Our Logo

 سيرةأوراق ناقدسينما مجهولةمقالات الأسبوعمشاهداتTop Nine  

 

مبدعون في سينماتك

أوراق ناقد

 

تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

سجل الزوار

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

ندعوك لزيارة مدونة الناقد محمّد رُضا

 

بين أسلوبين

 
     
  

ذات مرّة تقدّم مني المخرج التونسي رضا الباهي بعرض عمل: أساعده على إعادة كتابة فيلم »براندو« الذي كان قد اتصل بالممثل مارلون براندو من أجله  والتقي به وشرح له الفكرة وتحمّس المممثل الراحل لدرجة انه كان يتّصل دائماً ليحث الباهي على إنجاز نسخة التصوير من السيناريو.

ما كان يبحث عنه رضا الباهي هو معالجة جديدة وحل لمشاكل كتابة مشاهد تدور في لوس أنجيليس. بما أني أعيش في هذه الغابة الأسفلتية  التمس المخرج أنني أصلح للمهمّة٠ اقترح أن يدفع إقامتي في فندق محدود البهرجة بالإضافة الى الأجر المطلوب.

لكن الباهي كان يطلب في الحقيقة أكثر من مجرّد إعادة كتابة السيناريو الذي أنجزه سابقاً وجرى ترجمته من الفرنسية الى الإنكليزية. كان قال لي في بيروت خلال حضورنا مهرجان بيروت السينمائي في دورته الثانية او الثالثة أنه يريد تغيير نمط أفلامه من دون أن يتنازل عن المضمون. قال لي: "قريباً سأخطو في الخمسين، وإذ أنظر الى ما فعلت أجد أنني لم أحقق أفلاماً كفاية ولا أعتقد أنني سأحقق ما أريد الا إذا غيّرت أسلوبي. هل تستطيع أن تساعدني في ذلك؟".

حين بدأت العمل على السيناريو كان ذلك الحوار في بالي. في بالي أيضاً أن المشكلة ليست في الأسلوب الخاص برضا الباهي ولا في اختياراته من المواضيع، بل الحقيقة لا توجد مشكلة على الإطلاق. المشكلة، وهذا شيء من علم النفس الحديث، هو ما تقترحه على نفسك وعلى غيرك لأسباب أخرى. تقول مثلاً: »مشكلتي هي أنني لا أقرأ الفرنسية لذلك لن أستطيع قراءة عقد عمل الا إذا تمّت ترجمته«  في الواقع هذه ليست مشكلة بل حقيقة وعليك مجابهتها على هذا النحو: أما أن تدرس الفرنسية، او أن تذهب الى المحامي الذي يفهم الفرنسية او ترفض العقد٠ في الحالة الثانية: الحب ليس مشكلة.  ما كان يواجهه الباهي هو أن أفلامه فنيّة وذات قضايا وجمهورها محدود، ولأن جمهورها محدود فمنتجيها وموزّعيها محدودين.

الآن يريد تغيير وجهته من دون أن يخون ماضيه  وهذا ليس تنازلاً.

والتغيير يبدأ حين الكتابة٠  يقول المشهد مثلاً

تجول الكاميرا في أنحاء الغرفة. نرى سعيد نائماً وعلى سريره مجلات مرمية

وبالقرب منه طاولة صغيرة عليها هاتفه الخليوي، منبّه وصحن فيه بقايا طعام.

تتركه الكاميرا وتجول في أنحاء الغرفة. نرى شهادات وجوائز كثيرة معلّقة

على جدران الغرفة  ونفهم أن سعيد كان رياضياً في شبابه الخ... .

هذا المشهد قد يصوّره مخرج ما كما هو مكتوب مستوحياً الرغبة في التعرّف على تاريخ الشخص النائم فتنتقل الكاميرا  من عليه في السرير في بانوراما بطيئة مستعرضة باقي أنحاء الغرفة.

مخرج آخر قد يقطّعه الى لقطات.

لقطة لسعيد. لقطة. للساعة تقترب من السادسة صباحاً. لقطة لستائر تتطاير من نافذة مفتوحة. لقطة للجدار أ ثم الجدار ب الخ... .

هذا هو المقصود- مع تبسيط مقصود- لماهية الأسلوب٠ لكن الأسلوب ليس لون قميص تختاره، بل ينتمي الى رؤية أكبر بكثير من مجرد كيف سأبداً الفيلم؟ بسعيد نائماً ثم بان على ارجاء الغرفة؟ او ببان على أرجاء الغرفة ثم أهبط على سعيد؟ او بلقطات مختلفة تؤسس لكل شيء؟  

وصلنا- رضا الباهي وأنا-  وكنّا نكتب معاً، الى مشهد محادثة هاتفية لشخصيّتين. وبما كنت أكتب المشاهد أوّلاً ليقرأها هو ثانياً فقد قسّمت المشهد الى لقطات. الشخصية الأولى تتصّل وتتحدّث، ثم لقطة للشخصية الثانية تتحدّث مع الأولى، ثم تبادل لقطات  بين الإثنين.

لم أكن أخترع الماء الساخنة. كان هذا الأسلوب هو المتوفّر في معظم الأفلام. لكن رضا الباهي عارضه وقال: »لا أستطيع أن أقوم بمشهد كهذا. لا أؤمن بالتقطيع والإنتقال بين شخصيّتين«.  اقتراحه هو البقاء مع الشخصية الأولى ما معناه أن المشاهد إما لن يسمع حديث الشخص الآخر او أنه سيسمعه مدوّياً كما الحال في أفلام هذه الأيام إذ نسمع صوت الشخص الآخر كما لو كان يتحدّث في مكبّر صوت وليس في هاتف بالكاد يستطيع طرف ثالث سماع هماسته.

لكن السبب الذي اخترت فيه التقطيع هو ما قاله لي سابقاً من أنه يريد التغيير.

التقطيع في هذه الحالة يقرّب الفيلم الى توقّعات معظم المشاهدين من دون أن يضحّي بالمضمون. طريقة الباهي هي شخصية أكثر. المشاهد عليه أن يتمعّن بالطرف الأول طوال الوقت، وقد يجد أن ذلك مزعجاً إذا لم يكن هناك الكثير مما يقوم هذا المتكلم بالحديث فيه، او إذا كان الممثل غير مقنع او رديء. وإذا كان المشهد مصمم ومنفّذ صحيحاً فإن ذلك ليس التغيير الذي يطلبه الباهي لنفسه. إنه الشيء ذاته.

استمع المخرج لرأيي وأبقى المشهد كما هو ليس لأنه اقتنع، بل ربما لأنه كان يريد يجرّب او لأنه لم يكن لديه وقت طويل الآن لتغيير المشهد.

المهم هو أن الفيلم كله ألغي من الوجود حالما توفي مارلون براندو الذي كان مستعداً لتمثيل آخر دور له في فيلم مخرجه عربي.

تستطيع أن تقرأ لمحمد رُضا على مدونتيه:

http://filmreader.blogspot.com/

http://shadowsandphantoms.blogspot.com/

سينماتك في 1 أكتوبر 2008