كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

خاص بـ«سينماتك»

 
 
 
 

مهند النابلسي يكتب عن أفلام أسبوع الفيلم البريطاني:

البؤس المزمن المغلف بحس النكتة والكوميديا السوداء!

مهند النابلسي * / خاص بـ"سينماتك"

 
 

(1)

فيلم اغنية غير منتهية

بحضور الناقد البريطاني أيان هايدن سميث قامت مؤسسة شومان (نادي السينما) بالتعاون مع المجلس البريطاني بتقديم أفلام بريطانية حديثة ، وقد أعجبني اسلوب الناقد البريطاني  بشغفه وشروحه المطولة  قبل وبعد العروض والتي تطرق فيها لتحليل الأفلام وأسباب اختيارها، وسأقدم ثلاثة مقالات منفصلة تباعا:

يحكي الفيلم الأول واسمه  اغنية غير منتهية قصة آرثر المتقاعد الخجول المتجهم، وكيفية تفاعله مع كورال محلي بعد أن اصيبت زوجته بمرض عضال وتوفيت، حيث تصر مدربة الفربق الموسيقية الشابة الجميلة على اشراكه بالكورال بدلا من زوجته الراحلة (ربما عملا بوصيتها)، وتنجح بعد محاولات حثيثة باخراجه من بؤسه وعزلته، كما يقود أخيرا باصرار الفريق  للفوز بالجائزة الثالثة في مسابقة وطنية هامة...الفيلم يتحدث عن فئة العجائزكبار السن اللذين يفقدون ادوارهم بالمجتمع ويواجهون بقسوة وعزلة مصائرهم وأمراضهم المزمنة وجحود أبناءهم، والذي أعجبني حقا بهذا الشريط اصرار الصبية الجميلة لاخراج العجوز البائس من حزنه وعزلته بقولها "دعهم يتعرفون عليك من الداخل"! حيث ينجح اخيرا باظهار مواهب حبيسة مكبوتة تحقيقا ربما لرغبة زوجته  الراحلة، وبتشجيع لافت من "الموسيقية" وباقي الفريق.

بدا الفيلم ميلودراميا وكوميديا وساخرا احيانا، كما بدت شخصيات الكورال وكأنها "كرتونية" ضاحكة بلا عمق، وقد لفت انتباهي الدور المؤثر الذي أدته ببراعة الطفلة البريئة الحفيدة بين الأب وابنه المحبط (الفاقد لتواصله مع والده العجوز) بالرغم من حبه له، كما أنها لعبت دورا محوريا بتشجيعها له أثناء تجمده خوفا اثناء ظهوره على المسرح الوطني لأول مرة! كذلك أبدع الممثلان المخضرمان تيرنيس ستامب والشهيرة فانيسا ريدغريف باداء استثنائي مقنع ومؤثر.

يركز الفيلم على موضوع "الفئوية العمرية" والتوقع السلوكي الجماعي، متجاوزا الخصوصية المطلوبة والحرية الفردية ورغبة الانسان احيانا بالتصرف على سجيته بلا ضوابط مجتمعية قاهرة! كما أن الفتاة قائدة الكورال قد  كرست جل جهدها ووقتها ربما كنوع من التعويض وللهرب من فشلها باقامة علاقة ناجحة مع شريك من عمرها، لم يتعمق المخرج أبدا بتبرير هذه النقاط واستسلم لفكرة تقديم فيلم غنائي كوميدي "ميلودرامي" مسلي!

 

(2)

عطلة نهاية الاسبوع (2013)

زيارة باريسية لانعاش الحياة الزوجية! 

يتحدث هذا الشريط الشيق (ضمن فعالياتاسبوع الفيلم البريطاني بعمان-2-) عن قيام زوجين بزيارة باريس لانعاش وتجديد حياتهما الزوجية البائسة، حيث يلتقيان بالصدفة بصديق ايجابي ...يخترق الشريط معظم خصوصيات الزواج ويتطرق لمشاكل الخيانة  ومعضلات العلاقة الجنسية بمنتصف العمر والوضع المالي المتردي ومشاكل الأبناء وحتى غزو الجرذان للمنازل! وقد انغمس الفيلم بالكثير من التفاصيل الحياتية لاستاذ الفلسفة المتقاعد "نيك بورز" وهوسه المتزايد بزوجته الجميلة التي تعمل كمعلمة،وحيث تعمل الجعرافيا هنا وهي مدينة باريس  الساحرة دورا محفزا لاطلاق كل الهواجس والمكبوتات واستعراض خفايا علاقتهما الزوجية المتأزمة، وتصل حتى  للخوف من الزهايمر وسرطانات الجلد والمعدة ! كما نلاحظ اندفاع الزوجة ورغبتها بترك عملها وتعلم الايطالية والموسيقى ورقصة التانغو، فيما تلوم زوجها العاجز بشدة لاهمالها رعاية مواهبه المتعددة بمازوجشية ، كما انها تعرف ان زوجها مغرم بها لحد العبادة: ستندم لأنك لم تحبني بما فيه الكفاية! أما الزوج فيشعر بالاحباط لفقدان وظيفته لسبب عنصري سخيف، ويشعر أن الحياة لم تمنحه ما يستحق فمدخراته بالكاد تكفي لأن "يبلط" حمامه القديم بلندن، ولكن بذخ الرحلة الغير مدروس يبدد كل المدخرات بواسطة مصروفات بطاقة الائتمان وتكاليف الاوتيل الباذخ  بباريس حتى يتم حجز جواز سفره ويمنعونه وزوجته من العودة للغرفة، ولا ينقذهم هنا بالصدفة الا صديق قديم يعيش منذ مدة بباريس (حيث يؤلف كتابا جامعا لمقالاته القديمة يحقق له بعض المردود)، ويستعرض مع نيك ذكرياتهما الدراسية بالجامعة، كما يحاول هذا الصديق أن يبدو"اجتماعيا-محبوبا" كما يقول ابنه المراهق المدمن لأنه "يكره أن يكرهه احد"! تبدو الزوجة طوال الفيلم وكأنها تشعر انها تستحق حياة أفضل مع شخص آخر أكثر نجاحا وشبابا، كما يبدو الزوج منجذب لها باخلاص نادر طبقا لمقولة بيكيت: هل تقصد الحب حين تاتي على ذكره؟ ولكنها تكتشف حب زوجها الشديد لها،ولا تتخيل حياتها بدونه. الفيلم يستعرض جماليات باريس وخاصة برج ايفيل الشهير، كما انه بدلا من الزيارة التقليدية للمتاحف الشهيرة وأروقة الفنون  والشوارع والميادين الشهيرة، ينقلنا  لمقبرة المفكرين والادباء والقلاسفة حيث لا يوجد الا بقايا الذكريات والعظام والغبار! يتحفنا الفيلم بموسيقى تصويرية وأغاني الستينات الشهيرة والجاز، وينتهي الفيلم  بقيام الزوجين وصديقهما الكاتب بالرقص في مقهى تقليدي على انغام اغنية قديمة (كما بفيلم  زوربا الشهير)...وكأنهما يحتفلان بفشلهما وبانطلاق مبادرة جديدة لحب الحياة والاستمتاع بالبهجة  والانطلاق من جديد!

*كاتب وباحث وناقد سينمائي

 Mmman98@hotmail.com

سينماتك في 16 مايو 2014

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)