شعار الموقع (Our Logo)

اذا كانت، مثل كاتب هذه السطور، صاحب هذه الهواية الغريبة التي تتمثل في قراءة اسماء كل العاملين في أي فيلم من الأفلام، والتي ترد عادة مكثفة متتالية بعد انتهاء أحداث الفيلم وكلمة "النهاية"، قد تفاجأ أمام العديد والعديد من الأفلام الأميركية عامة، والأوروبية أحياناً، وقد أعلنت ان من بين المشتغلين في شتى مراحلها ومهنها، أسماء ذات رنة عربية أو لبنانية في شكل أكثر تحديداً. ووجود هذه الأسماء يزداد عاماً بعد عام، وهي بالطبع غير تلك الاسماء الأخرى، العربية ايضاً ولكن مع تحريفات لاتينية، وترد عادة بين اسماء المشتغلين في أفلام برازيلية أو مكسيكية أو ما يشبهها. ففي هذه الحال الأخيرة واضح ان أصحاب هذه الأسماء هم - فقط - من ذوي أصول عربية أو لبنانية بعيدة، لم يبق لهم منها في معظم الأحيان - سوى رنة الاسم. اما في حال الافلام الأميركية والأوروبية فإن الأمر أكثر أهمية بكثير. اذ مع شيء من التحري والتنقيب يمكن التأكد من ان هؤلاء المنخرطين في المهن السينمائية في الغرب هم عرب، وليسوا فقط من أصول عربية، وغالباً لبنانيون كان حدث لمعظمهم أن بارح الوطن خلال الاعوام الثلاثين الأخيرة فدرس السينما أو امتهنها. أو يكونون في بعض الاحيان من ابناء مهاجرين حديثي الهجرة. المهم انهم - وفي الأحوال كلها - على ارتباط ما، وجداني وأحياناً جسدي، بالوطن... لكنهم يعرفون ان عيشهم واستمرارهم ونجاحهم المهني مرتبطة بالخارج حيث يعيشون. لذلك اذا حدث ان عبر الواحد منهم عن توق ما الى الوطن، قد لا يعني هذا بالضرورة ان التوق يمكن أن يتحول الى عودة.

فممثلون يعلنون أصولهم، وصارت لهم مكانة في هوليوود وغيرها، ليس من المنطقي - بين الحين والآخر - دغدغة حسهم الوطني ودعوتهم الى رجوع ما، ومثلهم في هذا المنتجون الذين وظفوا في الخارج عشرات الملايين من الدولارات. وكذلك الحال بالنسبة، حتى، الى صغار الفنيين من العاملين في مهن ثانوية - تعطيهم مع ذلك الحق في ان تكتب اسماؤهم في عناوين الفيلم - ... فهؤلاء جميعاً وجدوا طريقهم. وهم واثقون ان لا مكان في وطنهم الاصلي لأي استمرارية.

وكل هذا واقعي ومنطقي. ولكن في وقت "تعود" فيه شاكِيرا، المغنية الكولومبية، في زيارة الى لبنان، وطن أبويها الأصلي، وتعلن فيه ماريزا تومي (طعمة، بحسب زميلنا ملحق "الوسط") افتخارها بلبنانيتها، ويلمع فيه اسم طوني شلهوب، ويحقق عمر نعيم فيلمه الأول، ويحتفظ زياد دويري (العامل تقنياً في بعض الأفلام الأميركية ومنها أفلام كوينتن تارانتينو) بأحلى الذكريات عن الفيلم الروائي الأول الذي حققه في لبنان ("بيروت الغربية")، وتطغى فيه أخبار منتجين لبنانيين كبار من أمثال ايلي سماحة وماريو قصّار، في خريطة الانتاج السينمائي الهوليوودي، بل نجد فيه سينمائيين عرباً غير لبنانيين يحتفظون بذكرى اجزاء عزيزة من حياتهم المهنية قضوها في لبنان (فاروق عجرمة... بين آخرين)، في مثل هذا الوقت ألا يحق لنا ان نتساءل عما اذا كان من الممكن لـ"لبنان الجديد" الذي يريد بأي حال وبأي شكل "ان يطل على المستقبل"، أن يلتفت التفاتة ما الى ابنائه، واشقائه، هؤلاء في الخارج؟

طبعاً ليس مطلوباً من لبنان ان يمد يد العون الى هؤلاء. فكلهم ناجح، وفرض حضوره في شكل أو في آخر على الساحة العالمية ولا يحتاج الى عون. وليس مطلوباً من لبنان، كذلك، ان يسأل هؤلاء عوناً مادياً، أو حتى شراكة في انتاج سينمائي ما، وتحديداً انطلاقاً من استثارة المشاعر الوطنية، فزمن مثل هذه الامنيات ولّى...

ومع هذا ثمة لقاء ما يمكن ان يتم... ثمة حوار مفيد للطرفين يمكن ان يقوم.

إن بعض هؤلاء عرف لبنان، حتى بعدما حقق مكانته ونجاحه، وبعضهم لم يعرف عنه شيئاً. وبعض هؤلاء يتوق الى معرفة المزيد. بل ثمة - وهذه امكانية لا يتعين استبعادها - من قد يحب ان يشرك لبنان او لبنانيين في نجاحه... وربما يصل به هذا الى مشاريع مشتركة.

طبعاً لا نعني بهذا ان على لبنان ان يضع أسساً وقواعد تمهد لمثل هذه النشاطات. فنحن نعرف ان كل تفكير مسبق يسير في هذا الاتجاه سيؤدي الى فشل. طالما ان أي عمل جماعي من هذا النوع لن يقوم. فما هو المطلوب اذاً؟ بكل بساطة جعل اللقاء بين الوطن وابنائه السينمائيين الناجحين في الخارج، ممكناً. وبعد هذا يترك المجال أمام كل واحد ليتصرف. فاللقاء سيكون مفيداً، حتى ولو تم بين ممثلة كبيرة من طينة ماريزا تومي، وبين ممثلات ناشئات من لبنان. وهو سيكون مثمراً، حتى وإن اكتفى بجعل تقني ناجح في مهنته الهوليوودية، مثلاً، يتحدث عن هذا النجاح أمام زملاء له من لبنان. ولربما يكون اللقاء أكثر فائدة، مثلاً، إن هو فتح المجال أمام منتجين كبار ناجحين، لكي يدرسوا امكان الانفتاح العملي على وطنهم الأم.

كل نوع من هذه الأنواع من اللقاءات لن يفوته ان ينعكس في نهاية الأمر، ايجاباً، على ما تبقى من مهنة سينما، أو مهنة صورة متحركة، في شكل عام، في لبنان.

ولربما كانت نتائجه أكبر من ذلك بكثير. ومن هنا فإن مبادرة ما، تبدو اليوم - وأكثر من اي يوم مضى - مطلوبة. فمن ذا الذي يمكنه ان يقوم بمثل هذه المبادرة؟ لسنا ندري تماماً، طالما اننا لا نتصورها على شكل مؤتمر عام لفناني السينما والتلفزة في الخارج، ولا على شكل طاولات مستديرة تجمع أهل المهنة الواحدة على مراحل، مع بعضهم بعضاً، ولا حتى دعوات فردية يوجهها فرد "من عندنا" الى فرد "من هناك".

من هنا، نرجح ان الخطوة الأولى، قد تكون مجدية إن هي قامت على وضع لوائح باسماء أهل السينما والصورة العاملين في الخارج، وفي شتى المهن المرتبطة بهذين. ومن ثم بدء الحوار معهم تحديداً حول الشكل الذي يمكن للقاءات من هذا النوع ان تتخذه، أو الفائدة التي يمكن توخيها من ذلك كله. وهنا حتى اذا افترضنا ان الدولة، بسلطاتها الثقافية إن وجدت، لا يمكن مطالبتها باتخاذ الخطوات المثمرة، فإن في الامكان طلب العون منها، وتحديداً عبر اقناعها بأن خطوة من هذا النوع قد لا تقل أهمية عن النشاطات القائمة في اتجاه المغتربين الآخرين، ونعرف ان كبار مسؤولي الدولة حينما يزورون بلداناً فيها جاليات لبنانية ناجحة وفاعلة، يعودون دائماً ولديهم انطباعات بالحاجة الماسة الى الحوار مع ابناء هذه الجاليات.

فهل نكون مبالغين إن نحن افترضنا هنا ان الجالية الكبيرة العاملة في مجال الفنون والاعلام المصور في الخارج، لا تقل أهمية عن بقية الجاليات، بل في مجال ما، وضمن منطق ما، قد تكون أكثر أهمية منها بكثير؟

في الماضي، قبل عشر سنوات، حينما رحل السينمائي اللبناني الذي حقق نجاحه في الخارج، مارون بغدادي، وأقيم له مأتم يليق بالابطال القوميين في لبنان، تساءل الكثيرون: ولماذا انتظر لبنان موت هذا المبدع قبل ان يكرمه حقاً؟ فكان الجواب البديهي: عندما ارتفع اسم مارون بغدادي في فرنسا وغيرها، كان الوطن في مهب الريح، وكان القتل والتدمير فيه يضعان اي اهتمام آخر في مكان شديد الثانوية.

وكان هذا صحيحاً. ولكن ما كان صحيحاً في ذلك الحين، لم يعد كذلك اليوم. فاليوم لدى لبنان دولة ووطن ولديه، خصوصاً سلطات تعلن، حينما تفيق من سبات خلافاتها الصغيرة بين الحين والآخر، انها مهتمة بالمستقبل. فهل علينا ان نقول لهذه السلطات ان جزءاً من المستقبل هو فن السينما والصورة. وأن جزءاً من هذا الفن موجود في الداخل المهمل... ولكن ايضاً في الخارج المنسي بعض الشيء؟

حريدة الحياة في 4 يوليو 2003

 

كتبوا في السينما

مقالات مختارة

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

بسام الذوادي ـ لقاء

      مهرجان البندقية.. يكرم عمر الشريف

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

آسيا جبّار عبّرت عن الهواجس الدفينة للمرأة

تاركو فسكي: لقاء صحفي

فيلليني الميت وبرلوسكوني الحي
صوفيا لورين
 

 

 

 

 

فنون الصورة

وابناؤها في الخارج

ابراهيم العريس *

 

* ناقد وصحافي لبناني ولد في العام 1946م في بيروت، ألف وترجم عدداً من الكتب الفنية والسياسية والإقتصادية. من مؤلفاته السينمائيية: (الصورة والواقع)، و(الكتابة في الزمن المتغير)، و(رحلة في السينما العربية). كما أصدر كتاباً عن (شابلن)، وآخر عن (هيتشكوك)... يشرف حالياً على ملحق "سينما وفضائيات" الأسبوعي، والذي تصدره جريدة الحياة اليومية.