حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

سينماتك في مهرجان أبوظبي السينمائي

المخرج محمد عسلي:

علينا أن نجد طرقا بديلة لإنتاج أفلامنا

حاوره في أبوظبي: محسن الهذيلي

 

Mohammed Alasali

محمد العسلي

محمد عسلي مخرج سينيمائي مغربي، عسلي كان قد قضى بعض فترات عمره في إيطاليا حيث درس هناك واستغل لمدة طويلة في الحقل السينمائي وتعاون مع الإيطاليين.

«أيد خشنة»، ثاني فيلم روائي طويل لمحمد العسلي، بعد عمله الفاتن الأول «الملائكة لا تطير فوق الدار البيضاء»، إنتاج عام (2005). محمد العسلي المولود في الدار البيضاء مخرج أساسي في السينما المغربية الجديدة، أتى من دراسة، ثم تدريس، السينما.. وفيلماه المذكوران هما نتيجتان متلازمتان في طرح واقعي لمشاكل المدينة.

 

جرى هذا الحوار في إحدى أجمل الفنادق في أبوظبي وهو فندق فيرمونت باب البحر، وقد احتضن الفندق فعاليات مهرجان أبوظبي الدولي السينمائي لهذا العام 2011، ورغم الرفاه والتكييف الهوائي الذي نلقاه داخل فضاءات هذا الفندق ذو الواجهات الزجاجية الشفافة المطلة على الحدائق والبحر (بحيث ننسى حر الجو ورطوبته مع قرب الطبيعة) فقد أصر المخرج المغربي محمد عسلي إلا أن نجلس في إحدى سطحات الفندق الخارجية وذلك بحثا حسب قوله عن الهواء الطبيعي-الطبيعي وعن "الحرية" التي تمكنه من تدخين سيجارة أهداه إياها أحد الأصدقاء. وقد كان حوارنا أو حديثنا سهلا وميسرا لأننا ناقشنا فيه فيلما لم يفت على مشاهدتنا له أكثر من يوم واحد.

·        ما الذي جعل فيلمكم الذي شاهدنا يفوح إنسانية ويعبر عن إيمان راسخ (رغم كل الإخفاقات) بالإنسان وبإيجابيته أو إيجابياته؟

- لست متأكدا بالضبط كيف يمكنني أن أجيب على سؤالك، أرى أن السبب هو مزيج من عدة عوامل، كان اهتمامي الأول فيما أعمل هو الإنسان، الإنسان بتعدد ثقافاته، الإنسان، ذلك الأرقى بين كل المخلوقات، الانطباع الذي حصل لديك أفسره بحبي لهذا الإنسان وإيماني به.

·        انتظرنا طويلا بعد فيلمك الأول "فوق الدار البيضاء الملائكة لا تحلق" ليجيئ هذا الفيلم الثاني، لاحظنا أن هناك بعض التغيير على مستوى السيناريو، الموضوع وخاصة جو الفيلم، فما هي أسباب ذلك؟

- لا أخفي عليك أن كتابتي لسيناريو الفيلم كانت في ظروف عرفت فيها تجربة مريرة من الملاحقات والمتابعات القضائية البوليسية والجمركية والمالية، وهي أمور كان الهدف من ورائها مضايقتي ليس إلا، هذه الظروف أثرت في كثيرا، واخترت بعدها أن أخلد قليلا إلى الراحة، بعد سنتين من ذلك اشتغلت على السيناريو. قبلها كنت قد بدأت العمل على فيلم حول العراق.

·        فيلم حول العراق؟

- وهو فيلمي أنا حول العراق أو هو بكلمة "فيلمي" أو لنقل أنه "الفيلم" بالنسبة لشخصي.

·        أنت المغربي وتريد أن تخرج فيلما حول العراق؟

- طبعا، لأنني أحس كإنسان أن علي دين تجاه الشعب العراقي، والإنسان العراقي واليتيم العراقي والأرملة العراقية، الخ... والإنسان الحر إذا كان عليه دين فإن عليه أن يسدده، وهذا الدين سوف أسدده على طريقتي كمخرج سينمائي.

·        ولماذا الشعب العراقي بالذات؟

- لأن ما تعرض له العراقيون من ظلم وتقتيل تجاوز الحدود، أعطيك صورة من الفيلم تعبر عن حجم هذه المعاناة ودرجة ذلك الظلم، يقول درويش التقط ذراعك واضرب بها عدوك لا مفر.. ماذا تقول في هذه الصورة؟

·        تشير إلى مستوى الظلم الرهيب الذي عاشه الشعب الفلسطيني

- كذلك بالنسبة للشعب العراقي. وفي هذا الفيلم أتحدث عن مأساة الرجل العراقي كي لا ننسى، نحن شعب ذاكرته قصيرة، نسينا ماذا جرى في العراق، الشعب العربي ينسى بسرعة ويسامح بسرعة وهذا دليل على كرمه، وهو كرم ليس بالمعنى المادي، إنه ليس من نوع كرم حاتم الطائي، إنه أكبر من ذلك، إنه الكرم الإنساني (والتسامح الإنساني) الذي تتمتع به الشعوب العربية، وأنا أقول هذا ليس من باب التعصب أو الشوفينية تجاه هذا الشعب، إنها الحقيقة.

·        ولكن لماذا هذا الإصرار على إنتاج الفيلم رغم المشاكل التي تسبب لك فيها حتى الآن؟

- الإصرار على صناعة هذا الفيلم هو بسبب إحساسي بضرورة تسديد ديني تجاه الشعب العراقي، وهو دين على أساس كوني إنسانا قبل أن يكون على أساس كوني عربيا أو مغربيا، الخ..

·        لو نرجع إلى فيلم "أياد خشنة"، أحب أن أسألك عن مسألة باتت تمثل معضلة السينما العربية اليوم وهي قضية الإنتاج، لقد سمعت المخرج التونسي ناصر خمير يقول يوما: إن الأفلام التي تصور شعوبنا بشكل يضمن كرامتها ويصورها كشعوب ذات تاريخ تليد وساهمت وقادرة على المساهمة في بناء التاريخ الإنساني لا تجد أموالا لإنتاجها، في فيلمك هذا نرى موقفا ومقاربة لإنساننا ليس فيها إمتهانا له بل فيها احتراما لذكائه وشخصيته وإيمانا بقدرته على الفعل، إن هذه المواقف في السينما العربية باتت توقف تدفق أموال المنتجين...

- أقول أولا أن ناصر خمير هو مخرج كبير وأنا أحبه وأحترم عمله، أما بالنسبة لفيلم "أياد خشنة" فأنا مولته بنفسي، كل ما قاله خمير صحيح، إن أفلاما مثل هذه لا تجد المال لتمويلها، لأن نظام الفساد لا ينتج الجمال، لماذا نطلب من الفساد أن ينتج جمالا، نحن دائما نطلب المستحيل، نطلب من الميت أن ينتج الحياة، أرجو أن لا تتصور أنني متشائم، بالعكس، علينا أن نبحث عن مصادر الإنتاج من خلال منتجين جدد. كمخرجين لا نستطيع أن ننتج السينما لوحدنا، فالسينما مكلفة جدا، ولكن علينا أن لا نقف مكتوفي الأيدي، علينا أن نبدع حلولا تضمن لنا تمويل أفلامنا، هذه النوعية من الأفلام التي نحب إخراجها. ناصر خمير فهم هذا الأمر وهو دائم البحث عن طرق بديلة للإنتاج، ونحن أيضا علينا أن نبحث عن طرقنا البديلة، صحيح أن هذا مكلف من ناحية الزمن فالواحد منا ينتج فيلما واحدا كل أربع أو خمس سنوات، ولكنها الضريبة التي علينا أن ندفها، هذا دون ذكر ضرائب أخرى كالمعانات والعذابات التي نحسها.

·        عندي سؤال عام: الفيلمين السينمائيين الطويلين الذين أخرجتهما كتبتهما بنفسك، لو تحدثنا قليلا عن تجربتك وأسلوبك في كتابة السيناريو..

- في كتابتي للسيناريو لا أبدأ من النص، أنا أكتب صورا أو أكتب بالصور وهي الأرضية التي أنطلق منها لتثبيت فكرة السيناريو، ما تأتي به الكتابة فيما بعد هو جسم الفيلم الذي يأخذ بالضرورة شكلا أدبيا، وهذا ليس سوى تثبيت للأفكار وحماية للصور، لذا عندما نبدأ تنفيذ الفيلم يعود النص الأدبي إلى أصله "الصوري" فيتجسد صورا.

فأنا أقوم إذن في كتابتي للسيناريو بتحويل الصورة إلى كلمة لأثبتها ثم عند التنفيذ أعيدها إلى سيرتها الأولى.

·        ما رأيك في السينما المغربية اليوم؟

- إسألني عن بعض الأفلام المغربية، لأنه ليست هناك سينما مغربية إلى حد الآن، ما ينتج في المغرب اليوم هو دون تطلعاتنا ودون إمكانياتنا المهنية والثقافية والتاريخية، لازلنا في المغرب نبحث عمن يقود هذه التجربة السينمائية الجميلة، لأن الرجل الذي على رأس التجربة السينمائية في المغرب هو رجل لا يتمتع بمواصفات القائد، بل هو دخيل مدمر لما هو جميل في السينما ومدافع مستميت للفساد والمفسدين، وليس اعتباطا أن حركة فبراير في المغرب رفعت صوره ونادت برحيله.

·        أنت تتحدث عمن هنا؟

- عن مدير المركز السينمائي المغربي الذي يجثم على صدر هذه المؤسسة منذ عشر سنوات، وقد جاءها من مؤسسة التلفزيون المغربي، هذه المؤسسة التي هيمن عليها لمدة ليست بالقصيرة وحكم عليها بسنوات عجاف. هذا الشخص هو من يقوم اليوم بتمويل كل القبح السينمائي في السينما المغربية، إنه القلب النابض لهذه السينما القبيحة

·        أنت تتحدث عن قبح في السينما المغربية ولكن الذي شاهدته البارحة في فيلم "أياد خشنة" ليس قبحا إنه صورة للجمال..

- إذا وصلك الجمال الذي يسر الله لي أن أوصله فهو بالتأكيد بعيد عن القبح لأنه يجيؤ خارج دائرة القبح التي أسست لها تلك المؤسسة ، وأحب أن أشير إلى أن المسؤول عن تلك المؤسسة هو من حارب مشروعي الأول عن العراق ورفض تمويله من طرف المركز السينمائي المغربي.

وحتى فيلمي هذا "أياد خشنة" فإن المركز رفض تمويله ومولته بإنتاج خاص هو دغام فيلم، صحيح أنه بعد انتهائي من تصوير الفيلم عرضته على اللجنة الوطنية التي دعمته بمنحة ضعيفة للتسويق، ولكن ما قيمة هذه المنحة مقارنة بما يقومون بمنحه لأفلام أخرى، فما يمنح لتلك الأفلام يتجاوز بأضعاف مضاعفة ما منحوه لفيلمي، ورغم ذلك فإن القيمة الفنية والجمالية لفيلمي مقارنة بالأفلام المدعومة الأخرى أكبر بكثير، وذلك بشهادة الجميع.

إن كل هذا هو من المعاناة التي تحدثنا عنها آنفا، وهو ما أطلق عليه تسمية: ضريبة الجمال في عالم الفساد والمفسدين.

·        إذن لا وجود لسينما مغربية حتى الآن..

- عندما نحكي عن سينما مغربية أو عن سينما في أي دولة أخرى فهذا يعني أن هناك فكرة ناظمة واستراتيجية مدروسة لهكذا سينما بينما كل الأفلام المغربية الجيدة ليس وراءها أي مؤسسة، إنها لأشخاص يغردون خارج السرب، وذلك على غرار ياسمين قصاري المقيمة في بلجيكا أو اسماعيل فروخي المقيم في فرنسا وأحمد المعنوني المقيم هو الآخر في فرنسا. أما ما ينتج ويدور في فلك المركز السينمائي المغربي وهيمنة مديره فهي تسمى في المغرب بالأفلام التي لا تسبح، ومعنى أنها لا تسبح كونها أفلام لا تتجاوز جبل طارق، أي لا حضور لها في الملتقيات والمهرجانات الدولية، لأنها مصنوعة فقط للتدمير الداخلي. هذا الكلام أنا مسؤول عنه وعلى وعي تام به.

·        ولكن نحن نعلم أن بعض هذه الأفلام التي تقصدها عرضت في مهرجانات دولية مثل كان وغيرها

- هذه سباحة من نوع آخر، في السينما هناك أفلام للترويج الداخلي وأخرى للترويج الخارجي أي أنها سينما لا تخاطب شعوبها وجمهورها الإفتراضي وإنما تخاطب الجمهور الغربي وتتملقه بالقول: إن العالم العربي والإسلامي ليس بذلك التماسك الإجتماعي والثقافي الذي ربما تتخيله، إنها مجتمعات مفككة تسودها الدعارة والإنحلال الأخلاقي والإجتماعي وهي تشبه في ذلك المجتمعات الغربية وتؤمن بنفس قيمه الثقافية والفكرية، هذه السينما تصنع لطمأنة الغربيين وتثبيتهم على ما هم عليه من قيم غربية، إننا إزاء سينما تقوم على نوع من الإستغلال للسينمائيين المغاربة لإرضاء وطمئنة الجمهور السينمائي الغربي.

لهذا السبب فقط تلقى هذه الأفلام التسويق، فلديها جمهورها في الغرب، من جهة أخرى تروج هذه السينما لمخطط استعماري يوظف أدوات وإمكانات وميزانيات محلية لإقصاء ثقافاتنا وكسر طموح شعوبنا إلى الحرية والإستقلال، وذلك من أجل الهيمنة علينا وعلى كل مقدراتنا.

·        ماذا تقول عن مهرجان أبوظبي السينمائي؟

- بالنسبة لي الشيء الجميل الذي شعرت به حتى الآن هو لقاءاتي بالعاملين في الميدان السينمائي من مختلف أقطار الوطن العربي، حيث لا يمكنني اللقاء بهم في مكان آخر والتواصل معهم حول أفلامي، هذا إيجابي جدا، ولكن ما نريده من المهرجان أكبر من هذا في الحقيقة، نحن نطلب منه حضورا أكبر على مستوى الانتاج والتسويق، وإمكانات المهرجان كبيرة جعلت ما ننتظره منه كبيرا أيضا، إلى حد الآن نرى أن المهرجان يتطور ويمكنه أن يدرك أهمية هذا الأمر الذي نتحدث عنه وأن يختار أن يكون له دور ريادي في النهوض بالسينما العربية، هذه السينما التي هي في أمس الحاجة إلى مؤازر، أتمنى أن لا يتوقف هذا المهرجان في النقطة التي تجمدت عندها بقية المهرجانات العربية وأن يكون له دور ريادي على مستوى الإنتاج والتوزيع.

سينماتك في 05 نوفمبر 2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)