Our Logo

 سيرةجديد عبدالقادركــتـــابـــة  

 

مبدعون في سينماتك

تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

سجل الزوار

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

كتابة

 

ما الذي يجعل العالم رهيبا ؟

رؤية نقدية لأفلام رعب الشيطان

بقلم: تشارلس ديري     ترجمة: عبدالقادر عقيل

ما الذي يجعل العالم رهيباً إلى هذا الحد؟

كل أفلام الرعب، التي عرضت في الستينيات، حاولت أن تجيب على هذا السؤال، كل بطريقتها الخاصة.

فيلم (سايكو) لهيتشكوك، وبقية أفلام الرعب التي تتناول النفس البشرية،  أوحت بأن العالم رهيب لأنه غير عقلاني، لذا فهو مدمر وعنيف.

وفيلم (ليلة الأموات الأحياء) Night of Living Dead  للمخرج جورج روميرو وبقية أفلام الرعب التي تتناول انتقام الطبيعة، أوحت لنا بأن العالم رهيب أما بسبب الإنسان نفسه، الذي يستخدم العلم ليحارب الطبيعة، وأما لأن الجنس البشري الحاقد يريد أن يسيطر على العالم ويحول الحياة البشرية إلى شيء رهيب.

أما النوع الثالث، والمهم، من أفلام الرعب في الستينيات، وهو الرعب من الشيطان، فأنها أوحت لنا بأن العالم رهيب بسبب القوى الشريرة الموجودة، والتي تحاول، باستمرار، أن تقوّض الحياة البشرية.

فالقوى الشريرة تستطيع الاستمرار في البقاء بالمظهر الروحاني،  كما في فيلم (لا تنظر الآن)  DON’T LOOK NOW لنيكولاس روغ، وتستطيع أن تتجسد في هيئة السحرة والشياطين والأبالسة.

ومع أن التركيز على أفلام الرعب الشيطاني ازداد في منتصف الستينيات، وأمتد بعد ذلك إلى السبعينيات، إلا أن أفلام السحر والأشباح كانت موجودة دائماً.

وفي الواقع، فان فكرة تجسد القوى الشريرة، وتقمصها للأبدان، كان لها جذور تاريخية في التراث الأمريكي. فالسيطرة البيوريتانية في شرق أمريكا، وما ترتب على ذلك من حملة الإدانات ضد " أعداء المسيح " ، ووصول ذروتها إلى إحراق العديد من السحرة في القرن السابع عشر.

وكانت مواضيع الكبت، والقوى الشريرة، من العناصر الرئيسية في الأدب الأمريكي لمدة من الزمن، فمن " البيت ذو الزوايا السبع " HOUSE OF SEVEN  GABLES  لناثانيل هاوتورن، و" أسطورة السبات العميق "  LEGEND OF SLEEPY HOLLOW  لواشنطن أرفنغ،   إلى  " المفترس " THE RAVEN  لإدغار  ألن بو،  و "العودة اللولبية"  TURN OF THE SCREW  لهنري جيمس.

وبالطبع فان التعاليم، والطقوس الشريرة السرية، امتدت إلى ثقافات أخرى كذلك: الودونية VOODOO في هاييتي، وسحرة أوروبا الشرقية وغيرها ..

ان الريادة في هذا النوع من الأفلام يعود إلى فيلمين قديمين هما (يوم الغضب) DAY OF WRATH  و (استهتار الشيطان)  THE DEVIL’S WANTON  وكلاهما ظهرا للعيان من الأدب الاسكندينافي.

فيلم (يوم الغضب) من إخراج الدنمركي كارل دراير (1943)  يكشف بدقة عن أساليب الاضطهاد التي تتعرض لها فتاة شابة تقنع نفسها تدريجياً بأنها يمكن أن تتحول إلى ساحرة نتيجة لأنها لا تستطيع أن تطرد الأفكار الشريرة من مخيلتها.

أخيرا، وبعناد شديد، تعدم حرقاً بالشد إلى الخازوق، ولم يستطع التعصب الأعمى لمضطهديها أن يزحزح عند الفتاة قبولها لميولها الشريرة.

فيلم (استهتار الشيطان) - وان لم يكن فيلماً مرعباً - أخرجه السويدي انغمار برغمان في عام 1948 ، وناقش فيه فكرة الشر في نواحي أقل غرابة من فيلم درا ير،  وهو فيلم فلسفي بالدرجة الأولى، يصور الأرض على أنها هي الجحيم، وان الشيطان هو الذي يحكمها. 

هذان النوعان من أفلام الرعب الشيطاني عادا للظهور في الستينيات، حيث شهدت هذه الفترة تصاعد النضال الاجتماعي في أمريكا.  وأي تفسير ساذج للمشاكل كانت تلقى حفاوة كبيرة من قبل الناس.  إضافة إلى ذلك،  جاء انتخاب جون كيندي للرئاسة في عام 1960  ليظهر اهتماماً جديداً بقبول المذهب الكاثوليكي في أرجاء العالم.

بداية الستينيات كانت أيضاً فترة ارتفاع شعبية البابا يوحنا الثالث عشر. وعندما توفى البابا في عام 1964، وبدأ بحث الفاتيكان عن البابا الجديد، استطاعت الكنيسة الكاثوليكية أن تلفت انتباه العالم بأسره حينما قام البابا بولس السادس بزيارة للولايات المتحدة في عام 1965  ليناشد العالم من أجل حفظ السلام، قبل أن تتخذ الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بذلك.  وسجل بذلك أول زيارة يقوم بها بابا للولايات المتحدة.

وفي نفس الفترة أيضاً، أي الفترة التي وصل فيها الحماس الكاثوليكي إلى أعلى درجاته في كل الأوقات، كانت النسبة المئوية من الشعب الأمريكي الذي يذهب إلى الكنيسة، عن إيمان وقناعة، تتضاءل إلى أدنى المستويات في كل الأوقات. وهذا ما دفع بمجلة "التايم "  أن تنشر مسألة (موت الله في العالم الحديث) كموضوع للغلاف.

وعلى هذا فليس من المستغرب، في هذه الحقبة من الزمان، حيث الكنيسة تجتاز محنتها في تغيير قيادتها، أن يحدث الانشقاق الليبرالي بين القساوسة الشباب، وبين الكنيسة الرومانية الكاثوليكية،  أو أن تكتشف الكنيسة بأن الكثيرين من أتباعها صاروا يبتعدون عنها، وبأن الكثير من الناس صاروا يفصحون صراحة عن اهتماماتهم بالسحر: أي كل التناقض مع الشعائر الكاثوليكية.

وهكذا، نتيجة لهذا الأفول في المذهب الكاثوليكي، فأن الشياطين والسحرة قد تهيأت لها الفرصة لتعود للظهور ثانية في أفلام الرعب الشيطاني في منتصف الستينيات.

ومنذ ذلك الوقت، أنتجت سلسلة متواصلة من أفلام الرعب الشيطاني، بدءاً بأكثر الأفلام خيالاً وجمالاً مثل (رقصة الشيطان) THE MEPHISTO WALTZ  إلى أكثر أفلام هذا النوع حداثة وتفوقاً مثل (طفل روزماري) ROSEMARY’S BABY  .

وأظهرت هذه الأفلام إتقاناً ملحوظاً، واتجهت نحو معالجة أربعة مواضيع رئيسية مطروحة: الأول، مسألة الانتقام. فمن المحتم بأن الشياطين، أو السحرة، تنفذ خططها وفقاً لرغبة الانتقام المسيطرة عليها، التي قد تمتد قروناً، وتتكرر في أفلام مثل (القصر المسكون) THE HAUNTED PALACE، و (الفندق المرعب) HORROR HOTEL  وأيضاً في  (طارد الأرواح الشريرة) THE EXORCIST.

فحدوث الاستحواذ الكلي على الطفلة ريغان في فيلم (طارد الأرواح الشريرة)  - الجزء الأول -  ليس سببه ان الشيطان لديه نوايا محددة تجاه الفتاة نفسها، وإنما لأنه يريد أن يقهر الأب ميرن الذي كان واثقاً من أنه سيستدعي ليقوم بعملية طرد الروح الشريرة، وأيضاً، بسبب انه - الشيطان - يريد أن يقوّض إيمان الأب الشاب كاراس. أما الانتقام المطلق فإنه يتمثل في فيلم (طفل روزماري) حيث يبدأ الشيطان انتقامه التاريخي من الله لسماحه بولادة المسيح.

الموضوع الرئيسي الثاني هو، إفساد الأبرياء. ومن الواضح أن فريسة الشيطان، أو الساحر، تكون دائماً منتقاة من صغار السن، والتي إذا لم تخضع للإفساد فان مصيرها القتل.

وعلى هذا، يمكننا أن نفسر حدوث الانحراف عند الطفل مايلز في فيلم (الأبرياء) THE INNOCENTS، والانحراف الغامض للطفل نيلز في (الآخر)  THE OTHER  ،  والانحراف المحتوم للطفل في فيلم (طفل روزماري)، وانحراف الطفلة ريغان الشيطاني في فيلم ( طارد الأرواح الشريرة) . كما يمكن تفسير مقتل الأطفال الأبرياء في فيلم ( خاصية الشيطان ) THE DEVIL’S OWN، و (لا تنظر الآن) و (رقصة الشيطان).

إذن، في العالم الشيطاني، لا مجال لبقاء الأبرياء، أما أن يموتوا، أو أن ينحرفوا.  علماً بأن فكرة إفساد الأبرياء ليست بجديدة على السينما (نذكر على سبيل المثال فيلم " البذرة السيئة " THE BAD SEED  أو فيلم " البيت المنحني"  CROOKED HOUSE المأخوذ عن قصة لأغاثا كريستي)، ولكن الفكرة ذاتها تأكدت في الستينيات، خاصة حينما بدأ الأطفال يخرجون إلى الشوارع، ويشاركون المتظاهرين في التعريب عن سخطهم ضد الحروب، ويزداد اهتمامهم بالقضايا السياسية.

كيف يمكن أن يظلوا، بعد ذلك، أبرياء؟؟

الموضوع الثالث هو، الظواهر الغامضة،  وخصوصاً الاستحواذ. 

ففي العالم الشيطاني كل شيء ممكن حدوثه: تستطيع الحيوانات أن تتخذ لها رؤوساً بشرية كما في فيلم (رقصة الشيطان) أو أن تحمل النسور الحجرية الحياة بداخلها كما في فيلم (أحرق الساحرة) ، BURN, WITCH, BURN  أو أن تفتح الأقفال بطريقة غامضة كما في فيلم (الآخر) ويمكن أن تنظم مسألة الحياة والموت بسهولة كما في فيلم (طفل روزماري).

أما أكثر أنواع الغموض الشيطاني أهمية فهو الاستحواذ، والذي هو عبارة عن قدرة الشيطان على التأثير والتحكم الكامل في ذات الإنسان، واستخدامه لدافع الشر، كما في فيلم (استحواذ جول ديلاني) THE POSSESSION OF JOEL DELANEY، أو استحواذ نانسي تايلور في فيلم (أحرق الساحرة) أو مايلز في (الأبرياء) ، وبالطبع ريغان في (طارد الأرواح الشريرة). 

الموضوع الرابع في هذه الأفلام هو، التأكيد على الرموز المسيحية.  فكل الشياطين والسحرة يمكن مقاومتها وطردها بواسطة حمل الصليب كما في فيلم (فندق الرعب). كما ان للكنيسة حضوراً في معظم أفلام الرعب تقريباً: ظهور البابا، وصورة مريم العذراء في (طفل روزماري) ، ونافذة الملاك الملونة في (الآخر) ، وصاقلة الكنيسة الخشبية في (لا تنظر الآن)، وطقوس طرد الروح الشريرة في (طارد الأرواح الشريرة) .

أما الفكرة المسيحية المكررة دائماً في هذه الأفلام فهي: استخدام النار، التي هي رمز للجحيم واللعنة الأبدية. وعادة إهلاك الشياطين وتدميرهم بالنار هي جزء من العدالة المسيحية المناسبة، كما في (أحرق الساحرة) ،  (القصر المسكون) ، (السحر) ،  WICHCRAFT  (يوميات مجنون) DIARY OF A MADMAN،  وقصة " موريللا "  في (حكايــات مرعبة)  TALES OF TEEROR. وأحياناً قد لا تكون المسألة بهذه الصورة: فالنار الأخيرة في فيلم (الآخر) فشلت في أن تدمر الطفل الشيطاني مايلز، وإنما أهلكت بدلاً منه الرمز الملائكي: جدته.

فيلم الرعب الشيطاني الأول في الستينيات كان (الفندق المرعب) الذي أخرجه جون موكسلي في عام 1960، ولكنه لم يعرض على الجمهور إلا في عام 1963، وهو فيلم جيد ومدهش. بطولة الفيلم كانت لباتريشيا جيسل، بيتا سانت جون، وكريستوفر لي. زمن الفيلم يعود إلى بداية القرن الثامن عشر عندما تحرق إليزابيث سيلوين بتهمة السحر، لكنها تستطيع أن تقفز إلى المستقبل 250  سنة، بفضل تحالفها مع الشيطان. ونكتشف ان اليزابيث قد تجسدت من جديد لتصبح السيدة نيوليس.  على أية حال، الشخصية الرئيسية في الفيلم هو نان بارلو، الطالب البريء المتفتح على الدنيا، والمهتم في الأمور الغامضة والسرية، والذي يخطيء باكتشافه تعاطي السيدة نيوليس لأعمال السحر، لذلك فانه - نان - يقتل فجأة على يد الساحرات، وهي نتيجة مشابهة للقتل المفاجيء لجانيت لي بطلة فيلم (سايكو) لهيتشكوك.

ومن هنا ندرك بأن العالم الشيطاني هو عالم عنيف وخطير. انه ليس بالعالم الذي يحترم المزاج الجماهيري المتطلع إلى خلاص البطلة من جميع المخاطر حتى لقائها في النهاية بالبطل الذي يحل عقدة الفيلم.

في نهاية الفيلم، يقرر اثنان من أصدقاء نان التحقيق في الجريمة (كما فعلت فيرا مايلز وجون غافن في فيلم " سايكو ") ، ويستطيعان، بعد مصادفتهما لمجموعة من الحوادث المفزعة، وفرص النجاة من الموت بأعجوبة، أن يدمرا الساحرات في اللحظة الأخيرة وذلك بتسليط ظل الصليب عليهن.

فيلم (الأبرياء) أخرجه جاك كلايتون في عام 1961، عن قصة قصيرة لهنري جيمس بعنوان (العودة اللولبية) ، وكتب سيناريو الفيلم، على نحو رائع، السينارست ترومان كابوت.

أحداث هذا الفيلم تدور حول مربية أطفال تتوجس خيفة من أن الطفلين اللذين تقوم هي برعايتهما قد يكونان واقعين تحت استحواذ البستاني الميت " كوينت " ، والمربية السابقة الآنسة جيسل (اللذين كانا علىعلاقة جنسية شاذة وغير محددة) .  ديبورا كير التي قامت بدور المربية الجديدة، الآنسة غيدنس، اهتدت إلى التوازن الصحيح بين الاهتمام المنطقي، والتخيل العصابي.

بؤرة الفيلم مركزة على الصغير مايلز: هل هو حقيقة بريء، أم هو طفل شيطاني ؟. فهو قد طرد من المدرسة لقيامه بإفساد الأطفال الآخرين عن طريق سرد الحكايات الغريبة عليهم، كما ان ملامح وجهه تدل على البراءة التامة: عينان واسعتان، جميلتان، ولكن في ذات الوقت، يوحي كما لو انه دائم الشكوى من انه لابد أن يكبر. كما يمكن ملاحظة نفاذ البصيرة وراء سنواته القليلة، وهو يؤكد على مسألة واحدة: " ان الآنسة غيدنس مهذبة جداً ".

ان قبلته الطويلة المنطبعة على شفتي الآنسة غيدنس تبدو طفولية، ولكنها أيضاً تنم عن الانحراف.

المؤثرات الصوتية لهذا الفيلم كانت مدهشة جداً، تخلق لدى المتفرج نوعاً من الدهشة والرعب: نحن نسمع تغريد الطيور، سقسقة الجداجد، طنين النحل، حفيف الستائر ... الخ.

والشيء الأكثر شاعرية في هذا الفيلم هو جمال الطبيعة، ولكن تظهر بصورة ما شريرة أيضاً : نحن نرى خنفساء تدب إلى فم التمثال،  أو الظهور الأول لشبح الآنسة جيسل عند البحيرة وهي محاطة بالأشجار والماء والأطفال، ثم ظهور الآنسة جيسل بعد ذلك وهي تنشج في حجرة الدراسة لتبدو لنا نداوة دموعها الشبحية كحقيقة مرئية تفصح عن عذاب لا يطاق.

وفي ذروة الفيلم عندما تضغط مربية الأطفال الجديدة بهستيرية على مايلز حتى يتلفظ باسم  بيتر كوينت لتحصل على اعتراف منه بالاستحواذ، فاننا نرى يد كوينت بينما نرى مايلز كما لو انه مغمي عليه أو شبه ميت. وحينما تقبله الآنسة غيدنس على شفته، تبدأ طيور الليل بالسقسقة، بطريقة غامضة، كما يحدث في معظم أفلام الرعب.

فيلم (الأبرياء) يدور حول مستويين، والغموض الذي يحدث عند المشاهد يستمر في إطار هذين المستويين، في وقت واحد، وهو الذي يخلق التوتر والانشداه: فليس واضحاً  أبداً عما إذا كان الطفلين هما اللذان قد استحوذا من قبل كوينت والآنسة جيسل، أم أن عقل الآنسة غيدنس العصابي هو الذي يختلق وجود الشياطين نتيجة لرغباتها الجنسية المكبوتة.

أما المخرج مايكل وينر فقد بدد هذا الغموض والغرابة، حينما أخرج فيلم (زائر الليل) THE NIGHTCOMERS في عام 1972 ، طارحاً فيه نفس أحداث القصة، ولكن مع تصوير نوع العلاقة القائمة بين كوينت والآنسة جيسل والطفلين قبل موتهما وقبل وصول الآنسة غيدنس.

ومع ان فيلم وينر يصور نفس الأشخاص والأحداث إلا أن الرعب هذا له سمة خاصة فقد تغير الإيحاء والتورية في (الأبرياء) إلى المكاشفة والوضوح في (زائر الليل) ، وتحوّل الرعب الجميل البسيط إلى رعب عنيف وأكثر مباشرة.

الفيلم الشيطاني التالي كان (أحرق الساحرة) الذي أخرجه سيدني هيرز في عام 1962، ومن بطولة جانيت بلير، وهو واحد من تلك الأفلام المرعبة النادرة التي لقيت مراجعة نقدية ممتازة.

فيلم (أحرق الساحرة) يستمد رعبه القوي من بطئه، وتركيبته الواقعية. ففي هذا الفيلم تكتشف جانيت بلير ان لديها القدرة على مساعدة زوجها في مهنته، من خلال توظيفها بعض السحر والمداهنة، وعندما يدمر زوجها المرتاب أدواتها السحرية فان حظه يبدأ في الانحدار  (دائماً تظهر الساحرات كما لو انهن يحاولن رفع درجات الرجل: لاحظ مهارة العزف في فيلم " رقصة الشيطان " أو مهارة التمثيل في " طفل روزماري ").

وبعد قيام الزوج بالتدمير يبدأ تصاعد الأحداث: جانيت بلير تختفي، وحينما تكتشف تقوم بمحاولة قتل زوجها، انها تبدو الآن فعلاً ممسوسة من قبل مارغريت جونستون، كبيرة الساحرات.

في نهاية الفيلم، يحترق البيت، ويهاجم النسر الحجري الزوج، الذي يحاول الفرار، ولكن انهيار المبنى يساعده على التخلص من النسر ومن زوجته، فيتنفس الزوج الصعداء جاهلاً بأن زوجته لا تزال متشبثة بالحياة بإحدى طرقها السحرية.

وهكذا، مثل معظم أفلام الرعب الشيطاني، فأن فيلم (أحرق الساحرة) ينتهي بالنهاية اللولبية غير السعيدة، أي أن الشر لم يقهر بعد.

في فيلم (موريللا) ، القصة الأولى من مجموعة (حكايات مرعبة) ، والذي أخرجه روجر كورمان في عام 1962 ،  نرى موريللا وهي تستحوذ من قبل روح أمها، في الوقت الذي نكتشف فيه ان والدها احتفظ بجثة أمها لمدة ستة وعشرين عاماً.

في ذروة الفيلم، تسقط شمعة من يد الأب (يلعب دوره فينسنت برايس) ويهلك الثلاثة في حريق جهنمي.

في فيلم (القصر المسكون) ، الذي أخرجه روجر كورمان أيضاً في عام 1964 ، ومن بطولة فينسنت برايس في دور جوزيف كوروين، المتعامل في السحر الأسود، والذي يحرق في قصره في عام 1765،  نرى روحه وهي تستحوذ على المالك الجديد للقصر بعد مائة وعشر سنوات، ولا ينتهي الرعب في هذا الفيلم إلا في نهايته حينما يحترق القصر، وتدمر صورة كوروين.

في فيلم ( يوميات مجنون) ، الذي أخرجه ريجنالد لي بورغ عام 1963 ، يقتل فينسنت برايس مجرماً محكوماً عليه بالإعدام، ثم يستحضر الروح الشريرة أو " الهورلا " ، التي تستحوذ على المجرمين.  فتتلاحق الكثير من المشاهد المقرفة المتنوعة، بما فيها ضرب عنق امرأة شابة.

أخيراً، يوقظ انعكاس الصليب فينسنت برايس من غيبوبته، ويقرر هو إنهاء الرعب ليضع " الهورلا "  في النار، ولكنه يهلك معها.

في فيلم (السحر) ، الذي أخرجه دون شارب في عام 1964،  استخدم فيه الكثير من القوالب المشابهة في أفلام الرعب الشيطاني: عائلة ويتلوك المعروفة بالسحر، تحاول أن تنتقم من عائلة لانيرز لاستيلائهم على أرضهم قبل ثلاثمائة سنة.

في هذا الفيلم، كبير الساحرات، فينيسيا ويتلوك، تستطيع أن تنبعث من الموت عندما تحاول عائلة لانيرز إزالة مقبرة ويتلوك. كما نرى في الفيلم تنويعاً على حكاية روميو وجولييت: فإحدى بنات ويتلوك تقع في حب أحد رجال لانيرز، وتكون النهاية مفجعة: إيمي وتلوك تفدى نفسها إنقاذاً لحبيبها، وجميع عائلة ويتلوك يهلكون في نار عظيمة، ويفشل انتقامهم.

ان نظرة فاحصة على كل هذه الأفلام تظهرها كما لو انها كانت تمهيداً لموجة أفلام الرعب الشيطاني الحقيقية، أي ذلك النوع من الأفلام الذي افتتحه رومان بولانسكي بفيلمه (طفل رومازي) في عام 1968.        

بولانسكي، الذي أظهر في أفلامه السابقة فعالية قوية في التعبير الساخر للأحداث، اشترك، بحماس كبير، مع الروائية الأمريكية إيرا ليفن في تحويل روايتها، التي حققت رقما قياسياً في التوزيع، إلى السينما.  وقد أثمر التعاون فيما بينهما إلى نتيجة جيدة:  إيرا ليفن بروايتها ذات البناء الفني المتماسك والحبكة القوية،  ورومان بولانسكي بأسلوبه الفني الحاذق والمثير.

فيلم (طفل روزماري) يدور حول قلق امرأة حامل، مشحونة بالخوف المتزايد من ان الناس من حولها سحرة وينوون أخذ طفلها بعيداً عنها. ومع ان الغموض في هذا الفيلم لا يتبدد كلية، إلا أن الورطة الكبرى هي ان روزماري كانت قد أغتصبت من قبل الشيطان نفسه، وبأنها سوف تلد طفلاً شيطانياً.

هذه المكيدة المفروضة عليها دبرت بظواهر سحرية أخرى: تحوّل روزماري إلى أحد أتباع الشيطان. روزماري لا تجد غرفة شاغرة في الفندق. روزماري لا تستطيع أن تجد مكاناً لتضع فيه وليدها. وعندما يولد الطفل، أخيراً، بعد ستة أشهر بالضبط من عيد ميلاد المسيح، ويأتي الزوار ومعهم الهدايا إلى المهد المغطى ليروا التحول الأسود للولادة التقليدية، ومن ثم يهتفون : " تحيا روزماري أم الشيطان ".

ميا فارو، التي مثلت دور روزماري بإجادة متقنة، ظهرت في الفيلم بصورة مقنعة جداً، كإنسانة مصابة بالوهن والضعف إلى الحد الذي يخشي فيه المتفرج على الممثلة.

وبالطبع أكثر مشاهد الفيلم جمالاً هو حلم روزماري بينما هي تغتصب: مثل الرسوم السريالية، فالحلم يحمل في ثناياه: البابا، جاكي كيندي، المحيط، وبعض المخلوقات الغريبة ذات المخالب.الخ. .

استمد الفيلم أكثر قوته من الصور الوصفية للسحرة، فهم ليسوا بمخلوقات غريبة مخيفة، ولكن هم فقط ذلك النوع من البشر الغامضين الذين نصادفهم في حياتنا اليومية ونسأل أنفسنا مأخوذين: " ما الخطأ في هؤلاء ؟ ".

سحرة بولانسكي كلهم ودودون، وسريعو الاهتياج، وعلى وجه الضبط، هذا التملق النوعي هو الذي يجعلهم مخلوقات مرعبة جداً.

ان تعبير بولانسكي الساخر يبقى قوياً جداً: فأحد أكثر المشاهد رعباً في الفيلم، يبدو أيضاً هزلياً، وهي تلك اللحظة التي نرى فيها السحرة يدلفون الباب المفتوح جزئياً، ويمشون على رؤوس أصابعهم بطرق التسلل المضحكة.

حل عقدة الفيلم مرهون بمشهد روزماري المرعوبة وهي تهرب من السحرة، وولادتها للطفل (الذي جاء قبل ذلك بقليل).  اننا نرى ميا فارو المرتعشة وهي تحاول الاقتراب من المهد الأسود لترى طفلها، ثم نواجه بالسؤال الذي ترك بدون جواب: هل غريزة الأمومة عندها أقوى من مبادئها الأخلاقية ؟.

على أية حال، فان نهاية الفيلم توحي بأن روزماري سوف تقوم تلقائياً بدور الأم لطفلها الشيطاني، وهذا ما جعل فيلم بولانسكي  يمتليء بأكثر التوترات العالية الملحوظة .. فتركيبته كانت بطيئة جداً، ولكن متماسكة (مثل فيلم "الأبرياء ")، والتوتر يزداد نتيجة لإدراك المتفرج بأن شيئاً ما شيطاني لا بد أن يكمن وراء الأشياء الظاهرة. وحتى ان لم توجد في الفيلم بعض المفاجآت المثيرة، إلا ان الرعب يستمد قوته من الومضات الحادة كنبرات الصوت، والابتسامة غير الضرورية .. الخ.

وهكذا، من الأصول الأسطورية التوراتية، إلى تصوير انحطاط مدينة نيويورك، استطاع بولانسكي، وإيرا ليفن، أن يخلقا عالماً شيطانياً حقيقياً.

إيرادات الفيلم الكبيرة، واتفاق جميع النقاد على نجاح (طفل روزماري)  - إضافة إلى حصول الممثلة العجوز ذات الثانية والسبعين روث غوردن على جائزة الأوسكار -  ألهبت خيال المنتجين لعمل سلسلة كاملة من الأفلام التي تتعامل مع السحرة والشياطين أو الظواهر الغامضة، وصار البعض من هذه الأفلام الجديدة يحمل ملامح فنية مثل فيلم (الآخر) و (طارد الأرواح الشريرة) ، أما بقية الأفلام فقد كانت ببساطة تكراراً فجاً لفيلم (طفل روزماري) ، كالفيلم التلفزيوني ( ابنة الشيطان ) THE DEVIL’S DAUGHTER التي مثلت فيه شيلي وينترز دور كبيرة الساحرات. والفيلم التلفزيوني (الغريب بداخلها ) THE STRANGER WITHIN التي قامت ببطولته باربرا إيدن في دور الأم الحامل. وكذلك فيلم ( أنه حي) IT'S ALIVE  الذي أخرجه لاري كوهين في عام 1974 كعمل مكمل لفيلم بولانسكي.

في فيلم (رقصة الشيطان) الذي أخرجه بول ويندكوس في عام 1971 ، نرى الكثير من العناصر المشابهة لفيلم (طفل روزماري) تتداخل في هذا الفيلم، ولكن بطريقة خيالية جداً. فبعد أن يموت دونكان إيلي، عازف البيانو الشهير، تبدو روحه كأنما سكنت جسد مايلز كلاركسون، ومايلز بدوره يكتسب مهارة العزف على البيانو من دونكان إيلي، بينما تزداد عند دونكان الرغبات الجنسية.

وفي الواقع، فإننا نكتشف بأن جسد مايلز قد اختير بعناية ليكون بيتاً لروح دونكان وذلك حتى يتمكن دونكان ( من خلال مايلز) أن يواصل علاقته الجنسية الشاذة مع ابنته ، روكسانا ، التي كما يصل إلى علمنا ، ولدت ذات مرة طفلاً شيطانياً من دونكان نفسه .

الفيلم مليء بالجرعات السامة، السوائل الزرقاء، كتب السحر، الحلقات الشيطانية. وقصة الفيلم تروى من وجهة نظر بولا، زوجة مايلز، التي ينتابها الخوف من التغييرات التي يمر بها زوجها. ولكن بعد أن يقتل طفل بولا على يد السحرة (الأبرياء لا يمكن لهم أن يعيشوا أبداً) تعقد بولا العزم على أن تسترد زوجها من روكسانا، التي كانت قد تعلمت أقصى ما يمكنها من فنون السحر.

في ذروة الفيلم، تقتل بولا نفسها في حوض الاستحمام، وفي اليوم التالي، بينما يندفع مايلز نحو أحضان روكسانا، بكل شهوة، نكتشف بأن روح بولا قد سكنت في جسد روكسانا.

مع ان هذا الفيلم يترك الكثير من الأسئلة معلقة (مثلاً : أين ستذهب روح مايلز ؟)  إلا ان قصة الفيلم محبوكة بقوة لا تترك للمشاهد فرصة الاعتراض. فالكاميرا دائماً في دوامة وانقضاض، مع المصاحبة الموسيقية الرومانتيكية الخالصة لجيري غولدسميث وفرانز ليست.

من المشاهد الرائعة في الفيلم مشهد احتفال السحرة بطقوس العربدة، إضافة إلى رهافة الحس في استخدام الألوان الطبيعية.

ان هذا الفيلم يبدأ من ذات الفكرة لفيلم ’’ طفل روزماري ‘‘  (تنقاد الزوجة تدريجياً إلى حالة هستيرية نتيجة علاقة زوجها مع أناس تعتقد بأنهم سحرة ويريدون إيذاء طفلها).

فيلم (رقصة الشيطان) قُدم بأسلوب عميق، مختلف تماماً عن الأسلوب المتبع في فيلم (طفل روزماري) ، وقد لاقى الفيلم هجوماً نقدياً متواصلاً،  فكثيراً من النقاد أصروا على تدني مستواه، لأنه لم يكن مثل فيلم (طفل روزماري) مستبعدين أهمية أسلوب الفيلم الاستثنائي الخاص.

في أوائل السبعينيات عرض فيلمان من نوع الرعب الشيطاني الذي يمكن أن نطلق عليه تسمية الرعب الاجتماعي - الشيطاني. وهذا الفيلمان هما (سايمون  ملك السحرة)                    SIMON,  KING OF THE WITCHES  الذي أخرجه بروس كيسلر في عام 1971 ، وفيلم (استحواذ جول ديلاني) الذي أخرجه وارث حسين في عام 1972 .

في فيلم (سايمون ملك السحرة) يتمازج العالم الشيطاني مع عالم الإدمان على المخدرات. أندرو براين، الذي قام بدور سايمون، يكتشف بأن لديه قدرة شيطانية غير عادية، لذلك فهو يريد أن يصبح إلهاً، ليقوم بالانتقام من العالم بقتله مروجي المخدرات، وعندما تموت حبيبة سايمون من جراء تعاطيها جرعة مفرطة من المخدرات،  تلصق بسايمون تهمة ملفقة من قبل البوليس الفاسد، فيقوم بصب لعناته على المدينة كلها ويوقعها في اضطراب كامل. وفي النهاية يقدم سايمون على الموت بتعاطيه المخدرات.

في هذا الفيلم يمكن بوضوح رؤية التماثل المتلازم بين عالم السحر وعالم المخدرات، وبأن براين، البطل الهيبي، مقموع من قبل " العالم التافه "  و " النظام " . وهو، بموته، أصبح شهيداً للعبادة الشيطانية: إنه نوع من الأشخاص المرعبين أمثال ميك جاغر أو تشارلس مانسون، الذي يمكن أن ينقاد إليهم الشباب الغاضب.

فيلم (استحواذ جول ديلاني) أثار ضجة أكبر. فالرجل الغني جول ديلاني (يعيش في حي الفقراء ليخفف من وطأة إحساسه بذنبه الطبقي) يستحوذ من قبل أحد أصدقائه البورتوريكيين.

ان روح البورتوريكي مليئة بالثورة والسخط على الأوضاع الاجتماعية التي عاشها مرغماً، وبالمقابل يضغط على جول ديلاني ليقترف كل السلوك الشاذ اجتماعيا مثل جز عنق حبيبته، أو إجبار ابنة أخته على أن تأكل طعام الكلاب، وإرغام أبن أخته على الرقص عارياً في البرد (حتى يستمتع بضعف الطبقة المستغلة) .

شيرلي ماكلين، التي مثلت في الفيلم دور أخت جول ديلاني تفشل في إخراج الروح الشريرة من جسد أخيها، ونعرف بأن سبب الفشل يعود إلى أن شيرلي ماكلين لم تكن مؤمنة بالله (انه نفس الموقف لفيلم " طارد الأرواح الشريرة " الذي رأينا فيه ان إلحاد أم ريغان يتغاير نوعاً ما مع مشاهدتها لطقوس طرد الروح الشريرة) .

أثار فيلم (استحواذ جول ديلاني) الكثير من الجدل عندما عرض للمرة الأولى، فالفيلم يطرح أفكار جديدة من نوعها في أفلام الرعب، ويناقش مسائل التحرر، ويسلط الضوء على التباين الاجتماعي.

ان شيطان البورتوريكي لا يلام على تصرفاته لأنه نتاج بيئته،  والوسيلة الوحيدة التي يستطيع بها أن ينتقم من طبقة نخاس الرقيق الأبيض، التي قمعته، هي بممارسته للسحر. وهناك إيحاء (وان كان في قالب متوار) بأن الجريمة والعنف التي تمارسها الطبقة الدونية ضد الطبقة الفوقية مقبول تماماً كانتقام، أو كإيقاظ للوعي، وإذا كان تونيو البورتوريكي قد استحوذ الآن على روح جول ديلاني الغني ، فقد قام بعمل صحيح ومقبول، بسبب ان النظام كان لمدة طويلة قد استحوذ وحطم روح البورتوريكي الفقير.

حتى وان كان فيلم (استحواذ جول ديلاني) حاداً نوعاً ما،  إلا انه متقن كفيلم مرعب ، وكفيلم اجتماعي يناقش الصراع الطبقي المعاصر. 

في نهاية الفيلم، عندما يقتل رجال الشرطة جول ديلاني، نلتقي بالمشهد الذي يحمل توتراً مخيفاً، والذي عادة ما نصادفه في نهايات أفلام الرعب: شيرلي ماكلين تهدهد أخاها الميت في حضنها،  تغلق عينيه الساكنتين، وفجأة تحمل المدية النابضة، تقفلها وتفتحها من جديد، بعد أن قفز شيطان البورتوريكي إلى جسدها ليواصل انتقامه من الطبقية الفوقية البيضاء.

فيلم الرعب الشيطاني الثاني، والمهم فعلاً، هو (الآخر) الذي أخرجه ريتشارد موليغان في عام 1972 ،  عن رواية كتبها (الممثل السابق) توماس تريون.

فيلم (الآخر) لا يختلف عن فيلم (الأبرياء)، وهو من نوع الأفلام التي يصعب وصفها. فقوة الفيلم، وسحره، يكمنان في الإيحاءات، والومضات، الأداء، الطبيعة المحددة للاستدعاء الروحي المنظور، تناغم المونتاج، الدلالات السيكولوجية لحركة الكاميرا.

ومثل معظم أفلام موليغان (بدءاً من فيلم " قتل الطائر الساخر" TO KILL A MOCKINGBIRD و " فوق بيت السلم الكئيب " UP THE DOWN STAIRCASE إلى فيلم " أعماق ديزي كلوفر " INSIDE DAISY CLOVER     و " صيف 42 "  SUMMER 42 )    ) ،  فأن فيلم (الآخر) يدور حول نهاية الأبرياء.  في هذه الحالة، ليس بسبب نضج الأبرياء، وإنما بسبب انحرافهم.  

بتصوير سينمائي جميل في الريف الأمريكي، في زمن كان فيه الأطفال يلعبون مع الضفادع، يتسلقون الأشجار، ويقفزون فوق كوم التبن، يروي لنا هذا الفيلم قصة توأمين: نيلز وهولاند. وكما هو مألوف في قصص التوائم في الأدب، فكل توأم يمثل نقيض الآخر.

نيلز هو الصبي الصغير الطيب، بينما هولاند هو الأخ الغامض، الذي ينزع نحو الأذى. والمخرج موليغان يواصل، بتقنية مثيرة، وضع كل من الصبيين في لقطات منفصلة حتى الوقت الذي يفشى فيه السر ونعرف بأن هولاند كان قد مات منذ سنوات، وهو الآن يعيش فقط في خيال أخيه نيلز، الذي اتخذ الصفة الشيطانية.

ان مشهد إفشاء السر كان بارزاً، وقد ذكرنا بمشهد الذروة في فيلم (الأبرياء) حين رأينا ديبورا كير، وهي على يقين بأن مايلز سيتحرر من سطوة كوينت الروحية إذا تلفظ باسمه.

وفي فيلم (الآخر) أوتا هاغن، التي قامت بدور الجدة، تجبر نيلز، بطريقة مأساوية، أن ينظر إلى اسم أخيه على شاهد القبر.  هذه الفكرة من الخلاص الشيطاني تبدو مقتبسة من أسطورة " رمبليس تلتسكن "  حيث معرفة هوية الشيطان تصبح المغزى السحري لنفي الشيطان الأبدي.

ولكن في فيلم (الآخر) يرفض نيلز أن يرضخ لوجود هولاند، وفي واحد من أكثر مشاهد الفيلم إثارة، نرى نيلز وهو يتحدث إلى هولاند.  الكاميرا تنتقل في حركة (بان) من نيلز إلى المكان الذي من المفترض أن يوجد فيه هولاند. ولكن تفشل المحاولة الأولى في الفيلم لإيجاد كلا التوأمين في نفس الموضع، وماذا نرى ؟ . بالطبع ليس هولاند، ولكن مكان فارغ، حيث نيلز المسكين يتوهم بأن أخاه هولاند  يوجد فيه.

نيلز، ذو النظرة البريئة، يجد نفسه تدريجياً يرتكب أعمالاً مؤذية، وتصبح السطوة عليه مقلقة جداً، وينبعث بدهشة تساؤله: "  هولاند ، أين الطفل ؟ " .

في ليلة غريبة، مليئة بقصف الرعد والبرق على البيت القوطي، والذي يكشف لنا عن الطفل الميت. المذنب هو نيلز بالطبع، الذي ألصق التهمة في عقله بأخيه الميت. ان براءته، ولطافته، وشعره الأشقر، وعينيه الواسعتين، ومعالم وجهه، تتحول إلى جمال غامض، ومرعب.

وفي النهاية، عندما تقرر أوتا هاغن أن تتخلص إلى الأبد من شيطان نيلز، فأن قرارها هذا يشابه تماماً قرار الأم في ( البذرة السيئة) ، ولكن محاولة أم الصغيرة رودا تفشل، فتموت الأم بالسم، بينما البذرة السيئة الشيطانية تهرب.

"أليست بحاجة للعون ؟". تقول إحدى الجارات لزوجها،  والمتفرج يدرك بأن هذين الزوجين سيكونان الضحية القادمة للبنت الصغيرة، وهذا يعني بأن رودا لا تزال موجودة.

في نهاية فيلم (الآخر) عندما تشعل أوتا هاغن المخزن لتحرق نفسها مع نيلز، فأنها تموت حرقاً، بينما يتمكن نيلز من الفرار بطريقة غامضة.

ان اللقطات الثلاث الناجحة لوجه نيلز ( ومتشابه مع اللقطات الثلاث لوجه جانيت لي في بداية مشهد الحمام في فيلم "سايكو " )  غامضة، وتؤكد على الشر الكامن خلف ذلك الوجه البريء الذي لا يسبر غوره أحد ، وغير قابل للتدمير. ان اللقطة الأخيرة لنيلز وهو ينظر إلى الخارج من خلف ستائر النافذة توحي ضمنا بالطبيعة المبطنة للشر الكامن بداخله.

في الفيلم بعض المشاهد المفزعة والغريبة مثل مشهد استسقاء الرأس، أو الجنين في الزجاجة ).  فيلم (الآخر) يتعامل، بأسلوب رائع، في إبراز نغمة البراءة والرعب، في تصويره لشباب نيلز النابض بالحياة، وبالجانب الأسود لطبيعة روحه الشيطانية.

من الأفلام الأخرى التي عرضت في هذه الفترة الفيلم التلفزيوني ( مزرعة كراون هافن ) CROWNHAVEN FARM من إخراج مايكل ريفر، والذي تحاول فيه هوب لانج أن تحمي نفسها وطفلها من معاهدة السحر.  وفيلم ( لعبة الطفل ) CHILD'S PLAY من إخراج سيدني لوميت (عن مسرحية لروبرت ماراسكو) الذي نرى فيه الشيطان، وهو يواصل إيقاع الفوضى في مدرسة للبنين.  وفيلم (القربان) THE PYX  من إخراج هارفي هارت، وبطولة كارين بلاك في دور عاهرة تتورط في أعمال السحر.

في عام 1973  ظهر اثنان من أكثر أفلام الرعب أهمية في كل زمان:  فيلم (لا تنظر الآن) و (طارد الأرواح الشريرة) ،  وقد قوبلا من قبل النقاد كعملين جديرين بالاحترام، وبارعين في المستوي الفني، وإن لم يلقيا الثناء والمديح في أنحاء أخرى من العالم.

فيلم (لا تنظر الآن) ، من إخراج المصور السينمائي البارع نيكولاس روغ، يبرز الإحساس الدقيق للرعب، من خلال اختبار قوة الاستبصار، والملاحظات الخارجة عن نطاق الإدراك الحسي العادي.

في هذا الفيلم كل حدث وصورة تبدو متصلة ببعضها اتصالا مباشراً وهندسياً. إن صورة ابنة سوذرلاند الصغيرة وهي تنعكس في الماء توحي بعالم ينقلب رأساً على عقب. وعندما يجرح الصبي الصغير نفسه، فإن دمه، أحمر بلا شك، لكنه نفس لون معطف الفتاة الصغيرة الواقي من المطر، ولون كرتها أيضاً. وحينما يلاحظ دونالد سوذرلاند، داخل البيت، بأن بعض السائل الأحمر ينبجس خارجاً من الشكل الأحمر في إحدى شرائحه التي يعمل فيها، يبدو واضحاً ان ابنته تموت خارج البيت في نفس الوقت. إن الصلة بين الحدثين قوية جداً، وإن وقعا في" مكانين مختلفين ".

وعندما تذهب جولي كريستي، ومعها دونالد سوذرلاند، إلى فينيسيا، في محاولة لنسيان موت ابنتهما، فانه من الواضح للناقد المدرك بأن أحدهما بالتأكيد سيقضي نحبه.

فمدينة فينيسيا كانت دائماً، منذ روسكين إلى توماس مان، إلى هنري جيمس، تعتبر مدينة الموت .. هذه المدينة الجميلة، الطافية فوق الماء والأضواء، تبدو كما لو إنها تنحدر، ببطء، نحو نهايتها.

أثناء مكوثهما في فينيسيا، يواصل سوذرلاند وكريستي، مطاردة فتاة ترتدي معطفاً أحمر شبيه بمعطف ابنتهما الميتة، وفي الوقت نفسه، بينما هما يحاولان التخلص من أحزانهما، يظهر قاتل مجنون ينشر الرعب في فينيسيا.

ان أحداث الفيلم هذا متشابهة إلى حد كبير مع مسرحية (القاتل ) ليوجين يونيسكو.  ففي (القاتل) تتحول المدينة الجميلة المتألقة تدريجياً إلى مدينة بشعة، ومنفرة، لأن قاتلاً مجنوناً ينشر الرعب فيها، وبعد أن يفقد بيرانجيه حبه هناك، يصل في النهاية إلى لقاء مع القاتل وجهاً لوجه، الذي يظهر ليكون قزماً ممسوخاً، والذي، مع انتهاء المسرحية، يرفع مديته ليطعن بيرانجيه.

في فيلم (لا تنظر الآن) سوذرلاند العنيد يتقابل وجهاً لوجه مع قدره المحتوم بنفس الطريقة. فبعد أن تختفي زوجته، يراها في مشهد غامض، وهي مرتدية ثياب الحداد، تعبر في قارب مع سيدتين، ثم يرى الفتاة الصغيرة ذات المعطف الأحمر، فيطاردها ويحشرها في زاوية بغية رؤية وجهها، فترفع هي الغطاء عن وجهها،  فلا نرى فتاة صغيرة وإنما قزمة ممسوخة، أو بالأحرى القاتل المجنون في مدينة فينيسيا.

وحينما تقوم المرأة القبيحة (أدت هذا الدور أدلينا بويرو) بطعن دونالد سوذرلاند حتى الموت، نرى الدم ينبجس بالضبط مثلما إنبجس من تلك الشريحة في المشهد الأول من الفيلم.  لقد كان اختيار القزمة القبيحة، كرمز لطبيعة القوى الشيطانية في عالم روغ، مذهل حقاً. والدورة، بعد ذلك، تكتمل تماماً، عندما نرى، في تعاقيب الزمن الحقيقي، جولي كريستي، وهي مرتدية ثياب الحداد على زوجها تؤازرها امرأتان، وهن يعبرن في القارب الفينيسي الذي رآه سوذرلاند قبل مقتله.

فيلم (لا تنظر الآن) لا يتضمن وجود شياطين فعلية، ولكنه مرعب جداً في سبر غور القوى الغامضة والشريرة. وللأسف، فان فيلم (لا تنظر الآن) قد حجب بصورة كاملة من قبل الفيلم المرعب الثاني، والمتزامن له، والذي حقق شهرة واسعة، وهو فيلم (طارد الأرواح الشريرة).

لماذا (طارد الأرواح الشريرة) ؟؟

إذا كانت بداية الستينيات قد اتسمت بزيادة الاهتمام العالمي بالكاثوليكية، فان نهاية الستينيات، ومستهل السبعينيات، قد اتسمت بإعادة الاهتمام المتزايد بجميع أنواع الطقوس الشيطانية.

وبدأت أكثر موجات  الدعاية لعبادة الشيطان في منتصف الستينيات في مدينة سان فرانسيسكو، وافتتحت لها فروعاً متشابهة في كثير من المدن،  ووصل عدد المريدين إلى ما يقدر من مائتي ألف شخص، أما الكتاب الشيطاني المقدس، والذي أظهر تساهلاً في الخطايا السبع المميتة الكلاسيكية مثل الجشع، الغرور، الحسد، الشهوة، والكسل، فقد بيع منه ربع مليون نسخة.

ومن المجالات الأخرى المتصلة والجديرة بالنظر، هي موجة إعادة الاهتمام بقراءة البخت، وجلسات استحضار الأرواح، والسحر.   ولقد قدر بأن هناك أكثر من ستمائة اتفاقية مع السحرة في الولايات المتحدة، مع وجود أكثر من مائة ألف ساحر معترف بهم، وعلى الأقل نصف هؤلاء يظهرون في برامج " الحديث القومي " مثل: ميرف غرفن والمستقبل، وفي البرنامج الإذاعي المنوع " البقع الغريبة " الذي يبث في جميع أنحاء البلاد.

وفي نفس الوقت، ظهرت المسرحية الغنائية (شعر) HAIR  مع تأكيدها على الحب الحر، وظهور  " عصر برج الدلو ".

"ما هو برجك ؟".. انه السؤال الأكثر شيوعاً في كل مكان.

جين ديكسون، المعروفة عالمياً كمستجيبة للمؤثرات الروحية،  كانت تكتب عموداً عن خريطة البروج، وكتابتها هذه شدت اهتمام القراء المتزايد بقراءة النبوءات. كل شخص يريد أن يعرف شيئاً عن التناسخ، سواء في الماضي أو في المستقبل. وصارت الكتب الأكثر رواجاً هي تلك التي تتضمن مواضيع التناسخ. كما ان العنف العجيب الذي بدأ في سان فرانسيسكو، ولوس أنجلوس، امتد ليشمل جميع أنحاء البلاد. وظهرت الرسائل المكتوبة بالدم. ونودي بتشارلس مانسون كمسيح من قبل أتباعه (عصابة الشيطان). وفي نفس الوقت، ازداد الإدمان على المخدرات، وظهرت الطقوس الغريبة والمتنوعة جداً، وأعطت الولادة لحركة جديدة باسم " مخلوقات المسيح البشعة "، وهذا أدى إلى ان بعض الآباء وجدوا انه من الضروري اختطاف أطفالهم ليبعدوهم عن كوميونات " المسيح الشاب ".

قياساً إلى القناعة المنتشرة بين اللاهوتيين، فان هذه الظواهر تحدث بسبب اضطراب التوازن بين الخير والشر في زماننا هذاً. وفيلم (طارد الأرواح الشريرة) الذي أخرجه ويليام فريدكن، يناقش علناً، في مستوى واحد فقط، هذا التوازن بين الخير والشر.

وتمكن هذا الفيلم أن يعكس، بدقة، الخوف والاهتمام من قبل المشاهدين، وذلك بإخفاء الشيطان في داخلهم، وإعادة تثبيت بعض المسائل المناقبية الدينية الصرفة، وتقديم بديل متفائل لاعتقاد المشاهد الساخر بأن (الله قد مات).

ان التقارير المتواصلة عن حالات التقيوء، والإغماء، في صالات العرض (في البدء روج لها من قبل دائرة الدعاية للفيلم) أكدت بأن الفيلم أثار هؤلاء الذين لا يحتاجون سوى عنوان الفيلم حتى يصلوا إلى الحالة التي تجعلهم عرضة للتقيوء والإغماء، ليعرضوا عن أنفسهم بطريقة " بافلوفية " مناسبة.

ومن جانب آخر، فان إمكانية أن يسبب الفيلم حدوث حالات تقيوء أو إغماء عند المتفرج هو بحد ذاته كان جذاباً. ان مشاهدة فيلم (طارد الأرواح الشريرة) كان طقساً من طقوس الانتقال من حالة نفسية إلى حالة أخرى، وفقط هؤلاء الذين أغمى عليهم، أو تقيئوا، كانوا هم الذين عرفوا ما هي هذه الحالة.

ففي عصر حيث الموت (ممثلاً في القتل في فيتنام، الشغب الدائم، والاغتيالات) يشاهد يومياً، ولفترة طويلة، من الزمن في نشرة الأخبار المسائية، فان استجابة الإنسان للموت صارت مخبولة ومخدرة.

والذهاب لمشاهدة فيلم (طارد الأرواح الشريرة) ، وتجاهل مسألة قدرة الإنسان على الثورة، وعلى الإدراك، كلها عوامل تجعل تقيوء المشاهد أمراً مقبولاً كاستجابة فنية إلى العالم من حوله.

ومنذ أن طهر كل واحد تقريباً في البلاد جسده " حتى الموت " في الستينيات، فان القيمة الفنية لفيلم فريدكن تبدو موضع نقاش. في الواقع، اننى أعتقد بأن أي شخص يستطيع بسهولة أن يجادل هذا الموقف، لأن الفيلم ي.

ان (طارد الأرواح الشريرة) يفي باحتياجات المتفرج الغامرة،  بحيث أصبح كاختبار للشخصية والذكاء لمعرفة مدى استجابة كل متفرج لرؤية ما يريد أن يراه بالضبط.

أما ما هي النتائج التي حققها الفيلم، وإلى أي حد كانت استجابة المتفرجين الروحية، فهذا ما يمكن أن يكون غير قابل للتثبت والتحقق.

حينما شاهدت فيلم (طارد الأرواح الشريرة) رأيت على الأقل ثلث المشاهدين - من المحتمل انهم كانوا متفرجين محايدين، غير مهيئين نفسياً، أو لا حاجة روحية عندهم - وهم لا يهتمون بأكثر المشاهد رعباً في الفيلم، كما لو انها غير مرعبة غير الإطلاق، وهذه الاستجابة كانت تحدث في وقت كان فيه مشاهدون آخرون يصابون بالإغماء.

سواء أكان الفيلم مخيفاً أم لا، فان أكثر مشاهد الفيلم تحمل إيحاءات تصويرية مثيرة: مشهد القسيس في العراق وهو يرى " المالوجيو "  /  قتال الكلاب تحت تمثال الشيطان / انتفاخ ثياب الراهبات البيضاء / الضوء المترجرج على الوجه المتطفل.

ونذكر بشكل خاص مشهد الريح وهي تدفع الستائر خارج النافذة، كأنما مصدر الريح يأتي من شيطان ريغان نفسه. وفي نفس الوقت، فان الفيلم، الذي كلف إنتاجه عشرة ملايين دولار، وقع، بصورة واضح، في الكثير من الاخطاء النقدية: مشاهد ضبابية خارج مجال البؤرة / انعكاسات إضاءة الفيلم / الحوار غير المتزامن .الخ. .

ولكن، بعد كل شيء، تبقى هناك ريغان البريئة، ذات الاثني عشر عاماً، ملتصقة بسريرها، قبيحة الشكل، تتقيأ، تلوى لسانها، تحرك نفسها إلى أعلى وأسفل، تحرك الأثاث، تمارس العادة السرية بالصليب، تتكلم بلكنة غريبة، وتقتل أصدقاء أمها.

وكونها تقوم، في فترة قصيرة، بكل هذه الأشياء التي لا تقوم بها طفلة مهذبة جداً، فلا بد أن تكون ممسوسة من قبل الشيطان.

قصة (طارد الأرواح الشريرة) ، للكاتب ويليام بيتر بلاتي،  تحكي عن محاولات أم لمعالجة ابنتها الممسوسة، فلا حب الأم يفيد، ولا التقنية العالية، ولا التقدم العلمي، ولا الأطباء الجادين يفيدون أيضاً.

توجه أم ريغان الملحدة سؤالها إلى الأطباء:

"أنتم تطلبون مني أن أرسل طفلتي إلى طبيب مشعوذ ؟".

في ذروة الفيلم ، بعد ليلة مرعبة من البصاق، والصراخ، والقيء الأخضر، والسخرية المهينة (بالأداء الصوتي لمرسيدس ماك كامبردج في دور الشيطان المستحوذ على ليندا بلير) يتمكن الشيطان من الحصول على انتقامه من الأب ميرن، طارد الأرواح الشريرة، (قام بدوره ماكس فون سيدو) . وبعد موت ميرن بذبحة قلبية نتيجة نضاله ضد الشيطان، يصير الشيطان حراً ليطارد الآن، على وجه التحديد، ضحيته الحقيقية، الأب كاراس  (أدى هذا الدور جيسون ميللر) ،  الذي كان قد خرج لتوه من عذاب اتهامه باللواط، وعذاب تحمله ذنب موت أمه، والذي إيمانه قد اختض ، بصورة خطيرة ، بتجربته مع ريغان.

الشيطان لا يزال يستخف بالقوة الداخلية لكاراس، وعندما يدرك كاراس بأن الأب ميرن قد ضحى بنفسه من أجل خدمة الرب، فان عزمه يزداد صلابة، ويتحدى كاراس الشاحب الشيطان نفسه ليخرج من جسد ريغان، ويستحوذه مباشرة بدلاً عنها، وحين يحاول الشيطان أن يستحوذ على كاراس، ينشب الصراع بينهما ويهويان خارج النافذة.

من المدهش ان الفيلم أظهر نهاية سعيدة: ان نفي كاراس للشيطان، من خلال التضحية المسيحية بنفسه، أعاد التأكيد إلى نفوس المشاهدين بانه إذا كان هناك شيطان، فلا بد أن يكون هناك الله ، وبأن اللاتوازن، بين الخير والشر في زماننا هذا، سوف يتضح في نهاية الأمر.

هذه هي خلاصة (طارد الأرواح الشريرة) .

سواء أكان فيلم (طارد الأرواح الشريرة) أو فيلم (الفك المفترس)  JAWS  ، هو البداية الحقيقية لظاهرة أفلام الرعب في السينما، أوان هذا الفيلم سيمر مروراً عابراً، فهذا غير واضح الآن.

ولكن السؤال الملح، الذي أفرزه نجاح الفيلم غير العادي هو:  إلى أين نذهب من هنا؟؟ .

قبل أن يعرض فيلم (سايكو) في عام 1960  من كان يتوقع أن تظهر، من جديد، موجة كاملة من أفلام الرعب الجديدة ؟

ان أفلام الرعب من النفس البشرية توجت الموجة، وازدهرت إلى جانب أفلام الرعب من انتقام الطبيعة. وحتى ظهور فيلم (الفك المفترس) لستيفن سبيلبرغ ، الذي أعاد الروح لأفلام الرعب من انتقام الطبيعة، فان أفلام الرعب الشيطاني بدت كما لو أنها تجاوزت النوعين معاً.

يمكننا بالتأكيد أن نتوقع بعد فيلم (طارد الأرواح الشريرة) أن تظهر بالتوالي أفلام شيطانية متلهفة للكسب المادي، عن طريق الاستفادة من جماهيرية  (طارد الأرواح الشريرة)  -على سبيل المثال: آبي  ABBY/ إنه حي/ ثلاثية الرعب/ وراء الباب BEYOND THE DOOR / مطر الشيطان THE DEVIL’S RAIN  / تناسخ بيتر براود THE REINCARNATION OF PETER PROUD/ البشير ... الخ  -  كما يمكن أن نتوقع ظهور أفلام الرعب من الطبيعة مقلدة فيلم (الفك المفترس) مثلما نتوقع تكرار قصة فيلم (سايكو).

بينما نحن نتخطى قنوات السبعينيات، وندخل إلى الثمانينيات، فان هذه الأنواع الثلاثة من أفلام الرعب بالتأكيد سوف يستنبط منها وتلهم، بصيغ متنوعة، رعب جديد، وأفلام جديدة. فأي رعب سيكون التالي  ؟؟؟.

أوراق سينمائية (نادي البحرين للسينما) في 1 يونيو 1984

 

المصدر:

 الأحلام السوداء – تشارلس ديري- دار نشر بارنز - 1977

هوامش:

الودونية: دين زنجي، أفريقي الأصل، منتشر بين زنوج هاييتي، ويقوم في الدرجة الأولى على أساس من السحر والعرافة (م) .

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)