أمين صالح

 
جديد أمينكتب في السينماجريدة الأيامجريدة الوطنالقديم.. الجديدملفات خاصة
 

جريدة الوطن البحرينية

آليات الرعب.. من الإيحاء إلى الصدمة

بقلم: أمين صالح

كانت السينما في مهدها حين عرض الأخوان لوميير، في العام ,1896 صوراً متحركة لوصول القطار إلى المحطة. قيل إن المتفرجين الذين كانوا يشاهدون القطار على الشاشة وهو يتجه نحوهم مباشرة، صاحوا في ذعر معتقدين أن القطار سوف يصطدم بهم، حتى أن بعضهم هرب من الصالة، وأصيب عدد منهم بالإغماء.. كما تشير بعض المصادر. من ردود الفعل هذه، أدرك السينمائيون مدى قوة الصورة وفعاليتها وتأثيرها، وقدرتها على إثارة الخوف والصدمة، يساعدها في ذلك الظلام المخيّم في الصالة والذي يساهم في تصعيد الخوف، إضافة إلى مخاطبة الصورة لمشاعر ولاوعي المتفرج على نحو مباشر وعميق. وقد حاول السينمائيون استغلال ذلك، إضافة إلى الإمكانات الأخرى، في التلاعب بالجمهور الباحث عن الإثارة وذلك بتقديم أفلام تحتوي على حكايات مخيفة. كان الرائد الفرنسي جورج ميليه (1861 - 1938(، مكتشف الحيل البصرية، أول من عرض أفلاماً ذات طابع غرائبي مروّع، وقدّم أفلاماً مستمدّة من قصص جول فيرن وويلز التي تنتمي إلى الفنتازيا والخيال العلمي. لكن ميليه كان يسعى إلى إثارة جمهوره أكثر من تخويفه، وكان يستكشف العناصر الفنتازية أكثر من العناصر المرعبة. توالت أفلام الرعب الأولى، مع ترحيب الجمهور بها، وكانت تستمد مادتها من مصادر أدبية مثل: فاوست، دكتور جيكل ومستر هايد، فرانكشتاين. هذه الروايات كانت تحوي كل العناصر التي وظفتها أفلام الرعب وكرّرتها في ما بعد، من حيث وجود موقع رهيب كالقصر المعزول، وأجواء مخيفة، وشخصية غير متوازنة تحمل الكثير من العنف والقسوة. أفلام الرعب الأمريكية في العشرينيات استفادت من الأسلوب التعبيري في الإضاءة والديكور لكن دون أن تتخلى عن التوجه التجاري. لذلك لم تحمل هذه الأعمال الصبغة الفلسفية والسيكولوجية، أو تحاول تطوير الإنجازات الفنية والجمالية التي توفرت في السينما التعبيرية، إنما راحت تقدّم الرعب في إطار ميلودرامي معتمدة على شخصيات غريبة أو مشوهة تسعى إلى الانتقام أو انتزاع الاعتراف بحقها في العيش بكرامة ضمن المجتمع السوي. مثل هذه الشخصيات كانت تمتلك خاصيات إنسانية تثير تعاطف الجمهور معها. ومن نماذج تلك المرحلة: أحدب نوتردام (1923) المسخ (1925) لندن بعد منتصف الليل (1927) شبح الأوبرا (1927). في الثلاثينيات والأربعينيات كان مصدر الرعب أجنبياً في الغالب. كانت الأحداث تدور في مناطق بعيدة كوسط أوروبا (دراكيولا، فرانكشتاين) أو في جزر ومواقع مجهولة (جزيرة الأرواح الضالة، كينج كونج). الرعب كان دائماً يأتي من خارج أمريكا التي تتعرّض لهجمات الوحوش مادياً، جسمانياً، لكنها تظل غير ملوّثة معنوياً. في الخمسينيات، مصدر الرعب كان الفضاء الخارجي أو الحشرات العملاقة. في الستينيات، مع فيلم هتشكوك Psycho صار مصدر الرعب داخلياً، وتحديداً، ضمن العائلة الأمريكية.  قديماً كانت أفلام الرعب تؤكد على الأجواء أكثر من منبّهات الصدمة. تعتمد على الإضاءة أكثر من المكياج، على المؤثرات الصوتية والموسيقى أكثر من التلاعبات البصرية. الظلام، الليل، القمر، الرياح التي تعوي، الأبواب ذات الصرير، الردهات والممرات المعتمة، الضحكات الشيطانية، الآخر الذي يشكّل تهديداً وخطورة بالغة، الضحية الغافلة الجاهلة بما يكمن تحت السطح الآمن والبريء ظاهرياً.. كل هذا كان من العناصر والمظاهر الأساسية في أفلام تلك المرحلة. النهايات السعيدة كانت توكيداً على إمكانية استعادة الحالة السويّة رغم التهديدات الجادة والخطيرة، وكانت تعبيراً عن الرغبة في المحافظة على المبدأ الأخلاقي الأساسي: الخير ينتصر دائماً. أفلام الرعب كانت تعتمد على الإيحاء أكثر من التصريح. عبر الإيحاء يمكن تحريك مخيلة المتفرج، أما التصريح فيعمل على تعطيل المخيلة التي لا حاجة إلى تحريكها طالما أن كل شيء معروض على نحو مباشر ومكشوف. ولا شك أن الإيحاء بالشر والرعب هو أشد تأثيراً وفعالية لأنه الأكثر إقلاقاً وإثارةً للتوتر. منذ السبعينيات بدأت الأفلام تلجأ إلى التصريح، وإلى عرض كل شيء دونما تردد. الكاميرا لم تعد تحجم عن تصوير كل ما يهز ويصدم من مشاهد تحتوي على عنف بالغ ولقطات عري متداخلة أو مقحمة في الحدث لدوافع تجارية. تحقيق الصدمة صار الغاية الأساسية. العنف غالباً ما يكون مجانياً. ابتكار مشاهد قتل بمختلف الأدوات. النهايات لم تعد سعيدة والشر ينتصر في صراع غير متكافئ. المسوخ القتلة لم تعد تثير التعاطف فهي مجرد آلة قتل تقتنص الضحايا بعشوائية. وأغلب هذه الأفلام تهدف إلى انتزاع استجابة غريزية عند المتفرج عوضاً عن التأثير العاطفي أو الفكري. إنها تتلاعب بالمتفرج من طريق تهييجه وإثارته بالكليشيهات المعروفة دون إعطاء أهمية إلى المحتوى والمعنى والخاصية. تقنياً، صار الاعتماد الأساسي على المؤثرات الخاصة - البصرية والصوتية - والمكياج من أجل إحداث أكبر قدر من التأثير في تصوير الرعب والعنف، وإقناع المشاهدين بواقعية المشهد.. وذلك على حساب القصة والشخصية والجو العام. من طريق المؤثرات والمكياج أصبحت مشاهد القتل أكثر إثارة للفزع والاشمئزاز حيث تُعرض بسادية مفرطة.  في دراسة نويل كارول عن سينما الرعب (مجلة Film Quarterly) يتطرق إلى البنى الأساسية التي ترتكز عليها أفلام الرعب ومن ضمنها حبكة الاكتشاف والتي تتألف من أربع حركات أساسية: الأولى: حضور الوحش يتأسس بواسطة الهجوم الذي يشنّه على أحد الضحايا. الثانية: يتم اكتشاف وجود الوحش من قِبل فرد أو مجموعة، لكن لسبب أو لآخر لا تعترف القوى المتنفّذة في المجتمع (السلطات المحلية، المحافظون، أجهزة الحكومة، الجيش، المؤسسات، العلماء، العائلة) بوجود مثل هذا المخلوق المتوحش ولا تدرك طبيعة التهديد، وهي تعتبر الادعاء بهذا الوجود من قبيل الوهم أو التخيّل أو الكذب. الحركة الثالثة: المحاولات اليائسة والفاشلة التي يقوم بها المكتشفون أو العارفون لإقناع الجماعات الأخرى بوجود الخطر المهلك وحجمه. الوقت يضيع والوحش يزداد قوةً وبطشاً. في هذا الجزء تدور المناقشات حول الوحش ويجرى الكلام عن عدوانيته وقوته الخارقة وطبائعه البغيضة. هنا يُستعاض عن حضوره المادي بحضور اللغة التي تثير مخيلة المتفرج ورعبه. وكلما كان خفياً ولا مرئياً ازدادت فعاليته وأصبح أكثر إرعاباً. أما الحركة الرابعة ففيها تتم المواجهة بين البشر والوحش، والتي تنتهي بانتصار الإنسان غالباً، وهزيمته أحياناً. سينما الرعب مأهولة بالمسوخ والأشباح والشياطين والأموات الأحياء ومصاصي الدماء والمتحولين إلى ذئاب أو فهود والبيوت المسكونة ومخلوقات الفضاء الغازية وكائنات ما قبل التاريخ والمومياوات والحشرات والزواحف العملاقة والمضطربين عقلياً والعلماء المجانين والسحر الأسود. في هذه الأفلام نرى الأشياء تتمرّد ضد الإنسان وتحاول تدميره (البيت، المصعد، السيارة..الخ). الطبيعة بأشيائها ومخلوقاتها تثور وتشن حرباً لا هوادة فيها ضد البشر. الحيوانات الأليفة لا تعود صديقة للإنسان بل تنقلب ضده وتتحوّل إلى كائنات فتاكة. المخلوقات الشمعية تبعث حيّة وتنشر الذعر. الدمى تتحرك بروح شيطانية وتقتل في خبث. النباتات تصير مفترسة. الأعضاء البشرية المبتورة (كاليد) تتحرّك من تلقاء ذاتها لتنتقم. أفلام الرعب لا تتوقف عند حد معيّن، إنها تقتحم الواقع والخيال معاً لتستمد منهما المادة الأولية التي منها تشكّل حكاياتها المخيفة والصادمة.

الوطن البحرينية في

24.03.2009

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004