شعار الموقع (Our Logo)

 

 

نبيل المالح (في وسط الصورة) أثناء تصويره مشهدا من فيلمه الجديد قبل نحو عشرة أيام، أنهى المخرج السينمائي السوري نبيل المالح تصوير فيلمه الروائي الطويل الجديد، <<وليمة صيد>>، في بيروت ومناطق لبنانية عدّة، بعد ستة وثلاثين يوما أمضاها في التقاط المشاهد المطلوبة في سوريا، في نحو ستين موقعا مختلفا، على الرغم من أن وقائع الحدث الدرامي تجري كلّها في لبنان. إنتاج الفيلم بريطاني (<<شركة هانيا وود>>)، بالتعاون مع شركة سورية خاصة (<<ريغارت>>)، والغالبية الساحقة من ممثليه بريطانيون، إلى جانب عدد قليل من اللبنانيين والسوريين، يتكلّمون جميعهم اللغة الإنكليزية. كتب المالح السيناريو، واستعان بخبرات تقنية وفنية لبنانية وسورية، في تجربة هي الأولى له على هذا المستوى العالمي.

<<السفير>> التقت المالح في اليوم الأول له بعد انتهاء التصوير، فتحدّث عن التجربة وأفقها، وعمّا يُمكن أن ينتج عنها من مستقبل جديد ومغاير للنظرة السائدة في العلاقة الملتبسة بين الغرب والشرق. لكنه فضّل عدم التطرّق إلى موضوع الحبكة، كي لا يكشف الكلام عن مسارها وبنيتها وتفاصيلها المتشعّبة، المصنوعة كلّها بتقنية الثريلر والتشويق.

روى نبيل المالح ل<<السفير>> تفاصيل عدّة حول هذه التجربة الأولى، التي اختبرها في مجال العمل السينمائي، متعاونا مع فريق بريطاني، ومعتمدا سيناريو كتبه هو بنفسه واضعا حواراته كلّها باللغة الإنكليزية، ومديرا ممثلين بريطانيين، إلى جانب عدد قليل من الممثلين والتقنيين والفنيين اللبنانيين والسوريين: <<تجري أحداث الفيلم في لبنان، لكن لأسباب فنية وميدانية، صوّرت غالبية المشاهد في سوريا، على أنها لبنانية بحتة. تتناول الحكاية موضوعا معاصرا للغاية، له بعد سياسي، مُغلّف بتقنية الثريلر. أفضّل عدم التوسّع في المضمون، لأنه مُعقّد قليلا، ولأني أخشى أن أكشف مساره، إذ إن مجرّد الكلام عنه يُمكن أن يفضح اللعبة الدرامية كلّها>>. أضاف المالح: <<على مدى عقود طويلة، تراكم التراجع العربي، من دون أن تكون الشعوب العربية مسؤولة عنه، في يوم من الأيام، فالدور الأساس في ذلك لعبته الأنظمة. ألم نشاهد كَمّا كبيرا من الجلاّدين الذين يتقاضون مكافآتهم، بعد تدميرهم بلادهم، وذلك كلّه أمام عيون ضحاياهم؟ ومع هذا، فإني أسأل: تُرى، هل سيأتي يوم ما، تستطيع فيه الضحية أن تحاكم جلاّدها؟>>.

أحداث مُتشعّبة ومسارات مُتداخلة

اعتبر نبيل المالح أن <<الفيلم متشعّب ومتداخل. إيقاعه مشوّق، وسياقه مفاجىء في كل مشهد من مشاهده. كلما تشعّبت أحداثه وتداخلت فيما بينها، برزت أبعاد سياسية وفكرية حاولت، في نطاق السرد الدرامي والحكائي للفيلم، أن تجيب عن بعض الأسئلة المتعلّقة بنا وبعلاقاتنا وثقافتنا. لعلّ الإجابة غير كافية، فالمسألة محتاجة إلى عشرات الأفلام التي تروي قصة سقوطنا ورفضنا لهذا السقوط في آن واحد. مع هذا، أعتقد أن <<وليمة صيد>> مُساهمة مني، تتضمّن كثيرا من الجرأة والمعنى>>.
من ناحية أخرى، أبدى نبيل المالح ارتياحه لنمط العلاقة السائدة بينه وبين الجهة الإنتاجية البريطانية، في خلال المراحل المختلفة التي مرّ بها المشروع. أثار السيناريو الذي كتبه اهتمام الشركة البريطانية، فقرّر مسؤولوها المضي في تنفيذ المشروع، في تجربة لعلّها الأولى، كما قال المالح، مشيرا إلى أنه <<بحسب معلوماتي، هذه هي المرّة الأولى التي تنتج فيها شركة أجنبية فيلما كتبه وأخرجه سينمائي سوري، شرط أن تكون الغالبية الساحقة من الأدوار محصورة بممثلين بريطانيين، وإن كان هناك عدد من اللبنانيين والسوريين. أنت تعلم أن إنتاج الأفلام العربية يتمّ وفقا لبرنامج معونات أو مساعدات أو صناديق دعم أوروبية. من هنا، أستطيع القول إن <<وليمة صيد>> سيكون الفيلم العربي الأول الذي يُنتج خارج هذا النطاق. وافق البريطانيون على المشروع، لأن النصّ جيّد، والموضوع مهمّ. والآن، تمّ التعاقد مع الجهة الأوروبية على تنفيذ فيلمين آخرين. هذا مؤشّر صحّي للغاية، على مستوى العلاقة الجديدة التي نشأت بين السينمائي العربي والمنتج الأوروبي أو الغربي. لم تكن العلاقة الجديدة قائمة بين راع ومحمي، أي بين راع أوروبي وهذا السينمائي الضعيف المحلي. كما أنها لم تنشأ على أساس البرنامج المتداول في إطار تقديم المساعدات المعروفة. باتت العلاقة اليوم كاملة وسوية بين ندّين، على الرغم من وجود ثقافتين أو نوعين مختلفين تماما في مجال أسلوب العمل والتنفيذ، فهم لديهم ثقافة بريطانية في تنفيذ الأفلام، تختلف عن <<ثقافتنا التنفيذية>> (إذا صحّ هذا الوصف) في المجال نفسه>>. وتوقّف المالح عند بعض الممثلين، فقال <<إن ممثّلين بريطانيين اثنين، هما سايمون داتون وظافر لابديني (تونسي مُقيم في بريطانيا) أدّيا الدورين الرئيسين. أعتقد أنني ربما أكون مُقبلا، في المرحلة اللاحقة، على تقديم نجمين جديدين أشعر بأنهما سيتركان أثرا واضحا، وسينطلقان بعد هذا الفيلم إلى دوائر أوسع. لديّ قناعة بأنهما، بعد <<وليمة صيد>>، سيصيران نجمين>>.

تقنيّون عرب محترفون

شدّد نبيل المالح، في حواره مع <<السفير>>، على أن العلاقة الجديدة هذه انبنت بفضل <<الِحَرفية العالية والمهنية السوية والجدّية الواضحة في العمل، التي تمتّع بها التقنييون والفنيون السوريون واللبنانيون، فأثاروا بفضلها احترام الجهة الإنتاجية البريطانية. أضف إلى ذلك أن هذه التجربة كشفت عالما مجهولا لدى المُنتج البريطاني، هو عالم سوريا ولبنان، بوجوهه الفنية والتقنية المتنوّعة. فالمنتج البريطاني وجد في هاتين الدولتين قدرات جدّية وجيّدة يُمكنها أن تُنجز أفلاما سينمائية ذات لغة احترافية عالية المستوى>>. ورأى المالح أن تجربة تنفيذ هذا الفيلم <<يُمكن أن تؤثّر في طبيعة العلاقة بين المنتج الغربي والسينمائي الشرقي، بأن تُحوّل أنظار الأوروبيين إلى سوريا ولبنان للعمل السينمائي فيهما، وبأن تفرض احترام الغربي للطاقات الفنية والتقنية المتوفرة في بلادنا، وهي طاقات تجعلني، بفضل تجربتي الطويلة في العمل السينمائي بين أوروبا والبلاد العربية، أعترف بقيمة هؤلاء التقنيين والفنيين ومستواهم المهني الجاد والجيّد، وسويتهم الأخلاقية الرفيعة، وهذه كلّها تستحق التباهي بها>>.

عن مسار العمل اليومي، قال المالح إن <<ما جعل الأمور تسير بشكل ممتاز، كامن في تماهي الجانب البريطاني والبُعد السياسي للفيلم، الذي (أي البُعد السياسي) تمّ وفق قناعاتي، على الرغم من أن هذه الأخيرة تُعاكس تماما التوجّه الرسمي البريطاني. أعتبر هذا شجاعة واحتراما بريطانيين للمُشاهد، ولحقيقة بعض ما يجري في عالمنا اليوم. أشعر بأن الصورة الإعلامية المتداولة في الغرب عن منطقتنا، المسيئة إلينا بتفاصيلها كلّها، انقلبت تماما، على الأقلّ لدى هذا الفريق الآتي من بريطانيا، والذي ربما سيصبح سفيرا لنا، بشكل أو بآخر>>.

أنهى نبيل المالح حواره مع <<السفير>> بالقول إن كل شيء تمّ ضمن البرنامج الموضوع سلفا: <<لا أستغرب أن تتحمّس الشركة البريطانية لإنتاج هذا الفيلم، والبدء بتوزيعه منذ الآن، في أوروبا وأميركا الشمالية وبقية الدول. هناك خمسون صالة بريطانية ستعرض الفيلم في تشرين الثاني المقبل، وربما يصل عدد الصالات في الولايات المتحدة الأميركية إلى ألف صالة، بالإضافة إلى ما يُمكن أن نحصل عليه في الشرق الأقصى وغيره من الدول. السوق العربية ضيّقة وضئيلة، لا يهتمّ بها الموزّعون الأجانب كثيرا. عليّ أن أنجز العمليات الفنية كلّها قبل نهاية أيلول المُقبل. سأُنفّذ المونتاج الأساسي في سوريا، والعمليات النهائية في إنكلترا>>. وأضاف أن <<ما استوقفني أيضا هو شجاعة الجهة الإنتاجية السورية، بموافقتها على المشاركة في هذه المغامرة، والخروج من نطاق الدوائر الضيّقة، التي صنعها المسلسل الدرامي التلفزيوني وبرامج المنوّعات. لا أعني بذلك أن شيئا يُلغي شيئا آخر، لكني مُقتنع أن الفيلم السينمائي، أكان هذا الفيلم الذي أنجزته أنا، أم الذي يصنعه زملاء عرب، قادر على أن يكون أوسع انتشارا، وأنه وسيلتنا لتقديم أنفسنا إلى العالم من خلال الثقافة، وليس عبر الشعارات. أنا مقتنع أننا، في خلال خمسين عاما الفائتة، لم نستطع أن نصدّر شيئا، أو أن نخترع شيئا، سوى الثقافة والمثقفين>>.

السفير اللبنانية في 27 مايو 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

فيلمه <<وليمة صيد>> ذو أبعاد سياسية وفكرية يروي قصة سقوط ورفض السقوط في آن

نبيل المالح: 50 صالة بريطانية تعرض الفيلم والفريق البريطاني أصبح سفيراً لنا

نديم جرجورة