أمين صالح

 
جديد أمينكتب في السينماجريدة الأيامجريدة الوطنالقديم.. الجديدملفات خاصة
 

القديم.. الجديد

أمين صالح يتحدث عن السينما في دول الخليج

ندوة في مسرح أوال ـ البحرين بتاريخ ـ 24 سبتمبر 2008

كيف يمكن أن نقيّم – نقدياً – تجارب سينمائية (تشمل الأفلام الطويلة والقصيرة معا) لا تزال تعيش طفولتها.. طريّة وهشّة لا تزال (رغم أنها تعد بالكثير).

هل يمكن لهكذا تجربة، محاطة بما لا يحصى من عقبات وعراقيل ومشكلات، أن تصمد أمام نقد صارم لا يكترث بالمبررات والمعطيات بل بالنتائج، بما هو معروض على الشاشة كعمل منجز، منته، مكشوف أمام النقد والتقييم، أمام استجابات وردود فعل الجمهور والنقاد على سواء؟

هل يحق لنا (الآن على الأقل) أن نأتي إلى هذه الأفلام (التي لا تدّعي الاحترافية ولا تزعم النضوج الكلي) مسلحين بأدواتنا النقدية – الحادة والحازمة غالباً – لنحلّل ونشرّح ونقيّم عناصرها وتقنياتها  ومحتواها كما نفعل عادةً مع أفلام المحترفين، فنحكم عليها – ربما – بالفشل والضحالة والسذاجة، وبالتالي نعرّض أصحاب هذه التجارب إلى سلسلة من التوبيخ والاستهزاء والإذلال، والتي قد تفضي بمنتج الفيلم إلى الإحباط واليأس، وربما الاعتزال المبكر، إن لم يملك الثقة بالنفس، وافتقر إلى الحصانة الفكرية والنفسية التي تساعده على تقبّل النقد بمرونة وبوعي؟

لكن، من جهة أخرى، هل حداثة التجربة وطراوتها، بحكم البدايات، تشفع لمنتج الفيلم (أعني من يحقق الفيلم) كل أخطائه وشوائبه ونواقصه؟ هل تكون ذريعة للتغاضي عن ضعف عمله أو سلبياته؟

إذا كان النقد الصارم عاملاً حاسماً في إلحاق الضرر بمنتج العمل، وربما تدمير موهبته الغضة التي لم تتبلور وتتقوّى وتتماسك بعد، ألا يمكن للنقد المتساهل، المتعاطف، المتغاضي عن الأخطاء، أن يمارس الضرر نفسه؟

إن عدم مكاشفة ومصارحة منتج العمل بكل سلبياته ومواطن ضعفه، بذريعة أنه سيكتشف الخلل بنفسه مع استمرارية التجربة، ربما تنمّى لدى هذا المنتج شعورا زائفاً بالأهمية، والتوهم بأن عمله يخلو من العيوب والنواقص، وقد يدفعه زهوه وغروره إلى الإحساس بعدم حاجته إلى النقد وإلى تبادل الآراء حتى مع أقرانه، فيصاب تدريجياً بالهزال والتآكل، ولا تعود موهبته قادرة على التوهج والومض.

إنها حقاً معضلة يواجهها الناقد في أي محاولة لتقييم التجربة: هل يتخذ الموقف الصارم، الذي لا يخلو من القسوة، دون مهادنة أو مجاملة على حساب الفن.. أم الموقف المتسامح والمتساهل الذي يحنو على العمل وصاحبه، رغم كل عيوبه، مراهناً على إمكانية التجربة في صقله وتمكينه من تجاوز أخطائه؟

*  *  *  *

لا أقول السينما الخليجية نظراً لأن هذا المصطلح يفتقد الدقة والسلامة، كما لا توحّدها سمات معينة أو ملامح خاصة أو شخصية متفردة تميّزها عن السينما في أقطار عربية أخرى.. لا من حيث الأشكال والأساليب، ولا المضامين التي تطرحها. حتى البيئة لا تبدو مميّزة وفريدة.

الأفلام المنتجة في دول الخليج لا تزال – تاريخياً - في طور النشوء والتكوّن، قياساً إلى السينما في مصر، مثلاً، التي ولدت منذ أكثر من سبعين عاماً، أو في سوريا أو المغرب العربي. لقد أنتجت دول الخليج، منذ السبعينيات – من القرن الماضي -  وحتى الآن عددا قليلاً جداً من الأفلام الدرامية الطويلة، أما الأفلام القصيرة فكانت تُنتج – حسب الأمزجة والأهواء الشخصية - في فترات متباعدة وبوسائل متواضعة إن لم نقل فقيرة، ولم تتزايد وتنتعش إلا منذ سنوات قليلة.

فنياً، الأفلام المنتجة في دول الخليج، في معظمها، لا ترقى إلى مستوى الأفلام الفنية التي نحلم بها أو نطمح إليها، أي تلك التي تتناغم فيها الرؤية العميقة للواقع وللحياة، مع الأبعاد الجمالية التي تحققها عناصر فنية بارعة وواعية.

لدينا محاولات فردية، بجهود ذاتية طموحة وتكاليف بسيطة، هنا وهناك. استطاعت أن تجد لها موقعا في مهرجانات عربية وعالمية، لكنها لم تحقق ذلك الحضور الملفت والمميّز، والأهم من هذا، لم تستطع هذه المحاولات أن تؤسس لحركة سينمائية قادرة أن تفرض نفسها على الواقع، وأن تخلق كوادر فنية قادرة على تحقيق الأفلام، وأن تستقطب التمويل اللازم سواء من الحكومات أو القطاع الخاص لدعم هذه الفعالية أو حتى للاستثمار في هذا المجال.

هذا لا يعني أن تلك المحاولات كانت ساذجة وبدائية ولا قيمة لها. بالنظر إلى كل محاولة كحالة مستقلة، كفيلم قائم بالعناصر الفنية المتاحة والإمكانيات المادية المتواضعة، يتحتم علينا القول بأنها محاولات شجاعة، جريئة، جديرة بالثناء والإعجاب. وفنياً، هي لا تخلو من ومضات والتماعات ملفتة، قدّمها سينمائيون شغوفون بالفعل السينمائي ويستحقون التقدير والاحترام.

من جانب آخر، السوق الخليجية، بسبب محدوديتها من حيث المساحة وعدد السكان، هي بسيطة وفقيرة سينمائيا، إذ حتى عندما يجد فيلم ما إقبالا معقولا من الجمهور، فإن الدخل لا يشكّل ربحاً يعتد به، وقد لا يغطي نصف أو ربع تكاليف إنتاج العمل. أما الأسواق العربية فغالباً ما تكون نائية، بعيدة المنال، عن أفلام لا تجد موزعاً يسوّقها بسبب صعوبة اللهجة وافتقارها للعناصر التي تكفل نجاحها جماهيرياً.

في غياب القطاع الخاص، الذي لا يكترث بالسينما، ولا يعتبرها مجالاً صالحاً للاستثمار، يكون للدعم الحكومي أهمية قصوى، خصوصا إذا أدركت الحكومات أهمية السينما – كفعالية ثقافية -  وضرورة دعمها. بدون هذا الدعم الحكومي، سوف تتعرض المحاولات والجهود السينمائية إلى التعثّر والتعطّل، وسوف تواجه العديد من العراقيل والصعوبات.

*  *  *  *

في السنوات الأخيرة شهدت أقطار الخليج طفرة في إنتاج الأفلام القصيرة والوثائقية، وهذا ما لاحظناه بجلاء من خلال مشاركات المخرجين الشباب في المسابقات والمهرجانات، حيث شاهدنا العشرات من الأفلام القصيرة ذات المستويات المتباينة فنياً وتقنياً، المتنوعة في موضوعاتها، والتي تتفاوت في الجودة والضعف، العمق والسطحية، الجدة والاستسهال.

لكن بوسعنا رؤية أن هناك توجّها جادا، نشطاً، ومكثفاً، لدى مجموعات سينمائية في دول الخليج لتحقيق أفلام قصيرة، وطويلة أيضاً. عندما نلاحظ حجم المشاركات من النتاجات المحلية في مهرجانات أبو ظبي ودبي والسعودية نكتشف أننا أمام ظاهرة جديدة، أمام حركة سينمائية سوف تفرض حضورها عربياً وربما عالمياً..

من المؤكد أن هذه الطفرة هي نتاج المسابقات المحلية والخليجية، حيث أن هذه المسابقات، بجوائزها المتواضعة واستقطابها للأقلام النقدية العربية الرصينة، تشكل دوافع وحوافز تشجع السينمائيين على الإنتاج والمشاركة.

في البحرين، تكفّل مسرح الصواري، بالتعاون مع نادي السينما، بإقامة عدد من المسابقات "المتعثرة"، التي لم تستمر بانتظام، لكنها مع ذلك نجحت في اجتذاب عدد لا بأس به من الشباب الذين قدموا أفلامهم الطموحة. غير أن العديد من هؤلاء كفوا عن الإنتاج نتيجة تعثّر ثم توقّف المسابقة.

في الإمارات، وتحت إدارة السينمائي الشاعر مسعود أمر الله، نجحت تظاهرة "مسابقة أفلام من الإمارات" في أبو ظبي ليس فقط في استقطاب العديد من التجارب السينمائية في الإمارات المتحدة وفي أقطار الخليج الأخرى، عبر دوراتها السنوية، بل ساهمت أيضاً في إبراز مواهب عدد من السينمائيين الإماراتيين، في مجالات الإخراج وكتابة السيناريو والتصوير وغير ذلك، والذين أثبتوا حضورهم بقوة حتى في المهرجانات العربية.

في دبي، أشرف مسعود أمر الله على إدارة مهرجان السينما الخليجية، الذي عقد دورته الأولى هذا العام وشهد مشاركة مكثفة وجيدة في مجال الأفلام القصيرة لكن قليلة وضعيفة في مجال الأفلام الطويلة.

في السعودية، التي تفتقر تماماً إلى صالات عرض للأفلام، وحيث النظرة إلى السينما محافظة جداً، بل أن الموقف من السينما يتسم بالعدائية والريبة.. من وجهة نظر أخلاقية متزمتة، شهدت منطقة الدمام، في هذا العام، مسابقة سينمائية محلية تنافس على جوائزها المتواضعة 34 فيلما قصيرا ووثائقياً.

*  *  *  *

بالطبع نحن لا نتوقع أن تكون كل التجارب متميزة وعميقة، لكن مع الوقت، مع ثبات وتأصل الشغف بالسينما، مع توفر الرعاية والاهتمام والدعم، لابد لنا أن نشهد إنتاج أعمال هامة، متميزة، ذات غنى وتنوّع في الرؤية والأسلوب والمعالجة والطموح.

لقد استطاعت التجارب السينمائية في الإمارات أن تؤكد جديتها وتميزها عبر أعمال جيدة قدمتها أسماء نجحت في إثبات وجودها وفرض نفسها في الأوساط السينمائية.. أسماء مثل: وليد الشحي، سعيد سالمين المري، عبدالله حسن، محمد حسن.. وآخرين. 

أيضا نجد عددا من الأعمال الجادة والطموحة في الكويت والبحرين وعمان والسعودية.

 

ملامح أخرى:

  • توجه أدباء من كتاب قصه وشعر للكتابة للأفلام..
  • مفاهيم نقدية مربكة.. في المقارنة بين الصورة السينمائية والتلفزيونية أو في الأداء.

سينماتك في ـ  24 سبتمبر 2008

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004