شعار الموقع (Our Logo)

 

 

في رحلته عبر الصور يأخذنا السينمائي اللبناني الشاب اكرم زعتري في فيلمه "اليوم" الذي ابصر النور اخيراً بعد ما يقارب ثلاث سنوات ونصف سنة بحثاً وتنقيباً. رحلة جغرافية عبر خلالها حدود سورية ولبنان والاردن, ورحلة ذهنية عبر الزمن من خلال صور تنتمي الى مراحل عدة: صور من خمسينات القرن الماضي, صور الحرب اللبنانية, صور الانتفاضة في فلسطين... صور جعلت فيلمه اشبه بمختبر حقيقي للصورة, بأجزائه الثلاثة وبغياب الرابط الواضح ولو كان الجامع بينها اكرم زعتري وإطار وعيه للصورة.

صاحبة الجرّة

والفيلم الذي يشارك بعد اسابيع في المسابقة الرسمية "لمهرجان الفيلم الوثائقي في مارسيليا" و"معهد العالم العربي في باريس". يبدأ من سورية في رحلة بحث عن "صاحبة الجرّة", تلك السيدة التي ظهرت في كتاب المؤرخ جبرائيل جبور في خمسينات القرن الماضي, والتي تبدأ كاميرا اكرم زعتري بالبحث عنها في بادية سورية, لننتقل من دون سابق انذار الى بيروت وصور الحرب اللبنانية وننتهي في عمان وصور الانتفاضة الفلسطينية.

·         "اليوم" فيلم عن صناعة الصورة, يأتينا وكأنه يوميات صاحبه وتاريخه, والسؤال: كيف ولدت فكرة الفيلم؟

- يجيب اكرم زعتري قائلاً: "الفيلم فرصة منحني اياها متحف للتصوير اذ طلب مني القيام بعمل عن الصورة في الشرق الاوسط, وهكذا كان. والحال انني اعطيت "كارت بلانش" لفعل ما اريد, وكانت الخيارات مفتوحة امامي لانتقاء ما اشاء, فاخترت رحلة جغرافية عبر هذه البلدان ورحلة ذهنية عبر الزمن من خلال الصورة... اخترت صوراً من الخمسينات في سورية وصوراً التقطتها في بيروت في الثمانينات ايام الحرب, كما اخترت الصورة وتنقلها عبر الزمن الافتراضي للانترنت لأتكلم عن فلسطين, والسبب صعوبة الوصول اليها وصعوبة خروج الصور منها. من هنا نجد اختلافاً في اقنية النشر... صور "مانوغ" التي استعملها جبرائيل جبور في كتابه وصلتنا عبر هذا الكتاب, وصوري صور خاصة احاول ان اوصلها الى شريحة اكبر من خلال هذا الفيلم, اضافة الى صور الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي التي تصلنا عبر الانترنت".

والتصاعد التدريجي لوسائل الاتصال الذي نصادفه في الفيلم يقابله تصاعد تدريجي لوسائل النقل من صورة الجمل الى السفينة والطائرة وحتى التلفريك. يقول اكرم عن ذلك: "لدي اهتمام سابق بوسائل النقل وصورة وسائل النقل عبر التاريخ. من هنا تجدين في احد المشاهد كتاباً مفتوحاً على طاولتي يتعلق بوسائل النقل وكيف ظهرت في صور الناس لأربطها بأعمالي السابقة وأجعل المشاهد واعياً لفكرة اهتمامي فيها". اما عن سبب هذا الاهتمام فيقول اكرم: "لا يتوقف دور هذه الوسائل على عملية النقل فحسب بل يتعداها لتكمل صورتنا. وخير مثال نجده في "التلفريك" الذي صورته في عمان. اذ خلافاً لما قد يكون عليه التلفريك في اماكن اخرى من عامل متعة للبصر, اذ يأخذنا في رحلة عبر مشاهد طبيعية نستمتع بها من فوق, انه هنا مجرد محاولة عرض للتكنولوجيا لأنه يمر في منطقة سكنية ومساحة مسطحة".

بين الماضي والحاضر

"اليوم" هو ايضاً رحلة بين الماضي والحاضر ومحاولة ارشفة لجزء من تاريخ منطقة. يقول اكرم: "احاول في هذا الفيلم ان اقوم بنوع من تسطيح للصور, بمعنى انه لا يوجد في رأيي صور تنتمي الى الماضي انما هناك صور التقطت في ازمنة مختلفة وهي حتماً تنتمي الى الحاضر طالما لم تتلف ووجدت من يحضنها ويهتم بها. وهنا اعطيك مثالاً بسيطاً اذا اخذنا جدتك ووالدتك وأنت, ثلاثتكن تنتمين للحاضر على رغم التفاوت الزمني بينكن. ولا يمكنك القول ان الجدة كونها الاكبر سناً تنتمي الى الماضي فهي لا تزال تعيش الحاضر. والامر نفسه ينطبق على الصورة. من هنا اذا كانت الصورة موجودة اليوم, فهي تنتمي الى اليوم ولو تجاوز عمرها المئة سنة لأنها استطاعت ايجاد وظيفة لنفسها لتصمد حتى 2004. والسؤال: هل تسميته فيلمه بـ"اليوم" انعكاس لهذه الرؤية؟ "حتماً سميت فيلمي "اليوم" لأنه يتعلق بكل ما يدور من حولي, بغض النظر عما اذا كان ذكرى لشيء حصل معي سابقاً او يحصل اليوم".

ويبقى السؤال: "كيف ولدت هذه الرؤية الخاصة للصورة عند اكرم زعتري؟ يقول اكرم: "هذه الرؤية نتجت من اهتمامي بالصورة, اذ أؤمن بأن رؤيتنا لصور انتجت في تاريخ مضى تجعلها تنتمي الى الحاضر لا الى الزمن الذي اخذت فيه".

والحال ان اهتمام اكرم زعتري بالصورة ليس وليد اليوم, فهو منذ سنوات عضو مؤسس في "المؤسسة العربية للصورة", هذه المؤسسة التي مكنته من مواصلة ابحاثه حول تاريخ الصورة الفوتوغرافية في الشرق الاوسط سواء من خلال مشاريع كتب ام مشاريع افلام. ويقول في هذا السياق: "فكرة مؤسسة تُعنى بترميم الصور او الحفاظ عليها تنتمي في لبنان الى القرن الحادي والعشرين. اذ في المئة سنة الماضية لم تكن لدينا مؤسسات تعنى بهذا الهدف, وإلا كان بين ايدينا اليوم ارشيف ضخم من الصور". وعن هدف هذه المؤسسة يقول: "هدفنا ان نبني جسر اتصال بين الصورة الفوتوغرافية والناس في شكل نستطيع عبره نشر نوع من الوعي لوظيفة التصوير الفوتوغرافي خلال التاريخ ولإمكانية الصورة الفوتوغرافية في الادلاء بشهادة على زمنها وعلى سياسات زمنها وصراع الصورة في كل تلك الفترة".

شهادة حية

عندما نعرف اهمية الصورة الفوتوغرافية عند اكرم زعتري, نفهم حينها قراره بطغيان هذه الصورة على الجزء الثاني من فيلم "اليوم", اذ نرى صورة الفيديو في قلب اطار جامد مما يضع الفيديو في مواجهة الصورة الفوتوغرافية, ويعلل اكرم هذا الاستخدام قائلاً: "في هذا الفيلم احاول ان ادفع من استخدامات الصورة الفوتوغرافية الى الدرجة القصوى لأعطي شهادة عن البيئة التي نعيش فيها. من هنا استعمل الفيديو كوسيلة للشهادة على كل ما يدور من حولي. وهنا تكمن اوجه الشبه بيني وبين جبرائيل جبور الذي استعمل الصور ليتكلم عن مجتمع معين".

ويعطي اكرم زعتري جيله من السينمائيين الشباب فترة عشر سنوات او اكثر لتتراكم اعمالهم وتترك صدى في السينما اللبنانية, ويقول: "باتت الامور اليوم اسهل مع الديجتال او التقنية الرقمية التي سهلت تراكم الاعمال لأنها سهلة الاستعمال ورخيصة الثمن الى درجة انه يمكنك معها الافادة من عامل الوقت. اذ بينما كان يلزمك سنوات عدة لانجاز فيلم بكاميرا سينمائية, يمكنك اليوم انجازه بكاميرا رقمية بسرعة اكبر". وعن سبب تأخره في تحقيق فيلمه الروائي الاول يقول: "عامل الوقت وغياب الانتاج هما العائقان الابرز في هذا المجال. وأنا اليوم في انتظار ان تسير الامور في شكلها الطبيعي, اذ في كل افلامي لم اعمل ابداً مروراً بالأقنية التقليدية, فلم اكتب يوماً "سيناريو" ولم ابحث عن منتج انما كان اسهل عليّ ان انتج بنفسي افلامي ولو بمبالغ متدنية".

هل يعني هذا انه لا يؤمن بفكرة "السيناريو" يجيب اكرم: "أؤمن بفكرة السيناريو كنقطة بداية لصناعة فيلم ولكن لا يعني هذا انه من دونه لا تتحقق الافلام. من جهة ثانية كلما كبر اطار صناعة الفيلم احتاج لموازنة اكبر وقدرة اقناع اهم. من هنا لا بد لإقناع جهات مختلفة ان تستندي الى شيء مكتوب, شيء يوصل افكارك وقدراتك للناس. وهنا يصبح السيناريو فقط ضرورة علماً انه ضرورة تقنية وليس ضرورة ابداعية".

وأخيراً: سينما اكرم زعتري قالب متحرك ومتغير بحسب الموضوع الذي تعالجه وهموم صاحب الصورة... سينما تجريدية لا حدود لها, تتميز بلغة متجددة. وهي بحسب ما يعرفها صاحبها "نتاج علاقة مع المحيط وشـاهـد على الزمن بمضمونها ولغتها".

·         متى تخرج سينما الشباب اللبناني من عزلة المهرجانات؟

- في الوقت الذي يستضيف مهرجان "كان" فيلم اللبنانية دانيال عربيد, تكرم مهرجانات عالمية اخرى السينما اللبنانية. وآخرها فوز السينمائي الشاب جورج حمصي بجائزة افضل مونتاج عن فيلمه "اعجوبة" في الدورة الثالثة والثلاثين من "المهرجان الدولي للأفلام القصيرة في برلين", وكانت اقيمت في الفترة من الثامن والعشرين من شهر نيسان (ابريل) الى الثاني من ايار (مايو).

والفيلم الذي نوّهت لجنة التحكيم بفكرته في الحفل الختامي, يصور المعاناة الدائمة التي يواجهها اللبناني نتيجة غياب تكافؤ الفرص وعدم المساواة, ويلقي الضوء على نواحٍ من المجتمع اللبناني بتناقضاته وحساسيته.

وكان قد تقدم للمشاركة في المسابقة الرسمية ما يقارب ألف فيلم اختير منها مئة وخمسون من مختلف البلدان الأجنبية, اضافة الى مشاركة عربية يتيمة لفيلم حمصي.

مشاركة "اعجوبة" في هذه التظاهرة السينمائية سبقتها مشاركة في المسابقة الرسمية لـ"مهرجان بواتيه", وتليها مشاركة في المهرجان الدولي للأفلام القصيرة الذي يقام في برشلونة بين الثالث عشر من حزيران (يونيو) حتى التاسع عشر منه.

وفي النهاية لا بد من سؤال: الى متى ستبقى اعمال الشباب اللبناني وقفاً على المهرجانات وجمهورها الضيق فقط؟

جريدة الحياة في 21 مايو 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

أكرم زعتري

الصور للحاضر فقط وليس لها ماضٍ أو مستقبل

فيكي حبيب