خلال لقاء جرى من دون تخطيط مسبق جمع المخرج المصري محمد كامل القليوبي, والناقد السينمائي بندر عبدالحميد, وكاتب السطور في دمشق, عبر القليوبي عن همومه السينمائية على صعيد التجربة الشخصية وعن هموم السينما عموماً, وتحدث عن العقبات التي تعترض سبيل صناعة الفيلم السينمائي العربي, وكشف عن الدلالات التي يحملها فيلمه الأخير "خريف آدم" وانتقد بشدة العقلية المتخلفة المتحكمة في صناعة الفيلم السينمائي وتوزيعه في العالم العربي ومصر. وكان القليوبي حضر الى دمشق مع مجموعة من المثقفين والفنانين المصريين ضمن نشاطات الاسبوع الثقافـي المصري الذي شهدته سورية اخيـراً, وعـرض في هـذه التظاهرة فيلمه "اتفرج يا سلام" وهو فيلم كوميدي خفيف يستحـوذ على انتـباه المشـاهد منذ لحظاته الاولى, ويتناول, في اطار اجتماعي ساخر, مسألة بحث الشباب عن عمل, لكن المخرج يتجاوز في فيلمه هذه الموضوعة لينتقل الى قضية اكثر عمقاً تتعلق بالشباب, ومدى احساسهم بالهم الوطني والقومي. تتوالى الاحداث في هذا الفيلم عبر مجموعة من المواقف والمفارقات الكوميدية واللوحات الغارقة في الميلودراما في احدى القرى السياحية في مصر ليضع المخرج بطله (ماجد المصري) في النهاية امام امتحان صعب: هل يقبل بطل الفيلم بقسم من ثروة الثرية الاميركية شرط ان يذهب القسم الآخر منها الى منظمات يهودية, وبمعنى آخر: هل يمكن ان يتخلى الفرد عن وطنيته مقابل اموال طائلة؟ سينما مغايرة يبحث المخرج المصري القليوبي في افلامه عن سينما مغايرة, سينما تخاطب الانسان في عزلته وقلقه وهواجسه, سينما تناقش هموم البسطاء والمهمشين, لتربطها بالقضايا العامة التي يعيشها المجتمع, وهي لذلك توصف بأنها سينما النخبة التي لا تروق كثيراً للجمهور, ولا تنتمي لمقولة "الجمهور عايز كده" وبالتالي لا ترضي اصحاب شباك التذاكر, ومن اهم افلامه "البحر بيضحـك ليه" وثلاثـة على الطريق" و"أحلام مسروقة" و"اتفرج يا سلام" و"خريف آدم" آخر أفلامه. يرى القليوبي تعليقاً على تراجع دور السينما في العالم العربي ومكانتها ان اي دولة رأسمالية لا بد من ان يوجد فيها قانون يمنع الاحتكار, فالرأسمالية مبنية على حرية المنافسة والشفافية ولكن هذا القانون الذي يمنع الاحتكار لا يوجد في مصر, وهذا متعمد, مما جعل الاحتكار يدخل مجال السينما ودخلت الصناعة السينمائية في مضاربات واسعة, فبلغت خسائر السينما المصرية 80 مليون جنيه خلال سنتين, وتحول العمل في السينما الى ما هو اشبه بالمقارمة. ويصف القليوبي بمرارة الحال السينمائية السائدة, اذ يقول: "ثمة تزاحم على كل موسم واحد", موضحاً لو ان الافلام السينمائية في مصر مثلاً حصدت في سنة واحدة 40 مليون جنيه مصري فيمكن ان يذهب 30 مليون الى فيلم واحد, وتتوزع العشرة ملايين الاخرى على بقية الافلام وهذا "هو الاحتكار الذي اقصده فأنت بذلك تدخل في مغامرة وليس هناك تخطيط مسبق ولا يوجد اتحاد منتجين, هناك فقط غرفة السينما التي لا تفعـل شيئاً". ويتابع القليوبي ان المستفيدين من هذا الواقع هم اصحاب دور العرض والموزعون الذين يساهمون في نجاح الفيلم او سقوطه, ولو وجد اتحاد للمنتجين كان سيقوم بتنسيق هذه المسائل بدل بقاء السينما في هذا الكيان الهش كما هو واقع الحال. محاربة السينما الوطنية ويضيف القليوبي: "نحن في مصر لا نحارب الانتاج السينمائي العربي فقط, بل الكارثة اننا نحارب الانتاج السينمائي المصري نفسه. نحن اعداء انفسنا, فالمسؤولون عن السينما في مصر يغرقون دور العرض بالأفلام الاميركية فقط, الامر الذي ينعكس سلباً على صناعة السينما الوطنية, وبالتالي يتحول الآلاف من العاملين في صناعة السينما, والصناعات المرتبطة بها الى عاطلين من العمل, فبدلاً من ان يساهم هؤلاء المسؤولون في حل مشكلة البطالة فإنهم يزيدونها تعقيداً, ويفقدون مصادر للدخل الوطني كانت توفرها السينما المصرية من التوزيع في الاسواق الخارجية". وعن كيفية حماية الصناعة السينمائية العربية عموماً والمصرية خصوصاً يشدد القليوبي على ضرورة تقديم اعمال جيدة وجديرة بالمشاهدة لدفع الجمهور الى التمسك بها ذلك ان "هذه الجودة والجدارة هما اللتان تدفعان الجمهور لأن يفضل مشاهدة الافلام الاميركية لأنه سيجد فيها صناعة ترفيهية قوية في مقابل ما سيدفعه من اموال. اما السينما المصرية للأسف فقد اصبحت سطحية ومبتذلة". ويستدرك القليوبي بأن ازمة السينما المصرية الحقيقية تكمن في ما سماها بـ"الشللية" وارتباط المصالح. "فهناك من يهمه ان يبقى الفيلم المصري ضعيفاً لأنه مسؤول عن توزيع الفـيلم الاجنبي, وبالتالي تتلاقى مصالحه مع مصالح الفيلم الاميركي بالذات. لذلك لا بد من قيام اتحاد لمنتجي السينما للنهوض بالسينما المصرية من كبوتها. مسؤولية الدولة وحرصاً منه على انعاش "هذا الفن الساحر" يطالب القليوبي في هذا السياق بوجوب دخول الدولة ايضاً في عملية الانتاج, "فالدولة في كل مكان في العالم تحمي السينما, وتدعمها, لكن في مصر تنظر الدولة الى السينما على انها ترفيه فقط, وتفرض عليها ضريبة تسمى "ضريبة الملاهي". ويتساءل بحرقة: "كيف ستتقدم السينما اذاً؟". ويضيف: "لا بد من ان نعي ان الاستثمار في صناعة السينما سيدعم الانتاج, والدخل القومي, وكذلك يمكن محاربة العادات المتخلفة, وتكريس قيم الخير والجمال عـبر هـذا الفـن", ويخلص الى القول: "في ظل هذه الظروف والشروط المجحفة فإن تحقيق فيلم سينمائي يحتاج الى معجزة, اذ لا تستطيع الا الحصول على اقل الامكانات, فضلاً عن الرقابة الشديدة التي تمنعك من حرية الابداع وتقيد حركتك". ويلفت القليوبي في حديثه الى الانتباه الى ما فعلته الدولة عندما تخلت عن اصول الافلام المصرية, وباعتها لمن يدفع اكثر, وكانت النتيجة - بحسب رأيه - ان ذاكرة مصر السينمائية بيعت بأرخص الاثمان, مشدداً على ان الفيلم السينمائي تراث وطني لا ينبغي التفريط به. دفاعاً عن الميلودراما ويدافع القليوبي عن فيلمه الميلودرامي "اتفرج يا سلام", معتبراً ان "الميلودراما اسلوب سينمائي له معجبوه ومحبوه". ويقول انه اراد مع كاتب السيناريو محمد صفاء عامر ان يقـدم عملاً شبابـيـاً ولكن بمضمون وطني, فهناك "جيل مصري شاب محيت من ذاكرته "هزيمة 67" ووقائـع "حـرب اكتوبر 73" ولا بد من توضيح الحقائق لهذا الجيل الغارق في التسلية الرخيصة والاهتمامات المتبذلة". والغريب, كما يقر القليوبي, ان الفيلم حقق نجاحاً باهراً على الصعيد الجماهيري, بل اعتبره الروائي المصري خيري الشلبي "تحفة سينمائية" وهذا النجاح شجع منتج الفيلم على تمويل فيلم آخر للمخرج هو "خريف آدم" الذي يعود فيه القليوبي الى السينما العميقة والجادة, اذ يناقش العقلية المنغلقة المتزمتة في المجتمعات المحافظة مما اثار حفيظة المنتج الذي شعر انه وقع في ورطة. "خريف آدم" ففيلم "خريف آدم" يناقش بصورة رمزية محملة بالدلالات العقلية المتزمتة في صعيد مصر وقد حاز الفيلم جائزة مهرجان القاهرة السينمائي, وسبع جوائز في المهرجان القومي للسينما وهو رقم قياسي لم يبلغه فيلم سينمائي مصري من قبل, وكذلك فاز في مهرجان مسقط السينمائي الدولي. ويعلق القليوبي بأنه لم يكن يطمح الى هذا النجاح: "ما يهمني هو ان أؤدي عملي باتقان, واخلاص. وان اعتني بكل التفاصيل التي ينبغـي على المخرج الجاد الاهتمام بها. وبعد ذلك تكون النتـائج بحـسب الجهد", وهو راضٍ عما قدمه في هذا الفيـلم, ولا يخـفي سعـادته من ان لجان التحكيم قدرت عمله هذا. وعلى رغم هذا الاحتفاء بالفيلم فإنه قوبل بالنقد من البعض وهـو أمر يعتبـره القليوبي "طبيعياً وضرورياً", فهو يؤمن بالاختلاف وبتباين وجهات النظر. والفيلم في مستواه المباشر يناقش قضية الثأر لكن القليوبي يوضح ان الفيلم يذهب الى ابعد من ذلك وفيه مستويات اخرى عدة, "فالمقصود من تناول موضوعة الثأر هو مناقـشة مواقف الدول العربية, من طريق اظهار العقليات المنغلقـة الماضويـة, شـارحـاً ان تنـاوله للثأر الشخصي هو سعي للقول إن هنـاك من يـهتم بالمفهوم الضيق للثأر, ويتنـاساه في ابعاده الواسعة المتمثلة في الثأر لأوطان مغتصبة, وهو يوجه خطابه اساساً الى هؤلاء المتغافلين ليقول لهم ان الاوطان محتلة, وعلينا ان نكون مدركين لما يجري حولنا وإلا تحولنا الى ضحايا لا كرامة لهم, ولعل الواقع العربي المأزوم هو خير تجسيد لهذا التحليل". جريدة الحياة في 28 مايو 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
محمد كامل القليوبي السينما المصرية أصبحت سطحية ومبتذلة إبراهيم حاج عبدي |
|