أمين صالح

 
جديد أمينكتب في السينماجريدة الأيامجريدة الوطنالقديم.. الجديدملفات خاصة
 
 
 

كتب في السينما

 

الإصدار السابع

 
 
 

كيارستمي..

سينما تجاور الشعر

لندن: أمير العمري

 
 
 

سينما مطرزة بالبراءة

 

 
 

يعتبرونه في الغرب نقلة مميزة في مسار سينما تعاني من رقابة مشددة

 

يعتبر المخرج السينمائي الإيراني عباس كيارستمي، الإضافة الإيرانية الأكبر إلى خريطة السينما العالمية، فهو صاحب الأسلوب المميز الذي وجد الكثير من النقاد والسينمائيين وعشاق السينما في الغرب، يحتفون به، ويعتبرونه نقلة مميزة في مسار سينما تعاني منذ نحو 4 عقود من رقابة مشددة، وقيود كثيرة، منحت المهرجانات السينمائية أفلامه عشرات الجوائز، واحتفت به وكرمته كما كرمت كبار السينمائيين في العالم. كيارستمي الذي أوشك على إتمام عامه الخامس والسبعين. هو أيضا «الأب الروحي» الذي خرج من معطفه عدد كبير من المخرجين الإيرانيين الذين ساروا على نهجه، وشقوا طريقهم بعد ذلك، إلى الشهرة العالمية، من أشهرهم جعفر بناهي الذي أصبح، منذ سنوات، يواجه صعوبات في العمل داخل إيران.
عن مؤسسة التراث والثقافة التابعة لوزارة الثقافة البحرينية، صدر أخيرا كتاب «كيارستمي.. سينما مطرزة بالبراءة»، من ترجمة وإعداد الباحث والمترجم البحريني أمين صالح. ويقع الكتاب في 367 صفحة من القطع المتوسط، وهو مثل كتب سابقة صدرت للمترجم والباحث نفسه، يعتمد على اختيار وتصنيف وترجمة عدد كبير من المقالات والمقابلات التي أجرها نقاد سينمائيون، معظمهم من الغرب، مع كيارستمي، ونشرت في عدد من المجلات السينمائية المتخصصة، تلقي الضوء على حياته وأفلامه، وعلى أسلوبه في العمل، ورؤيته للسينما وللواقع، كما تتطرق إلى خبرته الشخصية وموقفه مما يحدث في إيران منذ إعلانها جمهورية إسلامية. وفي تقديمه للكتاب كتب أمين صالح إن كيارستمي «يسعى إلى خلق نوع جديد من السينما، لا تعتمد عل حبكة أو أحداث دراماتيكية أو مؤثرات خاصة وحيل بصرية أو ميزانية ضخمة أونجوم محترفين، إنها سينما متقشفة لكن عميقة في الرؤية، تعتمد على إطهار التناقضات والمفارقات فيما تحتفي بالحياة اليومية وتدعو إلى التأمل والتفكير
».

وفي دراسة طويلة (تشغل 35 صفحة من الكتاب) تحت عنوان «سينما ذات امتلاء شعري» استعرض أمين صالح سيرة حياة كيارستمي وبداية شغفه بالسينما، وعلاقته بالتطورات التي وقعت في إيران خلال العقود الـ3 الأخيرة، والمؤثرات التي لعبت دورا في تشكيل وعي كيارستمي بالسينما، واختياراته الفنية.

في العالم العربي احتفى كثير من النقاد، بالأفلام التي يصنعها عباس كيارستمي، وكانوا في هذا، يرددون أصداء لما يقال في الغرب، دون مناقشة، واستمروا في ترديد بعض المقولات التي تستحق المناقشة، حول «نقاء» سينما كيارستمي، ونجاحه في صنع «سينما إنسانية»، تمكنت من التفوق على السينما الغربية، بملامحها الخاصة، وطاقتها الشعرية، وذهبوا إلى القول إن كيارستمي يوجه رسائل سياسية نقدية مجازية تكمن في طيات أفلامه.

ولعل من أهم الجوانب في دراسة أمين صالح، أنها تكشف الكثير عن شخصية كيارستمي وتناقضاته الشخصية، بل وتفنيده للكثير من تلك الأفكار التي يرددها نقاده والمعجبون بأفلامه في الشرق والغرب. وعلى سبيل المثال يورد أمين صالح مثالا على تناقضات تصريحات كيارستمي، الذي يتحدث كثيرا عن تأثره بأفلام الواقعية الجديدة في إيطاليا بعد الحرب الثانية، منذ أن كان في الثالثة عشرة من عمره، ثم يقول في عام 1990 إنه لم يشاهد أكثر من 50 فيلما طوال حياته. ورغم إعجابه الموثق بأفلام الواقعية الإيطالية ورغم اتباعه أسلوبه واقعيا مماثلا يميل إلى التصوير في المواقع الطبيعية مع ممثلين غير محترفين، يعتمد على قصص واقعية وعلى الارتجال أثناء التصوير، فإنه يرفض أي مقارنة بينه وبين أفلام الواقعية الجديدة، كما يرفض اعتباره مخرجا واقعيا معربا عن رفض كل النظريات أو المذاهب الفنية بما فيها تعبير «سينما إنسانية» الذي يستخدمه كثيرون في وصف أفلامه، موضحا: «في الحقيقة أفلامي ليست (إنسانية) على الإطلاق»!

يتعرض أمين صالح لتصريحات كيارستمي وأحاديثه التي تميل بوضوح إلى عدم التطرق لنقد «المؤسسة الرسمية» في إيران، ورفضه فكرة أن تكون لأفلامه أي إيحاءات أو مضامين سياسية، بدعوى أنه «لا يستطيع أن يدعو أحدا كي يصوت لصالح شخص أو معارض». وفي موضع آخر من الكتاب، يقول: «البعض يعتقد أن العمل الفني - العمل الملتزم - على سبيل المثال، عليه أن يطيح بالنظام. في رأيي أن الفيلم الملتزم يوفر فحسب معرفة معينة بشأن الكائنات الإنسانية وبيئتا». وهو مفهوم ساذج للفيلم السياسي، فليس من الممكن القول إن الأفلام التي أخرجها فرنشيسكو روي وغيره في إيطاليا، خلال الستينات والسبعينات، كانت تسعى «للإطاحة بالنظام»، بل من المؤكد أنها كانت أيضا «توفر معرفة معينة بشأن الكائنات الإنسانية» - حسب تعبير كيارستمي نفسه. إلا أن الكاتب - المترجم لا يمنح هذه النقطة وغيرها من النقاط التي تقدمت، ما كانت تستحقه من تمحيص وبحث واهتمام، فالطابع الغالب على اختيار المقالات والمقابلات المترجمة في الكتاب، الصورة الإيجابية المثالية لكيارستمي، وليس تقديم قراءة «نقدية» كانت تقتضي الاستعانة بالكتابات التي تسبح في الاتجاه المضاد هن سينما كيارستمي، ومراجعة بعض ما أثير حول أفلامه من مبالغات تعلي من قيمتها الفنية كثيرا، رغم ما هو معروف من أن وجود رقابة مشددة دينية تفرض، مثلا، إبعاد المرأة عن بؤرة الاهتمام، والحذر الشديد عند تناول المشاكل بين الرجل والمرأة، وتدعو، دفع كيارستمي وتلاميذه، إلى الاعتماد على قصص تدور معظمها حول أطفال، أحيانا بشكل يجعل للفيلم طابعا واحدا «تربويا» ذا طبيعة «أخلاقية». ولكن كيارستمي يلجأ إلى «تبرير» الرقابة وتبرير استبعاد تمثيل المرأة من الأفلام، فيجعل منه ميزة خاصة عندما يقول: «هذا لا يمنعني من العمل كمخرج سينمائي، إنها ليست مشكلة أساسية بالنسبة لنا. في المجتمع الإيراني ثمة الكثير من المشكلات.. وتلك مجرد واحدة منها».

رغم أي ملاحظات لنا على الكتاب فإنه يعتبر - بمادته الدسمة المتنوعة - إضافة حقيقية جادة للمكتبة السينمائية العربية، كونه يوفر أساسا متينا لفهم ومناقشة أفلام كيارستمي ذات التأثير الكبير في العالم، ويتيح الفرصة أمام من يرغب في تقديم رؤى أخرى، مناقضة لمفاهيم كيارستمي، وخصوصا تأثير منهجه السينمائي على الجمهور الإيراني نفسه، خاصة بعد أن وجد كيارستمي نفسه، رغم كل محاولاته الالتفاف حول الوضع الإيراني، مضطرا في النهاية لعمل أفلامه خارج إيران. وهو موضوع آخر!

 

الشرق الأوسط في

31.01.2015

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)