أمين صالح

 
جديد أمينكتب في السينماجريدة الأيامجريدة الوطنالقديم.. الجديدملفات خاصة
 

جريدة الأيام البحرينية

أسئلة في النقد السينمائي (4)

هل سيفتقدنا أحد لو رحلنا؟

ترجمة: أمين صالح

(أجوبة الناقد ديفيد أديلشتاين):

1- بدأت كتابة النقد السينمائي والمسرحي لأن العالم الحقيقي كان مليئاً بالتشوش والألم. والأفلام والمسرحيات كانت حيوية بالنسبة ليكنونتي العاطفية بنواح لم أكن أفهمها. اتجهت إلى كتابات النقاد الكبار لمساعدتي في تفسير استجاباتي الخاصة. فيما بعد، عندما شرعت في كتابة النقد أصبح الهدف أن أعلل استجاباتي لنفسي.. وهذا ليس سهلاً.

كناقد، عندما ترشد قراءك من خلال استجاباتك، فإن الهدف ليس بالضرورة أن تغير آراءهم بل أن توجه انتباههم إلى أمور معينة شاهدوها لكن لم يعبروا عنها على نحو تام، ولمساعدتهم في تأمل كل المعاني المتضمنة. بإمكانك أن تكون المحفز بين العمل والقارئ، وأن تساعده على هضم واستيعاب العمل.

أي شخص يرفض النقاد أو النقد، من حيث المبدأ، يعتقد ضمنيا أن العمل الفني ينتهي أو يموت في لحظة استهلاكه، وليس من المفترض أن يُبعث حياً.

2- الناقد المفضل لدي هو الذي ينجح في أن يكون بارعاً في التحليل ومثيراً للعواطف في الوقت نفسه. إنه يدرك بأن »معنى« الفيلم يمكن توصيله من خلال الوصف البارع وحتى المختصر أحب الناقد الذي يهتم بإمتاع قارئه، لأن الجانب الترفيهي يجعلني أرغب في قراءته، ولا يهمنا إذا كان أحياناً يفقد سيطرته ويبدو أحمقاً بعرض الشيء. في الواقع، أشك في أي شخص لا يفقد السيطرة، من حين إلى آخر، عند التحدث عن فيلم يحبه أو يكرهه.

الفيلم الذي تتفق معه سياسياً يمكن أن يكون مثيراً للكآبة، والذي تحسبه بغيضاً قد يؤثر في الجمهور على نحو رائع. على الناقد أن يكون صادقاً مع استجاباته التي قد تكون متعددة الطبقات.

3- العلاقة بين نقاد السينما وصناعة السينما هي مضطربة وغير مستقرة، ولا أفهم كيف يمكن أن تكون خلاف ذلك. بإمكان الصناعة أن تعمل بدوننا. بأنهم لا يعبأون بتقييم أعمالهم هم يرغبون في بيع التذاكر فحسب. وبإمكان الناقد أن يثير ويجذب الجمهور إلى الفيلم، لكن اللغة النقدية والإنشاء الإعلاني شيئان مختلفان، والخلط بينهما أمر خطير.

 

(أجوبة الناقد جراهام فولر):

1- أولاً أريد أن أبدي حذري من تعريف »الناقد السينمائي«. هل يشير حصراً إلى كتّاب المقالات السينمائية في المجلات (ومن ضمنهم الصحفيين الذين اسهاماتهم في الثقافة السينمائية جديرة بالإهمال) أم أن هذا يشمل الطلبة والمؤرخين والكتّاب الذين لا يتناولون بالضرورة الأفلام بل تعزز أعمالهم تقدير وإدراك الفيلم؟ هل يمكن اعتبار مدرسي السينما نقاداً؟ هذه الأسئلة جديرة بالطرح لأن النقد السينمائي، في أفضل أحواله، هو فرع من المعرفة (إن لم يكن علماً دقيقاً) كثير المطالب والذي أصبح مبتذلا على نحو متزايد.

النقد الذي أمارسه مكتوب بدافع رغبة خالصة في مشاطرة تأويلي للأفلام مع آخرين والمساهمة في فهم تلك الأفلام.

2- النقد السينمائي الملفت هو ذلك الذي يؤول الفيلم على نحو مقنع لا الذي يركز بؤرته على قيمته الترفيهية أو التجارية. بإمكان الناقد أن يفسر معنى الفيلم على نحو مفهوم وبأسلوب مميز وحس دعابة لكن دون أن يعطي القارئ انطباعاً بأن ما قرأه هو نتاج ذكاء ومعرفة واسعة ورشاقة لفظية وذات مغرورة.

3- لا أرى سبباً وجيها لضرورة أن تكون هناك علاقة بين نقاد السينما وصناعة السينما. لم ينبغي للناقد أن يسعى إلى التأثير في الصناعة؟ ليس ثمة أي تكافل ولا أي مجال للتعاون. كلما كان هناك تحفظ صار الجو صحياً أكثر.

4- أنا محظوظ لأن أحداً لم يطلب مني أن أكتب عن أفلام معينة ضد رغباتي وميولي الخاصة. ثمة أفلام كثيرة يتم تحقيقها بلا شغف أو غاية أو طموح فني.. وهذه الأفلام أتجنبها.

5- النقد مهنة سلبية أكثر مما كنت أظن. لكن ثمة متعة لا توصف في اكتشاف مخرج جديد.

 

(أجوبة الناقد أرموند وايت):

فيما الأعمال الرائجة جماهيرياً تمر ـ على أساس اسبوعي، وبدون أن تلتصق بالضلوع أو تمكث في الذاكرة ـ يصبح نقاد السينما عديمي الجدوى فعلياً، إذ لم يعودوا يؤدون الدور الثقافي ذاته من حيث توفير البيئة التاريخية أو الجمالية لعروض جديدة أو، على نحو أكثر أهمية، لجمهور غير متكوّن، وأكثر شباباً.

أن تكون ناقداً ضمن الاتجاه السائد، وذا تأثير شعبي، فإن ذلك يقتضي التعاون مع صناعة السينما في تلاعبها بمشاهدين جهلة، سذج، يسهل خداعهم، والذين يرون في كل فيلم بوليسي حافل بالمطاردة، وفي كل كوميديا جنسية، وفي كل فيلم ضخم الإنتاج، تجربةً »جديدة« و»مذهلة«.

طرائق النقد الجادة أصبحت جزءاً من لغة سينمائية كانت سائدة في السبعينيات. لكن تلك الصراحة والدقة البالغة تحللت الآن وحل محلها التراخي والخفة والتملق. لقد ظهر نقاد وفتية انترنت يروجون لثقافة الاستهلاك بدلاً من البحث والحساسية. لكن كل هذا ليس سوى مقدمة للسقوط في الهاوية.

في مايو 1999 نشرت جريدة »نيو تايمز لوس انجلوس« إعلاناً عن حاجتها إلى من يكتب عن الأفلام. وقد جاء في الإعلان ما يلي: »هل تشعر بالغثيان والانهاك والضجر من المقالات السينمائية التي تقرأها في L.A.Times أو حتى في هذه الجريدة؟ هل تشعر بالضيق والانزعاج من هؤلاء النقاد الذين يؤمنون بأن الأفلام يجب أن تطمح إلى أن تكون فناً راقياً لكي تكتسب الشرعية وتكون فعالة، والذين يعتقدون بأن نظرية مبدع الفيلم لاتزال ملائمة؟ هذه الجريدة تبحث عن صوت جديد لينضم إلى مزيج من النقاد. إذا كنت تعتقد بأن الأفلام هي الشكل الأعظم للثقافة الشعبية الموجودة لدينا، وآإذا تشعر أنك قادر أن تكتب بنشاط وفطنة، فأنت مرشح لأن تصبح ناقدنا السينمائي الجديد« (انتهى الإعلان)

من الصعب أن تعرف ما الذي كانت تريده سوزان مانتيل، التي نشرت الإعلان، بالنظر إلى شروطها الأساسية الفارغة (ضد الطموح ومع الشرعية) ومطالبها المتناقضة (مع الشكل الأعظم للثقافة الشعبية وضد الفن الراقي).. إن الإعلان يكشف صراحةً عن موقف مناف للذوق السليم. ومثل أغلب أفراد الجمهور، من رواد الأفلام المعاصرة، هي تبحث عن شخص يعطيها ويعطي قراءها الإذن بمشاهدة فيلم ما دونما أي تفكير. ومثل هذا الإعلان لا يبحث عن كاتب في السينما بل عن وكيل إعلانات في هيئة ناقد.

النقاد الآن قد تخلوا عن سبر الأفلام. إنهم لا يرون شيئاً خلف الضجيج البصري. لقد كفّوا عن التفكير في الأفلام كأساليب تعبير عن المخاوف أو الرغبات. صاروا قانعين بمشاهدة الفيلم بوصفه سلعة، والنقد بالتالي فقد أهميته ودلالته.. ولهذا السبب لا يهم ما يقوله النقاد عن فيلم حقق دخلاً يقدر بأكثر من 600 مليون دولار.

أن تكون صحفياً ضمن الاتجاه السائد يعني أن تتواطأ مع هذا النظام لا أن تقدم رؤية مستقلة الآن، ليست الديمقراطية هي التي تحول كل شخص إلى ناقد، بل أنها السوق. ومع أننا جميعاً نمتلك حرية الوصول إلى الجماهير العريضة عبر الإنترنت، إلا أن الحقيقة تكشف أننا لانزال تائهين في الفضاء.

 

(أجوبة الناقد ريتشارد شيكل):

من المهم للناقد أن يكون مرناً فكرياً، وأي ناقد يصر على التعامل مع كل الأفلام من منظور ايديولوجي ثابت ـ سواء أكان ماركسياً أو بنيوياً أو نسوياً أو ما شابه ـ فإنه يقع في الخطأ ومن المحتم أن يفوت الغاية المبهجة غالباً من مشاهدة وتقييم الفيلم.

أعتقد أن كتابة المقالة السينمائية مهنة غريزية. نحن نستجيب إلى الفيلم على نحو غريزي: نحب الفيلم أو لا نحبه. بعدئذ يأتي الجزء الشاق: تحليل الفيلم واستجابتنا إليه في الوقت نفسه.

في الستينيات والسبعينيات، عندما اكتشف رجال الأدب ـ متأخرين كالعادة ـ (أو سمحوا لأنفسهم الاعتراف) بأن الفيلم »شكل فني«، اكتسب النقد السينمائي احتراماً ومكانة أعلى مما يتمتع به الآن. آنذاك كانت الأفلام مثيرة ومحرضة أكثر. والناس كانوا يحاولون معرفة الأسماء المزدهرة حينذاك: بيرجمان، جودار، كيروساوا.. وغيرهم. الأفلام الأمريكية أيضاً كانت في حالة مترددة، غير مستقرة، وكانت تحاول أن تتوسع وتنتشر وتعيد تعيين تخومها الشاملة.

خدمات النقاد بوصفهم وسطاء ومفسرين كانت مثيرة لاهتمام القراء أكثر مما هو حادث الآن، حيث الأفلام الأجنبية تناضل في سبيل الحصول على الاهتمام والعناية، بينما الفيلم الأمريكي قد استقر في تباه مبتذل على نطاق واسع.

أصحاب الاستوديوهات والموزعون سوف يكونون سعداء جداً إذا استطاعوا التخلص منا، وتحويل الصحافة السينمائية، على نحو كلي، إلى فرع من صحافة الإثارة والنجوم.

إن كتاباتنا تشغل حيزاً ثميناً وتزعج بعض القراء.. وهل سيتفقدنا أحد لو رحلنا؟

الأيام البحرينية في

10.10.2004

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004