الأسلامي يؤمن بهذا الأمر، ولستُ هنا في مجال مناقشة الأمر بين الدينين المسيحي والأسلامي ـ وإنما العبرة الأساسية في نظرة الفيلم إلى أن للسيد المسيح ذرية بعد ان تزوج من مريم المجدلية وبعد ان أنجبت منه بنتاً، لننظر هنا التركيز الظاهر على وجود الأنثى مصدراً للدين وأصلاً للعبادة خاصة إذا ما نظرنا إلى ما لوجود الأم السيدة مريم العذراء (ع) من ثقل في الدين المسيحي. ويثير التلقي قضية لماذا تكون للسيد المسيح إبنة وليس إبناً ـ وكما يأتي في التعليقات ـ لغايةٍ في نفس يعقوب ! فثمة فارق هائل نجد معنىً له في القرآن الكريم الذي يذكر في هذا الموضع أن ليس الذكر كالأنثى.

إن ما يثير انتباهي أن رد الفعل كائن في أن التعاليم الدينية تشدد في التنبيه على الخطر في كل ما هو أمومي من الديانات التي سبقت الأديان السماوية.. ومن هنا يمكن القول أن رفض فكرة الفيلم وقبله الرواية متأتٍ من أنه يعلن لا على نحو التلميح أو الرمز بل بقوة ووضوح وبإعلان مباشر وسافر من أن للآلهة الأنثى تلك الربة التي كانت تحكم الأرض قبل انتشار الديانات الذكورية هذه الأنثى مازالت لها السلطة وهي أصل العبادة وممثلتها المرأة الحاكمة التي هي الوجه الدنيوي للربة الأنثى الوجه الغيبي.

تتعقب الباحثة مارلين ستون المتخصصة في الفن وتاريخ الفن والأديان القديمة في كتابها (يوم كان الرب أنثى نظرة اليهودية والمسيحية الى المرأة) الغزوات التي شنتها الشعوب الشمالية المتحدثة باللغات الهندوأوروبية الى بلدان الشرق الأدنى في قرون ما قبل الميلاد، ومظاهر تغلب هذه الأقوام بدياناتها المعتمدة العنف والقوة في السيطرة على دفة الحكم وبرمزها الرائج للنار المستمد من أعالي البراكين وتجليات ذلك في الديانات السماوية معززة ما تقول بالوثائق الأركيولوجية والأدلة التاريخية التي تثبت استمرار هذا المدّ الغازي لمواقع الحكم الأمومي بما يعطي نتائج خطيرة في قلب الوقائع المعروفة حد الصدمة. بما يذكر بقول متلقي رواية شفرة دافنشي عن شعوره بالشك بعد قراءة هذه الرواية بكل ما يعرفه وما درسه عن الدين والفن. ومن إثباتات كتاب ستون أنها تعطي مسار التحول من الديانة الأمومية الى الديانات الذكورية التي تواجه بعنف وشدة كل فكرة تؤيد الحكم المومي أو تدعمه كما حدث في تلقي رواية دون براون وفلم رون هاوارد (شفرة دافنشي) بل كما يحدث داخل الأحداث نفسها للرواية أو للفيلم من ناحية تعقّب بطلها بشتى محاولات منعه من الوصول الى تفسير الشفرة للوصول الى الحقيقة المخفية وإعلانها اعتماداً على نوع من الوثائق الدينية المهملة والأناجيل غير المأخوذ بها عادة في سياق الرواية المعتبرة، لإعطاء هذا الجانب من السرية والكتمان المبررين وتأكيد حقيقة متواطأ عليها ـ كما تفترض الرواية طبعاً والفلم ـ مما يمكن عده طابعاً بوليسياً شدّ انتباه القارئ واهتمامه منذ بداية الأحداث حتى النهاية.

إذن الصدمة الأساسية التي يتعرض لها المتلقي هي إعادة الأعتبار للحكم الأمومي الذي كان التاريخ قد ترتب على حجبه وإنكاره وتهوين شأنه وإلغاء كل قيمة له مما قد يحضر ومما قد ترتب عليه أحكام وقوانين صارمة في التعامل مع المرأة في السنن والشرائع عامة، وكما انعكس ذلك في تاريخ النظر الى المرأة بما يضاهي نوعاً من أخذ الثأر ورد الحيف الذي فسِّر تفسيرات عدة لسنا في مجال الخوض بها.

ولعل الأستنكار الذي وُجّه الى الرواية أو الفيلم في أوربا مستمد من الإحياء الديني الذي تشهده أوربا عامة والذي هو متساوق مع أزدياد المدّ الديني في العالم الإسلامي أيضاً، على أن الفارق واضح بالتأكيد بين الطريقة التي تم بها استنكار مضامين الفلم في أوربا والرفض القاطع لهذا الفلم في بلدان مثل التي ذكرنا. وهو الطابع الذي يضفيه التحضر على ممارسات الرفض والأستنكار التي تختلف عن أعمال العنف والتشدد في أحوال مماثلة في العالم الإسلامي.

فبالرغم من مستوى التحضر وبالرغم مما وصلت اليه درجة الرقي في التعامل مع المرأة وحقوقها في العالم المتحضر لم يمنع ذلك قيام ردات فعل غاضبة على ما جاءت به فكرة الفلم من إعتبار للمرأة ولاسيما الخاطئة والذرية التي هي استمرار لوجودها فلماذا كانت هذه الذرية من الإناث لا من الذكور، هذا سؤال أساسي في مدار تلقي (شفرة دافنشي) عامة.  

سينماتك في 12 مابو 2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)