أمين صالح

 
جديد أمينكتب في السينماجريدة الأيامجريدة الوطنالقديم.. الجديدملفات خاصة
 

جريدة الوطن البحرينية

بونويل والمرحلة المكسيكية

إعداد وترجمة: أمين صالح

في العام 1951 حقق بونويل "سوزانا"، الذي هو ربما من أكثر أفلامه، في مرحلته المكسيكية،  مأساوية وكآبة. وللفيلم عنوان آخر هو "الشيطان والجسد".. وهو مبني على رواية للكاتب مانويل ريشي.

ميلودراما عن محاولة امرأة، تنتمي إلى الطبقة السفلى، للتسلق – عبر انتهازية مدمرة – إلى الطبقة العليا. هذه المرأة تسبب الخراب للبيت الذي لاذت به بعد هروبها من إصلاحية الأحداث ذات ليلة عاصفة، وتدمر الأسرة التي آوتها وأشفقت عليها.

فيلمه التالي "ابنة الخداع" (1951) أيضاً ميلودراما، عن عامل تخونه زوجته فيطردها لكنها تخبره بأن ابنتهما ليست من صلبه. هو يتخلى عن الطفلة عند عتبات شخص سكير.

في العام نفسه حقق "امرأة بلا حب" الذي لم يحقق نجاحاً على المستويين النقدي والجماهيري. عندما سئل بونويل عن هذا الفيلم، قال " إنه ببساطة تامة من أسوأ الأفلام التي حققتها في حياتي".

الباص المكسيكي (1951):

الترجمة الحرفية للعنوان المكسيكي هي "الصعود إلى السماء". كتب السيناريو الشاعر الأسباني مانويل ألتولاغيري.

كوميديا شعرية، تمزج الفولكلور والفنتازيا، تدور في قرية هندية في الغابة المكسيكية. شاب على وشك الزواج يلغي الزفاف لأن أمه المريضة تحتضر. إحتراماً لرغبتها، عليه أن يأخذ وصيتها إلى محام كي يصدّق عليها بصفة رسمية، وهذا يتطلب قيامه برحلة إلى أقرب مدينة، عبر الباص، تستغرق يومين.

الفيلم يرصد، عبر واقعية شعرية، وضمن بناء قصصي تقليدي، ما يحدث في الباص، المكتظ بالركاب والحيوانات، والذي تدور فيه أغلب أحداث الفيلم، وما يصادفه الشاب في الطريق. هناك امرأة مثيرة تحاول إغواءه، لكنه يقاوم بثبات ويصر على تنفيذ مهمته أولاً. وفي المناطق التي يمر بها الباص نجد احتفالات عديدة، من بينها الاحتفال بعيد ميلاد والدة سائق الباص. ولكي لا يضيّع وقتاً يتولى الشاب قيادة الباص بعد موافقة السائق. 

في حديث لبونويل عن الفيلم، قال: "كان فيلماً لطيفاً، أحببت صنعه. بسيط جداً، سكوني جداً. لا شيء يحدث فيه، لا شيء على الإطلاق. أحب تلك اللحظات التي لا يحدث فيها شيء. الأشياء الصغيرة تثير اهتمامي وتسحرني".

وفي موضع آخر يقول: "السيناريو مبني على بعض المغامرات التي صادفت صديقي ومنتجي، الشاعر ألتولاغيري".

الشرير (1951):

سكان مبنى في أحد الأحياء الفقيرة بالعاصمة المكسيكية يرفضون إخلاء الشقق بناء على طلب المالك، الذي يقوم بتكليف شخص شرير يدعى بيدرو، يعمل في مسلخ، لترويع خصومه والقضاء على الاضراب. الشرير يقوم، من غير قصد، بقتل زعيم المضربين، ويقيم علاقة جنسية مع زوجة المالك. عندما تلاحقه الشرطة، يختبئ عند امرأة شابة، يتضح أنها ابنة زعيم المضربين. يعيشان معاً، دون أن تعلم بأنه القاتل. وبفضل براءتها، هو يبدأ في التغيّر والوقوف في صف الجماهير المقموعة. في النهاية، يقتل المالك ويلقى مصرعه على يد الشرطة.

الفيلم يتخذ طابعاً ميلودرامياً، مع نقد إجتماعي، دون أن يخلو من الدعابة السوداء المعهودة في لمسات بونويل.

يقول عنه بونويل: "كان يمكن أن يكون فيلماً جيداً، فالسيناريو الذي كتبته مع لويس ألكوريزا هو ممتع حقاً، لكنهم أرغموني على تغييره كلياً. النتيجة كانت فيلماً متوسطاً إلى حد ما".

إل  El (1952)

عنوان الفيلم بالأسبانية يعني أداة التعريف للمذكر، وقد عرض في أمريكا تحت عنوان هذه العاطفة الغريبة   (This Strange Passion)

الفيلم، الذي يتخذ طابع الكوميديا السوداء، يدور في الوسط البورجوازي.. عن رجل (من ملّاك الأرض المكسيكيين) يقع في غرام خطيبة صديقه، ويلاحقها في إلحاح شديد حتى توافق أن يتزوجها. لكنه يصبح غيوراً إلى حد الجنون، ويحاول أن يقتلها أكثر من مرةً، فتهجره، عندئذ يعيش حالة انهيار، بعدها يدخل الدير.

كعادته بونويل، يقدم هجاءً لاذعاً لقيم الكنيسة، للميول الذكورية المتطرفة التي يمجدها المجتمع، والنزعة الشهوانية المدمرة.

الوهم يسافر بالترام (1953)

عمل ملفت من بين أفلامه التي أنجزها في المكسيك. حققه في أسبانيا لكن لم يستطع إكماله إلا في المكسيك. تدور أحداث الفيلم في العاصمة المكسيكية. في بداية الفيلم يحدّثنا صوت الراوي عن البشر الذين يعرضون قصصهم اليومية البسيطة، الذين كلماتهم وأفعالهم تكون دائماً موجهة نحو تحقيق حلم ما، رغبة ما، وهْم ما.

الفيلم يتمحور حول شابين يعملان في النقل العام، أحدهما قاطع تذاكر، والآخر محصّل تذاكر، ومن خلالهما، في محاولتهما لإنقاذ وظيفتهما، نلاحظ استبدادية إدارة الشركة ولا منطقية قراراتها، نتعرّف على إحساسهما بالخيانة وبخيبة الأمل. من جهة أخرى، أحدهما يعيش علاقة حب مع أخت رفيقه. والثلاثة يشاركون في عرض مسرحي للهواة يؤدون فيه طرد آدم وحواء من الجنة.

في النهاية، بعد فصلهما من العمل، يقرر الشابان استعارة الترام للقيام بجولة أخيرة لهما، مكافئين نفسيهما على العمل الشاق الذي بذلاه في سبيل إصلاح الترام، وجولة أخيرة للترام الذي يشهد أيامه الأخيرة. أما الركاب، فالفقراء منهم يشعرون بالامتنان لأن الجولة ستكون مجانية، لكن البعض الآخر يصر على الدفع، وهناك أشخاص يبدون عدم رضاهم عن هذا الفعل اللامسؤول. بقية الركاب يتألفون من: أفراد من أوركسترا، امرأتان سرقتا تمثال قديس لقدرته على اجتراح معجزات طبية، جزار يعلّق الدجاج في الترام، معلمة ترافق مجموعة من التلاميذ القساة في رحلة سنوية. 

مرتفعات ويذرنج (1953):        

الفيلم معد عن رواية أميلي برونتي " مرتفعات ويذرنج"، والتي يقول عنها بونويل:

"أحببت أميلي برونتي. كل السورياليين كانوا مغرمين بها. مرتفعات ويذرنج، بالنسبة لنا، كانت قصة حب عظيمة. رغبت في تحويلها إلى فيلم في 1930 مع خلفية موسيقية لفاجنر. وعندما صورته في المكسيك، بدا كمفارقة تاريخية، تحية وجدانية موجهة إلى مرحلة شبابي". (مجلة نيويورك تايمز، 11 سبتمبر 1973)

مغامرات روبنسون كروزو (1954):

بونويل هنا كان أميناً إلى حد بعيد لرواية دانييل ديفو (التي تخدم كمرآة للسياسة البريطانية في القرنين 17 و18)، ملتزماً بالأحداث الرئيسية: غرق السفينة، وصول كروزو إلى جزيرة مهجورة تقريباً، محاولته لبناء حياة لنفسه، رؤيته لآكلي لحوم البشر وانقاذ الزنجي فرايدي منهم، محاولته تلقين الزنجي التعاليم المسيحية عنوة، وصول القراصنة إلى الجزيرة، رحيله عن الجزيرة.

إن بونويل يسجل الحياة اليومية التي يحياها كروزو على الجزيرة بشكل مباشر وبسيط، مركزاً على مظاهر الوحدة والألم التي يعيشها شخص معزول عن العالم، غير قادر على إقامة أي اتصال مع البشر، ومكبوت جنسياً. إحساسه بالعزلة يتعمق مع مرور الوقت، وكذلك يأسه. والسيناريو، من خلال صوت الراوي، يؤكد على نحو متكرر حاجة الفرد الأساسية لأناس آخرين.

الفيلم ناطق باللغة الانجليزية، وقد أدى دور كروزو الممثل الأمريكي دان أوهرلي.

لكن ما الذي جذبه إلى هذه الرواية الانجليزية الكلاسيكية، التي ألفها من كان يُعتبر "الأب المؤسس للواقعية الأدبية".. دانييل ديفو؟

ربما ثيمة المنفى، وهي الثيمة الجذابة لدى العديد من الأسبان اليساريين المنفيين، والتي كان بونويل يعيشها فعلياً، في سنوات حكم فرانكو بعد الحرب العالمية الثانية.

يقول بونويل: "هذا فيلم أردت أن أحققه فعلاً. إنه يختلف عن أفلام هوليوود. لا يحتوي شيئاً هوليوودياً. بدأت مع كروزو على الجزيرة، لا سفينة ولا حطام. صوّرته وحيداً في سبع بكرات، ثم مع فرايدي في ثلاث بكرات، وقرب النهاية يأتي القراصنة كما في الرواية. لقد اكتفيت بمراقبة كروزو وهو يبني بيته، يصنع القدور، ويزرع الحنطة. إنه فيلم عن صراع الإنسان مع الطبيعة. عن العزلة، عن اليأس. لم أحب الرواية، لكنني أحببت شخصية كروزو" (Sight and Sound, March 1954)

النهر والموت (1954):   The River and Death

الفيلم مأخوذ عن رواية ميجيل ألفاريز أكوستا، كتب له السيناريو بونويل ولويس ألكوريزا.

إنه عن حالة عداء دموي بين أجيال من الذكور ينتمون إلى عائلتين في قرية مكسيكية "يتحكم فيها الموتى"، حيث التناحر الدموي، دفاعاً عن الشرف، يفضي إلى مقتل العديد من أفراد العائلتين..

يقول بونويل: "في الفيلم، رجل يلقى مصرعه. أفراد عائلته يحملون جثته من بيت إلى بيت لكي يودّع الميت كل رفاقه وجيرانه. أخيراً، يتوقفون عند بيت القاتل، حيث على الرغم من مناشداتهم، الباب يظل مغلقاً بعناد".

أخيراً ينجح طالب طب شاب متنوّر، ينتمي إلى إحدى العائلتين، في تحقيق المصالحة بينهم، بعد جهود مضنية ينال خلالها إزدراء خصومه ووالدته، على حد سواء، بسبب موقفه الداعي إلى نبذ العنف.. هذا الموقف الذي يعد جبناً.

ذات مرّة كتب بونويل عن المكسيك قائلاً: "يمكن للمرء أن يتعرض للقتل هنا بسبب خطأ تافه جداً، كأن ينظر شزْراً، أو لأن الآخر لديه رغبة في القتل". 

الفيلم يتألف من ثلاثة أقسام: مقدمة، حيث قرية مكسيكية متواضعة يضطرب سكونها مع تفجر العداء والضغينة بين رجلين وعائلتيهما. القسم الثاني عبارة عن فلاش باك طويل فيه يسرد طالب الطب مجرى العداء كاشفاً عن عمليات الثأر المتبادلة. القسم الثالث عبارة عن ملحق فيه يعود طالب الطب إلى قريته من العاصمة ليحل الأزمة. هناك نهر فسيح على حافة القرية يتعيّن على الرجل، وفق التقاليد، أن يعبره ليلازم الغابة على الجانب الآخر بعد قتله لأحد أفراد العائلة المعادية. النهر العابق بالموت مظلم وكثير الضباب.

يقول بونويل: "هو فيلم عن الموت على الطريقة المكسيكية.. الموت السهل. حين يموت إنسان ما، يمتلئ المكان بالناس الذين يدخنون ويتبادلون الأنخاب. الحياة شيء تافه جداً، والموت بالكاد يؤخذ بعين الاعتبار. الفيلم يحتوي على سبع حالات وفاة، أربع جنازات، بالإضافة إلى الصلوات والمراثي".

حياة أرشيبالدو الإجرامية (1955)   The Criminal Life of Archibaldo de la Cruz

الترجمة الحرفية لعنوان الفيلم باللغة الإسبانية هي "بروفة لجريمة". بطل الفيلم، أرشيبالدو دي لا كروز، خزّاف دائم التذكر لطفولته الأرستقراطية عبر اتصاله الوجداني بالماضي.

هو مضطرب أخلاقياً وجنسياً، أسير النظرة المسيحية للطبيعة البشرية. مأخوذ بسيقان النساء منذ أن رأى، في طفولته، ساقيّ مربيته وهي جثة هامدة بفعل رصاصة طائشة اخترقت النافذة أثناء مواجهات مسلحة في الشارع. هو يرى في مقتل المربية تحقيقاً لأمنيته بأن تزال هي من حياته، وهذا يمنحه قناعة بأنه يمتلك قوى خارقة.

إنه يسعى  إلى بلوغ حالة من اللذّة توفرها لحظة غريبة يتداخل فيها الموت والمتعة الحسية والتحقق المطلق للرغبة. وهو مخلص لهواجسه واستحواذاته ورغباته الأعمق، ويحاول أن يعيش تخيلاته الجنسية الأكثر قتامة.

الفيلم، في بنائه، يتمحور حول اعتراف أرشيبالدو للمدعي العام بأربع جرائم قتل كان ينوي أو يرغب بارتكابها لكن الظروف لم تخدمه، رغم أن النسوة الأربع اللواتي كن هدفاً لخططه الإجرامية يلقين مصرعهن في ظروف غامضة، لا علاقة للبطل بها، لا من الناحية القانونية ولا الأخلاقية، بل هي جرائم تتصل بالحرب، الانتحار، الغيرة العاطفية، والصدفة.

ميول بونويل السوريالية، روح الدعابة، القوة المحررة للحلم والرغبة.. تجد أصداءها المؤثرة في هذا الفيلم.

هذا اسمه الفجر (1955)   That is the Dawn

بونويل حقق في المكسيك فيلمين ناطقين باللغة الفرنسية، هذا أحدهما.

طبيب يعتني بالفقراء في إحدى الجزر، يقوم باخفاء صديقه الهارب من الشرطة، بعد اتهامه بجريمة قتل. هذا الصديق الذاهل، نتيجة موت زوجته، يطلق النار على الرأسمالي الذي يستغل عمال الجزيرة، محملاً إياه مسؤولية موت زوجته.

الموت في الحديقة (1956)   Death in the Garden

فيلمه الثاني في المكسيك الناطق باللغة الفرنسية، والذي يضم ممثلين فرنسيين ومكسيكيين، من بينهم الممثل الفرنسي ميشيل بيكولي الذي يؤدي دور قسيس شاب ساذج لكن مخلص وصادق. الفيلم كتبه بونويل مع لويس ألكوريزا، وهو معد عن رواية خوسيه- أندريه لاكور، الصادرة في 1954.

المعروف عن بونويل أنه لا يجعل صور فيلمه وأحداثه قابلة للتفسير والتأويل بسهولة، وهو يعارض – بثبات وعلى نحو صارم -  تقديم إجابات جاهزة وسهلة.

بونويل هنا يوجّه هجومه ضد الكاثوليكية والإمبريالية معاً، المرتبطتين ببعض على نحو مباشر، كاشفاً عن طبيعة الحرية الفردية، ومداها وثمنها.

أحداث الفيلم تنقسم بين المدينة والغابة، في إحدى مناطق أمريكا الجنوبية: فرنسي مسن يحلم بالعودة مع ابنته الصماء البكماء إلى فرنسا وفتح مطعم هناك. هو أيضاً يرغب في الزواج من مومس إنتهازية ليست مهتمة به بل بثروته، لكن كليهما يموتان في الحديقة.

الابنة ترتبط بعلاقة عاطفية مع شاب، هو منقّب عن الماس في المناجم، ولا نعلم إن كان هو سارق البنك أم لا، والذي يخطط للذهاب إلى البرازيل. الشاب والفتاة، في النهاية، يكونان الناجين الوحيدين في قارب بينما الغسق يحل، ولا ندري إن كانا سيهربان أم لا.

هناك  في خط موازٍ لذلك، عمال المناجم يخططون لثورة مسلحة ضد محاولة الحكومة العسكرية الفاسدة لتأميم مناجم الماس. والشاب يستغل الانتفاضة في الانتقام ثم الإفلات من مكيدة جنائية. وهو ليس وحده الذي ينخرط في الانتفاضة لأسباب شخصية أو لتحقيق مآرب أخرى.

الحديقة المذكورة في العنوان توحي بالفردوس، الذي يتمثّل في الغابة التي إليها تهرب مجموعة من القرويين، من عمال المنجم، فراراً من عنف الثورة ومن بطش العسكر، الذين يمسكون بزمام السلطة في البلاد، بعد إجهاض ثورتهم، التي لم يكن الدافع من ورائها عشق الحرية بل الجشع.. وتكون نقطة انطلاقهم حطام طائرة كانت تزودهم بالمؤن. وفي الغابة، الجميلة والمميتة في آن، يضيعون.   

نازارين (1958): Nazarín

الفيلم يعد من أفضل أفلام بونويل، في مرحلته المكسيكية، في الخمسينيات.. وقد حاز على جائزة في مهرجان كان.

كتب بونويل السيناريو مع خوليو أليخاندرو، مستمداً المادة من رواية الكاتب الأسباني بنيتو بيريز جالدوس، الذي توفى في 1920.

عن قسيس مكسيكي، يدعى الأب نازاريو، في غاية النقاء والشفافية. يعيش بين الفقراء، ويكرس نفسه لفعل الخير ومساعدة الآخرين. كل ما يحصل عليه يتبرع به إلى المحتاجين، وهو عرضة للسرقة على نحو متكرر. عندما تعلم الكنيسة بأنه حمى مومساً مطلوبة، تقوم بتجريده من وظيفته. هو يعمل في تشييد الطرق مقابل الخبز، لكن زملاءه العمال يطالبون بطرده. المومس تصبح مريدته، تطري قدرته على اجتراح المعجزات رغم اصراره على أن الله والعلم وحدهما قادران على إنقاذ حياة طفل يحتضر.

مقابل تواضع وإخلاص هذا القسيس، نجد بذخ وقمعية الكنيسة المتحالفة مع سلطة الدولة الفاسدة. هذا التحالف يرفض أي خروج أو استقلالية عن القيم التي تفرضها وتروّج لها. وهو يعتبر، رغم كل فضائله، خارجاً عن المسار الصحيح. 

في حديث بونويل عن الفيلم، يقول: "أنا مغرم بالشخصية في الفيلم. هو قسيس. لكن ماذا يعني ذلك؟ يمكن أن يكون حلاقاً أو نادلاً. ما أثار اهتمامي أنه، رغم مغامراته مع العاهرات واللصوص وغيرهم، ظل مخلصاً لأفكاره التي لم يقبلها المجتمع، الأفكار التي أدت إلى إدانته من قِبل قوى النظام. لو تعيّن على المسيح أن يعود ثانيةً لصلبوه من جديد. رجال الكنيسة من ذوي النفوذ والقوة سوف يدينونه. إذ مسموح لك أن تكون مسيحياً نسبياً، أي بشكل غير مطلق، لكن أن تكون نقياً بشكل مطلق، وبريئاً تماماً، فذلك يعني أن تواجه الفشل والخذلان".

الحمى تشتدّ في إل باو (1959)  Fever Rises in El Pao

عن سجناء سياسيين في معسكرات للرقيق تابعة لحكومة ديكتاتورية في إحدى دول أمريكا اللاتينية. الليبرالي يؤمن بقدرته على فتح قنوات إصلاح في النظام الفاشي الذي يعمل لصالحه، لكنه يكتشف متأخراً بأن النظام السياسي أكثر ضراوة مما كان يعتقد. سذاجته تتسبب في موت المرأة التي يحبها، وفي عبودية السجناء السياسيين الذي رغب في حمايتهم. (كتاب: عالم لويس بونويل، تحرير جوان ميلين)

الشاب أو المسافر (1960)  The Young One

كتب بونويل سيناريو فيلم "الشاب" بالإشتراك مع هيوجو بوتلر، اعتماداً على قصة "الرجل المسافر" للكاتب بيتر ماثيسين.. وهو فيلمه الثاني الناطق باللغة الإنجليزية، بعد "مغامرات روبنسون كروزو"..

الفيلم عن الجنس مع القاصرات والكراهية العنصرية. إنه عن المجابهة بين رجليْن أمريكيين، أحدهما أسود (وهو عازف موهوب) والآخر أبيض. مشكلة الأسود أنه لم يستجب لمحاولة امرأة بيضاء مراودته وإغوائه. فتتهمه بأنه اغتصبها، محرضةً الناس عليه. هو يهرب مذعوراً، خشية أن يعدم من غير محاكمة قانونية. يلجأ إلى جزيرة، حيث يعيش الحارس العنصري في عزلة مع فتاة مراهقة (في الثالثة عشرة من عمرها)، بريئة ومنطوية، ويشتهيها جنسياً. هذا الحارس يضطر إلى مساعدة الرجل الأسود، المتهم زوراً، فقط من أجل أن يتجنب تدخّل القانون. كذلك الأمر مع رجل الدين الذي يسعى إلى تبنيها بينما هو يطمع فيها ويعدها بمفتاح الجنة، مغتصباً بذلك عقلها وبراءتها. 

الوطن البحرينية في

08.01.2013

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004