Our Logo

 سيرةأوراق ناقدسينما مجهولةمقالات الأسبوعمشاهداتTop Nine  

 

مبدعون في سينماتك

أوراق ناقد

 

تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

سجل الزوار

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

ندعوك لزيارة مدونة الناقد محمّد رُضا

 

PURE CINEMA

 
     
  

ما تناولته في الأسبوع الماضي حول الحقيقة في مسألة اعتبار أن السينما هي مجمع كل الفنون، وصولاً الى الوهم الجميل الذي تتميّز به عن الفنون الأخرى، يقود للحديث عن مفهوم عرفه النقاد الأقدمون في الغرب بـ »السينما الصافية« او Pure Cinema

ما هو هذا المفهوم؟

هل هناك ما يمكن فعلاً تسميته بـ »السينما الصافية«؟

وإذا كان الجواب نعم. ما هي ميزات هذه السينما؟

-1-

مفهوم السينما الصافية ينطلق من مبدأ أن السينما تستطيع أن تكون مفصولة تماماً عن باقي العناصر الفنية الأخرى التي تتألّف منها. بذلك هي نتيجة مفرداتها وليست نتاج تأثير مسرحي، موسيقي أو أدبي

عليها٠

هذا هو الفارق بين مشهد يمكن أن يكون نموذجياً لتأميم مصطلح السينما الصامتة وبين مشهد لا يصلح لذلك٠

اللقطة التي يصوّرها أندريه تاركوڤسكي في فيلم »المقتفي« حيث يجلس الرجال الثلاثة كل ظهره للآخر على رقعة أرض خارج الغرفة التي قطعوا مسافة كبيرة للوصول إليها واكتشاف ما فيها. اللقطة من نقطة أعلى. صامتة. نقاط المطر تبدأ بالنزول. نقطة وراء نقطة ثم تزداد. الماء القريب يضطرب لتساقط المطر غزيراً لفترة قبل أن يتوقّف٠

سينما غير صافية: فيلم »برسونا« لإنغمار برغمن. المشهد الذي تستمع فيه ليڤ أولمان للممرضة بيبي أندرسن في الليلة الأولى من زيارتهما منزلاً منقطعاً على البحر في »برسونا«٠ تجلس الأولى على السرير تصغي بإنتباه لما توالي الممرّضة الحديث فيه وقد جلست على كرسي في مكان آخر من الغرفة. الممرضة تتحدّث بلا توقّف. لقطات منفصلة لكل منهما وكذلك جامعة بينهما٠

لقد اخترت فيلمين من تحف السينما علماً بأنه كان من الممكن اختيار »المقتفي« وفي مقابله أي فيلم رديء او غير مميّز وهي بالأطنان٠ لكن إلى جانب أن الصعوبة تؤدي الى حديث أكثر إثارة حين المقارنة، فإن القيمة الأخرى هي أن كليهما يتميّز بمقوّماته الجيدة وعناصره الفنية الآسرة على الرغم من أنهما متناقضان الى حد بعيد في منهج فهم كل مخرج لتلك العناصر٠  

المشهد الوارد في فيلم تاركوڤسكي صامت. الحركة فيه محدودة: مطر. الإستلهام الآتي منه: وحدة، تفكير. تأمّل. طبيعة جميلة. طبيعة موحشة. ماء. إستعداد نفسي لخطوة تالية غير معروفة٠ نهاية رحلة. هذه  المفردات تعتمد على تصميم المشهد بالنسبة لوجود عناصره في أماكنها الصحيحة تبعاً لرؤية المخرج. هذه العناصر هي: مكان جلوس الثلاثة على الأرض. وجهة كل منهم. طبيعة المكان. وجود بركة راكدة. بدء هطول المطر (بالتالي المطر نفسه) وبعد الكاميرا وزاويتها عن الموضوع المقصود تصويره٠

المشهد الثاني في فيل برغمن: ناطق (ولو أن واحدة فقط من الشخصيّتين تمارس الحديث). ومع أن الحركة فيه هي أيضاً محدودة الا أن الإنفعال موجود وناتج عن الممثلة أندرسن التي تقوم بروي قصّة حدثت لها قبل سنوات. باقي المفردات مصممّة حسب رؤيا أيضاً، لكن الكاميرا وإضاءة المكان يلعبان دوراً أساسياً لإقحام التصوير في تأليف استلهامات المشهد ، تماماً كما الحال مع »المقتفي«٠

إذاً، العنصر الرئيسي الوحيد الذي يميّز أحد هذين الفيلمين عن الآخر هو التمثيل. وقد ورد معنا أن التمثيل هو نتاج مسرحي في الأساس٠ الشخصيات التي في »المقتفي« تجلس. تنظر. هذا كل شيء. مساحة التمثيل عندها في هذا المشهد باهتة وربما معدومة في واحدة من زوايا النظر والتفسير لها في هذا المشهد. الشخصيتان في »برسونا« تتعاملان مع نص فيه حوار والحوار يحمل إنفعالاً ومشاركة بين الشخصيّتين ثم مشاركة مباشرة بينهما وبين المشاهد٠

بذلك، المشهد التاركوڤسكي هو أكثر سينمائيّة من ذاك الذي عند برغمن. بذلك، أيضاً، هو سينما صافية بالمقارنة٠ والتعبير ورد، وأحياناً لا يزال، حين الحديث عن العديد من الأفلام الصامتة (فترة ما قبل النطق) على أساس أنه لم يكن هناك إختياراً لدى صانعي السينما سوى اللجوء الى الكاميرا لإيجاد حل لعمليّتي السرد والتعبير. طبعاً كانت هناك بطاقات مكتوبة تصوّر وتظهر على الشاشة لتقول شيئاً مثل  وفي مكان بعيد  كان الرجل الذي أحبّته يجهد في  سبيل تأمين قوته لكن معظم الفيلم، والعديد جداً من الأفلام الصامتة، كان عليها الإعتماد على الصورة لكي تؤدي العملية الفنية بأسرها٠

إذ أقول ذلك، أدرك أن نقاد الأمس (نقاد اليوم نصفهم لا يعلم عما أتحدّث فيه) زادوها حين اعتبروا أن كل الأفلام الصامتة هي سينما صافية. في الحقيقة يمكن الوصول الى سينما صافية في فيلم ناطق، ويمكن الوصول الى سينما غير صافية في فيلم صامت٠ المسألة هي قدر اعتماد الفيلم (أي فيلم) على تفاعلات المفردات التي تؤلّفه مع واقترابها من رؤية المخرج... إذا ما كانت لديه رؤية٠

يتبع٠٠٠٠

سينماتك في 9 أغسطس 2008