شعار الموقع (Our Logo)

 

 

جاء المخرج الفرنسي من أصل تونسي بيار سالفادوري إلى بيروت حاملاً تحت إبطه بكرات فيلمه الفكاهي الجديد “وراك”، الذي يروي تورُّط نادل (دانيال أوتوي) يعمل في أحد المطاعم الفرنسية الفخمة في عملية إنقاذ أحد اليائسين (خوسيه جارسيا) من الموت، والتي سرعان ما تتحوَّل إلى لعبة استغلال تقوم على معضلة أخلاقية تؤدي بصاحبها إلى الخيانة. بأسلوب الكوميديات الإيطالية التي تتأرجح بين الدمعة والابتسامة يرصد سالفادوري، صاحب السجل السينمائي الحافل بالأعمال الطريفة، أجواء تذكِّرنا بالقول المأثور: “شر البلية ما يضحك”، في بيروت التقينا سالفادوري في هذا الحوار:

·     مع فيلم “وراك” أنت تمشي في اتجاه الأفلام التراجي-كوميدية نفسه التي قامت عليها السينما الايطالية في السبعينات، خصوصاً تلك الأعمال التي أخرجها ريزي ومونيتشيللي.

- في صغري كنت أشاهد هذه الأفلام باستمرار، واستطاعت أن تعكس واقع عصرها بأسلوب ساخر لا أحد استطاع تقليده. هذه السينما أثرت فيّ كثيراً. أنا من مواليد كورسيكا، إذاً قريب من إيطاليا. والشخصيات في هذه الكوميديات كانت تعلن مأساتها مسبقاً، وهذا سحرها. أحبذ فكرة أن أحكي قصة بأسلوب السهل الممتنع ولا أشعر بالراحة إلا في هذا الإطار من العمل. هذه طريقتي في قصّ الحكايات. وعفوياً، أميل إلى أسلوب ظريف لقص روايات لا تمتلك حداً أدنى من الفكاهة. في “وراك” مثلاً نتساءل: هل من الممكن مساعدة شخص وخيانته في آن واحد؟ وهل من الممكن أن نحب أحداً ونخونه في الوقت نفسه؟ هذا هو الأمر الأساسي الذي كنت أعمل عليه أنا وكاتب السيناريو. كنا نرغب في كسر الأصول والقواعد. من ناحية هناك الأخلاقيات التي يتقيد بها الفرد، ومن ناحية أخرى هناك الغرائز الإنسانية، أنا مهتم بالمعضلة وهي كثيراً ما ترتدي طابعاً إنسانياً.

·         في العمل ثمّة تزاوج بين أنماط مختلفة، لكن نصيب الفكاهة أكبر من غيرها؟

- يعجبني أن أسمع ذلك، لأنني سينمائياً أسعى دوماً إلى أن أخلط الأنماط السينمائية كافة في فيلم واحد، وأحب أن أرى فيه أنواعاً متعددة من الانفعالات، لأنني عموماً أتطرق إلى مواضيع أبطالها ليسوا على ما يُرام، ويعانون التشرُّد والانقلاع والتهميش، وجميع أنواع التناقضات والتعقيدات. تاريخ الكوميديا بكامله يأتي من هنا. فإذا أردت إنجاز عمل أبطاله من الطبقة الميسورة ولا يعانون أي مشكلة على الإطلاق فلا أحد سيهتم بما تصوِّره. أما الشخصيات التي تناضل لتبلغ أهدافها، فأرى في صراعها شيئاً من الشاعرية لأنها تجمع بين الرعونة والشجاعة. أحب معالجة المسائل الجدية والخطرة  إذا صحّ التعبير  بأسلوب فكاهي يخفِّف عن سوداوية العمل، ويضفي عليه نكهة بريئة.

·         في كلامك ثمّة ما يدل على أن الناس تشتهي رؤية عذاب الآخرين؟

- لا يتعلق الأمر بالضحك “على” الآخرين، بل “مع” الآخرين. لا أدعو إلى الاستهزاء بل إلى أسلوب سهل لحل المشكلات. ما يثير اهتمامي في الكوميديا هو أنها تملك جانباً هداماً ومخرِّباً، وبالإمكان أن نكون ظرفاء حتى عندما نتكلم عن مصائب القوم.

·         لماذا اخترت دانيال أوتوي لدور البطولة؟

- في البدء كنت أريد ثنائياً آخر، لكن تبيَّن أن الأمر معقّد بعض الشيء. وحين علمت أن دانيال كان مهتماً بالمشروع لم أتردد في الاتصال به. كنت أعرف سلفاً أنه في حال تجسيده الدور، سيجعل الفيلم مميزاً. دانيال على هذا القدر من الكفاية والموهبة لأنه لا يزال طفلاً في داخله. لا أعرف إذا كان فيلم كلود سوتيه “بضعة أيام معي” هو الذي أقنعني بأوتوي. في هذا الشريط كان أوتوي بارعاً على نحو لافت، أفضِّله في أفلام سوتيه أكثر مما أفضِّله في أعمال تيشينيه.

·         هل ترى صلة بين فيلمك وفيلم “نادل”؟

- سوتيه من المخرجين الذين أعشق أعمالهم. لكن “نادل” ليس إطلاقاً فيلم سوتيه المفضّل عندي. الفيلمان لا يلتقيان في أماكن كثيرة. ربما بنى النقاد صلة بين الفيلمين، كونهما يجريان في مطعم وبطل كليهما يعمل نادلاً، فضلاً عن أن أوتوي عمل تحت إدارة سوتيه.

·         لماذا يحلو لك الكلام عن الهامشيين والمتشرّدين؟

- المهمّشون حاضرون في أغلب أفلامي، هؤلاء أشخاص يحرّكون شعوري. جميعنا نعتاد عاجلاً أو آجلاً على قساوة الدنيا. يتحوّل العالم يوماً بعد يوم إلى غابة ونحن نتدبر أمورنا فيها بكل راحة بل وضمير. ومن وقت إلى آخر أجد متعة في تناول فصول من حياة أشخاص يجدون صعوبة في التكيّف مع شروط عيشهم.

·         أسلوبك في طرح الفكرة ومعالجتها أمريكي أكثر منه أوروبي؟ ما مراجعك في مجال الكوميديا؟

- بالتأكيد، ليست مراجعي “الموجة الجديدة”، إنما السينما الأمريكية في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي، أي في العصر الذهبي الذي شهدته الكوميديات الكلاسيكية، من وايلدر ولوبيتش وإدواردز. قد نجد بنيوية أنجلوساكسونية في العمل الذي أقترحه، وأتمنى أن يكون هناك شيء من الروحية الأوروبية في أسلوب السرد.

·         وما أهم عنصر لإنجاز كوميديا ناجحة في رأيك؟

- أولاً يجدر امتلاك الشخصية أو الشخصيات ومن ثم الموقف. في فيلمي مثلاً، أسلّط الضوء على رجلين، أحدهما يتمتع بشخصية قوية وهو على حافة الهاوية، ومن ناحية أخرى هناك شخصية تعتقد نفسها دائماً مذنبة. وما يربط هاتين الشخصيتين امرأة. هذا موقف هزلي بامتياز عندما يكون لديك وضع مشابه، يبقى الاهتمام بالحوارات.

·         حالياً، تشهد السينما الفرنسية الكوميدية كمّاً هائلاً من الأعمال المقلّدة لهوليوود وأفكارها المستهلكة، أين أنت من هذا التيار؟

- في أعمال سعيت دوماً للانطلاق من الشخصيات ومعالجة المواضيع، في حين ان المشاهدين يتوقون إلى المواقف الهزلية التي كثيراً ما تأتي على حساب القصة. وإنجاز فيلم يعني قبل أي شيء آخر أن نرمي وجهة نظر على الموضوع الذي نصوّره، وأن يشبه صاحبه إلى أكبر حد. هناك نوع من الكسل اليوم في السينما الفرنسية التي تقلّد هوليوود في إنتاجاتها الاستهلاكية. خذ فيلم “البعض يحبونها ساخنة” مثلاً، هذا الفيلم استطاع أن يضحك الملايين رغم أن أحداثه دارت في قرية نائية في الألاباما، من خلال قصة توني كرتيس وجاك ليمون اللذين يتنكران بزي نساء. وفجأة يفجّر بيللي وايلدر المجتمع الأمريكي بأسلوب فكاهي. وما تتميز به الكوميديا هو أننا نستطيع لمس الجروح من دون فتح جروح جديدة.

·         هل خبرتك في التمثيل ساعدتك على إدراك رغبات الممثلين؟

- طبعاً، لأن الممثلين يعلمون أنني أتفهم هواجسهم ومخاوفهم. فأعمل معهم بحذر كوني مررت في كل المراحل التي يمرّون بها. في البداية كنت أرغب في التمثيل، لاحقاً أدركت أن التمثيل يتطلب من صاحبه أن يخضع لنزوات الآخرين. كنت أفضِّل أن أكون سيد نفسي.

·         عملت مع الممثلة الراحلة مارلي ترانتينيان في 3 أفلام، ما الذكرى التي تركتها في نفسك؟

- تعاوني معها كان رائعاً. عملنا معاً في فيلمي الأول. حينذاك لم يكن أحد يعرفني بعد، ولما قبل جان روشفور المشاركة في الفيلم، أعلنت ماري استعدادها للانضمام إلى الكاستينج. من شدة إعجابي بها، خلقت لها دوراً في فيلمي الثاني. كانت لدينا مشاريع كثيرة، وكانت شخصاً مقرّباً مني جداً. قبل وفاتها كنت عرضت عليها دور زوجة أوتوي، لكنها كانت مشغولة في عمل آخر.

الخليج الإماراتية في 10 مايو 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

فيلم "وراك" أن "شرّ البلية ما يضحك"

بيار سالفادوري: بعض الكوميديا هدّام ومخرِّب!

هوفيك حبشيان