جديد الموقع

 
 
 
ملف خاص عن 6 أكتوبر .. السينما والحرب، في «سينماتوغراف»
 
 
   

ناصر عراق

 

ناصر عراق يكتب لـ"سينماتوغراف"

أفلام حرب أكتوبر، هل تليق بحجم البطولة والانجاز التاريخي؟!

   
 
 
 
 
 

طوال القرن العشرين لم يشعر المصريون بقوتهم الأسطورية سوى ثلاث مرات فقط: الأولى حين أشعلوا ثورة 1919 وأجبروا الاحتلال الإنجليز الجبار على التفاوض مع قادتهم لينتزعوا حق الاستقلال، والثانية عندما صدوا العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، بعد إقدام عبد الناصر على تأميم قناة السويس، أما المرة الثالثة فكانت فى أثناء وعقب حرب 6 أكتوبر المجيدة عام 1973. 

وفى هذه المرات الثلاث اتقد الحس الوطنى فى صدور المصريين بشكل غير مسبوق، وأثبتوا أنهم شعب عجيب يجمعهم مزاج عام واحد، وهذا أمر نادر جدا على مستوى العالم. فكل دول كوكبنا تقريبا عبارة عن "تجميع" أعراق وجنسيات متباينة لا تضمها "حالة نفسية واحدة". لكن السؤال المهم: هل أفلحت السينما فى تقديم صورة مشرقة لهذه الوقائع الثلاث؟ وهل نجح المخرجون والمنتجون عندنا فى تحقيق أفلام تصور بطولات الشعب المصرى المذهلة فى تلك الوقائع الجليلة؟.

كتبنا مرارا أن السينما المصرية تتسم بالمحافظة، ولا تملك الجرأة على اقتحام قضايا السياسة بكل تعقيداتها، وتفضل الابتعاد عن الشأن العام، وتلوذ بطرح الموضوعات الآمنة مثل مشكلات الغرام وصراعات العصابات!.

كما أنها سينما تنهض على محاباة النظام الحاكم بشكل يصل أحيانا إلى درجة النفاق الرخيص إذا اضطرت أن تخوض عباب بحر السياسة، وذلك أمر معروف نظرا لأن الرقابة ستمنع عرض أى فيلم يتعرض لفضح مساوئ النظام بشكل صريح وحاد. لذا لا عجب ولا غرابة أن تكون الأفلام التى عرضت كلها فى عام 1973 ليس لها علاقة بحرب الاستنزاف أو الصراع العربى الإسرائيلى أو احتلال سيناء، كما أنها أفلام يغلب عليها الطابع الكوميدى المبتذل إلى حد ما. وخذ عندك عينة من أسماء تلك الأفلام لتتأكد مما أقول (امرأة من القاهرة، البحث عن فضيحة، البنات والمرسيدس، أبو ربيع، السكرية، غرام تلميذة، أشرف خاطئة، شلة المحتالين، شلة المراهقين، مدرسة المراهقين، الشياطين والكرة، امرأة سيئة السمعة، البنات لازم تتجوز، مدرسة المشاغبين).

43 فيلما فقط عرضتها السينما فى عام 1973، علما بأنها قدمت 68 فيلما فى سنة 1954، وكان تعداد السكان فى مصر فى ذلك العام لا يتجاوز 19 مليون نسمة، بينما بلغ العدد 35 مليون نسمة فى سنة الحرب المجيدة. ولا تنس أن فيلم "أبناء للبيع" لنيازى مصطفى، وكان آخر عمل شارك فيه إسماعيل ياسين كان آخر فيلم يعرض قبل الحرب وبالتحديد فى 17 سبتمبر، ثم توقفت دور العرض عن استقبال أى أفلام جديدة لأكثر من شهر ونصف الشهر، فالناس منشغلة بالحرب وأخبارها، حتى عادت وفتحت أبوابها لفيلم "زمان يا حب" لعاطف سالم، وذلك فى 5 نوفمبر من تلك السنة.

الرصاصة.. والوفاء

انتصر المصريون إذن فى معركة الكرامة الوطنية، وعبروا قناة السويس إلى الضفة الشرقية ليحطموا خط بارليف المنيع فى الثانية من ظهر يوم السبت السادس من أكتوبر من عام 1973، وأذاقوا جيش إسرائيل طعم المذلة والهوان، وأسروا من جنوده العشرات، وكان العقيد "عساف ياجورى" أحد قادة إسرائيل الذين تم أسرهم فى هذه المعارك البطولية، واعترى الشعب نشوة النصر، وانهمرت فى الإذاعة الأغنيات الجديدة التى تتباهى بالانتصار الكبير، وبعد عام واحد عرضت السينما للمرة الأولى فيلين جديدين عن هذه الحرب هما "الرصاصة لا تزال فى جيبى"، و"الوفاء العظيم".

كتب إحسان عبدالقدوس قصة الفيلم الأول وحواره، وكتب فيصل ندا السيناريو والحوار للفيلم الثانى، وأخرج حسام الدين مصطفى الفيلم الأول، وأنجز حلمى رفلة الفيلم الثانى، أما البطولة النسائية فكانت من نصيب نجوى إبراهيم فى "الرصاصة.."، بينما تصدرت نجلاء فتحى بطولة "الوفاء العظيم"، فى حين أن محمود ياسين استحوذ على بطولة الفيلمين، فقد كان هو النجم الصاعد بسرعة الصاروخ فى ذلك الوقت.

اللافت للانتباه أن أسرة فيلم "الرصاصة.." كتبت فى المقدمة كلمة شكر إلى القوات المسلحة لما قدمته من إمكانات عسكرية لتصوير الفيلم، بينما اكتفى صناع أسرة فيلم "الوفاء.." بكتابة اسم المشرف العسكرى المقدم محمد زين فى المقدمة. كما تجدر الإشارة إلى أن المعارك الحربية فى "الرصاصة.." تولى تصويرها ثمانية من المصورين، وتحت عنوان "إخراج المعارك الحربية" نكتشف أن هناك اثنين من الأجانب قاما بإخراج هذه المعارك كالتالى: القنطرة شرق من نصيب "ماريو مافى"، والطيران من إخراج "ك. كوترى"، أما المدفعية فمن إخراج خليل شوقى. إن الاستعانة بالأجانب ليصوروا ويخرجوا لنا قبل أربعين سنة فقط أمر يثير الدهشة بحق، فهل كنا حتى عام 1974 لا نتقن إنجاز فيلم حربى تحوم فيه الطائرات وتنطلق الصواريخ؟

وعندما تشاهد "الرصاصة.." الآن تكتشف أنه طويل بصورة مضجرة، والمعارك الحربية مملة، وأن الحبكة السينمائية اضطربت فى يد المخرج، وإن كنا لا نعدم وجود بعض المشاهد المتقنة فنيا مثل انزلاق قدم نجوى إبراهيم فى الحفرة ورعبها من يد محمود ياسين الممدودة إليها.

أما فيلم "الوفاء.." فقد تولى شريف حمودة الإشراف على المعارك الحربية باعتباره مساعد المخرج الأول، بينما قصة الفيلم تدور فى أجواء ساذجة لا تناسب مقام تلك الحرب المجيدة بكل أسف.

بدور.. وأبناء الصمت

أقبل الجمهور على مشاهدة فيلم "بدور" للمرة الأولى فى 14 أكتوبر 1974، ويبدو أنه قد خرج من دور العرض منتشيا لأن الفيلم الذى أخرجه وكتب له القصة والحوار نادر جلال قد احتشد بالتوابل الشائعة فى السينما المصرية، بعد أن أضاف لها عدة مشاهد حربية عن معارك أكتوبر. فقصة الحب بين اللصة نجلاء فتحى وعامل المجارى محمود ياسين لاقت صدى فى نفوس المشاهدين، كما أن أجواء الحى الشعبى بفئاته المختلفة أسهمت فى إعجاب الناس بالفيلم آنذاك، لكن عند مشاهدته الآن نكتشف بسهولة أنه فيلم ساذج إلى أبعد مدى، وأن حبكته السينمائية مُستلة من أكثر الحبكات سذاجة فى تاريخنا الفنى.

قد يكون فيلم "أبناء الصمت" للمخرج محمد راضى أفضل الأفلام التى صنعت عن حرب أكتوبر، ربما لأن من كتب القصة والسيناريو والحوار هو الروائى الكبير مجيد طوبيا، وقد عرض للمرة الأولى فى 16 نوفمبر من عام 1974، وتقاسم بطولته محمود مرسى، وميرفت أمين، ونور الشريف، ومحمد صبحى.

هل لاحظت أن أربعة أفلام عن حرب أكتوبر أنتجت وعرضت فى العام التالى لهذه الحرب، ثم توقف الإنتاج أو كاد بعد ذلك وحتى الآن؟ لماذا؟ لأن الرئيس السادات انقلب على سياسات عبدالناصر فصار الأمريكان أصدقاءه وأبرم اتفاقه مع إسرائيل، وأصبح من غير اللائق أن تصنع السينما المصرية أفلاما تمجد شجاعة المصريين وتفضح الجبن الإسرائيلى.

ترى.. هل نحلم بأن نشاهد يوما ما أفلاما كثيرة جيدة وجميلة تستعرض بطولات الشعب المصرى وجنوده فى معركة 1973 لأن الصراع بيننا وبينهم لم ينته بعد؟!.

 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)