جديد الموقع

 
 
 
ملف خاص عن 6 أكتوبر .. السينما والحرب، في «سينماتوغراف»
 
 
   

بشار إبراهيم

 

بشار إبراهيم يكتب لـ"سينماتوغراف"

في الاحتفاء بمن عبروا من واقعهم إلى الأسطورة

   
 
 
 
 
 

يأتي أكتوبر ونعود مرة أخرى للتوقف أمام بعض أفلامه. هي لحظة سيبدو الأمر يفيض خلالها عن مجرد الاحتفاء بذكرى حرب أكتوبر، ويسعى إلى التطلّع للاحتفاء بالذاكرة المصرية ذاتها، ذاكرة الناس البسطاء الذين صنعوا بطولات أكتوبر، وقدموا التضحيات، وهم لا يدَّعون سوى أنهم يقومون بواجبهم! 

في مثل هذه الأفلام، وهي ليست إلا نماذج مُختارة، سنستعيد ذاكرة البلد، التي يبدو أنها غُيّبت، أو غابت، تحت وقع متطلّبات الحياة وتسارعها، وتتالي الأيام والسنين، والركض اللاهث وراء لقمة العيش.

في مثل هذه الأفلام، التي تقدم أناسها/ أبطالها من لحم ودم، بصدق وعفوية، وبعمق نابع من أصالة وطيبة وبساطة، ننفض الغبار على ما علا ذاكرتنا، ونستعيد ألق تلك الأيام التي مضت، وتوارت في ثنايا زمن يبدو الآن أنه يلوح لنا من البعيد.

مع فيلم «أبطال من مصر»، للمخرج أحمد راشد (1974، 15 دقيقة)، نستعيد بعضاً من تفاصيل صورة البطل المصري الحقيقي، من حكاية المقاتل «إسماعيل»، إلى قصة الشهيد «فتحي عبادة»، وننتقل مع الفيلم من الجبهة، حيث المقاتل يتأهب لجولة أخرى ضد العدو المحتل، منحنياً أما ذكرى زملاء السلاح الذين قضوا قبله، إلى القرية المصرية، حيث عائلة الشهيد؛ والده، ووالدته، وأخوته... وسيكون من المذهل تلك الصورة التي تظهر فيها الأم المصرية، والدة الشهيد الذي مضى، التي لن تتوانى عن إرسال أبنائها واحداً تلو الآخر، فيما هي تقوم بشؤون بيتها، دون أن تنتبه أيّ أمر عظيم تصنع!

فيلم «صائد الدبابات»، للمخرج خيري بشارة (1974، 15 دقيقة)، يسلّط الضوء على المقاتل المصري «عبد العاطي»، الذي اشتهر بأنه من اصطاد أكبر عدد من الدبابات الإسرائيلية... فتيان مصريون، من طينة التراب الممزوج بسمرة النيل، وطيبته، حققوا ما يليق بالأبطال القادمين من الملاحم والروايات وخيالات القصص، فصنعوا الأسطورة، دون أن يقولوا ذلك... جاؤوا من مزارعهم وحقولهم، من قراهم ونجوعهم، ليصدوا النكسة عن وطنهم، ويستعيدوا مجداً يستحقونه، عابرين الهزيمة إلى النصر. 

ويتناول فيلم «مسافر إلى الشمال مسافر إلى الجنوب»، للمخرج سمير عوف، (1974، 13 دقيقة)، بذكاء حصيف ثنائية عميقة الدلالة؛ المهندس «فاروق»: مهندس مقاتل، يسافر إلى الشمال، حيث الجبهة، وحيث يتولى الإشراف على الأعمال الهندسية اللازمة للعبور... سنراه مشرفاً على تفاصيل بناء الجسور التي كانت ممراً إلى العبور التاريخي، فيما المهندس «أحمد»؛ مهندس عامل، يسافر إلى الجنوب، حيث ينبغي له أن يشرف بدوره، ومن ناحيته، على الأعمال الهندسية اللازمة لاستنقاذ الآثار المصرية القديمة، من المياه الغامرة. مهندسان مصريان، ما هما إلا نموذج لشباب مصر، أحدهما يعمل على بناء ما يؤسس للمستقبل، المساهمة بصدّ العدوان، وردع المعتدي، وتحرير الأرض... والآخر يعمل لاستنقاذ الماضي، الذي يرسم صورة مصر وحضارتها.

أما فيلم «جيوش الشمس»، للمخرج شادي عبدالسلام (1975، 36 دقيقة)، فهو محاولة فنية بارعة للمزاوجة بين «جيوش الشمس» التي عرفتها مصر القديمة، بحضارتها المميزة، و«جيوش الشمس» الحديثة التي ترسلها مصر الحديثة للتخلّص من غبار النكسة، وتسطير ملحمة العبور... نباهة في التقاط ذاك الخيط المشيمي الواصل ما بين عمق التاريخ، وأفق المستقبل... احتفاء بمصر والمصريين، الذي كان من قدرهم أن يأخذوا هذه المكانة الهامة، كما في الجغرافيا كذلك في التاريخ، حتى وأن كلّفهم هذا شلالات من التضحيات، دماً نازفاً، وعرقاً متصبباً، ونحتاً لأهم معالم الحضارة الإنسانية.

رباعية سينمائية، كان يمكن لها أن تبقى غافية، متعذرة الوصول إلى أجيال اليوم، التي بات الكثير من أبنائها لا يعرفون، أو لا ينتبهون، إلى أن من تلك القرى والنجوع، ومن طين الترع، خرج الفلاح المصري ذات وقت، فحفر أحلامه على أقسى حجارة، ونثرها على أرقّ رمال.

اليوم، وعلى رغم مرور 41 عاماً، على تحقيق هذه الأفلام، بأيدي نخبة من السينمائيين المصريين لا بد من الانتباه إلى مستواها الفني المتميز، وقدرتها على تمثّل أبرز مناهج الفيلم التسجيلي، ومدارسه، وعلى الصياغة الفنية التي تمزج بين قوة التعبير، للصورة والصوت والموسيقى واللون، والانسيابية في الوصول إلى قلب وعقل المشاهد.

سينما راقية، ينبغي للجيل الشاب أن يراها اليوم، وكل يوم... يستعيد من خلالها روح أكتوبر التي لابد منها، في كل وقت..

 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)