(3)
وصلت إلى بنغازي (وليس طرابلس
الغرب كما ذكرت خطأ في الحلقة الثانية) وفوجئت
بالتنظيم الذي يستقبلك من المطار إلى موقع التصوير حيث
سأعيش هناك أياماً سبعة.
كنت أرتدي حذاءاً لا يصلح لرمل
الصحراء ونصحني المسؤول الصحافي (أسمه
Chuck)
بشراء حذاء محلي مخصص لذلك ففعلت وطفت أدور حول
جميع من هناك. تكلمت مع منى واصف وأحمد مرعي ومحمود
سعيد ومحمد العربي وعبدالله غيث وكلهم كانوا يضمرون
شعوراً واحداً مفاده أنها المرّة الأولى التي يقومون
فيها بالتمثيل في فيلم يجمع خبرات تقنية وفنية أجنبية
ومخرجه عربي يعمل بنمط السينما العالمية.
ذات مرّة توجهت إلى الممثل أنطوني
كوين. كان في الحافلة (Motor House)
التي خصصت له فحوّل منها جزءاً إلى مرسمه.
كان يرتدي «دشداشة» عربية بيضاء
وكان يرسم حين اقتربت منه وعرفت بنفسي وكان هو يعرف أن
هناك ناقداً لبنانياً سيقوم بإجراء حديث معه.
توقف عن العمل ورجع الى الوراء
وسألني بصوت منخفض: “ما رأيك بهذه اللوحة؟”.
لم أشأ في استحسان اللوحة حتى لا
يعتقد إنني أجامله فقلت: “تبدو لي جميلة، لكني لست ممن
يعرف الكثير عن الرسم”.
هذا الجواب أعجبه. ابتسم وجلسنا
وأجريت معه حواراً بدأ بفيلم «الرسالة» وما حمله من
معاني وانتهى بالحديث عن بعض أفلامه الأخرى.
في اليوم التالي، نقلتني السيارة
إلى منطقة أخرى في الصحراء حيث كان العقاد والجميع من
حوله بدأوا تصوير أحد مشاهد المعارك. كنا بإنتظار
تجهيز اللقطة عندما نظر العقاد إلى ضابط ليبي وقال له:
“هذا الصحافي اللبناني يعتقد أن أرضكم خاوية وجافة ليس
فيها ماء”.
فاجأني الكلام ونظرت إلى الضابط
الذي لم يعجبه ما سمع وقال: “أتحداك… أحفر أربع أمتار
تحت الرمال وستجد الماء يطفو على السطح”.
رددت وأنا لا أدري بعد أنني موضوع
مزاح العقاد (وبشيء من الخوف): “لا.. لم أقل ذلك… هذا
غير صحيح”. سمعت العقاد يضحك وقد نجح في إثارة خوفي ثم
ضحكنا جميعاً.
من هو هذا الضابط؟ هل ما زال
حياً؟
نعرف الفنانين والفنيين الذين
يموتون لأنهم مشهورون… لكن ماذا عن مئات العاملين في
الفيلم بصفات ومهن مختلفة؟ هل تخفيهم الحياة بعيداً
عنا وتخفينا نحن بعيداً عنهم أيضاً. هل هذا الضابط
الشاب ما زال حياً؟ هل هو حر؟ هل يقاتل؟ هل تقاعد؟
لماذا نلتقي بأناس ثم نفترق عنهم… كل يوم… في كل مكان؟
Hell is in Hello
كما يغني الممثل لي مارڤن في فيلم
Paint Your Wagon
أحيت زيارتي لتصوير «الرسالة» (ثم
لتصوير «عمر المختار») حب الإخراج. كنت أحببت الإخراج
منذ أن كنت فتى صغيراً. كثيرون لا يعلمون أنني حققت
ثلاثة أفلام من إخراجي من أصل أربعة أفلام كتبتها
جميعاً ومثلت في إثنين منها.
كانت أفلاماً صامتة وكنا أربعة
أصدقاء لم أعد أذكر منهم سوى واحد أسمه سمعان سمعان…
ماذا حدث له؟ يا ربي لماذا ترهقني مثل هذه الأسئلة؟
يتبع….
