شعار الموقع (Our Logo)

 

 

لسنا ندري اذا كان الممثل - والمخرج في بعض الأحيان - ميل غيبسون رد على البرقية الحماسية التي كان بعث بها إليه نقيب الممثلين في مصر, معلناً فيها تأييده و"تأييد كل عربي شريف" لصاحب "آلام المسيح", ضد "الهجمة الظالمة" التي يتعرض لها وفيلمه على ايدي جماعات الضغط اليهودية. ولسنا ندري, كذلك, اذا كان السيد ميل غيبسون نفسه استجاب, أو لم يستجب للدعوة التي وجهها إليه مهرجان القاهرة السينمائي الدولي, لـ"يشرف" الدورة المقبلة للمهرجان بحضوره... وبالتأكيد مكافأة له على موقفه من اليهود في ثنايا فيلمه نفسه, وبالتأكيد ايضاً, دعماً له في مواجهة هؤلاء. وإذا كان السيد غيبسون لم يرد, بعد, على هذه الدعوة او على تلك البرقية الحماسية, فهو معذور لأنه مشغول جداً, وعلى اكثر من صعيد: فهو, من ناحية مشغول بعدّ مئات الملايين التي جناها من تعذيب السيد المسيح, ومن الدعاية التي عرف جيداً كيف يحيط بها فيلمه قبل عرضه وبعده, ولكنه مشغول ايضاً, من ناحية ثانية بمشروعه الجديد: فإذا كان بطل افلام "ماد ماكس" فصل زمنياً, فيلمه "الأول" كمخرج "قلب شجاع" عن فيلمه الأخير "آلام المسيح" بما لا يقل عن ثماني سنوات, فإنه هذه المرة قرر ان يقدم بسرعة على تحقيق فيلم جديد. فعمّ سيتحدث هذا الفيلم؟ خمنوا؟ حسناً... لن تذهبوا بعيداً في الحيرة.

فقط نود هنا ان نعود بالذاكرة شهوراً قليلة... في العدد الأكبر من البرامج التلفزيونية العربية, كان ثمة دائماً من يؤكد خلال الحديث عن "آلام المسيح", ان صاحبه لا بد سيقدم بعده على تحقيق فيلم عن الإسلام وتاريخه. ويومها جازفت مذيعة حسناء بالقول ان فيلم غيبسون المقبل سيكون عن عداء اليهود للإسلام منذ بداية ظهوره. لم ندر يومها من اين استقت تلك المذيعة معلوماتها.

افترضنا فقط ان المسألة لا تعدو ان تكون من نوع تفكير الأماني. وحينما سئلنا نحن حول هذا الموضوع اجبنا بأن ليس لدينا الخبر اليقين, ولكن "منطق الأمور يفترض ان ميل غيبسون, بعدما أغضب اللوبي اليهودي والصهيوني الى ذلك الحد بتركيزه - في فيلمه - على دور اليهود في صلب السيد المسيح, سيحاول الالتفاف على الأمر ويقدم فيلماً يرضي ذلك اللوبي بالعودة الى فصل من فصول التاريخ اليهودي القديم, ليقدمه ممجداً...". كان هذا مجرد افتراض. والحقيقة ان الأيام لم تكذبنا: ميل غيبسون يدرس الآن في شكل جدي, وبحسب المصادر الصحافية التي اكدت الخبر خلال الدورة الأخيرة لمهرجان "كان" مشروع فيلمه الجديد: الفيلم سيكون عن ثورة اليهود في القرن الثاني قبل الميلاد, ضد السلجوقيين, في موقعة الماكابيين التي يحتفل بها اليهود في كل عام حتى ايامنا هذه في عيد "هانوكا"... المشكلة ان غيبسون قال تعقيباً على هذا المشروع ان مثل تلك المعركة جديرة بأن تصور كما في افلام رعاة البقر الخالدة. اوساط اللوبي اليهودي ردت انها تفضل, حينما يحقق غيبسون الفيلم, ألا يجعل منه مجرد فيلم رعاة بقر. والسجال مستمر بين الطرفين والمتوقع ان ينتهي على خير.

وفي انتظار انتهائه, من المؤكد ان "بطل القومية العربية" الجديد, والذي أشبعه العرب والمسلمون مدحاً بسبب "آلام المسيح" وأفردت له الملفات والصفحات المادحة في الصحافة القومية العربية والإسلامية, لن يكون لديه من الوقت ليجاري السيد نقيب الممثلين المصريين في برقيته وحماسته, ولا ليستجيب لدعوة المهرجان القاهري العتيد. اما المشكلة الأخرى فستبرز - طبعاً - ان استجاب الى هذه الدعوة وانتشر خبر فيلمه "الصهيوني" المقبل... فما العمل حينذاك؟ 

على ضوء الضجيج - السياسي لا الفني - الصاخب الذي كان من نصيب فيلم المخرج الوثائقي الأميركي مايكل مور والمعنون "فهرنهايت 11/9", والذي فاز بـ"السعفة الذهبية" في الدورة الأخيرة لمهرجان "كان", عاد نوع من الاعتبار الى السينما السياسية, بخاصة ان هذه الدورة من المهرجان الفرنسي اتت غارقة في السياسة حتى اخمص اقدامنا. كثر عارضوا فوز "فهرنهايت"11/9" من دون ان يهاجموه. اعتبروه حالاً خاصة واعتبروا مخرجه ظاهرة شعبية, حتى وإن أنكروا على الفيلم أن يكون من الجودة الفنية بحيث يستحق تلك الجائزة "الكانيّة" الكبرى.

وفي يقيننا ان هذا صحيح الى حد كبير. ومن هنا ينبع سؤال أساس: لماذا في كل مرة يكون فيها رئيس لجنة التحكيم في دورة من دورات مهرجان "كان" مخرجاً من النوع المحب كلياً لفن السينما والغارق في كل أبعاد هذا الفن من دون تنازلات, يحدث أن يدفع هذا المخرج في اتجاه اعطاء "السعفة الذهبية" لعمل يدنو من السياسة والقضايا الاجتماعية بقدر ابتعاده عن الفن؟ (نتساءل هنا وفي بالنا حالان: حين أعطى دافيد كروننبرغ "السعفة الذهبية" لـ"المنشور الاجتماعي البؤسوي البلجيكي - روزيتا", وأخيراً حينما أعطى كوينتن تارانتينو السعفة لـ"فهرنهايت 11/9". وفي الحالين كان الاحتجاج نفسه والموقف نفسه. فهل المسألة في حاجة الى محلل نفسي, يقارن ويدرس, ليطلع باستنتاج يتعلق بحالات نفسية معينة تهيمن على ذلك النوع من المخرجين الذين ربما يكونون في أفلامهم الرائعة التي يحققونها, حادوا عن أحلام صباهم النضالية, فجاءتهم رئاسة تحكيم "كان" لتعطيهم فرصة للتعويض واراحة ضمائرهم من طريق موقف ديماغوجي لا يضيرهم في شيء؟ أم ان الأمر, كله, كما قال أحد المطلعين, لا يعدو كونه مجرد موقف تبسيطي لا ينظر الى "كان" أي نظرة جدية حقيقية؟

منذ عدنا, قبل أيام, من مدينة "كان" حيث, كالعادة, تابعنا فاعلياته وأفلامه وآخر الأخبار السينمائية فيه, فوجئنا في الوطن بسؤال واحد يطرح علينا من شتى أنواع الأصدقاء والبشر: سؤال يتعلق بما إذا كان الحظ حالفنا خلال المهرجان والتقينا السيدة هيفاء وهبي. وحينما كنا نجيب بأننا - هناك - لم نسمع اصلاً بوجودها, ولم نسمع أحداً يتحدث عنها... فوجئنا بدهشة السائلين المستنكرين, من الذين أكدوا لنا أن كل الصحف - يقصدون اللبنانية طبعاً - تحدثت عن وجود تلك السيدة في "كان" وتحديداً في رفقة عمر الشريف. وحينما قلنا هنا اننا بالكاد, حتى, سمعنا بوجود عمر الشريف هناك... ازدادت الدهشة, وربما رمينا بالجهل من السادة المهتمين. فقط يهمنا ان نذكر هنا أنه اذا كان من النادر أن يوجد في مهرجان "كان" في أيامنا هذه, فنانون كبار من طينة عمر الشريف, فإن "النجمات" من طراز السيدة وهبي, يحضرن بالمئات في كل صالات الفنادق, ومطاعم السمك وعلى طول الكورنيش. فإذا كان أمر وجودها في "كان" شغل الصحافة اللبنانية, فالمسألة ليست أكثر من طرفة محلية, حتى لو شغلت بضعة سطور في خبر لإحدى وكالات الأنباء. على رغم كل شيء "كان" أمر أكثر جدية بكثير.

لمناسبة الحديث عن نجمنا الكبير عمر الشريف نتذكر كيف ان الصحافة العربية تصر دائماً حين تتحدث عنه على أن تلقبه بـ"النجم العالمي"... وصفة العالمية هذه غالباً ما نراها مقرونة بالكثير من الأسماء. فهذا الكاتب عالمي, وذلك الممثل عالمي, وعارض الأزياء هذا عالمي... الى آخر ما هنالك. والحقيقة ان العقل البسيط - العادي - يعجز عن تفسير هذا الاقبال على كلمة "عالمي"... فهل هي حكم قيمة؟ أم طريقة للتكريم؟ تقنياً نعرف ان الشخص العالمي هو ذاك الذي يولد على متن طائرة فيمنح جواز سفر عالمياً... أو يكون موظفاً كبيراً في إحدى المنظمات الدولية... أما في ما عدا هذا فيخيل الينا ان كباراً من طينة عمر الشريف يفضلون أن يُنسبوا الى أوطانهم أكثر من أن ينسبوا الى عالم هلامي مترامي الأطراف.

جريدة الحياة في 4 يونيو 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

غيبسون بطل القومية العربية في رحاب التاريخ اليهودي

إبراهيم العريس